أواسط الشهر الماضي، نشر صانع المحتوى المصري، محمد حسام الدين، مقطع فيديو ساخر، شاهده أكثر من 7.5 مليون متابع على فيسبوك، بعدها بأيام قليلة، اعتقلته السلطات، مع أربعة أشخاص آخرين شاركوا معه في الفيديو، بتهمة "الإرهاب"، على الرغم من حقيقة أن الفيديو لا يتضمن أي رسالة سياسية صريحة.
ويظهر مقطع الفيديو الذي يحمل عنوان "الزيارة"، امرأة تزور خطيبها في السجن بعد اعتقاله، ويتبادل الثنائي المزاح مع العديد من الشخصيات الأخرى بما في ذلك أحد حراس السجن.
وتقوم صانعة المحتوى بسمة حجازي، التي يتجاوز عدد متابعيها على تطبيق تيك توك 200 ألف متابع، بدور المرأة ويلعب محمد حسام الدين، الذي يتابعه أكثر من مليون شخص على فيسبوك، دور السجين.
ونُشر الفيديو ومدته ثلاث دقائق في 13 يناير وتجاوز عدد مشاهداته سبعة ملايين مشاهدة على فيسبوك.
وقال مختار منير، وهو محامي اثنين من صناع المحتوى المعتقلين لرويترز، إن المحتجزين يواجهون تهم "الانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويل جماعة إرهابية ونشر وإذاعة أخبار كاذبة واستخدام حساب على مواقع التواصل الاجتماعي بغرض ارتكاب جريمة من الجرائم الإرهابية".
ورُفعت قضايا أخرى ضد صناع محتوى ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر في السنوات القليلة الماضية بما في ذلك مقاطع فيديو تتناول مواضيع حساسة مثل الظروف المعيشية أو تلك التي ترى السلطات أنها "تنتهك القيم الاجتماعية المحافظة".
"فرض الصوت الواحد"
وبحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز"، فإن حملة الاعتقالات التي تشنها السلطات المصرية على صناع المحتوى الذين تنتشر نتاجاتهم على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، حتى لو كان هذا المحتوى غير سياسي، "جزء من حملة قمع على حريات التعبير".
وأضافت الصحيفة، أنه في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية متصاعدة وتزايد الضغط الشعبي على الحكومة، تسعى السلطات إلى إقناع المصريين الذين لديهم عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي بـ"الانصياع لخط الحكومة"، من خلال فرض الصوت الواحد.
في هذا السياق، يقول الصحفي المصري المعارض، وليد عباس، إن الاعتقالات التي تطال نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي "ليست ظاهرة جديدة وإنما بدأت مع وصول السيسي إلى الرئاسة"، وذلك وتحديدا باستخدام اتهامات مثل "نشر أخبار كاذبة والانضمام لمنظمات إرهابية".
ومنذ توليه الرئاسة في عام 2014، يحذر عبد الفتاح السيسي الذي شغل قبلها منصب مدير المخابرات العسكرية بالتزامن مع الثورة المصرية التي انطلقت شرارتها الأولى من تويتر وفيسبوك، (يحذر) مرارا وتكرارا من مخاطر الإنترنت وما يصفه بـ "الحرب" باستخدام وسائل الإعلام والاتصال لإحداث عدم استقرار في المجتمع ، بما في ذلك بين الشباب، بحسب الصحيفة.
ويبرز الصحفي المصري في تصريح لموقع "الحرة"، أن من المستحيل تقنيا فرض الصوت الواحد أو الهيمنة على شبكات التواصل الاجتماعي ولكن الأجهزة الأمنية، تستمر في ملاحقة المؤثرين عليها بهدف تحجيم حجم المعارضة على الشبكة.
وبحسب الفاينانشيال تايمز، بدأ العديد من المصريين في التشكيك في طريقة إدارة الأزمة الاقتصادية الحادة بالبلاد، مع تفاقم معدلات التضخم وانخفاض احتياطي العملات الأجنبية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار تسبب في معاناة فئات واسعة من المصريين في الحصول على المواد الغذائية الأساسية.
في هذا الجانب، يقول عباس، إن من الصعب اليوم "صرف الأنظار عن الأزمة الاقتصادية الحادة والعميقة، بأي طريقة"، مشيرا إلى أن "المسعى المستحيل" الذي تطمح إليه سلطات البلاد، يبقى "تغليب وجهة النظر الرسمية على تحليلات مختلفة للأزمة".
ويورد الناشط المصري أن عجز الإعلام الحكومي عن التسويق للنظام "يبرز في انصراف الجمهور عنها وفي انتقادات رئيس الدولة لهذا الإعلام، مع بروز دور شبكات التواصل الاجتماعي وظهور أعداد كبيرة ومتزايدة ممن يعبرون عن آرائهم، وغالبيتهم ضد سياسات النظام".
ويشير عباس إلى أن هذه المنصات أصبحت "أداة الإعلام الحقيقية للمصريين"، وهو ما برز في انتقادات حادة وجهها إعلاميون مقربون من السلطة لشبكات التواصل الاجتماعي.
وتستخدم السلطات الأمنية تشريعات مكافحة الجريمة المنظمة لعام 2018 لاستهداف أولئك الذين يُعتقد أنهم ينتهكون قيم الأسرة المصرية أو يسيئون للإسلام. ويقول محامون ونشطاء حقوقيون إن السلطات تستخدم بشكل متزايد قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015 الذي يعرّف الإرهاب على أنه أي شيء يتعارض مع المصلحة الوطنية والسلامة العامة.
وفي الفترة التي سبقت قمة المناخ الدولية التي استضافتها مصر الخريف الماضي، ألقت السلطات الأمنية القبض على مئات الأشخاص الذين اشتبهوا في ارتباطهم بدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي للاحتجاج على مستوى البلاد.
وتطالب عدد من المؤسسات الحقوقية المصرية بإغلاق القضايا التي يتابع فيها تضم عدد كبير من الصحفيين واليوتيوبرز وصناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتشابه فيها لائحة الاتهامات، رغم اختلاف ملابسات التحقيق معهم.
"اتهامات غير مقبولة"
المحامي والحقوقي المصري، هاني سامح، علق على وقائع اعتقال صناع محتوى ساخر على وسائط التواصل الاجتماعي، قائلا إن "الاتهامات الموجهة لهم "لا ترقى للصمود أمام الإجراءات القضائية، حيث أنه معظم الحالات يتم الإفراج عن المحبوسين خلال أشهر دون الإحالة للمحكمة الجنائية".
ويتابع سامح في تصريح لموقع "الحرة"، أن توجيه اتهامات بالانضمام لجماعات إرهابية وغيرها لصناع المحتوى الساخر "غير مقبول ويمثل عصفا بخطورة تلك الاتهامات، كون أغلب صناع المحتوى الساخر من الشباب الحداثي وبعضهن فتيات متبرجات، لايعقل توجيه هذه الاتهامات لهن، في حين يترك صناع المحتوى المتطرف من تجار الدين والرجعيين ينفثون سموم الكراهية والتكفير دون حساب".
ويذكر المحامي المصري، أنه "لايمكن تبرير توجيه اتهامات الإرهاب ووضع صناع المحتوى الساخر في سلة واحدة مع أعضاء الجماعات الارهابية والدموية".
ويبرز سامح أن سياسة الدولة المصرية "تقوم على إعلاء الحقوق والحريات الشخصية والعامة وقيم التعبير وفق دستور ثورة يونيو"، مشيرا إلى أن قيام بعض الجهات بـ"توجيه تلك الاتهامات يخالف توجيهات الرئاسة وأسس الحوار الوطني القائم حاليا".
ويدعو المتحدث ذاته، إلى "وضع الأمور في نصابها بالأخص وأن إخلاء سبيل هؤلاء آت، لا محالة وفق ضمانات الدستور والقانون ورسالة الحريات والحقوق التي تنتهجها قيادة البلاد".