أثار إعلان إحدى المؤسسات الأهلية المصرية إطلاق مبادرة لتطعيم الفتيات في المدارس، ضد مرض سرطان الرحم، جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وتضمنت بعض المنشورات مزاعم بأن التطعيم قد يكون وسيلة "لتعقيم الفتيات بدون علمهن".
وفي تصريحات لوسائل إعلام، قال رئيس مجلس أمناء مؤسسة "صناع الخير" عضو التحالف الوطني للعمل الأهلي، مصطفى زمزم، السبت، إن المؤسسة تستهدف إطلاق "مبادرة رحم" لعلاج سرطان الرحم بالتعاون مع خبراء من ألمانيا. وأوضح أن "هذه المبادرة ستعمل على تطعيم الفتيات بالمدارس حتى لا يتم استئصال الرحم بالكامل".
في يناير الماضي، وبالتزامن مع احتفال منظمة الصحة العالمية بالشهر العالمي للتوعية بمرض سرطان عنق الرحم، أعلنت وزارة الصحة في مصر عن مشروع قومي للكشف المبكر لسرطان عنق الرحم والتوعية بأهمية تطعيم الفتيات في بداية المرحلة العمرية من سن ١٢ سنة لحمايتهن في المستقبل من الإصابة.
ولا تعد مصر أول دولة تطلق حملة لتطعيم الفتيات ضد سرطان الرحم في المدارس، إذ سبقتها عدة دول عربية مثل السعودية والإمارات والمغرب.
ما هو سرطان الرحم؟
تحدث جميع حالات سرطان عنق الرحم تقريبا بسبب فيروسات الورم الحليمي البشري. وقد يتسبب الفيروس في إتلاف الحمض النووي والبدء في تحويل الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية إذا كانت هناك عدوى طويلة الأمد، وفقا لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
ويوجد أكثر من 100 نوع من فيروس الورم الحليمي البشري، وهي شائعة جدا لدرجة أن معظم الناس سيصابون بالعدوى في مرحلة ما خلال حياتهم، بحسب "بي بي سي".
ما معدل انتشار المرض؟
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، يأتي سرطان عنق الرحم في "المرتبة الرابعة بين السرطانات الأكثر شيوعاً بين النساء عالمياً، إذ قُدر عدد حالاته الجديدة بنحو 604 ألف حالة في عام 2020. ومن بين الوفيات المقدرة بنحو 342 ألف وفاة بسبب سرطان عنق الرحم في عام 2020، حدثت 90 في المئة منها تقريباً في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل".
وأوضحت المنظمة العالمية أن "الدول مرتفعة الدخل توفر برامج تتيح تطعيم الفتيات ضد فيروس الورم الحُليمي البشري وفحص النساء بانتظام وتزويدهن بالعلاج الكافي في مراحل يمكن خلالها علاجها بسهولة".
أما الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، فتقول منظمة الصحة إنها تعاني من محدودية إتاحة هذه الإجراءات الوقائية، وغالباً ما يتعذر التعرف على سرطان عنق الرحم إلى أن يبلغ مراحل متقدمة وتظهر الأعراض، ما يسفر عن ارتفاع معدل الوفاة بهذا المرض في هذه الدول.
ما طرق مكافحة هذا المرض؟
من أجل مكافحة سرطان الرحم، وضعت منظمة الصحة نهجا شاملا للوقاية منه تختلف بحسب الفئة العمرية.
وأوضحت المنظمة أن الوقاية الأولية، التي تشمل الفتيات ما بين التاسعة والرابعة عشرة من العمر، تتضمن التطعيم ضد فيروس الورم الحُليمي البشري للفتيات والفتيان أيضا، حسبما تقتضي الحاجة لذلك.
وأوصت المنظمة بضرورة نشر الوعي والتحذيرات الصحية بشأن عدد من الأمور التي تزيد من فرص الإصابة بهذا المرض، مثل تعاطي التبغ، وختان الذكور، تثقيف جنسي يلائم العمر والثقافة، بالإضافة إلى الترويج لاستعمال الواقي الذكري وتوفيره لأولئك المنخرطين في نشاط جنسي.
وبشأن التطعيم ضد فيروس الورم الحُليمي البشري، ثمة حاليا 4 لقاحات اختبرتها منظمة الصحة سابقا وتقي جميعها من نوعي فيروس الورم الحُليمي البشري 16 و18، المعروف أنهما يتسبّبان في ما لا يقل عن 70 في المئة من سرطانات عنق الرحم.
وتنتشر الفيروسات عن طريق ملامسة الجلد للجلد، لذلك يتم إعطاء اللقاح قبل دخول مرحلة النشاط الجنسي، وفقا لـ"بي بي سي". ولذا تنصح المنظمة بتطعيم الفتيات، ممن تتراوح أعمارهن بين التاسعة والرابعة عشرة، عندما يكون معظمهن لم يبدأن ممارسة نشاط جنسي لوقايتهن من سرطان عنق الرحم.
ما أهمية مبادرة تطعيم الفتيات في مدارس مصر؟
يرى طبيب النساء والتوليد والعضو السابق بمنظمة الصحة العالمية، الدكتور أسامة عبدالكريم، أنه إذا نجحت مصر بالفعل في تطبيق هذه المبادرة على مستوى الجمهورية فستكون بمثابة "ثورة طبية في مصر"، وستحدث تحولا كبيرا في الوقاية من سرطان عنق الرحم في مصر.
وأوصى عبدالكريم في حديثه لموقع "الحرة" جميع الأسر بتشجيع بناتهن على تلقي هذا التطعيم. وأوضح أن آخر الأبحاث، المنشورة في ديسمبر ٢٠٢٢، أظهرت أن اللقاح يحد من سرطان عنق الرحم بنسبة 90 في المئة تقريبا لدى أولئك الذين يختارون الحصول على اللقاح.
وبشأن مخاوف البعض من الآثار الجانبية لهذه التطعيمات على الصحة الإنجابية للفتيات، أكد الطبيب المصري أنه بخلاف ما يعتقده البعض، فإنه يشهد في عيادته العديد من الشابات اللواتي يصبن بهذا السرطان في عمر مبكر ويضطررن لإزالة الرحم حتى قبل زواجهن، وبالتالي تنعدم فرصهن في الإنجاب.
ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد الإصابات في مصر، لكن عبدالكريم أشار إلى أن النسب مرتفعة بشدة في مصر، وللأسف بين الفتيات في عمر صغير، مؤكدا أن مصر تعتبر من بين الدول التي تشهد ارتفاعا شديدا في معدلات الإصابة بسرطان الرحم في مرحلة الشباب.
ومن جانبها، أكدت استشاري الأطفال في مستشفى القصر العيني الحكومي، الدكتورة سارة حاتم، لموقع "الحرة" أن هذا اللقاح حماية للفتيات، وليس كما يعتقد البعض بأنه إساءة لهن.
وأشارت إلى أن منظمة الأغذية والدواء الأميركية FDA نصحت باستخدام لقاح الجارداسيل للفتيات والنساء في الفئة العمرية من 9-26 سنة قبل الزواج.
وبشأن رفض البعض لهذا التطعيم بدعوى أنه ليس له فائدة في المجتمعات الإسلامية، قالت حاتم إنه توجد فكرة خاطئة لدى كثيرين بشأن أن الفتاة التي تصاب بهذا السرطان أقامت علاقة غير شرعية وإن هذا المرض ينتقل فقط عن طريق العلاقات الجنسية.
وأضافت أن "الرجل المصاب قد ينقل المرض لزوجته، وكثير من الرجال يحملون الفيروس دون وجود أعراض، لذا هذا اللقاح يحمي الفتاة لما بعد الزواج".
وتابعت أن "إمكانية إصابة الرجل بالمرض محتملة إلا أنها بنسبة أقل بكثير من المرأة، وهذا اللقاح حماية لأشخاص قد يكونون ضحايا ممارسات غير محسوبة من بعض الأزواج".
وأوضحت الطبيبة المصرية أن أنواعا من الفيروسات تنتقل عن طريق التلامس الجلدي، وأخرى من نحو 40 نوعاً يتم انتقالها تناسلياً.