البرج الأيقوني في العاصمة الإدارية الجديدة في صورة من شهر أغسطس 2021
البرج الأيقوني في العاصمة الإدارية الجديدة في صورة من شهر أغسطس 2021

في ظل ضغوط اقتصادية يئن منها الشعب المصري، دافع الرئيس عبد الفتاح السيسي عن سياسات إنفاقه لأموال الدولة، نافيا أن يكون قد أهدر مواردها، وذلك مع تزايد الجدل بشان جدوى المشروعات التي امتصت مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية. 

وحث السيسي، الاثنين، المصريين على الصمود أمام التحديات التي تواجه البلاد قائلا: "هل نحن كدولة وشعب لا نستطيع الصمود أمام أي تحد؟"، مؤكدا أنه لم يهدر الأموال في حروب، وذلك في سياق دفاعه عن سياساته بمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة.

وما أن وجه طلبه للمصريين بالتوقف عما سماه "الهَري" (الكلام الكثير بلا طائل)، حتى عادت التساؤلات بشأن جدوى المشروعات التي أطلقها السيسي، مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تضم برجا أيقونيا وأكبر كنيسة وأكبر جامع، وقصورا رئاسية، وتفريعة جديدة لقناة السويس، ومشروعات أخرى. 

وواصل معدل التضخم السنوي في مصر الارتفاع ليبلغ قرابة 22 في المئة في ديسمبر، مقابل 6.5% في الشهر نفسه من العام السابق، وذلك وسط ارتفاع أسعار الغذاء نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية إلى أكثر من النصف مقابل الدولار منذ مارس الماضي، ونقص العملة الأجنبية، فيما طالب صندوق النقد الدولي الحكومة بتشديد سياستها النقدية لمواجهة ذلك.

وأقر السيسي، خلال افتتاحه مصنعا في 26 ديسمبر الماضي، بأن أسعار المنتجات أصبحت تمثل عبئا على المواطنين. وقال موجها حديثه للحاضرين ومن بينهم رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، "فاهمين يعني إيه المواد الغذائية بتاعة الناس تزيد مرتين وتلاتة، هو مين يستحمل ده"، مضيفا أن الحكومة تحاول الحفاظ على الأسعار دون زيادة. 

وينتقد كثر من المصريين تضاعف ديون مصر الخارجية بسبب القروض، خلال العشر سنوات الأخيرة، التي وصلت إلى أكثر من 155 مليار دولار، بعد أن كانت 40 مليار دولار تقريبا في 2013، متسائلين عن أوجه إنفاق كل هذه الأموال. 

وقالت أستاذة الاقتصادة في جامعة القاهرة، عالية المهدي، لموقع "الحرة": "الأموال أنفقت في عدة اتجاهات، لكن أشهرها كان في المدينتين الجديدتين "العاصمة الإدارية الجديدة" و"العلمين الجديدة"، وبعض المدن الصغيرة الأخرى، بالإضافة إلى مشاريع إنشاء بعض الطرق والكباري الجديدة".  

وترى أن كثيرا من هذه المشاريع لم تكن هناك ضرورة لإنشائها بسرعة، موضحة أن "بعض الطرق والكباري كانت مفيدة وليس كلها، كما أن المدن الجديدة التي نعمل عليها منذ 2014 وحتى الآن لم يتم إشغالها بعد رغم أنها أخذت قدرا كبيرا من الأموال، بغض النظر عن أن هذا الإنفاق كان من الموازنة العامة للدولة أو الموازنات الخاصة بالهيئات الاقتصادية المختلفة لكن في النهاية هذا يعتبر إنفاق عام". 

وقالت: "أنا من الناس الذين كانوا يتصورون أن تبدأ الدولة في تسكين الناس في العاصمة الإدارية الجديدة في عام 2020 لأن الحكومة كانت قد أعلنت أنها ستنتقل إليها في ذلك العام، لكننا الآن في 2023، ولم يتم ذلك". 

جانب من العاصمة الإدارية الجديدة في صورة تعود إلى شهر أغسطس 2021

وتهدف مصر إلى جذب أكثر من ستة ملايين شخص إلى تلك المنطقة التي تبلغ مساحتها 270 ميلا مربعا (700 كيلومتر مربع)، التي من المفترض أن تكون العاصمة الجديدة لمصر.

ورغم أن المشروع يحتاج لسنوات حتى يكتمل، حيث توجد خطوط نقل غير مكتملة،  إلا أن الحكومة تخطط للبدء في نقل 40 ألف موظف مدني إلى منطقة حكومية مكتملة في يناير الجاري.

وتقول المهدي: "حتى مدينة العلمين الجديدة، ما الجدوى منها حيث أنها قد تنتعش في فصل واحد في السنة". 

لكن مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف، أحمد عبد الحافظ، يدافع عن مشروع "العلمين الجديدة" ويقول: "هذه المدينة تستهدف منها الدولة استقطاب المزيد من السياح الذين يحبون البحر الأبيض المتوسط، وتحريك هذا القطاع في كل الاتجاهات وليس فقط في شرم الشيخ والغردقة الموجودتين على البحر الأحمر". 

وأضاف في حديثه مع موقع "الحرة": "هذا المشروع يستهدف طبقة معينة من السياح سواء العرب أو الأجانب الذين يذهبون إلى دول حولنا مثل تركيا أو الإمارات، من أجل جذب الدولار". 

وترى المهدي أنه من المعيب أن تكون إيرادات مصر من السياحة العام الماضي 10 مليارات دولار فقط، في حين أنها تصل إلى حوالي 150 مليار دولار في إسبانيا وأكثر من 70 مليار دولار في تركيا، رغم ما نتميز به من أماكن سياحية وتاريخية". 

وعزا عبد الحافظ الأزمة الاقتصادية الحالية، مثلما قال السيسي، إلى أزمتي جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، "نحن دولة من دول العالم التي تتأثر بما يحدث حولنا". 

وقال: "هاتان الأزمتان أدتا إلى مشكلات في الدول التي تعاني من هشاشة كبيرة في هيكل الاقتصاد ومنها مصر، حيث خرجت أموال ساخنة بحجم 24 مليار دولار في أسبوعين، ما كان بالغ الأثر على الاقتصاد، إضافة إلى حجم مديونية خارجية وصل إلى نحو 170 مليار دولار، بعضها يستحق الدفع قريبا، ما أدى إلى تحول التنمية التي أطلقتها الدولة إلى نقمة".  

وأضاف: "مصر تستورد تقريبا 70 في المئة من استهلاكها، وأي تحرك في الدولار يؤثر على كل شيء تقريبا". 

"قناة السويس الجديدة"

من بين المشاريع التي دشنها السيسي وحث على استكمالها بسرعة، توسعة قناة السويس، وافتتحها في السادس من أغسطس 2015. 

وانتقد خبراء اقتصاديون هذا المشروع الذي تكلف ما يعادل نحو 8 مليارات دولار وقالوا إنه لم يكن ضروريا لتراجع التجارة العالمية وأسعار النفط آنذاك.

وكانت قناة السويس، حسب موقعها الإلكتروني، تتوقع أن تضاعف التفريعة الجديدة إجمالي الإيرادات السنوية لقناة السويس، لتبلغ 13,2 مليار دولار عام 2023.

لكن وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، نقلت عن رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع قوله، الاثنين إن الإيرادات المتوقعة للقناة في 2023 ستصل إلى 8.7 مليار دولار.

وكانت قناة السويس، قد حققت أعلى إيرادات في تاريخها خلال العام المالي الماضي 2021-2022، بقيمة 7 مليارات دولار مقابل 5.8 مليار دولار في العام المالي السابق بزيادة قدرها 20.7 في المئة، بحسب الهيئة.

لكن المهدي، نفت في حديثها مع موقع "الحرة" أن يكون ارتفاع إيرادات قناة السويس، مرده التوسعة الجديدة، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى انتعاش حركة التجارة العالمية بعد أربع سنوات عجاف امتدت عامين منذ 2018 بسبب الحرب التجارية الأميركية الصينية، ثم عامين آخرين بسبب كورونا". 

وأضافت أن السيسي بنفسه أقر بأن التفريعة الجديدة لقناة السويس كان الغرض منها هو رفع الروح المعنوية لدى المصريين. 

مشاريع أكثر استفادة

لكن المهدي ترى أنه كانت هناك "أشياء أخرى كان من الأفضل أن يتم توجيه الإنفاق لها بدلا من الاستثمار في مدينتين جديدتين". 

وتقول: "على سبيل المثال، عواصم المحافظات تحتاج إلى صيانة وتطوير، ليست القضية في أن ننشئ فقط طرقا طويلة لا يتم استخدامها إلا بشكل محدود، ماذا عن الطرق داخل المدن التي تحتاج إلى اهتمام وإصلاحات كثيرة وتوجيه موارد إليها، لأن الاستثمار فيها يأتي بنتيجة أكبر، إذ أن هناك أكثر من 95 في المئة من المواطنين يسكنون داخل المحافظات التقليدية بالفعل". 

مصر أنفقت عشرات المليارات من الدولارات من أجل شبكة نقل لربط العاصمة الإدارية الجديدة

وتضيف: "في تصوري كان من الممكن أن نعمل على هذه المشاريع تدريجيا، ليس هناك مدينة يتم إنشاؤها في خمسة أعوام فقط ولا حتى عشرة، كان يجب علينا أن نبدأ بنواة صغيرة دون اللجوء إلى أي قروض، وتبنى بالتدريج بالاعتماد على أنفسنا". 

تدلل المهدي على ذلك بأن "أجزاء كبيرة من الأراضي والوحدات السكنية في هذه المشاريع الجديدة لم يتم بيعها بعد لأن قطاع الإسكان الفاخر والمتوسط، أصبح بحالة تشبع، المشكلة في الإسكان الشعبي والفقير والخاص بمحدودي الدخل".  

وبالرغم من أن عبد الحافظ يرى أن مشاريع مثل محطات الطاقة والطرق والكباري كانت أساسية في طريق التنمية، فإنه أشار إلى أن حجم المشروعات التي تم إنشاؤها في أوقات قياسية كان لها آثار سلبية كبيرة، مع عجز دائم في الموازنة، مما اضطر الحكومة لأن تقترض بشكل أكبر". 

وأضاف: "المشكلة ليست في المشروعات ولكن المشكلة في أن الحكومة بدأت في مشروعات تنموية كبيرة جدا في وقت قصير للغاية". 

وترى المهدي أن أي رئيس مصري يأتي إلى سدة الحكم يريد أن ينشئ مشروعات ومدنا جديدة تحمل اسمه، فكذلك فعل عبد الناس والسادات ومبارك، "ومن حق السيسي أن يفعل ذلك، لكن كان يجب أن تكون بشكل أهدا ولا يحدث فيها المبالغات التي نراها والتي يتم إنفاق الكثير من الأموال عليها، مثل أعلى برج وأكبر مسجد وأكبر كنيسة خاصة أنها في مناطق لا يصل إليها الناس بسهولة". 

وأضافت: "ليست هناك ضرورة لتقليد دول أخرى مثل الإمارات أو غيرها، مصر ستظل مصر بتاريخها وثقافتها، خاصة أن لدينا الجامع الأزهر، وكاتدرائية العباسية ويمثلان التاريخ". 

"خسائر التوقف أكبر من الاستمرار"

يرفض عبد الحافظ فكرة مطالبة البعض على مواقع التواصل الاجتماعي بالتوقف عن استكمال مشاريع مثل العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من التي لا تضخ أموالا بشكل عاجل، وقال: "يجب ألا تتوقف، خاصة أننا اقتربنا من إنهائها، التوقف فيها حاليا سيؤدي إلى خسائر أكبر بكثير".

وأظهر تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي، صدر الثلاثاء، أن الحكومة المصرية تعهدت بإبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة، بما في ذلك المشروعات القومية، وذلك للحد من التضخم، والحفاظ على العملة الأجنبية، دون تحديد المشروعات التي ستخضع لذلك.

وأنفقت الحكومة بسخاء على البنية التحتية على مدى السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك على بناء شبكة واسعة من الطرق والجسور، فضلا عن مدن جديدة. كما بدأت العمل في مشروع للسكك الحديدية فائقة السرعة ومحطة للطاقة النووية، تبلغ تكلفة كل منهما عشرات المليارات من الدولارات.

وقال رئيس الوزراء المصري، في 5 يناير الجاري، خلال افتتاحه عددا من المشروعات في محافظة سوهاج مع السيسي، أن "الدولة أنفقت 7 تريليونات جنيه على مختلف المشروعات في الثماني سنوات الماضية". 

وأشاد عبد الحافظ بقرار الحكومة الذي صدر الثلاثاء، بتأجيل البدء في تنفيذ أي مشاريع جديدة "فيها مكون دولاري واضح". 

لكن المهدي ترى أن هذا القرار يتعامل فقط مع أزمة نقص العملة، خاصة وأن الاحتياطي الأجنبي في خطر مع وجود 33 مليار دولار فقط، منها 28 مليار دولار ودائع للدول العربية يمكنها أن تطالب بها في أي وقت

تشير المهدي إلى أن القرار لا يتعامل مع أزمة التضخم التي وصلت إلى مستويات قياسية وصلت بحسب ما نشر الثلاثاء، إلى 21.8  في المئة في ديسمبر، وترى أنه "يجب تقليل الإنفاق الحكومي ككل إلى النصف وليس فقط ما يتم الإنفاق عليه بالدولار". 

وفي 17 ديسمبر الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضا بقيمة ثلاثة مليارات دولار تسدد على 46 شهرا، فيما يبلغ عبء خدمة الدين الذي يتعين على القاهرة سداده خلال العام المالي 2022/2023 حوالي 49 مليار دولار، حسب بيانات الصندوق.

وقالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر إيفان هولر، في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، إن الفجوة التمويلية لمصر تبلغ حوالي 17 مليار على مدى السنوات الأربع القادمة، سيساهم القرض في سدها.

وأضافت أن تمويل الصندوق "من المتوقع أن يحفز تمويلا إضافيا من الشركاء الثنائيين ومستثمري القطاع الخاص"، مشيرة أيضا إلى خطة مصر لبيع أصول مملوكة للدولة.    

تبدأ عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية خارج مصر يوم الجمعة
تبدأ عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية خارج مصر يوم الجمعة

تنطلق الانتخابات الرئاسية في مصر، الجمعة، إذ تبدأ عملية تصويت المصريين في الخارج لمدة 3 أيام، وذلك على وقع خفوت التغطية والاهتمام الإعلامي والشعبي بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس.

ويتنافس في الانتخابات الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ورئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران الذي يقدم نفسه على أنه المعارض الوحيد للسلطة الحالية.

وقبل أقل من شهر على بدء الاقتراع في الداخل، كان لافتا عدم مشاركة السيسي في أي فعالية انتخابية وعدم ظهوره إعلاميا للحديث عن برنامجه الانتخابي، وهو غياب وصمت انتخابي يأتي وسط استمرار الحرب بين إسرائيل وغزة ومخاوف من تداعياتها على مصر.

ودخل منافسو السيسي السباق الانتخابي بالحصول على تزكيات من أعضاء بالبرلمان الذي يسيطر عليه موالون للرئيس المصري، في حين فشل النائب السابق أحمد الطنطاوي في الحصول على التوكيلات الشعبية الكافية للترشح.

وتجري عملية الاقتراع في انتخابات الرئاسة، داخل مصر، في الفترة من 10 إلى 12 ديسمبر، على أن يتم إعلان النتيجة يوم 18 من الشهر نفسه.

وكان الجدل الدائر في مصر كبيرًا قبل الانتخابات، في ظل أوضاع اقتصادية متردية، من علاماتها تدهور غير مسبوق في سعر العملة وارتفاع الأسعار، كما عقدت جلسات حوار وطني يتم فيها انتقاد السلطات في ملفات عديدة من بينها حقوق الإنسان.

لكن فجأة "اختفى" كل ذلك بشكل كبير، وبات التركيز الأكبر سواء شعبيا أو إعلاميًا على الحرب بين إسرائيل وحماس، التي اعتبر سياسيون مصريون في حديثهم لموقع الحرة، أنها باتت الشاغل الأكبر سياسيا وشعبيا.

وفي وقت أطل المرشحون الثلاثة خلال مناسبات انتخابية وإعلامية، لم يظهر السيسي في فعاليات حملته الانتخابية التي تنظم مؤتمرات وزيارات للتواصل مع الناخبين في الداخل والخارج.

وغاب السيسي عن أي لقاءات أو مؤتمرات تتعلق بترشحه لفترة ثالثة ستبقيه رئيسا لمصر حتى 2030.

في المقابل، ينشغل الرئيس بلقاءات مع زعماء وقادة ومسؤولين غربيين وعرب بجانب اتصالات هاتفية، تعلن عنها الرئاسة، تتمحور أغلبها حول الحرب وتداعياتها.

"حرب غزة طغت على كل شيء"

وفي السادس من أكتوبر الماضي، قال السيناتور الأميركي، كريس مورفي، في حديث لقناة "الحرة" إن واشنطن ترغب في أن تستمر شراكتها مع مصر، لكن بشرط "أن تقوم القاهرة بإصلاحات سياسية".

وعن الانتخابات المصرية المرتقبة، قال السيناتور الأميركي: "لا أشعر بالتفاؤل حيال إمكانية إجراء انتخابات حرة وعادلة مع أحزاب سياسية معارضة أساسية، لهذا نحاول أن نحدد بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لإفساح المجال أمام حوار سياسي".

وفي خضم الحرب، التي يعتبرها المصريون مسألة أمن قومي، خصوصا في ظل تصريحات إسرائيلية رسمية وغير رسمية بشأن تهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء، جاءت تطورات عدم استمرار المعارض الطنطاوي من الانتخابات، والذي تبعه بأيام توجيه اتهامات ضده وإحالته لمحاكمة.

وقال خالد داوود، المتحدث باسم الحركة المدنية في مصر، وهي تكتل من حركات وأحزاب معارضة، في تصريحات لموقع "الحرة"، إن "إعلان انسحاب طنطاوي جاء بعد أسبوع من حرب غزة، وتوارى أمام التطورات المفزعة".

كما أوضح مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، عمرو الشوبكي، أن "ما يحدث في غزة بات الاهتمام الأول للمواطنين وأثر بالتأكيد على الاهتمام بالانتخابات، خصوصا لو أضفنا لذلك عامل أن الانتخابات يمكن القول إنها محسومة مسبقًا لصالح الرئيس السيسي".

وأضاف في تصريحات للحرة: "أحداث غزة طغت على كل شيء".

وفيما يتعلق بتأثير الحرب في غزة، واصل الشوبكي حديثه بالقول: "على خلاف مرات سابقة كان هناك اهتمام، حتى لو كانت نتيجة الانتخابات محسومة، مثل الاهتمام بما يقدمه المرشح المعارض أو بما يطرحه الرئيس من أفكار أو ممارسات خلال المدة الجديدة".

وضرب الشوبكي مثالا بانتخابات عام 2014، التي فاز فيها السيسي باكتساح كبير على المعارض حمدين صباحي، لكن "كان هناك اهتمام بالانتخاب سواء لدعم الرئيس أو المعارضة أو إبطال الأصوات، كان هناك قدر يعتد به من الاهتمام".

رأي آخر

أما عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين، طلعت خليل، فقال إن "الانتخابات لم تلق اهتماما بالأساس من الشعب المصري لوجود قناعة بأنها مهندسة بشكل كامل، وبالتالي، حتى لو لم تكن هناك أحداث غزة التي تفاعل معها الشعب المصري بقوة، فالمواطن ولى وجهه عنها تماما وفق رصدنا كسياسيين".

كما أشار إلى وجود أزمة حقيقية هي أن "المرشحين الثلاثة (غير السيسي) لم يجمع أي منهم توكيلات شعبية وكلها تزكيات برلمانية، لو هناك توكيلات شعبية حقيقية لأي من هؤلاء لكان الأمر مقنعا ربما للشعب المصري".

وليكمل أي مرشح محتمل ملف الترشح للانتخابات، عليه أن يجمع 25 ألف توكيل من المواطنين من 15 محافظة من محافظات البلاد الـ27، أو أن يحصل على 20 "تزكية" على الأقل من نواب في البرلمان.

واتهم الطنطاوي الحكومة في 13 أكتوبر الماضي بـ"منعه بشكل مباشر" من المنافسة في الانتخابات، بعدما لم يجمع سوى نصف عدد التوكيلات المطلوبة، ويواجه حاليا محاكمة جنائية بتهمة "تداول أوراق تخص الانتخابات بدون إذن السلطات".

وقال المعارض البارز خلال مؤتمر أمام عشرات من أنصاره: "لو جرت انتخابات حقيقية، فلن يحصل (السيسي) على أكثر من 1% من الأصوات".

من المستفيد؟

ورأى السياسيون الذين تواصل معهم موقع الحرة أنه باندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس وشعور المواطنين بوجود تهديد محتمل، نظرا للحدود المشتركة مع قطاع غزة، استحوذت تلك المخاوف على المواطن بشكل أكبر حتى من الأوضاع الاقتصادية السيئة.

وقال الشوبكي: "أرى أن ما يحدث سيضر بالمنافسين الآخرين، خصوصا مرشح المعارضة الوحيد فريد زهران.. لن يتضرر السيسي لأن حرب غزة عززت من تيار الاستقرار وعدم الرغبة في أي تغييرات فجائية".

وأوضح: "في حالات الحروب يكون الأمن والاستقرار أولوية حتى في ظل وجود أزمات اقتصادية. الخوف من المجهول وتداعيات الحروب يجعل الناس تدعم الرئيس الموجود. حرب غزة، بعيدا عن حسابات الانتخابات المحسومة، وفق الحسابات السياسية أفادت السيسي".

يذكر أن المرشح عبد السند يمامة، حينما أعلن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة في يونيو الماضي، أشاد بالرئيس السيسي وقال في مداخلة تلفزيونية آنذاك: "طالبت في أكثر من مناسبة بتعديل الدستور لوضع اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي بجانب محمد علي وسعد زعلول (زعيمان شهيران بتاريخ مصر الحديث).. لموقفه في أحداث 30 يونيو، فهو حجز موقعه في التاريخ".

لكنه أشار إلى أن ترشحه يأتي لأن له "مآخذ على السياسة الحالية للحكومة" فيما يتعلق بالملف الاقتصادي".

وخفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر بالعملات الأجنبية على المدى الطويل إلى "بي" (B-) هبوطا من "بي -" (B)، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي.

وارتفع معدل التضخم إلى ما يقرب من 40 في المئة، في سبتمبر، وهو مستوى قياسي، قبل أن ينخفض نقطتين مئويتين، في أكتوبر الماضي.

وأشار داوود إلى أن "قضية غزة باتت أولوية" حتى مقارنة بالأزمة الاقتصادية، وأضاف أنها "أفادت السيسي في ظل وجود تهديد كبير وحقيقي للأمن القومي المصري، في ضوء تقارير وردت من إسرائيل نفسها وغيرها عن محاولة تهجير الفلسطينيين لمصر".

كما أوضح أن هناك "خوف من توسع الحرب إقليميا وتأثيره على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، كما يحدث في أي بلد، حينما يكون هناك إحساس بالخطر الخارجي يكون هناك رغبة في الالتفاف حول القيادة وخصوصا في ظل وجود تهديد حقيقي".

وأكد أن "الزخم الذي أحاط بالطنطاوي توارى بسبب حرب غزة، وتوارى أيضا خطاب فريد زهران الذي يكشف أوجه قصور النظام الحالي اجتماعيا واقتصاديا".

وأشار إلى أنه كان هناك إحساس مسبق من أن الفوز سيكون من نصيب الرئيس الحالي، لكن الخطاب الذي يتبناه المنافس المعارض زهران كان سيكون له صدى أكبر، مضيفًا "الغالبية العظمى من المصريين ستتعامل مع الانتخابات كأنها تحصيل حاصل وتجديد انتخاب الرئيس لفترة ثالثة، وأعتقد أن الانطباع العام هو أن الوقت غير مناسب لإجراء أي تغيير في النظام القائم حاليا".

وقال خليل لموقع الحرة: "دون دعوات للمقاطعة أو غيره، أرى أن الشارع المصري لن يُقبل على التصويت في هذه الانتخابات"، في إشارة إلى أن النتيجة معروفة مسبقًا.