يتوقع أن يكون شهر رمضان المقبل، في نهاية مارس، هو الأصعب على المصريين منذ سنوات عدة، فقد تشهد أسعار المواد الغذائية ارتفاعا كبيرا، خاصة بسبب الارتفاع في أسعار الوقود، وزيادة الطلب على الغذاء، وفق تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
ونقل التقرير عن خبراء اقتصاديين توقعاتهم أن يتجاوز التضخم في مصر 27 بالمئة بحلول مارس الذي يوافق شهر رمضان المبارك والذي اعتاد فيه المصريون على التجمعات العائلية والموائد المليئة بأصناف الطعام المختلفة.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هو الجهاز الرسمي للإحصاء في مصر، الخميس، أن أسعار المواد الغذائية والمشروبات، وهي أكبر عنصر موجود في قائمة التضخم، قفزت بنسبة 48٪ في يناير. وارتفع مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي بنسبة 25.8٪ على أساس سنوي، بزيادة قدرها 21.3٪ عن الشهر السابق.
لكن "بلومبيرغ" ذكرت أنه حتى مع استبعاد عنصري الغذاء والطاقة، فإن معدل التضخم الأساسي السنوي تجاوز 31٪ ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أواخر عام 2017.
وجاء الارتفاع في الأسعار مع انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 18٪ في الشهر الماضي. ورغم أن الأسعار كانت أكثر استقرارًا في الأسابيع الأخيرة، إلا أن الجنيه المصري تراجع بنسبة 0.6٪، اليوم الخميس، ليصل إلى أدنى مستوى له مسجلا 30.54 مقابل الدولار.
وأوضحت الوكالة في تقريرها أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية الشهرية في مصر بأكبر وأسرع نسبة زيادة على الإطلاق أدى إلى ارتفاع حاد في معدلات التضخم في يناير وبالتالي اضطرار البنك المركزي لاستئناف رفع أسعار الفائدة.
وبحسب "بلومبرغ"، كانت الزيادة في الأسعار مفاجأة للعديد من الاقتصاديين حتى بعد أن أدى الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه يناير الماضي إلى زيادة الضغوط على المستهلكين في مصر التي تجاوز عدد سكانها ٩٠ مليون نسمة لتكون أعلى دول الشرق الأوسط من حيث الكثافة السكانية.
وتشير جميع المؤشرات التي ذكرتها الوكالة إلى أن البنك المركزي المصري سيكون مضطرا لفرض سياسة نقدية أكثر تشددا لمحاولة احتواء ارتفاع التضخم وزيادة سيولة العملات الأجنبية داخل البلاد.
والحلول السابقة قلل من جدواها أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية، مصطفى شاهين، الذي قال لموقع "الحرة" إنه إذا كانت الحكومة المصرية تريد حلا جذريا وإنقاذ الشعب من الفقر والجوع، فيجب عليها إعادة هيكلة برنامج الدعم. لكنه أوضح أن هذا الحل ليس اقتصاديا بالنسبة للحكومة وكذلك لصندوق النقد الدولي.
كما أكد "شاهين" على أهمية العودة سريعا لتوطين الصناعات وتشجيع الإنتاج المحلي. وقال إن الحكومة لن تستطيع حل أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بدون أن نكون دولة منتجة، لأن استمرار الاعتماد على الاستيراد سيفاقم أزمة نقص الدولار، وبالتالي ستزداد أسعار المواد الغذائية.
أزمة أخرى سلطت عليها "بلومبيرغ" الضوء وهي عبء الديون وارتفاع فوائدها مع استمرار انخفاض قيمة العملة واستمرار انخفاض تصنيف مصر من قبل المؤسسات المالية الدولية وبالتالي هروب المستثمرين. وأوضحت أن هذا الأمر يسبب مصدرا كبيرا للقلق للحكومة المصرية التي تنفق ما يقرب من نصف إيرادها على مدفوعات الفائدة.
"إذا كان العالم لا يرغب في رؤية مصر مفلسة، فيجب الإسراع بالتدخل لإيجاد حلول عاجلة" بهذه العبارة بدأ مدير معهد السياسات الدولية بواشنطن، باولو فون شيراك، حديثه لموقع "الحرة".
وقال شيراك إن "هناك قرارات اقتصادية مختلفة يمكن للحكومة المصرية اتخاذها لحل الأزمة لكن نتائجها ستكون بعيدة المدى. وللأسف، مصر لا يمكنها حاليا الانتظار".
وأضاف أن "الحل لإنقاذ مصر على بشكل عاجل يكمن في يد الولايات المتحدة الأميركية وصندوق النقد الدولي لتقديم مساعدات مالية عاجلة بالإضافة إلى تقديم المشورات الاقتصادية لاتخاذ القرارات الصائبة وكذلك شحنات من المواد الغذائية المطلوبة".
وعند سؤاله عن مدى إمكانية تحقيق مثل هذا الحل خاصة أن مصر بالفعل تلقت قروضا من صندوق النقد الدولي وتعاني من عبء الفوائد، أوضح شيراك أن مصر "تعاني من حكومة محدودة الكفاءة، وليس لديها القدرة على اتخاذ القرارات الاقتصادية الصائبة، وبالتالي لا يكفي تقديم القروض ذات الفوائد المرتفعة فقط إلا إذا كنا نريد أن نرى مصر دولة مفلسة".
"سيناريو الإفلاس أو المجاعة" اعتبره مدير معهد السياسات الدولية بواشنطن من الكوارث التي لن يتحملها العالم حاليا، متسائلا: "هل تريد الولايات المتحدة والغرب عموما أن ترى سوريا أو لبنان جديدة؟".
وقال إن "العالم يعلم أن مصر دولة ذات مكان مهم ومؤثر في الشرق الأوسط بسبب قناة السويس وإسرائيل وهي لا تقل أهمية عن أوكرانيا التي ساعدتها واشنطن بملايين الدولارات، لذلك لا يجب الوقوف مكتوفي اليد بدون التعجيل بتقديم حزم المساعدات المالية والغذائية العاجلة".
وأوضحت بلومبيرغ أن الحكومة المصرية تولي قضية ارتفاع الأسعار اهتماما كبيرا وتأتي في أولوياتها لإدراكها مدى تأثير مثل هذه الأزمة على مستقبل الحكومة ككل. لكن فيما يخص مدى انعكاس الأرقام الرسمية على درجة شعور المواطن المصري بالأزمة، قال الخبير الاقتصادي، علاء عبدالعليم، لموقع "الحرة"، إن الأرقام الرسمية تشير إلى أن نسب التضخم تتجاوز ٢٧٪ وهذه الأرقام تختلف عن إحساس المواطن العادي الذي بالفعل يشعر أن نسبة الزيادة تتجاوز ١٠٠٪ بالنسبة للسلع الغذائية ومختلف الخدمات، كما أنه من المتوقع أن تكون هناك زيادة جديدة في أسعار الوقود في الفترة القادمة.
وأضاف عبدالعليم أن العديد من الأسر التي كانت تصنف ضمن الطبقة المتوسطة أصبحت الآن ضمن طبقة محدودي الدخل، متابعا أن محاولات الحكومة لتطمين الناس لا تجد صدى في الشارع المصري.
وتوقع الخبير الاقتصادي أن تشهد مصر أزمة كبيرة في حال استمر الوضع على هذا الحال، مشيرا إلى أن الحل من وجهة نظره يكمن في ضرورة أن يكون لدى سلاسل توريد واضحة حتى تكون قادرة على ضبط الأسعار والتحكم في الأسواق ولا تترك الأمر في يد التجار، كما يجب إنشاء روابط قوية تجمع بين المستهلكين والمنتجين.
لكن يشكك بعض الخبراء في مدى مصداقية التقارير الدولية التي تتناول وضع الاقتصاد المصري، وقال الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية في مصر، فؤاد أبو ستيت، لموقع "الحرة" إن "مثل هذه التقارير لا تتسم بالمصداقية، خاصة في وجود تقارير أخرى إيجابية من البنك الدولي وصندوق النقد".
ويري الخبير الاقتصادي أن مصر تمر بوعكة حاليا بسبب عدة عوامل عالمية أبرزها الحرب الروسية على أوكرانيا ووباء "كوفيد-١٩"، لكنه أكد أنها ستتعافى وتستعيد قوتها ثانية. وقال: "مع أول تحريك لسعر الصرف الجنيه في أكتوبر ٢٠١٦ تقريبا، تعرضت مصر لأزمة اقتصادية مشابهة، ووصلت معدلات التضخم إلى معدلات مماثلة للوضع الحالي، لكن خطط الحكومة نجحت في إنقاذ الوضع، التي شملت الخصخصة الجزئية، في المسارات الثمانية للاقتصاد الكلي، وحققت مصر نموا اقتصاديا في الفترة بين 2016 إلى 2019 تجاوز نسبة 5٪، كما انخفض التضخم، واستقر سعر الصرف نسبيا، لكن الأزمات العالمية حاليا كان لها تأثيرها على مصر أيضا مثل معظم دول العالم".