مصريون يعانون بسبب نقص أدوية حيوية في السوق
مصريون يعانون بسبب نقص أدوية حيوية في السوق

يحتاج خالد رمضان إلى أكثر من 20 دواء لأمراض مزمنة مثل الضغط والسكري والسيولة وأمراض مناعية أخرى، لكنه لا يجد 5 منها على الأقل في الصيدليات. 

ويشير رمضان، وهو موظف في شركة حكومية كبرى في مصر، إلى أن أزمته ليست مالية، إذ يتمتع بخدمة تأمين صحي، يصفها في حديثه مع موقع "الحرة" بكونها ممتازة، وإنما تكمن المشكلة "في العثور على الأدوية اللازمة لعلاج حالتي".   

وتشهد مصر حاليا نقصا أدوية حيوية، مثل الأنسولين لمرضى السكر، والبنسيلين للحمى الروماتيزمية، ومخدر "البنج" الذي يستخدمه أطباء الأسنان، بحسب أحمد هشام، صاحب صيدلية في محافظة القاهرة.

وأدى نقص الأدوية إلى ظهور سوق سوداء "على غرار سلع أخرى كثيرة مختفية في مصر الآن، مثل السكر"، بحسب هشام الذي تحدث مع موقع "الحرة". 

وفي الثامن من يناير الماضي، أفادت صحيفة "المصري اليوم" القاهرية بتقديم طلبات إحاطة بالبرلمان، بشأن نقص ملحوظ بالمستلزمات الطبية والأدوية داخل المراكز الطبية الحكومية، وهو ما تسبب في تأجيل إجراء عمليات داخل بعض المستشفيات، فضلا عن نقص أدوية حيوية، باتت غير موجودة في الصيدليات. 

وفي الرابع من فبراير الجاري، أقرت الحكومة المصرية بأن هناك نقصا في بعض الأدوية وعقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي اجتماعا مع وزير الصحة، ومحافظ البنك المركزي، ورئيس هيئة الدواء، ومسؤولين آخرين لدراسة تدبير احتياجات القطاع الصحي.

وبحسب البيان الرسمي، أوضح وزير الصحة والسكان، خالد عبدالغفار، أن هناك لجنة مشكلة بقرار رئيس الوزراء مهمتها العمل على توفير الأدوية والمستلزمات الطبية، تضمُ مسؤولي مختلف الجهات المعنية بهذا الملف.

وأشار إلى أن بعض الأدوية والمستلزمات الطبية، خاصة المستوردة، بدأ تتناقص الفترة الأخيرة، ومن ثم يأتي هذا التحرك المهم لزيادة الاحتياطيات منها.

أزمة في النقد الأجنبي

وتم خلال الاجتماع استعراض أبرز التحديات والمعوقات التي تواجه الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي لتنفيذ اختصاصاتها، في ظل قلة الموارد المُتاحة من النقد الأجنبي. 

وعزا عضو مجلس نقابة الصيادلة، ثروت حجاج، ظهور أزمة نقص الأدوية في السوق المصرية إلى انخفاض استيراد المواد الخام ككل، لافتا إلى أن نقص العملة الصعبة وارتفاع سعر الصرف أديا فى نهاية المطاف إلى تقليل استيراد تلك المواد من الخارج، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "المصري اليوم".

وتعاني مصر من أزمة اقتصادية ونقص مزمن في العملة الأجنبية، وتجري محادثات مع صندوق النقد الدولي لإحياء وتوسيع اتفاقية قرض، موقعة في ديسمبر 2022.

وأمس الثلاثاء، دعا عبدالغفار، خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، المواطنين لاستخدام الأدوية البديلة والمثيلة محلية الصنع، بدلا من الأدوية المستورة. 

وقال عبدالغفار، ردا على النائب نشأت فؤاد عباس عضو المجلس الذي تحدث عن نقص أدوية السكر ومنها إحدى الحقن التي يستخدمها بشكل شخصي: "مصر دولة منتجة للأنسولين"، بحسب ما نقلت صحيفة "المصري اليوم".

وأضاف أن "المستورد ممكن تكون متعود عليه، عندما يكون هناك بديل أو مثيل نستخدمه، وفي ظل الظروف الحالية ما أقدرش (لا أستطيع) أستورد الأنسولين اللي متعود عليه طالما في بديل، ممكن يكلفني مثلا 30 مليون دولار، وهناك أدوية لها الأولوية مثل أدوية الأورام والسرطان والأدوية التي لا ننتجها". 

ويقول رمضان، وهو في الأربعينيات من عمره، لموقع "الحرة" إن "الأدوية المستوردة غير موجودة تماما، أبحث عن البدائل المحلية بالفعل وأعاني حتى أجدها، وحتى هذه البدائل بعضها غير موجود تماما". 

ونقلت صحيفة "الشروق" عن رئيس جمعية "الحق فى الدواء"، عضو الحوار الوطنى محمود فؤاد، أن هناك مواد خام موجودة فى الموانئ تقدر قيمتها بـ190 مليون دولار، تنتظر توافر الدولار لخروجها إلى شركات صناعة الأدوية، مبيّنا أن هناك 188 شركة لديها مصانع فى مصر وتحتاج إلى المواد الخام لتستطيع مواصلة الإنتاج.

ارتفاع في الأسعار

وفي طلب إحاطة قدمه النائب سيد حنفي طه، في وقت سابق من الشهر الجاري قال إن "هناك عددا كبيرا من المرضى يعانون من أزمة نقص وارتفاع في أسعار الأدوية خاصة التي يحتاج إليها أصحاب الأمراض المزمنة، إذ أشارت بعض التقارير إلى أن هناك ارتفاعات تراوحت ما بين 70 إلى 200 في المئة في أسعار عدد كبير من أصناف الأدوية والعلاجات ورغم ذلك قد لا يجدها المريض"، بحسب ما أفادت صحيفة "المصري اليوم".

و"على سبيل المثال كانت علبة دواء الكولشيسين بخمسة جنيهات قبل عشر سنوات، ارتفع سعرها مرات عديدة وأصبحت الآن بـ120 جنيها وغير موجودة تماما حتى في السوق السوداء"، بحسب رمضان. 

سوق سوداء للدواء

ويشير رمضان إلى أنه يضطر إلى شراء هذه الأدوية من "السوق السوداء" بسعر أعلى بكثير من سعرها الموجود على العلبة. 

وعن سبب ظهور سوق سوداء للدواء، يقول الصيدلي هشام لموقع "الحرة" الشركات كانت تعطينا الدواء بخصم 25 في المئة، وأصبحت مؤخرا تعطينا الدواء بخصم واحد في المئة أو صفر أحيانا، إذا وفرته لنا من الأساس، أي أننا إذا بعناه بالسعر المدون على العلبة فلن نربح شيئا". 

"وبما أن الصيدليات ينبغي أن تحقق ربحا حتى تستمر بالعمل، يضطر البعض إلى ادعاء أن الدواء غير موجود ويتم توفيره فقط لمن سيدفع ثمنا أعلى من المدون على العلبة"، بحسب هشام. 

3 أسعار مختلفة

تستعد شعبة الأدوية فى الاتحاد العام للغرف التجارية لعرض سيناريوهات على هيئة الدواء تشمل رفع الأسعار بنسب تتراوح ما بين 20 و25 في المئة، حتى يتم القضاء على أزمة نقص الأدوية، بحسب رئيس الشعبة علي عوف لصحيفة "الشروق".

ويشير عوف أن هناك بعض الشركات تتجه حاليا إلى رفع سعر الفيتامينات مثل فيتامين سى وزنك وغيرها من الفيتامينات، باعتبارها غير مسعرة جبريا مثل الدواء، وتتبع هيئة سلامة الغذاء وليس هيئة الدواء، وذلك بهدف تعويض الخسارة التي تتحملها في الأدوية.

ويرى محمود فؤاد من جانبه أن هناك تسعيرة غير عادلة للعديد من أصناف الأدوية، ولكن يحدث ذلك في وقت يمر فيه الاقتصاد المصري بأزمة كبيرة فى جميع المناحى، وليس فى سوق الدواء فقط، ولذلك من الأفضل أن تتخلى شركات الأدوية عن هامش بسيط من الربح، وليس المطالبات المستمرة بزيادة سعر الدواء.

وقال رئيس "جمعية الحق فى الدواء"، إن هناك 3500 صنف دواء تم زيادة أسعارها منذ نهاية 2022، بنسب مختلفة تتراوح بين 15 إلى 20 في المئة، وهذا التسعير زاد عن حده، إذ إنه قبل عام 2018 كانت الزيادة فى التسعير لا تتعدى 10 أصناف من الدواء.

ولفت إلى أنه طالب خلال مشاركته فى الحوار الوطنى بضرورة مراجعة أسعار الدواء، إذ توجد لبعض الأدوية فى الأسواق 3 أسعار مختلفة، وهذا أمر لم يحدث من قبل فى تاريخ الدواء، إلى جانب نقص حاد فى بعض الأدوية الأساسية والضرورية لكل مواطن مصرى، مثل أدوية البرد وخوافض الحرارة وأدوية السكر وغيرها.

ويرى هشام أن هذا يكشف نوعا من الفساد داخل منظومة الدواء في مصر، إذ تتمتع بعض الشركات بعلاقة جيدة بمسؤولين في الدولة تقدم طلبا برفع أسعارها فتبت هيئة الدواء في الأمر بسرعة، في حين لا يسمح ذلك لشركات أخرى، أو لا يرد أصلا على طلباتها. 

وأضاف أن "هناك أدوية يرتفع سعرها في الشهر مرتين، بل أحيانا في نفس التشغيلة يخرج الدواء بسعرين مختلفين، وهذا أمر غريب". 

ويشير إلى أن هناك "مجموعات على تطبيق واتساب تحدث أسعار أصناف الأدوية كل يوم تقريبا. هذا حمل كبير على المريض الذي يستشيط غضبا منا أحيانا لكن الأمر ليس بيدنا". 

وأضاف: "أنا أحيانا أخسر لأنني أكون اشتريت علبة الدواء مثلا بـ20 جنيها وأبيعها بنحو 23 جنيها، وبعد يومين أطلب نفس الدواء فأجده قد أصبح بـ25 جنيها، وهنا علي أن أدفع من جيبي حتى أوفر الدواء". 

عناصر من الشرطة يبحثون في هاتف امرأة في الشارع في صورة تعود لعام 2019- المصدر: فرانس برس
عناصر من الشرطة يبحثون في هاتف امرأة في الشارع في صورة تعود لعام 2019- المصدر: فرانس برس

في مستهل العام الجديد، فوجئ المصريون بقرار حكومي أدى إلى ارتفاع أسعار الهواتف المحمولة المستوردة في مصر.

فمع بدء الحديث عن نية الحكومة فرض رسوم جمركية، بنسبة 38.5 في المئة، على الهواتف المستوردة، زادت أسعارها حوالي ألف جنيه. وبعد صدور القرار زادت ألفا آخر.

في بيانها قالت الحكومة إن الخطوة تهدف إلى تشجيع الصناعة المحلية عبر دعم الشركات الدولية والمحلية التي بدأت تصنيع الهواتف في مصر.

واختفت بعض منتجات الشركات العالمية مع بدء الحكومة تنفيذ قرار الرسوم الجديد.

"حتى يكون هناك تعطيش للسوق،" يقول الخبير الاقتصادي وائل النحاس لموقع "الحرة"، ويضيف أن "الحكومة باعت المواطن الذي أصبح تحت رحمة المستثمر".

وتزامن القرار مع إطلاق الحكومة منظومة إلكترونية جديدة لتسجيل الأجهزة المحمولة، بهدف "مكافحة التهريب وحماية الصناعة المحلية".

لكن النحاس يقول إن "الشركات المحلية لا تقدم أحدث الموديلات الموجودة عالميا، بل تنتج أجهزة من الفئة الأقل، مما يجعل مصر كأنها "مقبرة للهواتف القديمة".

وأضاف أن الشركات، مثل أوبو وشاومي وسامسونغ، تصنع طرازات قديمة فقط، وأحدث ما تنتجه سامسونغ في مصر مثلاً هو هواتف شعبية مثل Galaxy A95.

بينما الهواتف التي يجلبها المصريون القادمون من الخارج كهدايا، مثلا، أجهزة عالية المواصفات مثل آيفون وسامسونغ الحديثة، "بينما المصانع المحلية تنتج هواتف في فئات سعرية تتراوح ما بين سبعة و14 ألف جنيه (280 دولارا)، وهي بعيدة تماما عن الفئات المهربة التي تبدأ من 35 ألف جنيه فما فوق"، وقف النحاس.

توفير العملة الصعبة

الخبير المصرفي، طارق إسماعيل، يعتقد أن السلطات المصرية تسعى للسيطرة على مصادر إنفاق العملة الصعبة في ظل الاحتياج لها في هذه المرحلة.

ويؤكد أن "تقليل الاستيراد يهدف لتوفير أكبر قدر ممكن من العملات الأجنبية".

ويشير النحاس إلى أن تطبيق القرار يثير تساؤلات حول مدى استعداد السوق المصري لتحمل هذه التكاليف الجديدة، موضحًا أن "المنتجات المحلية تواجه مشكلة تسعير، حيث تباع الأجهزة المصنعة داخل مصر بأسعار أعلى من مثيلاتها المستوردة، مما يُظهر خللاً في دراسة السوق من قبل الشركات المصنعة".

ويرى أن تكاليف الإنتاج داخل مصر، بما في ذلك الرسوم ومصاريف النقل، تجعل الأسعار أقل تنافسية مقارنة بالدول الأخرى.

وقال: "إذا أرادت الحكومة أن تصبح مصر مركزا إقليميا للتصنيع والتصدير، فعليها أن تركز على تحسين تنافسية المنتجات المحلية بدلاً من إرهاق المستهلك بالضرائب والرسوم".

"بداية لرسوم أخرى"

يعتقد النحاس أن القرار خطوة تمهيدية لفرض رسوم على كافة الواردات التي يجلبها القادمون من الخارج.

وقال: "القرار صُمم لإثارة لغة استهلاكية داخلية، حيث يتم تصوير استيراد الهواتف كترف للأثرياء في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ما يمهد لفرض رسوم على أي واردات للهدايا أو الأجهزة التي تتجاوز قيمتها 15 ألف جنيه".

وتستضيف وسائل إعلام في مصر مستثمرين ووكلاء شركات هواتف نقالة للحديث عن تهريب السلع. 

ويرى النحاس أن  تلك الحوارات رسالة لجس نبض الرأي العام بشأن وضع رسوم على كل ما هو قادم من الخارج.

"يتعارض مع اتفاقات دولية"

يثير فرض الرسوم الجمركية أسئلة حول التزام مصر باتفاقيات التجارة الحرة التي تمنع فرض ضرائب إضافية على الواردات من دول مثل الصين وأوروبا.

النحاس يرى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى أزمات مع الشركاء التجاريين الدوليين، مشيرًا إلى أن بعض المنتجات القادمة من هذه الدول تخضع لاتفاقيات تعفيها من الرسوم الجمركية.

في حين يرد إسماعيل بأن "الولايات المتحدة نفسها بلد التجارة الحرة تفرض جمارك علي معظم الواردات، كما أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب هدد مؤخرا برفعها على الصين وكندا والمكسيك كوسيلة ضغط سياسي".

"بعد أحداث لبنان"

يرتبط القرار المصري الجديد بتسجيل جميع الهواتف المستوردة بعد الأول من يناير الجاري، بأكثر من مجرد أسباب اقتصادية، حيث يأتي بعد شهرين ونصف تقريبا من انفجارات أجهزة النداء الخاصة بجماعة حزب الله في لبنان وبعد أيام من قرار منع دخول السوريين القادمين من الخارج.

وعند وصولك إلى المطار، ستجد كشكا مخصصا لهذا الأمر. عليك التوجه إليه والتصريح بأنك تحمل هاتفا جديدا. سيطلب منك تسجيل بياناتك وتنزيل تطبيق "تليفوني" على هاتفك لإتمام الإجراءات. بعد ذلك، ستحتاج إلى الانتظار بضعة أيام للحصول على الموافقة على الإعفاء الجمركي، بحسب النحاس.

في حال لم تُفصح عن حملك للهاتف وتم اكتشافه لاحقا، قد يُعتبر ذلك تهربا جمركيا، حتى لو كان للاستخدام الشخصي وليس للبيع أو الهدايا، فضلا عن أنه سيتوقف عن العمل في مصر بعد ثلاثة أشهر.

ويرى إسماعيل أن الحكومة المصرية تحاول تضييق الخناق على أي نشاط قد يهدد الأمن القومي من خلال السيطرة على الأجهزة المحمولة التي يمكن استخدامها لأغراض غير مشروعة.

وأكد النحاس أن السلطات تهدف إلى معرفة هوية الشخص الذي يحمل الجهاز المحمول، وليس فقط الرقم التسلسلي للجهاز، لتتمكن من متابعة الأجهزة والأشخاص بشكل دقيق.

إدارة الموانئ

لا يمكن فصل هذا القرار عن سياق أوسع يشمل بيع حقوق إدارة بعض الموانئ الجوية المصرية لمستثمرين أجانب وبالتحديد مؤسسة التمويل الدولية".

يرى مراقبون أن هذا التحرك قد يكون جزءا من استراتيجية لتحسين العائدات الاقتصادية والسيطرة الأمنية من خلال تعقب الأجهزة الإلكترونية.

وقال النحاس: "هذا القرار أعتقد أن له علاقة بفكرة طرح المطارات للإدارة الخاصة حيث من المقرر أن يتم ذلك خلال أسابيع، فضلا عن سعي الدولة إلى تأمين موارد جديدة وتعويض العجز المالي".

لكن إسماعيل يقول إن "الجمارك تؤول حصيلتها لمصلحة الجمارك والخزانة العامة وليس لإدارة المطار أو الميناء، حكومية كانت او خاصة".

وأشار النحاس إلى أن المواطن قد يواجه مشكلة في حال قرر بيع جهازه، "هل سنضطر إلى إجراء عملية نقل ملكية في الشهر العقاري مثلما يحدث مع السيارات".

وقال: "الدولة اتخذت إجراء لكنها لم تستكمله، كيف سيتحمل الشخص المسؤولية عن سوء استخدام الأجهزة من قبل المشتري الجديد. هذا أمر قد يخلق إشكاليات قانونية".