شهدت السنوات الثلاث الماضية، تدهورا في العلاقات بين مصر وقطر، منذ أن أعلنت القاهرة وأبو ظبي والرياض والمنامة قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والاقتصادية مع الدوحة وإغلاق الحدود معها.
وفتحت مصر أجواءها أمام الطيران القطري ضمن اتفاق المصالحة الأخير، لكن كيف ستكون العلاقات المصرية القطرية بعد هذه السنوات من المواجهة الإعلامية والقطيعة الدبلوماسية؟ وما هي أبرز الملفات التي ستناقش على الطاولة بين البلدين؟
بينما يرى المحلل السياسي القطري عبدالله الخاطر في حديثه مع "موقع الحرة" أن العلاقات بين البلدين في طريقها للتطور الإيجابي مع ضرورة الجلوس على طاولة الحوار، يؤكد أستاذ الاجتماع السياسي المصري عمار علي حسن أن العلاقات سيشوبها الحذر والحيطة من الطرفين.
ويرى الكاتب الصحفي المصري محمد إبراهيم الدسوقي في حديثه مع "موقع الحرة" أن فتح المجال الجوي بين البلدين لا يعني حل الأزمة، ولكنه كان بناء على اتفاق الدول الأربعة في القمة الأخيرة على مجموعة من العناصر، "لكن هناك خطوات لاحقة على قطر أن تنفذها".
ووقعت الدول الخليجية على اتفاق مصالحة في قمة لمجلس التعاون الخليجي عقدت الثلاثاء في مدينة العلا السعودية، وأعلنت الدول الأربع رفع القيود التي كانت فرضتها على قطر.
ويقول الدسوقي: "الكثير من بلدان الخليج اتخذت إجراءات فيما يخص فتح خطوط الطيران والحدود البرية بين البلدين، بالتالي الخطوة المصرية ليست بغريبة وإنما تأتي في هذا الإطار المتفق عليه، ولكن يظل السؤال حول الخطوات التي ستتخذها قطر من أجل التجاوب مع ما طرحته مصر سابقا وأيضا دول الخليج، مشيرا إلى أن "الكرة الآن في الملعب القطري".
ثلاثة ركائز
ويرى حسن أن هناك ثلاثة عوامل سترتبط بتطور العلاقة بين مصر وقطر.
ويعتقد أن المعضلة الأساسية عند السلطة المصرية هي الإعلام الذي يبث من قطر، "إذا هدأت النبرة الإعلامية حيال الأوضاع المصرية، فأتصور أنها من الممكن أن تساهم كثيرا في تحسن العلاقة تدريجيا".
أما العامل الثاني حسب حسن، فيرتبط بالمصالح الاقتصادية، "إذا نمت بين البلدين لا سيما في مجال الاستثمار القطري في مصر، يمكن لذلك أن يساهم في تحسن العلاقات".
أما العامل الثالث، من وجهة نظره فيتوقف على علاقات قطر مع بقية دول الخليج، "هل سيكون هناك تحسن قوي وتقدم بعد المصالحة، أم أنها كانت خطوة محسوبة أو مؤقتة وليست نهائية".
في المقابل يرى المحلل القطري عبد الله الخاطر أن الأمور تتطور بشكل إيجابي بين البلدين، مشيرا إلى زيارة وزير المالية القطري إلى مصر وافتتاح فندق تم الاستثمار فيه من جانب قطر.
وبعد ساعات قليلة من توقيع "بيان العلا" أثناء القمة الخليجية الـ41 في السعودية، وصل وزير المالية القطري، علي بن أسد العمادي، على رأس وفد من الدوحة، إلى مطار القاهرة الدولي، في أول زيارة من نوعها منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ 2017.
ويقول الخاطر إن "استثمارات قطر في مصر استمرت خلال فترة المقاطعة وستستمر في المستقبل"، مشيرا إلى أن العلاقات بين الشعبين جيدة لكن "قد تكون بين الأنظمة فترات ود وفترات قطيعة".
ويؤكد الخاطر أنه لا تزال بعض الأمور العالقة "قد يكون بعد المصالحة بعض الأمور التي تحتاج إلى تبادل وجهات النظر، خاصة فيما يتعلق بالإخوان المسلمين، لكن أعتقد أن غير ذلك فإن العلاقات بين البلدين أخوية وعميقة وتاريخية مهما اعترها بعض الشوائب في منعرجات معينة".
ملف الإرهاب
ويرى الدسوقي أن مستقبل العلاقة بين البلدين يتوقف على القدر الذي ستستجيب له قطر مع المطالب المصرية، "وأهمها بطبيعة الحال ملف الإرهاب".
ويقول الدسوقي إن "قطر تستضيف الكثير من العناصر الإرهابية المنتمية لجماعة الإخوان الضالعة في الكثير من العمليات الإرهابية التي وقعت في عدة مدن مصرية وقتل وأصيب خلالها الكثير من المواطنين، كما أن لها صلات كثيرة بعمليات تمويل الكثير من الجماعات الإرهابية وأظن أن دورها في هذا الملف واضح وعليه الكثير من الدلائل".
ويضيف "السؤال هنا، هل قطر ستكون مستعدة للتجاوب بشكل إيجابي مع المطالب المصرية فيما يخص هذا الملف على وجه التحديد"، مشيرا إلى أن "طبيعة ردها وتجاوبها بشكل أو بآخر هو الذي سيحدد مستقبل العلاقة بين البلدين".
لكن الخاطر يرد بأن "مواضيع الإرهاب كانت فزاعة وما زالت تستخدم كفزاعة من بعض الأنظمة السلطوية".
ويقول "بالنسبة لقطر، فإن المعني في الأساس في هذا الملف هي الولايات المتحدة التي وضعت تعريف الإرهاب، ونرى أن العلاقات القطرية الأميركية متميزة واستراتيجية وفي دور التطور والنمو، كما أن علاقات قطر بالأمم المتحدة قوية، بل إن المنظمة الدولية فتحت مكتبا في قطر لمكافحة الإرهاب".
ويضيف: "رأينا كيف أن ادعاءات اتهام قطر بالإرهاب لا أساس لها، وفي المقابل الدول الأربعة هي التي كانت لديها مشاكل حول العالم سواء في الحروب أو مناطق الأزمات".
ويطالب الخاطر قيادات البلدين بما سماه بـ"عقلنة العلاقات وترشيد القرار من خلال تبادل وجهات النظر والحوار المفتوح دون الهيمنة أو الضغط أو محاولات التنمر مثلما رأينا من حصار وما بعده، سواء من مصر أو غيرها"، مشيرا إلى أن هناك قنوات رسمية يمكن من خلالها محاولة الوصول إلى تفاهمات ترضي البلدين.
وفيما يطالب الكاتب المصري محمد إبراهيم الدسوقي قطر، بتسليم قيادات جماعة الإخوان المتواجدين في قطر، قال الخاطر "إذا كان النظام المصري يرى أنه يملك الإنسان المصري فيجب أن يعيد الحقيقة حساباته، فالإنسان يظل حر فوق الجميع، وحرية الإنسان ليست مجالا لجدال ومناوشات ومزايدات".
وأضاف "إذا كان لمصر مطلب حقيقي فبإمكانها التواصل مع المسؤولين بالدولة والتوصل إلى تفاهم، لكن أنا أعتقد أنه إذا كان هناك جو فيه ظلم على الشعب المصري دون وجود مستندات وحقائق فهذا يحتاج مراجعة".
وسيط بين الحكومة والإخوان؟
وألمح الخاطر إلى أن مصر يمكنها الاستفادة من علاقات قطر بجماعة الإخوان المسلمين أو تركيا أو إيران، مشيرا إلى أن بلاده يمكن أن تكون وسيطا نزيها.
وقال " رأينا قطر كيف كانت وسيطا بين الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية من جهة وطالبان من جهة أخرى، ولذلك فالأولى لقطر أن تكون هي الوسيط النزيه بين مصر مع تركيا أو إيران أو أي جهة أخرى".
ويعتقد حسن أن العلاقات بين البلدين ستعود إلى ما كانت عليه قبل قرار الدول الأربعة بقطع العلاقات وفرض شروط على قطر، مع قدر من الحذر والحيطة والتحسب من الطرفين، لكنها قابلة للتحسن التدريجي.
ويوضح أن "تركيا لديها استعداد للمراجعة وأيضا قطر في ضوء أن البلدين ليس من مصلحتها استمرار الخلاف في المستقبل، لكن الملف الإعلامي لدى السلطة في مصر هو الركيزة الأساسية التي تحدد مستقبل علاقتها بقطر وبتركيا أيضا".
يشير حسن أيضا إلى أن"التطورات الإقليمية والدولية تتطلب تفاهما خليجيا في الوقت الراهن "ومصر لن تكون بعيده عن هذه المسالة لأن مصالحها مرتبطة بهذا الاتجاه، وبالتالي ليس هناك تناقضات على الإطلاق".