جولة جديدة من الصراع بين مؤسسة الأزهر والسلطة في مصر، حسمها الأزهر لصالحه بعد أن تراجع البرلمان المصري عن مناقشة وإقرار قانون دار الإفتاء في جلسة عامة قد تكون الأخيرة قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة.
رئيس البرلمان المصري، علي عبد العال، أعاد القانون إلى اللجنة الدينية لمناقشة ملاحظات تقرير "مجلس الدولة" وإعداد تقرير بشأن هذه الملاحظات.
وجاءت هذه الخطوة عقب بيان نشرته مؤسسة الأزهر عبر منصاتها الإلكترونية في الليلة السابقة للجلسة العامة، وتضمن طلبا من شيخ الأزهر أحمد الطيب بالحضور إلى البرلمان بنفسه، وشرح ما يرى أنه خرق دستوري في مواد القانون.
الجدل حول قانون دار الإفتاء بات أحدث جولات "الشد والجذب" بين مؤسسة الأزهر والسلطات المصرية، وهي علاقة يشوبها توتر علني يطفو على السطح بين الحين والآخر.
تبعية سياسية وتنظيمية
واستحدث منصب مفتي الديار المصرية عام 1879، ومنذ ذلك الحين وبعد أن تم تأسيس دار الإفتاء ظلت تابعة لوزارة العدل، إلى أن استقلت عنها ماليا وإداريا عام 2007، وإن ظلت تتبعها "هيكليا وسياسيا" دون أي سلطة لوزارة العدل بحسب الموقع الرسمي لدار الإفتاء. وتبرر هذه التبعية بسبب اللجوء إلى دار الإفتاء لإبداء الراي في أحكام الإعدام.
وتعمل دار الإفتاء بشكل أساسي على إصدار الفتاوى الدينية للمسلمين، بالإضافة إلى تحديد أول أيام الأشهر الهجرية وإصدار البيانات الدينية وتدريب المفتين.
هذه "التبعية السياسية والهيكلية" قابلتها سلطة من الأزهر، تمثلت في انتخاب المفتي عبر هيئة كبار العلماء التابعة له. ووفقا لشروط انتخابه فهو يجب أن يكون أزهريا تلقى تعليمه كاملا في المؤسسات التعليمية التابعة للأزهر.
في عام 2013 انتخبت هيئة كبار العلماء للمرة الأولى مفتي الجمهورية، قبل ذلك التاريخ كان يعين من قبل رئيس الجمهورية. وبات انتخابه وفقا لقانون الأزهر الذي صدر عام 2012.
لكن في يوليو الماضي بدأ البرلمان المصري مناقشة قانون قدمته اللجنة الدينية تحت مسمى "قانون تنظيم دار الإفتاء" ويهدف إلى منح الدار، الشخصية الاعتبارية المستقلة ماليا وإداريا على أن تتبع مجلس الوزراء بحسب اللجنة.
القانون أيضا منح رئيس الجمهورية حق تعيين المفتي، على أن يتم اختباره من بين ثلاثة أسماء ترشحها هيئة كبار العلماء، خلافا للوضع الحالي الذي يقتصر على تعيين الاسم الذي ينتخبه كبار العلماء، كما وجعل القانون للدار الحق الأصيل في القيام بمهام الإفتاء.
القانون أثار غضب الأزهر الذي عبر عن ذلك من خلال ممثله الذي حضر جلسات مناقشة القانون، وأصدر بيانا عبر هيئة كبار العلماء وصف فيه القانون بالمخالف للدستور و"المعتدي" على عمل الهيئة.
يقول عضو البرلمان المصري، خالد حنفي، إن "المجلس ناقش مواد القانون عبر عدد من الجلسات، ووافق على مجموع المواد بشكل مبدئي، وكان من المفترض الموافقة النهائية على القانون في الجلسة الأخيرة للدورة الحالية".
ويضيف حنفي لموقع "الحرة" أن "الاعتراضات التي أبداها الأزهر ليست في محلها، فالعاملون في دار الإفتاء هم في الأساس أزهريون والقانون لا يتعارض مع المادة السابعة التي تنص على استقلالية الأزهر، وأنه الجهة الوحيدة المنوط بها إبداء الرأي في ما يتعلق بالأمور الدينية".
ويتابع "عندما قدم المشروع في الأساس، كان ينص على تبعية الدار لوزارة العدل، وبعد اعتراض الأزهر تقرر أن تتبع مجلس الوزراء رغم أن ممثلي دار الإفتاء الذين حضروا المناقشات وكان من بينهم مفتي الجمهورية كانوا يرغبون في أن تتبع وزارة العدل نظرا لوجود عدد من الاختصاصات المشتركة".
ويشير إلى أن "الأزهر مؤسسة مستقلة وله اختصاصاته، وهناك قوانين لا يمكن تمريرها دون الرجوع إليه، مثل قانون الأحوال الشخصية ".
ورفض حنفي الفكرة القائلة إن القانون ينشئ هيئة موازية تنازع الأزهر في اختصاصاته.
"سلب مؤسسات الأزهر"
يقول مفتي الجمهورية السابق، نصر فريد واصل، إن "دار الإفتاء والمفتي وجميع العاملين بها بشكل أو بآخر من حيث الوضع يتبعون للأزهر، وإن القانون المراد إقراره ينال من حق أصيل لمؤسسة الأزهر، وهو الإشراف على الأمور الدينية، ومنها الفتوى" .
ويصف واصل في حديثه لموقع "الحرة" القانون بأنه "سلب لأحد مؤسسات الأزهر، المتمثل بتعيين مفتٍ يتم انتخابه وفقا للقانون، ولا يجب أن يكون اختياره قاصرا على مرشحين ثلاثة يتم تقديمهم إلى رئيس الجمهورية".
ويرى رئيس الإدارة المركزية للأزهر في محافظة المنوفية، عبد العزيز النجار، أنه بخلاف الخرق الدستوري، فالقانون حال اقراره سيحدث الكثير من المشكلات في ما يتعلق بالفتوى ومنصب المفتي.
ويقول لموقع "الحرة" إنه "ليس من الصائب تعدد المنابر التي تقدم الفتوى كما يحدث حاليا، فتعدد الآراء في المسألة الواحدة مشكلة نعاني منها، وإقرار القانون سيزيدها تعقيدا ويفتت الأزهر".
كما يشير إلى أن "طريقة تعيين المفتي في القانون تتعارض مع استقلاليته التي يحصل عليها باستقلال الأزهر ".
البيان الذي أصدرته هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر ردا على القانون يوضح الاعتراضات بشكل مفصل، فنقطة الخلاف الأولى التي تحدث عنها تتعلق بمخالفته "للمادة السابعة من الدستور التي تنص على أن الأزهر هو المرجع الأساسي لجميع الأمور الشرعية والتي يندرج تحتها الإفتاء".
كما تضمن مشروع القانون المقترح "تعديا" على اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر واستقلالها، وهي التي تختص وحدها بترشيح مفتي الجمهورية، وفقا للبيان.
وأضاف أن "المشروع جاء ملغيا للائحة هيئة كبار العلماء التي تكفلت بإجراءات ترشيح ثلاثة بواسطة أعضاء هيئة كبار العلماء، والاقتراع وانتخاب أحدهم لشغل المنصب".
الطلب الذي تقدم به شيخ الأزهر، أحمد الطيب، إلى رئيس البرلمان لحضور جلسة مناقشة القانون كتب تحت عنوان "مدافعا عن استقلال الأزهر واختصاص هيئاته شيخ الأزهر يطلب حضور الجلسة العامة للبرلمان"، وجاء فيه أن "الأزهر دون غيره، هو المرجع الأساس في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، والمسؤول عن الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم".
مصير مجهول للخلاف
وكان قسم التشريع في مجلس الدولة قال في مذكرة أرسلت إلى مجلس النواب نهاية يوليو الماضي إن قانون تنظيم دار الإفتاء يتعارض مع الدستور، ومع قانون تنظيم الأزهر ويخلق كيانا موازيا ينازع الأزهر في اختصاصاته التي حددها الدستور .
وقسم التشريع، هو هيئة قضائية تختص بإبداء الرأي في مشروعات القوانين التي يحيلها البرلمان قبل إقرارها بشكل نهائي، ويراجع مجلس الدولة القوانين ويضبط صياغتها ويتأكد من عدم تعارضها مع الدستور أو قوانين أخرى.
لكن أستاذ القانون الدستوري، محمد الذهبي، يرى أن "من حق مجلس النواب أن يشرع القوانين التي تنظم مختلف الجهات والهيئات في مصر.
ويقول الذهبي لموقع "الحرة" إنه "وفقا للدستور فإن مصر دولة مدنية وليست دينية، ولو كانت دينية لكان من المقبول اعتراض الأزهر على هذا القانون"، مضيفا أن "الأزهر مؤسسة تتبع الدولة والحق الأصيل للمشرع يقضي بضرورة تنظيم عمل هذه الجهة بما يراه مناسبا من قوانين".
ويسجل الذهبي اعتراضه على وجود مواد تميز الأزهر في الدستور، على الرغم من تفهمه للظروف التي دعت لذلك عقب الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين عام 2013، "ووجود رغبة من لجنة الدستور في مواجهة التيارات الأصولية وضمان عدم وضع الأمور الدينية في يد جهة واحدة".
لكنه يتابع "ذلك لا يعني أن يتحول الأزهر إلى سلطة دينية، فالسلطات كما هو معروف في جميع النظم هي، التشريعية والقضائية والتنفيذية، ولو تمسك الأزهر برفضه للقانون فسنكون حرفيا في دولة دينية".