جانب من الإنشاءات الجارية في العاصمة الإدارية الجديدة- الصورة بتاريخ 5 يونيو 2023
جانب من الإنشاءات الجارية في العاصمة الإدارية الجديدة- الصورة بتاريخ 5 يونيو 2023

أثار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تساؤلات  جديدة بعد تأكيده مرة أخرى على عدم تحمل الحكومة المصرية أي أموال بمشروع إنشاء العاصمة الإدارية، الذي تكلف مليارات الدولارات. 

وقال السيسي، الأربعاء الماضي، خلال مناقشة مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة: "والله العظيم والله العظيم ما خدنا جنيه من الدولة عشان نعمل العاصمة الإدارية، هو الدكتور محمد معيط (وزير المالية) معه أي أموال حتى يعطينا؟!".

وتأتي تصريحات السيسي المتكررة ردا على انتقادات لمشروعات أطلقها، يؤكد معارضون أنها حملت ميزانية الدولة فوق طاقتها، مما أدى إلى أزمة اقتصادية عميقة وتضخم بلغ نحو 40 في المئة، فضلا عن خسارة العملة المصرية أكثر من نصف قيمتها في نحو عام. 

لكن أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، عالية المهدي، في حديثها مع موقع "الحرة" ترى أنه "من المؤكد أن الدولة ساهمت في الإنفاق على العاصمة الإدارية بدليل القروض التي حصلت عليها، سواء لتنفيذ الأبراج التي يتم بناؤها، أو القطارات الكهربائية والمونوريل التي تمر كلها على العاصمة الإدارية، والتي تعتبر  النقطة الأساسية فيها ومن أجلها تم تنفيذ هذه المشروعات". 

مشروعات المونوريل والقطارات الكهربائية تم إطلاقها لإيصال مناطق مختلفة بالعاصمة الإدارية الجديدة- الصورة بتاريخ 18 أكتوبر 2022

هل أنفقت الدولة على العاصمة الجديدة؟

وبحسب صحيفة "الشروق" المصرية، كانت وزارة الإسكان وقعت عام 2019 اتفاقية مع مجموعة البنوك الصينية لتمويل وتصميم وإنشاء منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، بقيمة 3 مليار دولار.

وإجمالا، سيتعين على مصر دفع أكثر من 100 مليار دولار من الديون المحلية والأجنبية في السنوات المقبلة، وفقا لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن شركة الأبحاث البريطانية "أكسفورد إيكونوميكس".

وتضيف المهدي: "في تصوري أن الدولة تتحمل هذه القروض، كما أنها تتحمل بالطبع جزءا من الإنفاق الذي يتم في العاصمة من خلال الهيئات الاقتصادية التي من المفترض أن تشكل جزءا من الموازنة العامة للدولة". 

وفي أبريل 2016، تم تأسيس شركة مساهمة مصرية تتولي تنمية وإنشاء وتخطيط العاصمة الإدارية الجديدة. تم تأسيسها بالشراكة بين القوات المسلحة، وهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان. وتم تعيين مجلس إدارة بأعضاء ممثلين عن الطرفين.

وتستهدف مصر جذب نحو نصف مليون شخص، و40 ألف موظف حكومي في المرحلة الأولى، بحسب هيئة التنمية العمرانية، وفي النهاية أكثر من 6 ملايين شخص، إلى تلك المنطقة التي تبلغ مساحتها 270 ميلا مربعا (700 كيلومتر مربع).

وتقع المدينة في منطقة صحراوية على بعد 64 كيلومترا شرق القاهرة، حيث تتشكل "العاصمة الجديدة" مترامية الأطراف، التي تضم ناطحات سحاب ومساكن فاخرة وأسواق مفتوحة مخصصة للمشاة. وهو مشروع ضخم يتابعه السيسي، ويعقد من أجله الكثير من الاجتماعات. 

موظفون حكوميون في الحي الوزاري بالعاصمة الإدارية الجديدة يخرجون من مقار عملهم- الصورة بتاريخ 18 يونيو 2023

ووفقا لحساب "صحيح مصر" على تويتر، المتخصص في تدقيق تصريحات المسؤولين، فقد وصل المبلغ المخصص خلال عامين ماليين، من موازنة هيئة المجتمعات العمرانية للعاصمة الإدارية الجديدة، إلى نحو 17 مليار جنيه، (وذلك) لاستكمال تنفيذ مرافق الأسبقية الأولى في العاصمة بمساحة 10.5 ألف فدان وعمارات الحى السكنى، "وهو ما يتناقض مع تصريحات السيسي". 

وبحسب جريدة الشروق، بدأت وزارة الإسكان، في نوفمبر 2019، الإنفاق على مشروعات العاصمة الإدارية لحين وصول الشريحة الأولى من القرض، وكان أول مبلغ بقيمة 28 مليار جنيه من إجمالي استثمارات معتمدة، تبلغ 200 مليار جنيه حتى 2022.

ويساوي الدولار نحو 31 جنيها وفق السعر الرسمي حاليا، بينما يزيد عن ذلك بالسوق الموازية.

وتقول المهدي: "من المفترض أن تكون ميزانيات هذه الهيئات الاقتصادية جزءا من الموازنة العامة للدولة، إذا كان لدينا وحدة موازنة فعلا، وأي إنفاق وأي إيرادات تكون مسجلة بها، وكذلك أي فائض ربح يدخل للموازنة العامة، ثم يتم تخصيص موازنة للهيئة، لكن هذا لا يحدث". 

ولا تندرج موازنة هيئة التنمية العمرانية في الموازنة العامة للدولة، إلا بعد الانتهاء من إعداد الموازنة بشكل كامل، ويتم ربطها بموازنة الدولة عبر قانون ربط الموازنة.

وتلفت المهدي إلى أنه "حتى الأرض المبني عليها العاصمة ملك الدولة أساسا، وعندما تباع من المفترض أن تدخل إيراداتها، أو جزء من إيراداتها، للدولة، وجزء منها يذهب للهيئات الاقتصادية". 

وتضيف: "الدولة بالطبع تتحمل جزءا من الإنفاق الذي يتم في العاصمة من خلال الهيئات الاقتصادية يؤثر على موازنة الدولة في النهاية، ومن المؤكد أن الحكومة هي التي يجب عليها في النهاية أن تسدد أموال القروض التي حصلت عليها هذه الهيئات". 

"مضللة"

في المقابل يرد مستشار وزير التموين سابقا، مدحت نافع، بأن الأرقام التي تشير إلى تحمل الدولة تكاليف إنشاءات في العاصمة "قد تكون مضللة، لأنه قد يكون الإنفاق قد تم بالفعل، لكن تتم استعادته من ناحية أخرى، أو في حساب آخر". 

ويوضح في حديثه مع موقع "الحرة": "قد أكون قد أنفقت اليوم 100 جنيه، وواضح أن هذا قد الرقم خرج من جيبي لثمن الأرض ثم أعدت تهيئتها، ثم بعت هذه الأرض بثلاثة آلاف جنيه، وفي هذه الحالة لا يمكن القول أننى تكلفت أموالا في هذه العملية". 

ويضيف: "المعنى المقصود من حديث الرئيس ليس النفي التام أن هناك مبلغا ماليا تم تقديمه من قبل الحكومة، ولكن عدم تحمل تكاليف لم تتم استعادتها، أي أن الدولة تحملت تكاليف ولكنها استعادتها، وحققت بعدها أرباحا". 

وفيما يتعلق بعدم استعادة الدولة تلك الأموال، وإحالتها إلى شركة العاصمة بدلا من ذلك، قال نافع "هذا الكلام غير دقيق، لأنه صحيح أن الأرض التي كانت صحراء وخالية تماما كانت تتبع الدولة، لكن كم كان ثمنها قبل الترفيق (إعدادها للخدمات والمرافق) ، ثم كم أصبح السعر بعد الترفيق؟، وماذا بعد أن اكتمل تنفيذ بعض المشروعات بالفعل".

وأضاف: "سيظل الرقم الأول، وهو قيمة الأرض مبلغا بسيطا جدا، مقارنة بما عليها الآن"، مشيرا إلى أنه "يمكن لمؤسسات الدولة المختلفة، مثل مجلس النواب، أن يطالب بعودة بعض الأموال للدولة، وهذا في حالة إا لم يكن التخصيص قد صدر للقوات المسلحة، لكن ليس من حق مجلس النواب مثلا أن يطالب بأن تعود كل إيرادات هذا المشروع للدولة". 

الحكومة تدفع إيجار المباني

ورغم حديث السيسي بأن الدولة لم تتحمل أي تكلفة، فإنه أعاد إلى الأذهان تصريحاته السابقة منتصف العام الماضي، بأن إيجار مقرات الحكومة في العاصمة الإدارية الجديدة سيكون 4 مليارات جنيه سنويا. 

وتستنكر المهدي تصريحات السيسي قائلة: "ماذا يعني أن الدولة تدفع إيجارا للدولة، لا أفهم هذا الكلام بصراحة، من الذي أعطى هذه الأرض أساسا لشركة العاصمة". 

وفيما يتعلق بسبب إنشاء شركة لإدارة مدينة، وهو أمر غريب بحسب وصف المهدي، قال نافع "كان يجب إدارة العاصمة الإدارية من خلال هيئة، ورؤى أن الإدارة من خلال شركة سيكون أفضل واكفأ من إدارتها من قبل مجلس محلي". 

وأضاف: "إذا تم تخصيص لها محافظ ومجلس محلي سيكون حالها مثل كل المحافظات والمدن التي تعاني من كثير من المشكلات، لكن عندما تكون شركة ولديها أهداف يجب أن تحققها ستتمكن من التسويق والبيع والإدارة بشكل كفء لإدارة المرافق والحفاظ على مستوياتها". 

الصندوق السيادي

لكن المهدي تقول "يريدون أن يبيعوا الوزارات ومبانيها ومنشآتها، ثم تدخل أموال هذه العمليات للصندوق السيادي، رغم أن هذه الوزارات ملك للشعب المصري، وإذا بيعت لابد أن تدخل هذه الأموال في الموازنة العامة للدولة وليست للصندوق السيادي". 

وتأسس صندوق مصر السيادي بقانون رقم 177 لسنة 2018 وصدر نظامه الأساسي في فبراير بقرار رئيس الوزراء رقم 555 لسنة 2019، وتتم إدارته بشكل مستقل، إذ يشرف عليه مجلس إدارة بالإضافة إلى جمعية عامة غالبية أعضائهما من القطاع الخاص". 

وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات الحكومية، "يعمل الصندوق من خلال قانون خاص يسمح بتكوين شراكات استثمارية تتيح له خلق فرص استثمارية في مجموعة أصول فريدة للمستثمرين ودعم دور الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية مما يؤدي لزيادة النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات". 

وتضم محفظة صندوق مصر السيادي العديد من الأصول، مثل مبنى مجمع التحرير، ومبنى وزارة الداخلية، ومبنى الحزب الوطني، وأرض ومباني المدينة الاستكشافية، ومبنى القرية الكونية بمدينة السادس من أكتوبر، فضلًا عن أرض ومباني ملحق معهد ناصر، وأرض حديقة الحيوان بطنطا، وذلك بموجب قرار السيسي بزوال صفة النفع العام عن عدد من الأراضي والعقارات أملاك الدولة العامة، ونقلها لملكية الصندوق. 

وقد طرح الصندوق بالفعل عددا من هذه المشروعات. 

وفي المقابل، يرى نافع أن تسديد الوزارات قيمة إيجار استغلال المكان لشركة العاصمة "أمر جيد". 

وقال: "نحن لا نريد أن تتم معاملة الوزارات معاملة مختلفة عن القطاع الخاص، ومن المفترض أن تدفع مقابل استغلال المكان، وفي النهاية هي لا تدفع لهيئة غريبة، وهي تدفع لشركة العاصمة وهي شركة مملوكة للدولة، فهي تخرج من باب لباب آخر، وتذهب إما للصندوق السيادي الذي سيعيد استغلال هذه الأموال أو للوزارات في النهاية". 

يشار إلى أن المتحدث باسم شركة العاصمة الإدارية الجديدة، خالد الحسيني، لم يرد على تساؤلات موقع "الحرة" حتى تم نشر التقرير.

قرار جديد من الحكومة المصرية بشأن تحريك أسعار الكهرباء
قرار جديد من الحكومة المصرية بشأن تحريك أسعار الكهرباء

قال مجلس الوزراء المصري في بيان، الأربعاء، إن القاهرة وشركة سيمنس-غاميسا للطاقة المتجددة وقعتا اليوم الأربعاء اتفاقية مشروع إنشاء محطة رياح لإنتاج الكهرباء بقدرة 500 ميغاوات في منطقة خليج السويس.

وجاء في البيان "بموجب الاتفاقية تقوم شركة سيمنس-غاميسا بإنشاء وتمويل وتشغيل المشروع الذي سيسهم في زيادة مشاركة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية، وتحقيق أهداف الدولة في مجالات الطاقة المتجددة".

وتابع البيان أن ذلك يأتي في إطار برنامج عمل وخطط تنفيذية وإطار زمني مُحدد للوصول بالطاقة المتجددة إلى 42 بالمئة من مزيج الطاقة عام 2030، و65 بالمئة عام 2040، وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وخفض استخدام الوقود الأحفوري وتقليل الانبعاثات الكربونية".

وفي فبراير الماضي أعلنت وزارة الطاقة السعودية أن شركة أكوا باور وقّعت اتفاقية شراء طاقة مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء.

وتهدف الاتفاقية، إلى تطوير مشروع لطاقة الرياح بقدرة 2 غيغاوات في مدينة الغردقة، الواقعة على ساحل البحر الأحمر.

ويأتي هذا المشروع كجزء من التعاون بين الرياض والقاهرة في مجال الطاقة المتجددة، إذ تسعى الدولتان إلى توسيع استخدام مصادر الطاقة النظيفة، بما ينسجم مع التوجهات العالمية للحد من الانبعاثات الكربونية وتعزيز الاستدامة البيئية.

وتُعد أكوا باور من الشركات الرائدة في قطاع الطاقة المتجددة، حيث تملك مشاريع ضخمة في مختلف أنحاء العالم.

ومن المتوقع أن يُسهم هذا المشروع في تعزيز أمن الطاقة في مصر، إلى جانب توفير كهرباء نظيفة ومستدامة تدعم استراتيجيات التنمية المستدامة للبلاد، في وقت تسعى فيه القاهرة إلى الوفاء بالتزاماتها البيئية وفق الاتفاقيات الدولية للمناخ.