في بيان وصفه البعض بـ"الغامض"، أعلنت الحكومة المصرية، عن الموافقة على "أكبر صفقة استثمار مباشر بالشراكة مع كيانات كبرى"، ما أثار التساؤلات حول تفاصيل تلك الصفقة، وماهية تلك الكيانات، وهو ما يرسم ملامحه الأولية مسؤولون ومختصون تحدث معهم موقع "الحرة".
صفقة ضخمة وكيانات "كبرى"
وفي بيان رسمي الخميس، أعلن مجلس الوزراء المصري، الموافقة على "أكبر صفقة استثمار مباشر" من خلال شراكة استثمارية مع "كيانات كبرى".
وتأتي الصفقة في ضوء جهود الدولة حاليا لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي، وفق ما ذكره "بيان مجلس الوزراء".
وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إن الصفقة تحقق "مستهدفات الدولة في التنمية، والتي حددها المُخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية"، مشيرا إلى أن هذه الصفقة "بداية لعدة صفقات استثمارية، تعمل الحكومة عليها حالياً، لزيادة موارد الدولة من العملة الصعبة".
وأوضح رئيس الوزراء المصري أنه سيتم إعلان تفاصيل هذه الصفقة كاملة، مع توقيع الاتفاقيات الخاصة بها، مشيرا إلى أن نجاح الحكومة في جذب استثمارات أجنبية ضخمة، يؤكد ثقة الكيانات الاستثمارية الكبرى في الاقتصاد المصري، وقدرته على تخطي التحديات، بحسب البيان.
والمشروعات التي تنتج عن هذه الصفقة ستوفر مئات الآلاف من فرص العمل، وستسهم في إحداث انتعاشة اقتصادية وكذا مشاركة مختلف الشركات والمصانع المصرية في المشروعات المُنفذة، ومزايا متعددة للدولة المصرية، حسبما ذكر مدبولي.
ملامح أولية للصفقة "الغامضة"
لم يحدد البيان الحكومي المصري "هوية الكيانات الكبرى"، ولم يذكر تفاصيل "الصفقة"، ولا مكان "المشروعات الناتجة عن الصفقة"، أو موعد انطلاق تلك المشروعات.
وفي تصريحات لموقع "الحرة"، يشير المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، المستشار محمد الحمصاني، إلى أنه سيتم عقد مؤتمر صحفي اليوم الجمعة، للإعلان عن "الصفقة الكبرى"، والتي تمثل "شراكة بين الحكومة وكيانات اقتصادية كبرى".
والغرض من الصفقة "إنشاء مخطط عمراني كبير"، ما يدر" موارد من النقد الأجنبي، ويساعد الحكومة على تجاوز التحديات الراهنة، وتوفير فرص العمل"، وفق المستشار الحمصاني.
ويوضح المتحدث باسم الحكومة المصرية أن "المصانع والشركات المصرية سوف تساهم في تنفيذ الصفقة"، لكنه رفض الإفصاح عن المزيد من التفصيل.
ومن جانبه يكشف رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، لموقع "الحرة"، بعض الملامح الأولية "الصفقة الكبرى".
وستتم مراسم توقيع الشراكة الاستثمارية مع التحالف المستثمر، الساعة الثانية ظهر اليوم الجمعة، "من قلب العاصمة الإدارية الجديدة"، وفق حديثه.
وسيعقب مراسم التوقيع "الإعلان رسميا عن جميع ملامح الصفقة الكبرى، وقيمة مبلغ الاستثمار"، حسبما يوضح الفقي.
ويشير رئيس لجنة الخطة والموازنة إلى أن "الصفقة سيترتب عليها، مشروعات تنمية عمرانية كبرى في مجالات السياحة والزراعة والصناعة، في تلك (المنطقة)".
لكن الفقي رفض الإفصاح خلال حديثه عن "ماهية المنطقة الذي تحدث عنها".
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، إلى أن "ملامح البيان الحكومي غامضة"، ما يجعل "تفصيل الصفقة وموقع تدشين المشروعات المرتبطة بها "مجهولة وغير معروفة".
وبيان مجلس الوزراء الصادر الخميس، لم يقدم جميع المعلومات والمعطيات التي يمكن من خلالها معرفة تفصيل أو عوائد الصفقة المرتقبة، وفق حديثه لموقع "الحرة".
رأس الحكمة؟
قفزت أسعار الأسهم في البورصة المصرية خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد تقارير إعلامية أفادت بأن رجال أعمال إماراتيين يشاركون في مشروع بقيمة 22 مليار دولار لتطوير أرض بكر إلى حد كبير في "شبه جزيرة رأس الحكمة"، على بعد 200 كيلومتر إلى الغرب من الإسكندرية.
ويجري تحالف إماراتي محادثات من أجل "صفقة رأس الحكمة"، بقيمة 22 مليار دولار للاستحواذ على أرض "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي لمصر، بحسب وكالة "بلومبرغ".
وعن ارتباط الصفقة المرتقبة، بمشروع رأس الحكمة، يقول رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان:" كان هناك حديث عن تحالف إماراتي ومن كيانات أخرى في رأس الحكمة، لكن الصفقة الحالية لن تكون الوحيدة مع (كيانات عالمية) وسيعقبها صفقات أخرى أكبر بكثير".
لكن الفقي رفض "الإفصاح" عن مدى ارتباط الصفقة بمشروع رأس الحكمة، وكذلك رفض المتحدث باسم مجلس الوزراء الذي اكتفي بالقول:" سوف نعلن عن جميع التفاصيل اليوم".
ومن جانبه، يعتقد الباحث بالاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، أن "مشروع رأس الحكمة سيكون جزءًا من الصفقة الكبرى".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى أن المشروعات الاستثمارية المنتظر طرحها في رأس الحكمة، وتنقسم إلى مجتمعات عمرانية وصناعية وغير ذلك.
لكن على جانب أخر، يستبعد عبدالمطلب ارتباط الصفقة المرتقبة بـ"مشروع رأس الحكمة"، نظرا لاشتمال المشروعات المرتبطة بالصفقة على "جوانب زراعية".
ورأس الحكمة منطقة "صحراوية" ولا يوجد بها مصادر المياه ولا التربة أو المناخ المناسب لتدشين "مشروعات زراعية"، وفق الخبير الاقتصادي المصري.
بيع "أصول الدولة"؟
بعدما اعتمدت لسنوات على دعم من دول الخليج بشكل ودائع في البنك المركزي، تحاول القاهرة بيع أصول للدولة أو إطلاق مشاريع على أراضيها للمستثمرين الخليجيين الذين باتوا يقولون إنهم يريدون "عوائد على الاستثمار"، وفق وكالة "فرانس برس".
ومؤخرا، باعت الحكومة المصرية فندق "مينا هاوس" التاريخي، وستة فنادق تاريخية أخرى وهي "سوفيتيل وينتر بالاس في الأقصر، والشلال القديم في أسوان، وشتيجنبرجر سيسيل على ساحل الإسكندرية"، حسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
واحتفل رئيس الوزراء المصري، بالبيع بقيمة 800 مليون دولار، وأشاد بعملية الاستحواذ لجلبها العملة الأجنبية.
وتضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164.7 مليار دولار، وفقا للأرقام الرسمية، بينها أكثر من 42 مليار دولار مستحقة هذا العام.
ويرى الديب أن "الصفقة المرتقبة" سوف تشمل بيع "أصول للدولة وفنادق تاريخية ومباني حكومية".
وشهدنا خلال الأيام الماضية، تخصيص مباني حكومية في القاهرة للصندوق السيادي تمهيدا لطرحها للاستثمار، وجميعها مباني وقصور "تاريخية" مرتفعة الثمن، ويمكن أن تكون تلك المشروعات ضمن "الصفقة الكبرى"، وفق الباحث بالاقتصاد السياسي.
ويشدد على أن الحكومة تمهد لطرح أصول شركات حكومية لـ"مستثمرين استرايجيين"، فضلا عن برنامج "الطروحات الحكومية".
من المستفيد؟
تعاني مصر واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا يبلغ حاليا 35.2 في المئة مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء.
يشدد الفقي على أن هناك ثلاثة أطراف سوف تستفيد من "الصفقة المرتقبة" والتي ستكون بشراكة بينهم وهم "الحكومة المصرية، والتحالف (العالمي)، والقطاع الخاص في مصر".
ويرى أن "الصفقة المرتقبة وما يتبعها من مشروعات، سوف تعزز معدلات النمو بالناتج المحلي للبلاد، وستضمن زيادة الإنتاج في عدة مجالات، وستوفر مئات الآلاف من الوظائف للمصريين على مدار سنوات".
وسوف يتيح المشروع للقطاع الخاص "المشاركة في تعزيز النمو، حاليا ومستقبلا"، نظرا لمشاركته في "الشراكة الاستثمارية التي تضم أيضا التحالف الدولي "قطاع خاص وليس حكومي) والحكومة المصرية"، وفق ما يكشفه رئيس مجلس النواب.
ومن جانبه يشير الديب إلي أن "عوائد العملة صعبة سوف تخفض الضغط على الجنيه المصري"، لكن يؤكد أن ذلك "لا يمثل حلا سحريا للأزمة الاقتصادية في مصر".
والصفقة الكبرى سوف تدخل تضمن وجود "مداخيل من العملة الصعبة، لكنها مجرد مسكنات"، وفق الباحث بالاقتصاد السياسي.
ويشير إلى ضرورة " زيادة الصادرات المصرية، ودعم الصناعة، والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، لتغطية احتياجات مصر من العملة الصعبة، لتحقيق توازن بين العرض والطلب وانعاش الجنيه أمام الدولار.