شح تدفق العملة الصعبة يزيد من أزمة الاقتصاد المصري الذي يعتمد على استيراد 80 في المئة من احتاجاته
شح تدفق العملة الصعبة يزيد من أزمة الاقتصاد المصري الذي يعتمد على استيراد 80 في المئة من احتاجاته

"أنا قررت عدم أكل الفراخ منذ ثلاثة أشهر"، هكذا تؤكد أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، عالية المهدي، في حديثها لموقع "الحرة"، معتبرة أن أسعار اللحوم باتت مرتفعة للغاية. 

وتقول المهدي "كنت أشتري الفرخة ما بين 90 إلى مئة جنيه، وسافرت في ديسمبر إلى الولايات المتحدة، وعندما عدت في يناير صدمت عندما وجدت سعرها قد وصل إلى 150 جنيها، فقررت عدم شراءها". 

يصل سعر الدجاجة ذاتها حاليا في مصر، بحسب المهدي، إلى 205 جنيهات، مشيرة إلى أن الكثير من المقتدرين في مصر غيرها قرروا مقاطعة منتجات معينة لغلاء الأسعار الذي أحيانا ما يكون مبالغا فيه. 

وتعكس أسعار الدجاج، وغيرها، أزمة في نقص العملة الأجنبية التي يشتري بها المستوردون الأعلاف التي يعتمد عليها قطاع الدواجن بنسبة 75 في المئة، والتي ارتفعت أسعارها بنحو 4 أضعاف أسعار العام الماضي، متأثرة بتضخم الأسعار العالمية، والانخفاضات المتكررة للجنيه، ونقص الدولار مع قيود الاستيراد التي أخَّرت البضائع في الموانئ.

تقدر الفجوة الحالية بين ما تنتجه مصر من الدواجن، والكمية المطلوبة للاستهلاك المحلي بنحو 70 ألف طن شهريًّا، بعد تراجع معدلات إنتاج الدواجن بنسبة 40% وتخارج كثير من صغار المربين من السوق.

الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي

"شح العملة الصعبة"

أستاذة الاقتصاد السياسي في الجامعة الأميركية سابقا، نادية رمسيس، تقول لموقع "الحرة"، "سنتخلى عن اللحوم ونعود للفول الذي أصبح سعره مرتفعا هو الآخر". 

وتقول: نحن نعيش في أزمة كبيرة في ظل تضخم وصل إلى 22 في المئة، الناس تعاني بشكل خطير، والأزمة على كل الطبقات، ما عدا نصف في المئة فقط". 

وأضافت: "واضح جدا أن هناك شحا في العملة الصعبة رغم أن الحكومة لا تصدر بيانات رسمية حول ذلك الأمر، يبدو أنه من أسرار الدولة". 

فائدة كبيرة

ومن بين المؤشرات على نقص العملة الأجنبية، ما طرحته مصر من سندات إسلامية سيادية الشهر الماضي، بمبلغ 1.5 مليار دولار، بفائدة "هي الأعلى في العالم"، بحسب المهدي، إذ وصلت إلى 10.75 في المئة وهي تقريبا ضعف ما طرحته مصر على شهادات دولارية في بنوكها منذ أشهر قليلة، معتبرة أن "الدول التي لديها أزمة كبيرة في اقتصادها هي التي تلجأ إلى هذا الخيار". 

وتشير تقارير إلى أن مصر لجأت إلى هذا الخيار لسداد ديون مستحقة في الأسبوع الثالث من نفس الشهر لسندات اليوروبوند الأوربية، بلغت قيمتها نحو 1.25 مليار دولار.

ويبلغ عبء خدمة الدين، الذي يتعين على القاهرة سداده في 2022-2023 حوالي 42 مليار دولار، وفق البنك الدولي.

وتشير أحدث التقارير الرسمية إلى أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج انخفضت بنسبة 20.9 في المئة خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2022/2023، لتسجل 6.4 مليار دولار، مقابل 8.1 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي الماضي.

وتعتبر تحويلات المصريين بالخارج، التي بلغت 32 مليار دولار العام المالي المنتهي في يونيو 2022، من أهم موارد الدولة لتوفير العملة الصعبة. 

وكانت صادرات مصر حتى شهر أكتوبر الماضي بلغت حوالي 37 مليار دولار، في حين بلغت الواردات 86 مليار دولار حتى شهر نوفمبر، مما يعني أن هناك عجزا كبيرا. 

وتعطلت المحادثات بين السعودية ومصر، الخاصة بشراء بنك "المصرف المتحد" في القاهرة بسبب خلافٍ بشأن كيفية تقييم الصفقة، التي تقدر بملايين الدولارات، في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة المصرية على جمع التمويل الذي تحتاج إليه بشدة. وكان الصندوق السيادي السعودي قد بدأ مفاوضات مع السلطات المصرية لشراء البنك العام الماضي، ويمتلك البنك المركزي 99.9% من أسهمه وفروعه الـ65 على مستوى البلاد.

أفادت المنصات الإعلامية بأن التعطيل سببه كيفية تقييم تأثير انخفاض قيمة الجنيه المصري في الصفقة.

وتقول المهدي: "ما يوصف بأنه استثمارات من قبل الخليجيين هو في الحقيقة معظمها عبارة عن تحويل أموال لأنهم يشترون مشاريع موجودة بالفعل، لكن الاستثمار يعني إنشاء كيان جديد وتشغيل عمال جدد، معتبرة أن "هذه التحويلات تفك أزمة العملة لكنها لا تقدم قيمة إضافية للمصلحة القومية ولا تخدم البلد على المدى الطويل". 

"تخفيض جديد للجنيه"

وتعهدت دول الخليج، وبينها المملكة العربية السعودية، برعاية اتفاق صندوق النقد الدولي، في نهاية 2022 بضخ أكثر من 10 مليارات دولار في صورة استثمارات، (وليست مساعدات) في اقتصاد مصر، لم تتلقَ منها مصر سوى جزء ضئيل حتى الآن.

ويشير تقرير لمركز "حلول للسياسات البديلة" في مصر، صدر الأحد، إلى أن "التباطؤ في تحقيق التعهدات من الطرف الخليجي يعود إلى أسباب عدة، أهمها: عدم استقرار قيمة الجنيه المصري على سعره الحقيقي حتى الآن، بالتالي فلن يضخ المستثمرون المزيد من الأموال في سندات أو حصص الشركات إذا لم يتمكنوا من استبعاد هبوط آخر في العملة". 

ومن بين الأسباب التي يوردها تقرير المركز "تراخي مصر في إجراء الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة التي وعدت الحكومة المصرية بها صندوق النقد، التي تشمل: الحد من مشاركة الدولة والمؤسسة العسكرية في الاقتصاد، وتأجيل الإنفاق الدولاري على المشاريع العملاقة، وضمان المزيد من الشفافية والحوكمة فيما يتعلق بالأوضاع المالية للشركات المملوكة للدولة والشركات غير المدرجة في البورصة.

وعرضت السلطات كذلك العديد من الأصول المملوكة للدولة للبيع اذ أن القرض الذي حصلت عليه القاهرة نهاية 2022 من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار كان مصحوبا بشروط من بينها خصخصة العديد من الشركات العامة والإبقاء على سعر صرف مرن للجنيه المصري بحيث يعكس قيمته الحقيقية.

ويبلع سعر الدولار اليوم نحو 30.72 جنيها اليوم، ولكن العملة المصرية لا تتحرك بحرية كما يطالب صندوق النقد الدولي.

وتوقع بنك "سوسيتيه جنرال" يوم 24 فبراير انخفاضًا آخر في قيمة الجنيه المصري بنحو 10 في المئة دون مستواه الحالي قبل نهاية مارس 2023، ليصل سعر الصرف الدولار الأميركي إلى 34 جنيهًا مصريًّا. 

وعلى الرغم من فقدان الجنيه 50% خلال العام الماضي بعد خفض قيمته ثلاث مرات، "فإن العملة لم تصل بعدُ إلى سعر صرفٍ متوازن قصير الأجل، في ظل عدم اتخاذ البنك المركزي إجراءات حاسمة لتشديد السياسات النقدية للحد من التضخم وإعادة المستثمرين الأجانب إلى السوق، مما زاد من الضغوط على الجنيه". 

لكن أحد المصرفيين في مصر، رفض ذكر اسمه، قال لموقع "الحرة" إنه لا يتوقع تعويما جديدا للجنيه خلال الشهر الجاري". 

"لن يحل الأزمة"

وقالت رمسيس لموقع "الحرة": "من المفترض أن يحدث تخفيض قيمة الجنيه عندما يكون لدينا إنتاج نريد تصديره وحتى ننافس أسعار الدول الأخرى، لكن الحقيقة أن لدينا عجزا كبيرا جدا في التصنيع، ونستورد أكثر من 80 في المئة من احتياجاتنا، ونبيع شركات القطاع العام لتوفير العملة الصعبة". 

ورغم توقعها بعدم تخفيض جديد قريب لقيمة الجنيه أمام الدولار، فإنها تشير إلى أن إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن زيادة مرتبات موظفي الحكومة، "ربما يكون مقدمة لحدوث ذلك بالفعل". 

وأضافت أن أي تخفيض جديد للجنيه لن يحل الأزمة ولن يكون له أي أثر إيجابي، "بل بالعكس، سيزداد التضخم، وستنسف زيادة المرتبات التي أعلن عنها الرئيس". 

ويرى المحلل الاقتصادي، طارق إسماعيل أن "الأزمة الاقتصادية الحالية، ستظل قائمة طالما لم يتم العمل على زيادة إيراداتنا من العملة الصعبة، سواء من خلال تصدير منتجات أو إنشاء أفكار مبتكرة تنفذ بشكل صحيح، مثل مبادرة السيارات للمصريين في الخارج، والعمل على تعزيز قطاع السياحة وتقليل الواردات في نفس الوقت"، معتبرا أن كل المحاولات الحكومية الحالية "عبارة عن مسكنات". 

القطاع الخاص

وتعتبر المهدي أن بداية حل الأزمة يأتي من جانب الحكومة التي عليها أن تشجع القطاع الخاص على أرض الواقع، "نعمله البدع عشان يشتغل، لأن ما نراه هو عبارة عن كلام فقط".  

وقالت: "أتحدث عن القطاع الخاص المصري، وليس الأجنبي، لأنه ليس هناك خواجة سيأتي بدلنا وينشئ مشروعا جديدا إلا عندما يكون المصري مرتاح ولديه أموال ينفقها". 

وأضافت: "علينا تشجيع الشركات الخاصة على الاستثمار في الصناعة والزراعة وفي كل المجالات الإنتاجية التي تنتج سلعا مفيدة تغطي احتياجات السوق لتحل محل الوارادات، وذلك من خلال قروض ميسرة وبفوائد بسيطة للغاية". 

وتابعت: "أشعر أن الدولة تركز على فكرة بيع الأصول، وتتناسى دعم المشاريع الصناعية والزراعية، ومن دونها سنظل نستورد ونقترض". 

وكان السيسي، قال في 26 ديسمبر الماضي، خلال افتتاح مصنعي إنتاج الغازات الطبية والصناعية ومحطة توليد الطاقة الثلاثية بمجمع الصناعات الكيماوية بأوبورواش، إن الدولة حرصت على تحقيق الإنتاج المحلي الذاتي، مشيرا إلى أن هناك مساع من الدولة المصرية لإنتاج بعض المواد التي يتم استيرادها من الخارج". 

لكن المهدي قالت إن "كلام الرئيس مهم لكن الأهم هو التنفيذ. قيل قبل ذلك إن عام 2022 هو عام انطلاق القطاع الخاص، لكن لا أرى أنه انطلق حتى الآن". 

الشرطة المصرية
عنصر من الشرطة المصرية (أرشيف)

قُتل عنصران مصنفان على قائمة العناصر الإجرامية "شديدة الخطورة"، خلال تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن في محافظة مطروح بمصر.

وحسب تقارير إعلامية محلية فإن ذلك قد تم أثناء تنفيذ حملة أمنية استهدفت ضبط الشخصين بعد الاشتباه بتورطهما في واقعة الهجوم على قسم شرطة النجيلة، والتي أسفرت عن مقتل عدد من أفراد الشرطة.

ووفقًا لمصادر أمنية، فقد وردت معلومات تفيد بتواجد المطلوبين في إحدى المناطق النائية بالمحافظة، وعلى الفور تم تقنين الإجراءات القانونية اللازمة، والتوجه إلى الموقع. وخلال تنفيذ المداهمة، بادر العنصران بإطلاق النيران على القوة الأمنية، ما استدعى الرد عليهما، وأسفر الاشتباك عن مصرعهما في الحال.

وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة، بينما باشرت النيابة العامة تحقيقاتها. وتواصل الأجهزة الأمنية جهودها لتعقّب باقي العناصر المتورطة في الحادث.

وفي سياق متصل، نفت مصادر أمنية في وزارة الداخلية ما تم تداوله عبر بعض منصات التواصل الاجتماعي بشأن احتجاز نساء على خلفية الأحداث التي شهدها قسم شرطة النجيلة مؤخرًا.

وأكد المصدر أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، مشددًا على أن الأجهزة الأمنية ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق مروّجي هذه الادعاءات، لما تمثله من محاولة لبث البلبلة في الرأي العام.