يشكل سد النهضة الإثيوبي الكبير مصدرًا للتوتر في حوض نهر النيل
يشكل سد النهضة الإثيوبي الكبير مصدرًا للتوتر في حوض نهر النيل

بينما تشهد العلاقات بين مصر وإثيوبيا توترا بسبب سد النهضة، أشارت تقارير محلية في جنوب السودان إلى موافقة جوبا على طلب مصر إنشاء قاعدة عسكرية قرب حدود جنوب السودان مع إثيوبيا، الأمر الذي من شأنه أن يزيد التوتر القاهرة وأديس أبابا.
 
ويشكل مشروع سد النهضة الضخم على النيل الأزرق الذي أطلقته إثيوبيا عام 2011، مصدراً لتوتر إقليمي خصوصاً مع مصر التي يمدها النيل بنسبة 90% من احتياجاتها المائية. 

كانت البداية من موقع ينشر أخبارا متخصصة عن أفريقيا يصدر من باريس، يسمى "الاستخبارات الأفريقية"، إذ نشر الموقع في منتصف نوفمبر الماضي أن رئيس جنوب السودان سيلفا كير يساعد القاهرة في نشر قوات لها على الأرض في بلاده على الحدود مع إثيوبيا. 

وأمس الثلاثاء، أفاد موقع تلفزيون جوبا، نقلا عن مصادر عسكرية في جنوب السودان أن حكومة جنوب السودان وافقت على طلب مصري بإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة "باجاك". 

وحسب الموقع، غير الحكومي، فإن القاعدة سوف تستضيف 250 عنصرا من القوات العسكرية المصرية في "استعداد واضح لكل الاحتمالات المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي الذي تعارضه مصر خاصة مع دخول إنشاءاته في مراحله الأخيرة".

تعاون بين مصر وجنوب السودان

وأفادت "صحيفة أخبار جنوب السودان"، نقلا عن مصادر مسؤولة لم يتم ذكر اسمها بأن حكومة جنوب السودان وقوات الدفاع الشعبي وافقا على "تخصيص أرض لإخواننا المصريين الذين طلبوا قطعة أرض في شرق جنوب السودان، لوضع قوات لهم فيها"، مشيرا إلى أن "الموافقة جاءت بسبب مواقف مصر السابقة في مساعدة التنمية في البلاد". 

تبعد القاعدة العسكرية المزعومة والتي لم تبن حتى الآن على ما يبدو من صور الأقمار الصناعية عن سد النهضة مسافة أكثر من 350 كيلو مترا في منطقة "باجاك"، وهي منطقة تمتزج فيها الغابات بالجبال ودرجة الحرارة فيها مرتفعة. 

المسافة ما بين مكان القاعدة العسكرية المصرية المزعومة في باجاك التي لم يتم التأكد من صحتها وبين سد النهضة حوالي 360 كيلو مترا

وكانت باجاك معقلا للمعارضة المسلحة في مقاطعة مايوت بولاية أعالي النيل، بحسب صحف جنوب سودانية. 

وأضافت صحيفة أخبار جنوب السودان نقلا عن مصدر آخر من وزارة خارجية جنوب السودان أن "الأرض التي حصلت عليها مصر لن تستخدم إلا لأغراض التنمية التي تعهدت مصر لتوفيرها، مضيفا أن مصر كانت الدولة الأفريقية الوحيدة التي وقفت بجانب جنوب السودان من استقلاله عام 2011 عن السودان". 

 وأرسل الجيش المصري إلى جوبا طائرتين عسكريتين محملتان بالمساعدات الطبية، الشهر الماضي في وقت كانت جنوب السودان به 481 إصابة بكورونا.

وأعلن وزير الري والموارد المائية محمد عبد العاطي في مارس الماضي عزم مصر إنشاء سد "واو" في جنوب السودان، بالإضافة إلى 12 محطة لمياه الشرب. 

وأشار إلى أن مصر نفذت بالفعل محطتين في مدينة نيمولي وبور على بحر الجبل، بالإضافة إلى مشروع إنشاء  4 سدود لحصاد مياه الأمطار، بهدف الاستفادة منها في توفير مياه الشرب والاستخدامات المنزلية والثروة الحيوانية.

وحاول "موقع الحرة" التواصل مع وزارتي خارجية كل من جنوب السودان ومصر للتعليق على الأمر لكننا لم نحصل على إجابة. 

التقارير عن موافقة جنوب السودان على إنشاء قاعدة مصرية على الحدود مع إثيوبيا تأتي بعدما تقلصت الخيارات المصرية لإيقاف إثيوبيا عن استكمال مشروعها. 

مجلس الأمن

كما تأتي التقارير بعد شهر من تحرك مصر نحو مجلس الأمن الدولي بخطاب بشأن تطورات قضية سد النهضة والمفاوضات المتوقفة، في ظل اعتزام أديس أبابا على بدء ملء تخزين المياه وتشغيل السد بشكل أحادي خلال الأشهر القليلة المقبلة. 

فبعد تسع سنوات من المفاوضات، لم يتم التوصل الى أي اتفاق بين مصر التي تخشى من أن يحدّ السد البالغ طوله 145 مترا من نصيبها من مياه النهر، وبين إثيوبيا التي تتطلع الى التنمية.

ولجأت أديس أبابا الى شركات إيطالية وصينية للمشاركة في تشييد السد، في حين اتجهت مصر الى إدارة ترامب لتفعيل المفاوضات مع إثيوبيا والسودان المعنية كذلك بمياه النيل.

ووقعت مصر، في 29 فبراير الماضي بالأحرف الأولى على اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، الذي أعدته واشنطن والبنك الدولي، بينما امتنعت إثيوبيا عن التوقيع.

وجاء التوقيع بعد سلسلة اجتماعات عقدتها مصر وإثيوبيا والسودان في واشنطن منذ السادس من نوفمبر الماضي، على مستوى وزراء الخارجية والموارد المائية، بحضور ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي.

وطلب السودان من مجلس الأمن، الثلاثاء، تشجيع أطراف "سد النهضة" الإثيوبي على تجنب القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر سلبا على السلم والأمن الإقليمي والدولي.

توترات 

وكثيرا ما اقترح سياسيون في مصر شن ضربة عسكرية لسد النهضة الإثيوبي الذي يعتبره المصريون بالنسبة لهم "مسألة حياة أو موت" خاصة أنها تعاني أساسا من نقص في الموارد المائية، كما اقترح البعض بممارسة ضغوط عسكرية على إثيوبيا للتوصل غلى اتفاق بشأن السد. 

لكن خبراء عسكريون كانوا قد صرحوا بأنه من الصعب تنفيذ عمليات كبيرة بهذا الحجم في أماكن بعيدة عن الحدود مع مصر، لكن التقارير الأخيرة بشأن القاعدة العسكرية أحيا الفكرة لدى البعض بسبب قرب المسافة. 

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قد قال في أكتوبر الماضي أمام البرلمان الإثيوبي إنه لا توجد "قوة تستطيع منع بلاده من بناء سد النهضة"، ملمحا إلى القدرة على الحشد لخيار المواجهة العسكرية إلا أنه استدرك قائلا إن بلاده لا تسعى للإضرار بمصالح مصر قائلا إن "الحرب ليست حلا".

وأعربت وزارة الخارجية المصرية حينها عن "صدمتها ومتابعتها بقلق بالغ وأسف شديد" لتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التي "تضمنت إشارات سلبية وتلميحات غير مقبولة اتصالا بكيفية التعامل مع ملف سد النهضة، وهو الأمر الذي تستغربه مصر باعتبار انه لم يكن من الملائم الخوض في أطروحات تنطوي على تناول لخيارات عسكرية".

وبعد توقف المفاوضات والوصول إلى حائط مسدود عادت الحرب الكلامية في مارس الماضي بين الجانبين المصري والإثيوبي، حيث قال وزير الخارجية المصرية سامح شكري قال إنه "لا يمكن لإثيوبيا بأي حال من الأحوال أن تقدم على ملء السد بدون اتفاق، وأن مصر تؤكد استمرارها في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق".

وزير الخارجية الإثيوبي غودو أندارجاشيو، أعلن من جانبه أن بلاده ستبدأ في تعبئة سد النهضة بعدأربعة أشهر، وقال: "الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه".

وتتمثل نقطة الخلاف الأساسية بين الأطراف الثلاثة، في عدد سنوات ملء السد، فمصر تريد ضمان تمرير 40 مليار متر مكعب لها خلال سنوات الملء، نقصا من 55 مليار تحصل عليها حاليا، لهذا ترى ضرورة ملء السد خلال فترة من 12-21 سنة، وهذا ما ترفضه إثيوبيا فهي تريد 31 مليار متر مكعب فقط، بينما اقترحت واشنطن أن يتم تمرير 37 مليار مكعب.
 

مصر والصين

لم يكن الدخان الذي خلفته المقاتلات الصينية في سماء الأهرامات مجرد خلفية لمناورة مشتركة بين مصر والصين. كان رسالة، بل إعلانا جيوسياسيا بأن بكين لم تعد تكتفي بمراقبة الشرق الأوسط عن بعد. 

هذه المرة، جاءت بمقاتلاتها (J-10) ووضعتها في سماء حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما.

لمناورة "نسر الحضارة 2025" بعد رمزي أيضا.

نحن نتحدث عن أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري. لفترة قصيرة؟ نعم. لكن الدلالة ضخمة. إنها إشارة إلى شيء ما في طور التشكل، إلى فراغ تُحاول الصين أن تملأه حيث يتراجع الحضور الأميركي.

تغيير في قواعد اللعبة

"هذه المناورات تحمل أبعادا تتجاوز التدريب. إنها تغيير في قواعد اللعبة"، يقول إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، لموقع الحرة.

تشير هذه التدريبات النوعية، من ناحية أخرى، إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري الصيني المصري. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاها واضحا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية، يضيف بيرمان.

"ورغم أن مصر ما زالت ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، فهي ترسل إشارات واضحة: لن نعتمد على مصدر واحد. التنوع في التسليح، وتبادل الخبرات، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية".

هذا ليس حيادا. هذه موازنة جديدة للقوة.

يشير بيرمان إلى أن "إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر". ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تتجاوز مجرد البحث عن بدائل للتسليح؛ فهي تُمثل نافذة استراتيجية بالنسبة لمصر للانفتاح على أحدث التقنيات العسكرية الصينية، وذلك في سياق جهودها المستمرة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في محيطها الإقليمي المضطرب.

فوق الأهرامات... تحت الرادار

بدا مشهد الطائرات الصينية فوق الأهرامات وكأنه من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية. لكن خلف الصورة الرمزية، هناك رسائل أمنية كثيرة. 

تقارير إسرائيلية لفتت إلى معلومات بأن بكين تجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء التدريبات، التي قد تكون أيضا اختبارا لقدرة الصين على القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن حدودها.

أين واشنطن من هذا كله؟

حين تبتعد أميركا عن الشرق الأوسط خطوة، ثمة دائما من يتحرك ليملأ الفراغ. والسؤال هو: هل تتهيأ بكين لتكون البديل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة؟

وهل تقف القاهرة على مفترق طرق فعلا، أم أنها تلوّح بورقة بكين لتحسين شروط علاقتها بواشنطن؟

تحولات في طور التشكل تُلزم واشنطن بإعادة قراءة المشهد، وإعادة ضبط إيقاع حضورها في منطقة لم تعد تتحمّل الغياب الأميركي.

التعاون الثنائي

على الصعيد الثنائي، تشير هذه التدريبات النوعية إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري بين الصين ومصر. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاهًا واضحًا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية.

يرى بيرمان في هذا السياق أن "الحكومة الصينية تسعى بوضوح إلى سد الفجوات في المناطق التي يتراجع فيها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها، وتحاول استغلال هذه العلاقات لصالحها ولإضعاف الغرب". 

ويضيف: "هذا التدريب المشترك يحمل أهمية كبيرة من الناحية الجيوسياسية".

يُعد اختيار القاهرة شريكًا استراتيجيًا لإجراء هذه المناورات المتقدمة دليلاً على اعتراف الصين المتزايد بالدور الحيوي الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يعكس هذا الخيار سعي بكين الحثيث لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية عبر تأسيس تعاون عسكري متين مع قوة إقليمية مركزية كالقاهرة، وفقا لإيلان.

تنوع مصادر التسليح

تحصل مصر على مساعدات عسكرية بنحو 1.3 مليار دولار سنويا، وهي ثاني أكبر متلق للدعم العسكري الأميركي بعد إسرائيل. لكن على الرغم من ارتباطات مصر العسكرية التقليدية، تعتبر القاهرة شراكتها المتنامية مع الصين فرصة استراتيجية لتنويع مصادر التدريب والتسليح.

"إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر"، يقول بيران.

تحولات استراتيجية قيد التشكل

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، تُثير هذه المناورات تساؤلات حول أهداف التعاون المصري الصيني، خاصة في ظل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين واشنطن وبكين على النفوذ.

من زاوية أخرى، تشير المناورات أن الصين تحاول اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بعيدة عن قواعدها الرئيسية، وتقييم درجة التوافق التشغيلي بين أنظمتها العسكرية وأنظمة دول أخرى ذات خصائص مختلفة.

ويذهب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "المناورات الجوية الصينية المصرية "نسر الحضارة 2025" تتجاوز الإطار التقني للتدريبات العسكرية لتُمثل مؤشرا جيوسياسيا بالغ الأهمية". 

وتحمل المناورات في طياتها رسائل إقليمية ودولية متعددة الأبعاد، خصوصاً بعد إعادة الولايات المتحدة صياغة سياستها الخارجية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، مما يخلق كثيرا من الفراغ السياسي.