بعدما انشغل الرأي العام في مصر لفترة طويلة بقضية مقتل فتاة طعنا وذبحا على يد زميلها في محافظة الدقهلية شمال القاهرة، فوجئ المصريون بالمشهد ذاته يتكرر في محافظة أخرى قريبة بالطريقة ذاتها.
هذه المرة أمام محكمة الزقازيق، في محافظة الشرقية، وأمام المارة. وباستخدام سكين، طعن شاب يدعى إسلام زميلته سلمي، والاثنان بعمر 22 عاما، ثم فر هاربا قبل أن يعلن مكتب النائب العام، الأربعاء، توقيفه.
وكان مصدر أمني قال في وقت سابق إن خلافا بين المتهم، وزميلته في كلية الإعلام بالزقازيق تطور إلي مشادة بينهما، فأخرج سلاحا أبيض ووجه لها الطعنات، قبل أن تلقي قوات الشرطة القبض عليه، وبحوزته السكين التي ارتكب بها الجريمة.
وأوضح بيان للنيابة أن المتهم طعن المجني عليها طعنات عدة، أثناء دخولها مدخل عقار محل عمل إحدى صديقاتها.
وأوضحت التحقيقات أن المتهم كان قد وشم اسم القتيلة على ذراعه وصدره،.
وتُذكر هذه الوقائع بمشهد قتل نيرة التي طعنها وذبحها زميلها، محمد عادل، أمام المارة، قبل دخول جامعة المنصورة لأداء امتحانات نهاية العام، وقال لاحقا في التحقيقات إنه أراد الانتقام منها لأنها رفضت الارتباط به.
وأثارت تلك القضية سجالا كبيرا بين من تعاطفوا مع الجاني، في حين قال آخرون إن القتل ليس له أي مبرر، وبات العديد من المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي يسمون سلمى الآن "نيرة أشرف الجديدة".
ورأى العديد من مستخدمي الإنترنت أنها "قتلت لمجرد أنها ولدت امرأة في مجتمع ذكوري كاره للنساء"، لكن في هذا البلد المحافظ، يلقي كثيرون باللوم على الفتاة التي "لا ينبغي أن تصادق رجلا أو ترتدي ملابس ضيقة".
واعتبر مستخدم آخر أنه "طالما هناك مؤيدون يقدمون أعذارا لمرتكبي هذه الجرائم، فإنهم سيستمرون".
وبحسب الأمم المتحدة وجهاز الإحصاء المصري، عام 2015، تعرضت نحو 8 ملايين امرأة للعنف في مصر من قبل أزواجهن، أو أقاربهن، أو في محيطهن، في الأماكن العامة.
وبمناقشة المتهم إسلام الذي قتل سلمى، برر قيامه بقتل المجني عليها بدافع الانتقام منها، لسابقة ارتباطهما بعلاقة عاطفية قام خلالها بمساعدتها، إلا أنها تخلت عنه مؤخرا عنه، وأنهت تلك العلاقة دون رغبته بحسب أقواله، وفقا لما نقلت صحيفة "المصري اليوم".
وقد أثار قرار الضحية الانفصال عن المتهم حفيظة الأخيرة، فاختمرت في ذهنه فكرة قتلها على غرار واقعة مقتل طالبة جامعة المنصورة، كما جاء في اعترافاته.
وقال المتهم: "كنت عايز (أريد) أشفي غليلي.. وهي تخلت عني.. كنت عايز أنتقم منها.. ضربتها طعنات كتيرة مش عارف (لا أعرف) عددها".
وعلى مواقع التواصل، قال البعض إن التعاطف مع الجاني ربما شجع هذا الطالب على ارتكاب هذه الجريمة، مثل المخرج عمرو سلامة الذي كتب في تغريدة: "لما شفت بعض أشباه البشر متعاطفين مع قاتل نيرة، توقعت أن يحصل حوادث مشابهة وللأسف حصل فعلا، فأحب أقولهم، تبريرك للجاني يجعلك جاني، ودماء نيرة وسلمى وغيرهم في رقبتك":
في طالبة اسمها سلمى في الزقازيق اتقتلت بنفس الطريقة اللي اتقتلت بيها نيرة أشرف، ولد استناها وطعنها لحد الموت.
— Amr Salama (@amrmsalama) August 9, 2022
لما شفت بعض أشباه البشر متعاطفين مع قاتل نيرة توقعت إن يحصل حوادث مشابهة وللأسف حصل فعلا، فأحب أقولهم، تبريرك للجاني يجعلك جاني، ودماء نيرة وسلمى وغيرهم في رقبتك.
وكان عدد من النشطاء على الإنترنت وإعلاميين قد أظهروا قدرا من التعاطف مع محمد عادل وأشاروا إلى أنه "تأذى نفسيا بسببها وأنها استغلته" وتم الإعلان عن "دية" من أجل العفو عنه وانتشر هاشتاغ #ضحية_مش_مجرم.
الناشطة المصرية، مي صالح، دعت في مقابلة مع موقع الحرة عبر الهاتف "إلى دراسة اجتماعية لما يحدث من جرائم القتل، فالجريمة لا تتعلق فقط بالقتل ولكن الخطوات المصاحبة للقتل، سواء تعاطف الناس، وحتى موقف الجناة أنفسهم، وفكرة الاعتراف بالجريمة وأنه انتصر لنفسه ولا يهمه عقوبة الإعدام، هذه أشياء تمثل خطورة على المجتمع".
وتساءلت: "ما هذه الأريحية للتعامل مع القتل؟ فالجاني يتعامل مع قتل الآخرين وقتل نفسه بشكل مريح. من أين أتت هذه الأريحية؟".
وأضافت أن القضية "انتقلت من فكرة الخطر الذي يحيط بالنساء إلى خطر يحيط بالمجتمع بأسره، إذا كان يتبنى هذا الفكر، وإذا كان الشاب مستعدا للتضحية بحياته وحياة أسرته في سبيل الانتقام".
وتشير صالح إلى انتشار ظاهرة إنهاء العلاقات بشكل غير سلمي وغير إنساني، سواء في مؤسسة الزواج، كما حدث في جرائم مؤخرا، أو أثناء الارتباط بين شاب وفتاة وهو أمر "يثير إشكالية".
وقالت: "نحن عاجزين عن رؤية المشهد بشكل صحيح، والموضوع يفوق مجرد إصدار تشريعات تحمي النساء، ويجب العمل على جميع المستويات للبحث في هذه القضية، سواء من خلال المؤسسات البحثية والشرطية والقضائية، لأنه مؤشر خطر ".
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع الأردني، الدكتور حسين الخزاعي، في إشارة إلى حوادث من هذا النوع في مصر والأردن، على مسألة "الانتقام العنيف للجاني من الضحية، وأنانيته وعدم قبوله فكرة أن تتخلى عنه، وغياب ثقافة الحوار بين أفراد المجتمع والتعصب للرأي وعدم قبول الرأي الآخر".
ويشير إلى ثقافة الهيمنة والسيطرة خاصة عند الذكور، وعدم حل الخلافات الشخصية بين الطرفين بسرعة، لذلك يتطور الخلاف ويصل إلى عملية انتقام وثأر، مع شعور الجاني أن الانفصال هو امتهان لكرامته فتكون ردة الفعل عنيفة جدا لدرجة التنكيل بضحيته".
الشهيدة #سلمى_بهجت طالبة جامعية عمرها 20 سنة قتلت على يد القاتل اسلام محمد ب16 طعنة في مصر لرفضها له وقولها (لا) القاتلة. هذه آخر حالة نزلها القاتل قبل ارتكاب جريمته بساعتين. أتمنى الإعدام العلني لهذا المجرم المسخ لأن حيوات النساء مهمة والنساء مش ارقام! pic.twitter.com/iTV4M241aK
— Bluebird (@Femord1ei) August 9, 2022
ويضيف، في مقابلة عبر الهاتف مع موقع الحرة، أن هذا الشخص يكون في الغالب أنانيا ويعتقد أن هذه الفتاة صارت ملكه، ومثل هذه الشخصيات الأنانية لا تستطيع التعامل مع الناس إلا من خلال القوة والعنف والسيطرة، ولا يعترف هذا الشخص بالخطأ أو أنه قد يكون السبب في محاولة المجني عليها الابتعاد عنه.
ويوضح أستاذ علم الاجتماع أن هذه الجرائم تحدث في الأماكن العامة بسبب تغير ثقاقة المجتمعات في المدن، فالجاني يعلم أن الناس في مجتمعاتنا الحالية لن تتدخل خشية التعرض للأذى ولأنها تفضل ترك هذه المسائل للجهات المختصة.
ويحذر من "التقليد" من خلال وسائل الإعلام التي قد تحفز "العدوانيين المخفيين"، أي الذين لديهم ميول عدوانية لم تظهر بعد، على ارتكاب جرائم مماثلة.
ومن خلال تصوير الجاني على أنه بطل "يتم نشر الشائعات التي تلاحق المجني عليها واستخدام الإعلام لترويج هذه الشائعات"، وفق الباحث.
وكانت اليوتيوبر الشهيرة، منى أبوشنب، قد أثارت ردود فعل كبيرة، بعد أن وصفت قاتل نيرة أشرف بأنه "ضحية"، وقالت في مقطع إن أحدا لم يقف إلى جواره.
مريم الكعبي، الناشطة الإمارتية، اعتبرت في تغريدات أن أبو شنب أرادت أن "تحشد التعاطف والتأييد لمحمد عادل وتنال من سمعة الضحية وأهلها بأسلوب يوظف الدين غطاء".
وقبل نحو أسبوعين، أثار نشر فيديو بشعا لنيرة من داخل المشرحة يظهر الطعنات في مناطق متفرقة من جسدها حالة من الغضب الشديد، وأعاد الجدل بشأن القضية.
واتهمت شقيقة الضحية، شروق أشرف الغريب، من شاركوا هذا المقطع بمحاولة النيل منها ومن سمعتها مجددا، وكتبت: " لم تتركوا شيئا ضدها. ولم يدافع عنها أحد، ونشرتم صورا لها وطعنتم في شرفها، رغم أن النيابة قامت بتبرئتها".
وكتب حينها أحد المعلقين: "عايز أوصل رسالة لكل شخص نسى الضحية وتعاطف مع القاتل، إيه رأيك برضو دلوقتي (الآن)، هل تعتبر ده ظلم للقاتل؟، بعد ما شوفت المشاهد القاسية دي من القتل والطعن في أماكن متفرقة من الجسم وبعد كده الدبح بشكل همجي؟"
وبعد مقتل سلمى، خرجت تعليقات مماثلة:
حملة التعاطف القذرة مع اللى قتل نيرة أشرف تسببت بشكل مباشر فى جريمة امبارح..القاتل كان مجهز قبلها واللى قوى قلبه الحملة دى...كان بيكتب لأصحابه ع الجروبات انهم يقفوا جنبه ويشهدوا معاه واظن فى نفس التخطيط كتب لجروب انها بتستغله ماديا ونفسيا زى ما اتقال ع قاتل نيرة..قذر وشرير ببشاعة
— nora gamal (@noragamal68) August 10, 2022
موجة التعاطف مع قاتل نيرة أنتجت قاتل جديد فى الشرقية فى اقل من اسبوعين ، بهذا المعدل سيتفوق انتاجنا من القتلة على حجمم انتاجنا الصتاعى والزراعى ونتحول سريعا الى اكبر حديقة ديناصورات فى العالم pic.twitter.com/hlSUdPqeiP
— ahmed ezzarab (@aezzarab25) August 10, 2022
ودعا المخرج عمرو سلامة في تغريدة لاحقة إلى محاكمة "كل من برر وتعاطف مع قاتل نيرة أشرف.. من سوقوا لفكرة التعاطف مع الجاني وشيطنة الضحية".
كنت أتمنى أن لا يحاكم إسلام قاتل سلمى فتاة الزقازيق بدون أن يحاكم معه كل من برر وتعاطف مع قاتل نيرة أشرف، من سوقوا لفكرة التعاطف مع الجاني وشيطنة الضحية.
— Amr Salama (@amrmsalama) August 9, 2022
وكتبت مريم الكعبي: "في الفترة السابقة كانت هناك حملات ممنهجة في وسائل التواصل لتشويه سمعة المغدور بها نيرة أشرف وأسرتها، مقابل حشد التعاطف مع قاتلها وأسرته لتخفيف الحكم وهي حملات أسفرت عن وقوع ضحايا لفكر مريض يبرر الجريمة ويحول القاتل إلى ضحية والمجني عليها إلى مجرمة تستحق ما حدث لها":
في الفترة السابقة كانت هنالك حملات ممنهجة في وسائل التواصل لتشويه سمعة المغدور بها نيّرة أشرف وأسرتها مقابل حشد التعاطف مع قاتلها وأسرته لتخفيف الحكم
— مريم الكعبي (@maryam1001) August 10, 2022
وهي حملات أسفرت عن وقوع ضحايا لفكر مريض يبرر الجريمة ويحول القاتل إلى ضحية والمجني عليها إلى مجرمة تستحق ما حدث لها
وهي كارثة
وكتب شخص يدعى إياد قال إنه يعرف قاتل سلمى، وأنه "نادم على صداقته" ونشر نص رسائل بينهما تظهر مدى تعلق القاتل بالضحية بها، وعدم رغبته في الانفصال عنها، وأنه كان على علاقات متعددة بفتيات أخريات.
وأكد أن الفتاة كانت "على خلق" وأن إسلام "لم يحافظ عليها"، واتهمه بأنه كان مصدر "أذى لأشخاص" في حياته، وطالب بعد إضفاء صفة "الضحية" عليه.
وتحذر الناشطة، مي صالح، في حديثها مع موقع الحرة من أن سوء الوضع الاقتصادي المتوقع في الفترة القادمة سيؤدي إلى "المزيد من القتل"، مشيرة إلى أن الوضع الاقتصادي يعطي "مبررا سهلا" للقتيل وهو أمر "مرفوض ولا يجب أن تدفع المرأة ثمن الضغط الاقتصادي".
وقالت إنه كلما زادت الأوضاع سواء" تكون النساء الحلقة الهش في هذا المجتمع وتكون معرضة اكثر للعنف".
وتشير أيضا إلى عادات وتقاليد موروثة تجاه المرأة تعطي هذا المبرر، وتشير إلى عصر جديد يطل فيه المراهقون على العالم من خلال شاشات افتراضية، وعندما يخرجون إلى العالم الواقعي، يكونون غير قادر ين على التحكم في انفعالاتهم.
ويؤثر العنف المنتشر على الإنترنت، خاصة في ألعاب الفيديو على تفكير الشباب الصغار في العالم الواقعي، وفق صالح.
وتشير أيضا إلى تغير النظام التعليمي الذي كان يدرب الأجيال على الانضباط والتحكم في الانفعالات، وتقول إن التعليم في الوقت الحالي لا يدرب الشباب على التحكم في الانفعالات، وهو ما يسمح للشخص المتوحد مع العالم الافتراضي باستخدام العنف في المجتمع.
وتخشى الناشطة، وكذلك أستاذ علم الاجتماع، من التضييق على الفتيات والنساء في الفترة المقبلة بسبب أحداث العنف.
وتقول صالح إن ما يحدث "يعطي مؤشرا على مزيد من التضييق، فقد تمنع أسر بناتها من التعليم حتى في المراحل الأساسية، وقد يمنعن من الخروج إلى سوق العمل".
ويقول الخزاعي إن ما يحدث "يعطي رسالة قوية إلى المجتمع كي يرفض مستقبلا أي محاولة تعارف أو تواصل أو التقاء، حتى لو من باب العلاقة البريئة، بين ذكر وأنثى، ويجعل الفتيات يفضلن الابتعاد عن إقامة صداقات حتى لا يواجهن مصيرا مشابها لنيرة وسلمى".