الأيام الماضية، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بهاشتاغ "#جسد_مريم_ملك_لها"، وطبقا للقصة المتداولة، فمريم امرأة تعاني نزيفا يستدعي استئصال الرحم، إلا أن أطباء عدة يرفضون إجراء العملية دون إذن من زوجها.
وتزداد القصة تعقيدا، بسبب مماطلة زوج مريم في الموافقة، والتهرب منها، لخلافات سابقة بينهما.
وتسببت القصة في استياء كبير بين ناشطي التواصل الاجتماعي والمهتمين بقضايا حقوق المرأة، إذ استنكروا ألا يكون للمرأة سلطان على جسدها وصحتها.
وفي اتصال هاتفي مع موقع "الحرة"، أكدت الناشطة النسوية، مي صالح، المعلومات التي ذكرتها مبادرة "سبيك آب" بأن مريم في طريقها اليوم إلى غرفة العمليات، بعد جهود حثيثة أدت لتوفير العناية الطبية اللازمة لها.
وأكدت الناشطة أن القصة حقيقية، وأن تفاصيلها صادقة.
وسبق لحملة "سبيك آب" النسوية أن تبنت عددا من قضايا النساء المعنفات وضحايا التحرش الجنسي، دون الكشف عن هوياتهن في بعض الأحيان، من أجل حماية خصوصيتهن.
مريم في طريقها للمستشفي عشان تعمل العملية بعد ما دكتور كبير تواصل معاها وشاف الأشعة والتحاليل بتوعها ولقى أن حالتها خطرة وتستدعي العملية كحالة طوارئ بدون موافقة الزوج.
— Speak Up (@SpeakUp_00) March 21, 2022
الحمد لله كده مشكلة مريم اتحلت وربنا يقومها بالسلامة؛ شكراً لـ نيڤين شلبي ولكل حد كتب عن مريم.#جسد_مريم_ملكها pic.twitter.com/mxudDlqdLd
رغم ذلك، يظل السؤال مطروحا حول الظروف القانونية للحادثة الصادمة.
تدخل برلماني
تفاعلت عضو مجلس النواب المصري، أميرة صابر، مع قصة مريم عبر حسابها على موقع "فيسبوك": "ثقافياً و مجتمعياً.. مفيش (لا يوجد) منصف ينكر المأساة الخاصة بحرية النساء في التصرف في أجسادهن وده بيبان (وهذا يظهر) في الأرقام المؤسفة لختان الإناث على سبيل المثال، والأمر ده يستوجب حملات توعية واسعة وضخمة توعي النساء بحقوقهن الطبية والإنسانية".
وبحسب صحيفة "اليوم السابع"، طالبت عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب، بالتعجيل بمناقشة قانون المسؤولية الطبية والذي ينتظر مناقشته قريباً في مجلس النواب وبدأت لجنة الصحة بمجلس النواب في مناقشته بالفعل،
وتمنت أن تكون قصة مريم نواة لتغيير حقيقي سواء مجتمعي أو حقوقي فيما يخص حرية النساء في التصرف في أجسادهن وفيما يتعلق بأهمية الوعي المجتمعي للحقوق الطبية للنساء وبناء قدرات الأطقم الطبية في ملف الحقوق الطبية للنساء وأن يمكنهم القانون من ممارسة عملهم الإنساني بدون وجود عقبات أو مسائلة تقيد هذه الحقوق وتقيد إنفاذها.
"قانون غير موجود"
وفي سياق ذي صلة، استغرب بعض النشطاء وجود مثل هذا القانون الذي وصفوه بـ" الظلامي والقروسطي" في بلد له حضارة وتراث عريق مثل مصر، مطالبين بإلغاء مثل تلك التشريعات تحت وسم "جسد مريم ملك لها" والذي انتشر بشكل واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ولكن في اتصال لموقع الحرة مع الخبير الحقوقي والمحامي المصري،هاني سامح، أكد عدم وجود أي قانون فعلي يمنح مثل تلك السلطة "إلى ذلك الزوج الظالم"، مضيفا: "الدستور والقانون ينصفان بشكل واضح المرأة ويجرمان اضطهادها لأسباب تتعلق بجنسها ويرفضان اعتبارها مواطنا من الدرجة الثانية أو الثالثة".
وعند سؤاله عن تصريحات النائبة أمير صابر، أوضح سامح: " ما يجري مناقشته في البرلمان هو قانون المسؤولية الطبية وهو أمر بعيد عن حادثة السيدة مريم التي وقعت ضحية تسلط بعض الذكوريين في مجتمعنا".
وتتفق الناشطة الحقوقية مي صلاح مع كلام سامح، موضحة " بالفعل لا يوجد مثل هذه القوانين وأخذ موافقة الأب او الزوج أو القريب له حالة وحيدة عندما تكون المرأة في حالة خطيرة جدا وبحاجة لعمل جراحي وغير قادرة على إعطاء موافقتها بسبب فقدانها الوعي أو أي عامل آخر".
جسم الست ملكها وليها حق انها تعمل اي حاجه فيه وتتخلص من اي جزء فيه دون اذن خصوصا لو بتموت منه، ازاي يبقي في حد له وصاية على جسم حد تاني! #جسد_مريم_ملكها
— Somaya Elkhashab (@somayaelkhashab) March 20, 2022
وتتابع: "ولكننا في هذه الحالة فإن مريم هي امرأة ناضجة بالغة ولها كامل الحق في الوصاية على جسدها ولاسيما أنها أجرت كافة الفحوص المطلوبة والتي أثبتت الضرورة الملحة لإجراء العملية الجراحية لإنقاذ حياتها"
ومن جهته، يؤكد المحامي سامح هاني: "لا يوجد قانون يفرض على المرأة أخذ إذن زوجها لإنقاذ حياتها وإنما هي اجتهادات بعض الذكوريين سواء من أطباء وغيرهم ويحق للضحية متابعتهم عبر القضاء وهنا أؤكد أن قضيتها لا تسقط بالتقادم".
وأكد هاني ضرورة أن تلجأ النساء إلى تحرير محاضر شرطة واللجوء إلى القضاء في مواجهة أي تعنت غير قانوني.
حقيقى عمرى ما اقتنعت ولا هقتنع بالقانون اللى بينص ع ان الزوجه مالهاش حق عمل اى عمليه فى الرحم بدون موافقه زوجها عشان دة قرف
— Helana 𓂀 (@HelanaRagy) March 22, 2022
هى بتمضى ع قسيمه جواز ولا بتمضى ع تنازل عن عضو من اعضاءها
جتكوا القرف فدة مجتمع عنصرى مقزز #جسد_مريم_ملكها#جسمها_ملكها
وتعلق ترد صالح قائلة: "صحيح أن الكثير من القوانين والإجراءات التي كانت تجحف المرأة حقها قد أزيلت ولكنها لا تزال تمارس ضدها على أرض الواقع، فهي لا تستطيع أن تفتح دفتر توفير لابنها في البنك دون موافقة أبيه ولا تقدر على تسجيل مولودها في الشؤون المدنية إلا بحضور الوالد رغم أن القوانين التي كانت تنص على ذلك قد ألغيت".
وأكدت صالح أن مكمن الخلل لا يزال يكمن في الكثير من قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها منذ نحو قرن ولا تزال تعطي الوصاية للأب والزوج والشقيق وحتى الابن حق الوصاية على المرأة في شؤون جسدها وحياتها، متابعة: "وبالتالي فإن تلك القوانين قد تكون أثرت بشكل أو بآخر على حالة مريم أو الحالات المشابهة لها".
"الضرورات تبيح المحظورات"
وإذا كان القانون المصري لا يبيح فعلا مثل تلك التصرفات، فإن بعض الأطباء يفرضون هذه الوصاية على جسد المرأة لأسباب عقائدية ودينية، ويمتنعون عن إجراء هذه الجراحات، خوفا من مخالفة تعاليم الشريعة الإسلامية.
ويعلق أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أحمد محمود كريمة، قائلا أن جسد الإنسان في الشريعة هو ملك لله، وبالتالي "إزالة عضو ما من جسم الإنسان يجب أن تكون في أضيق الحدود بما لا يؤدي إلى أضرار صحية أو تشوهات خلقية أو شيء فيه أذى للجسد".
وفي حالة السيدة مريم، فهو يؤكد أنها "غير ملزمة بأخذ إذن الزوج عملا بمبدأ الضرورات تبيح المحظورات".
ولكن والكلام لا يزال، للأستاذ الأزهري، "يجب على أن تلك السيدة أن تتأكد من عدم وجود علاج ناجع يمنع إزالة رحمها لأن من شروط عقد النكاح الصحيح تحقيق رغبة الزوج وحتى الزوجة في إنجاب الأطفال، وبالتالي يجب عرض حالة تلك السيدة على مجموعة من الأطباء الثقاة المعروفين بصدقهم وحفاظهم على شرف المهنة للإقرار بشأن ضرورة الحالة".
ومن جانبها، تقول الناشطة مي صالح إن المؤسسات الحقوقية تعمل بشكل جدي من خلال العديد من المؤسسات والمنظمات على طرح مشروعين لقوانين تخص النساء في مصر، الأول يتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة، والثاني يتعلق بتعديلات في الأحوال الشخصية لإزالة الوصاية الذكورية على المرأة.
وختمت كلامها قائلة: "نريد أن نوقف التحكم في جسد المرأة ومستقبلها وعملها.. وسيف يكون ذلك سوف نصرا كبيرا ويعد بالكثير من الإنجازات للنساء في مصر".