يشكك خبراء اقتصاد في أن تتمكن مصر من تحقيق ملياري دولار قبل نهاية يونيو المقبل من بيع شركات حكومية، في ظل الغموض الذي يحيط بأسماء هذه الشركات، ما يثير تساؤلات بشأن كيفية سداد القاهرة لديونها.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي السبت، "نحن نسير قدما في برنامج الأطروحات بقوة ولن نتراجع عنه" مشيرا إلى أن الحكومة تسعى لتحقيق مبيعات بقيمة لا تقل عن ملياري دولار قبل نهاية يونيو.
وأضاف مدبولي في مؤتمر صحفي أن "الحكومة ستطرح حصصا في أكثر من عشر شركات مملوكة للجيش في إطار برنامج الخصخصة".
من جانبه يستبعد الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، طرح الشركات المملوكة للجيش في خلال شهرين، كما صرح رئيس الوزراء، "بل ولا حتى الشركات الحكومية".
وقال النحاس لموقع "الحرة": "الدولة لم تعلن حتى الآن عن الشركات التي تود طرحها أساسا، ولم تعلن عن النسب التي سيتم طرحها، ولا أحد يعلم حتى الآن الأصول التي يتحدث عنها رئيس الحكومة".
وأضاف: "هناك حديث عن بيع بنك "المصرف المتحد"، وأصول مطلة على كورنيش النيل، لكن ليس هناك معلومات أكيدة بشأن ما سيتم بيعه".
لكن أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، عالية المهدي، ترى في حديثها مع موقع "الحرة" أن "رئيس الوزراء لن يتحدث عن بيع شركات حكومية وأخرى تابعة للجيش خلال شهرين إلا إذا كانت هناك مفاوضات مسبقة بدأت منذ نحو أربعة أشهر على الأقل، وهناك ضمانات بأن عملية البيع في مسارها الصحيح".
وتقول المهدي إنها لا تعرف بالضبط شركات الجيش التي سيتم بيعها، إضافة إلى شركتي "وطنية للبترول" و"صافي للمياه".
وفي المؤتمر الصحفي أعلن مدبولي أن هناك شركات محددة، لم يسمها، "جاري التفاوض عليها".
وقال: "ليس صحيحا أن نعلن عن أننا نتفاوض على بيع الشركة الفلانية، يجب أن تحاط هذه الأمور بسرية حتى نحقق أفضل شيء للدولة المصرية".
وأضاف: "كنا أعلنا عن شركتين تابعتين للقوات المسلحة، هما وطنية وصافي في برنامج الطروحات، حاليا الجيش أعطانا عدد أكبر من الشركات التابعة له، ويتم تجهيزها حاليا من أجل الطرح، نحن نتحدث عن أكثر من عشر شركات أخرى".
لكن النحاس يصر على أنه من الصعب الانتهاء من عملية طرح الشركات الحكومية أو التابعة للجيش في غضون شهرين "بدليل أن رئيس الوزراء أعلن عن تعيين مستشار لتذليل كل العقبات الخاصة بعملية الطروحات، وفك التشابك ما بين الوزارات والهيئات، وهذا يعني أن أمامنا وقتا من أجل طرحها للبيع".
وأعلن رئيس الوزراء المصري أمس، "إعداد مسودة لعقد تعيين استشاري دولى لمساعدة الحكومة المصرية في برنامج الطروحات مع بنوك الاستثمار العالمية وهناك خطة واضحة وكاملة ونتحرك من خلالها.
وفي مطلع فبراير الماضي، أعلن مدبولي، في تصريحات للصحفيين، أسماء 32 شركة عامة وأصول سيتم طرحها في البورصة من بينها ثلاثة مصارف وشركتين تابعتين للجيش.
وكانت هذه هي خطة الحكومة المصرية التي كان من المقرر تنفيذها قبل نهاية العام الماضي.
ويرى النحاس أن عملية بيع شركات الجيش لن يتم قبل مارس من العام المقبل، مشيرا إلى أن "الملف كله مع الصندوق السيادي، وهو الذي يقرر ويتفاوض ويبيع".
وتشير المهدي إلى أن مبلغ المياري دولار التي حددها رئيس الوزراء كمستهدف من عملية البيع خلال شهرين "بناء على التزامات دولية يجب على مصر دفعها".
واعتبرت أن "إعلان رئيس الوزراء هو عبارة عن تطمين للبنوك الدولية بأننا قادرون على سداد ديوننا".
وخلال حديث مدبولي السبت عن طرح شركات للبيع قال إن "مصر لم ولن تخفق في سداد أي التزامات دولية".
وجاء حديث مدبولي، بعد أن أفادت وكالة "بلومبيرغ"، الخميٍس الماضي، بأن أسواق الدين أصبحت في حالة تأهب من مخاطر تخلف مصر عن سداد سنداتها وسط فقدان الثقة من قبل بعض المستثمرين. وأضافت الوكالة المتخصصة في الاقتصاد أن "وقت الأزمة يبدو أنه بات قريبا".
ويقول النحاس إن على مصر التزامات دولية بثلاثة مليارات دولار يجب عليها دفعها قبل نهاية يونيو المقبل.
ويسجل الاحتياطي لدى القاهرة أكثر من 34 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج. لكن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل الى أكثر من 155 مليار دولار.
لكن المهدي تعرب عن استغرابها من لجوء الحكومة للبيع "هل نحن لا نصدر ولا نجلب عملة صعبة، وأين إيرادات قناة السويس، وأين السياحة، هل البيع هو الوسيلة الوحيدة لسداد ديوننا".
لكن النحاس يقول: "القصة الآن ليست طرح شركات للبيع، السؤال هنا بشأن من سيشري منا إذا طرحنا شركات للبيع في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية، القرار ليس في أيدينا حاليا".
وأوضح: "أنا في رأيي أن القرار ليس في يد الحكومة ولا الصندوق السيادي. ليس معنى أن الحكومة المصرية ستعلن عن عملية الطرح سيأتي المستثمرون من كل حدب وصوب. الأسواق العالمية اليوم تعاني من مشكل اقتصادية، قرارنا بيد الآخرين".
وقال مدبولي إن التأخير في بيع حصص في شركات حكومية حتى الآن يرجع لحرص الحكومة على الوصول إلى أفضل عائد من البيع.
لكن الخبير الاقتصادي يقول إن رئيس الوزراء يقول هذا الكلام بعد أن هاجمه بعض الخبراء على بيع شركات حكومية العام الماضي بسعر عشرة جنيهات للسهم، أصبح يباع حاليا بستين جنيها".
وتراجعت قيمة العملة المصرية وسط ظروف اقتصادية صعبة، ويبلغ سعر الدولار حاليا نحو 31 جنيها مقابل 15,6 في مارس 2022، ما ساهم في ارتفاع معدل التضخم السنوي العام إلى 40 في المئة في بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج.
وتزامنا مع خطة حكومية "لبيع أصول مملوكة للدولة" للمساهمة في سد الفجوة التمويلية التي تبلغ حوالي 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع القادمة، بحسب تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، كان للخليج حصة الأسد فيما تم من استحواذات داخل السوق المصرية على مدار العام الماضي.
ورصدت شركة "انتربرايز فنتشرز" المصرية لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني في تقرير لها نشر في ديسمبر، 66 عملية استحواذ تمت في السوق المصرية في العام 2022. وهذا أكثر من ضعف الصفقات المنفذة في العام السابق له.
ويقول النحاس: "باختصار شديد، تصريحات رئيس الوزراء بمثابة رسالة لصندوق النقد الدولي بأن الحكومة على وعدها ببيع شركات حكومية وأخرى تابعة للجيش، لكنها تقول في نفس الوقت بأنها ستبدأ في فض اشتباكات ما بين بعض الوزارات".
وفي ديسمبر الماضي، توصلت مصر إلى حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهرا وتعهدت لصندوق النقد الدولي بتقليص مشاركة الحكومة في الاقتصاد والسماح بدور أكبر للقطاع الخاص.