يعيش مستثمرو السندات المصرية مخاوف حقيقة من عدم وفاء القاهرة بديونها في غضون عام، وسط أزمة اقتصادية تواجه البلاد التي لا تزال تنتظر حزمة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي.
وأفادت وكالة "بلومبيرغ"، الخميٍس، بأن أسواق الدين أصبحت في حالة تأهب من مخاطر تخلف مصر عن سداد سنداتها وسط فقدان الثقة من قبل بعض المستثمرين. وأضافت الوكالة المتخصصة في الاقتصاد أن "وقت الأزمة يبدو أنه بات قريبا".
في المقابل، استبعد محللون اقتصاديون مصريون أن تتخلف الحكومة عن سداد هذه السندات قياسا بتاريخ البلاد الذي لم يشهد مثل هذه الحالة سابقا، علاوة على الحلول التي من الممكن أن يتم اللجوء لها للوفاء بحقوق المستثمرين.
وارتفعت تكلفة التأمين ضد التخلف عن سداد الديون السيادية خلال الأشهر الـ 12 المقبلة إلى مستوى قياسي، مما ساهم بحدوث "حالة شاذة" أدت لزيادة قسط التأمين على العقود لمدة خمس سنوات إلى أوسع نطاق على الإطلاق، حسبما ذكرت "بلومبيرغ".
في حديثه للوكالة الأميركية، قال جوردون باورز، المحلل في "كولومبيا ثريدنيدل للاستثمارات" ومقره لندن، "إن الانعكاس في منحنى الائتمان يدل بالتأكيد على تسعير السوق لاحتمال التخلف عن السداد على المدى القريب".
ويتم تداول حوالي 33.7 مليار دولار من سندات "اليوروبوند" المصرية أو حوالي 86 بالمئة من أوراقها المالية الخارجية القائمة بفارق أكثر من 1000 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية - وهو الحد الأدنى للديون لكي يمكن تصنيفها كـ"متعثرة".
"مستحيل"
واعتبر الخبير الاقتصادي المصري، عبدالنبي عبدالمطلب، تخلف مصر عن سداد ديونها مسألة "مستحيلة". وقال في حديثه لموقع "الحرة" إن الاحتياطي مصر من النقد الأجنبي يشكل ضعف الالتزامات المطلوبة منها خلال عام 2023.
بدوره، يذهب الخبير الاقتصادي المصري، علاء عبدالحليم، في الاتجاه ذاته بقوله إن "مصر لم تتخلف أبدا في سداد ديونها ... ودائما مع تدفع في الموعد المحدد حتى لو تمت إعادة هيكلة الدين".
وأضاف في حديثه لموقع "الحرة" أن مصر "تدرك خطوة التخلف عن السداد"، وهي تستطيع أن تجد حلولا للوفاء بالتزاماتها، بحسب تعبيره.
وفي سياق متصل، لم تتلق مصر التمويل الموعود من دول الخليج في وقت أرجأ فيه صندوق النقد الدولي مراجعته لبرنامج إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار، إذ يسعى للحصول على أدلة أكبر على أن السلطات تمضي قدما في تنفيذ الإصلاحات التي تم الإعلان عنها في ديسمبر الماضي، بحسب تقرير "بلومبيرغ".
وقال عبد المطلب إن ما يحدث بين الحكومة المصرية وخبراء صندوق النقد الدولي أشبه بـ "معركة تكسير عظام"، مضيفا: "الصندوق أكثر تشددا مما حدث في 2016".
وتابع: "الضغوط التي يمارسها الصندوق يبدو وكأنها أكبر مما توقعته الحكومة المصرية ... وربما كانت زيادة مخصصات الطبقة الفقيرة بنسبة 48 بالمئة تمثل رسالة طمئنة من الحكومة للصندوق الدولي بالالتزام بتعهداته".
ويطلب صندوق النقد الدولي الذهاب سريعا في تعهد الحكومة بطرح أسهم الشركات الحكومية في البورصة وانتهاج سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأخرى وإجراءات لحماية الطبقة الفقيرة، كما يقول عبدالنبي.
ويضغط عدم وصول النقد الأجنبي من قبل صندوق النقد الدولي أو الشركاء الدوليين على مصر لتغطية احتياجاتها من الإنفاق.
وقال باورز: "بدأ صبر السوق (الدين) ينفد تماما بشأن عدم إحراز تقدم (بين الحكومة وصندوق النقد الدولي) وإشارات إلى أن السلطات تلعب دورا صعبا عندما يكون لها اليد الأضعف في المفاوضات".
ويتطلع صندوق النقد الدولي أن يرى صفقات خصخصة لأصول الدولة ومرونة حقيقية في العملة المصرية قبل إجراء المراجعة الأولى، والتي كان من المفترض أن تستكمل خلال شهر مارس الماضي.
وبالإضافة إلى الضغوطات، اتخذت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية وجهة نظر أكثر تشاؤما للوضع المالي لمصر وتوقعت المزيد من الانخفاض في قيمة العملة وخفضت نظرتها من مستقرة إلى سلبية.
وقال عبدالنبي، من جهته، "بالتأكيد وكالات التصنيف العالمية تكون محل اعتبار للمستثمرين على مستوى العالم".
وأردف: "في ظل معدل تضخم يصل 40 بالمئة، يصر البنك المركزي على سعر فائدة أقل من 20 بالمئة وهذا تصرف غير مقبول ومن هنا أخفضت وكالات التصنيف نظرتها المستقبلية لمصر لأن السياسية النقدية لم تكن بالمرونة الكافية لكبح معدلات التضخم فضلا عن عدم وجود مؤشرات حقيقية بتنفيذ تعهداته لصندوق النقد الدولي".
"لا نريد أن نكون مثل لبنان"
وتعاني مصر، التي اتفقت على حزمة دعم مالي بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر، من ارتفاع التضخم وشح النقد الأجنبي وتأخر مستمر في الواردات.
وبعد الأزمة التي تفاقمت عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، انخفض الجنيه المصري بمقدار النصف منذ مارس 2022.
ويعتقد عبدالحليم أن ارتفاع معدلات التضخم سببها "خارجي"، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنه لم يستبعد "سوء الإدارة" والتي قال إنها تمثل 30 بالمئة من أزمة مصر.
ومع ذلك، قال عبدالحليم إن مصر ستبحث عن "حلول من السماء" لسداد سنداتها سواء بفوائد أعلى أو مزيد من بيع الأصول الحكومية.
وتابع: "التخلف سيكون له مردود سيء على الاقتصاد وسعر الدولار وتقييم مصر ... لا نريد أن نكون مثل لبنان" لدى وكالات التصنيف العالمية.
أما باورز فقال إنه على الرغم من أن المستثمرين أصبحوا أكثر حزما تجاه مصر خلال الأشهر الأخير، إلا أن البلاد لديها الوقت "لإصلاح مشكلاتها" في غضون العامين المقبلين وتجنب التعثر في السداد نظرا لوضع السيولة لديها أفضل من الاقتصادات النامية المتعثرة مثل باكستان.
وقال إن البلاد لديها احتياطيات كافية لتغطية إجمالي احتياجات التمويل الخارجي الإجمالية بنحو 27 مليار دولار خلال السنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2024.