الجنيه المصري سجل انخفاضا جديدا أمام النقد الأجنبي - تعبيرية

بعد ساعات من الإعلان عن صفقة استثمار بشراكة إماراتية لمنطقة رأس الحكمة، بالساحل الشمالي في مصر، شهد سعر صرف الجنيه مقابل الدولار تحسنا كبيرا في السوق الموازية، مما أثار تساؤلات عن الأسباب، وما إذا كانت القاهرة قد اقتربت من توحيد سعر الصرف بعد فترة طويلة من وجود فارق كبير مع سعر البنك المركزي الرسمي. 

وبعد أن بلغ سعر الدولار الواحد نحو 73 جنيها في نهاية يناير الماضي، انخفض إلى نحو 62 جنيها بعدها بأيام قليلة عقب تناقل أنباء غير مؤكدة حينها عن قرب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لاقتراض 10 مليارات دولار، ثم اتفاق آخر مع جهات إماراتية لتنمية مدينة بالساحل الشمالي.

وبعد إعلان الحكومة المصرية، الجمعة، عن مشروع تنمية "رأس الحكمة" مع الإمارات، في صفقة من شأنها أن تمنح خزينة الدولة نحو 35 مليار دولار في غضون شهرين وبإجمالي 150 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية، تحسن سعر صرف الجنيه في السوق الموازية ليصل الدولار الواحد إلى نحو 50 جنيها، في حين أن سعره الرسمي الذي يحدده البنك المركزي لا يزال حوالي 31 جنيها، مما يثير التساؤلات عما إذا كان الوقت قد حان لتوحيد سعر الصرف. 

الجنيه المصري

ما سبب تحسن سعر صرف الجنيه؟

بينما يرى المصرفي المصري، طارق إسماعيل، أن السبب في تحسن سعر صرف الجنيه المصري يعود إلى الإعلان عن إتمام صفقة رأس الحكمة، يؤكد الخبير الاقتصادي وائل النحاس أنه فضلا عن ذلك "كانت هناك إجراءات استباقية اتخذتها الحكومة بدأت منذ سبتمبر الماضي". 

ويقول النحاس، في حديثه مع موقع "الحرة"، إن "الحكومة اتخذت قرارات لتسيطر من خلالها على السوق بحيث تضمن أنه لن هناك طلب ضخم وعجز في توفير الدولار حين تشرع في إجراء التعويم الجديد (تخفيض قيمة الجنيه رسميا)، وحتى إذا تدخلت لتغطية ما تحتاجه السوق، يتم ذلك دون وجود مضاربات في السوق السوداء، فيقترب السعر الرسمي من السوق الموازية". 

ويوضح أن الحكومة على سبيل المثال اتخذت إجراءات من بينها فتح الاعتمادات للاستيراد بالتنازل عن الدولار من دون السؤال عن مصدره لفترة، وبالتالي أم التجار استيراد ما يحتاجونه لشهر رمضان، بخلاف مبادرة سيارات المصريين في الخارج، بالإضافة إلى إلزام المقيمين الأجانب على الأراضي المصرية بدفع ألف دولار، فضلا عن القبض على متاجرين في السوق الموازية، وغيرها.

ما الذي أدى إلى ارتفاع سعر الدولار قبل أن ينخفض؟ 

من الطبيعي أن العرض والطلب هما ما يحددان حركة السوق، لكن في مصر يضاف إلى ذلك عامل ثالث هو "التوقعات"، بحسب النحاس. 

ويقول النحاس: "على سبيل المثال، راجت أكثر من مرة توقعات بأن الحكومة ستعلن عن تعويم جديد وشيك للجنيه، فيختفى العرض ويكثر الطلب على الدولار، ثم انتشرت التوقعات عن استقبال مصر 22 مليار دولار من صفقة رأس الحكمة قبل فترة من الإعلان الرسمي عنها، مما أثر على العرض وتراجع الطلب على الدولار، بالإضافة إلى أخبار سلبية مثل التصنيفات الائتمانية التي انخفضت". 

ويوضح أن "هذه التوقعات تحدث خللا، فضلا عن إجراءات أخرى أثرت بالسلب مثل العقود الآجلة في ظل سوق غير متوازن وسعر صرف متقلب". 

ويضيف: "كل هذه العوامل أدت إلى المضاربة العنيفة التي بدأت من بداية يناير ورأينا ذروتها في نهاية نفس الشهر عندما وصل سعر الدولار في السوق الموازية إلى 73 جنيها مما أدى إلى ارتفاع بأسعار السلع بشكل غير مسبوق". 

هل حان الوقت؟

وبعد الإعلان عن صفقة رأس الحكمة يتمنى إسماعيل أن يستغل البنك المركزي تراجع سعر الصرف في السوق السوداء، ليرفع السعر الرسمي لدرجة مقاربة له، بحيث يدفع ذلك المشترين من السوق السوداء إلى التوجه للبنوك.

ويعتبر إسماعيل أنه إذا تم رفعه على سبيل المثال إلى 45 جنيها، بينما الدولار في السوق السوداء بـ50 جنيها فإن العاملين بالخاريج وأقاربهم سيتوجهوا للبنوك، لأن ذلك أكثر أمانا لهم خوفا من القبض عليهم لأن المخاطرة حينها لن يكون لها داع بسبب عدم وجود فارق كبير في السعر حينها. 

ويرى أنه "إذا فعلت الحكومة ذلك فإنها ستحصل على حصيلة دولارية كبيرة من العاملين بالخارج كانت تراجعت كثيرا بسبب الفارق الكبير بين السوقين الرسمية والموازية". 

وهوت تحويلات العاملين بالخارج بما قيمته 9.85 مليار دولار في السنة المالية التي انتهت في 30 يونيو، ثم انخفضت 1.93 مليار دولار أخرى في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وفقا لأرقام البنك المركزي.

وتراجعت صادرات الغاز الطبيعي ملياري دولار على أساس سنوي في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وفقا لبيانات البنك المركزي وذلك نتيجة انخفاض الإنتاج المحلي وانخفاض الأسعار العالمية. 

وتباطأت، بسبب الحرب الإسرائيلية في غزة، السياحة التي حققت رقما قياسيا بلغ 13.63 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023.

وفي أعقاب هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر، انخفضت إيرادات قناة السويس بنسبة تراوح بين 40 و50 بالمئة، بحسب تصريحات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. 

وكانت قناة السويس حققت في العام المالي 2022-2023 عائدات مالية بلغت 9.4 مليار دولار، وهي أعلى إيرادات سنوية تسجّلها، بزيادة قدرها نحو 35% عن العام السابق، وفق ما أعلنت الهيئة في يونيو الماضي.

وتعاني مصر واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا يبلغ حاليا 35.2 في المئة مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء.

وتضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر من 3 مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164,7 مليار دولار، وفقاً للأرقام الرسمية، بينها أكثر من 42 مليار دولار مستحقة هذا العام.

ويتفق النحاس مع إسماعيل في أن مصر الآن في فترة اتخاذ قرار التعويم "لأننا أصبحا في وضع ليس هناك فيه طلب على الدولار بشكل كبير". 

مشروع "رأس الحكمة".. "فرصة أخيرة" أمام اقتصاد مصر
بعد إعلان مصر لصفقة استثمارية ضخمة مع الإمارات، سرعان ما انخفض سعر الدولار الأميركي أمام العملة المحلية في السوق السوداء بواقع بضعة جنيهات، ما فتح التساؤلات بشأن قدرة مثل هذه المشاريع على معالجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها القاهرة.

"إجراءات جراحية استباقية"

لكن النحاس يؤكد أنه قبل اتخاذ قرار التعويم "لابد من تخفيض سعر الدولار في العقود الآجلة"، موضحا أنه كان بـ63 جنيها وانخفض إلى 57 جنيها خلال الـ48 ساعة الأخيرة، لكن يجب أن ينخفض إلى نحو 50 جنيها حتى تبدأ أسعار السلع في الانخفاض مع التعويم، ولا تحدث صدمة". 

ويوضح أن تعويم الجنيه وتخفيض قيمته رسميا يعني رفع أسعار الخدمات والسلع التي تدعمها الدولة مثل الوقود وبالتالي أسعار النقل مما سينعكس على أسعار السلع.

ويحذر النحاس من أن عدم السيطرة على الأسعار في السوق الحر الآن، قبل أي تعويم، ستؤدي إلى موجة تضخمية عنيفة، ولذلك لابد من سحب أسعار السوق الحر إلى منطقة تعادل منطقة التعويم التي سيعلن عنها البنك المركزي حتى يحدث استقرار في الأسعار. 

ويتوقع النحاس أن يتراوح سعر الدولار بعد التعويم الجديد من 44 إلى 46 جنيها، ثم يبدأ في الانخفاض بناء على التدفقات المالية التي سيستقبلها البنك المركزي من العملة الصعبة. معتبرا أن المشكلة ستكون "في الضربة الأولى".

وأكد إسماعيل أن "على الحكومة أن تبدأ في توفير العملة الصعبة للمصانع حتى تتمكن من استيراد المواد الخام اللازمة لإعادة التصنيع، وأيضا توفير الدولار للمستوردين"، محذرا من أنه "إذا لم يحدث ذلك فلن يشعر المواطن بأي فرق ولن تنخفض الأسعار". 

"سيبقى في الرعاية المركزة"

من جانبها، أشارت عالية المهدي، التي سبق أن شغلت منصب عميدة كلية عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في حديثها مع موقع "الحرة" إلى أن "وصول تدفقات من العملات الأجنبية، سيقود تدريجيا إلى اضمحلال التعاملات في السوق السوداء". 

وتوقعت المهدي أن يظهر تأثير الصفقة خلال أشهر "إلى أن يكون البنك المركزي والقطاع المصرفي لديهم القدرة على توفير العملة لكل العملاء من مستثمرين ومسافرين إلى الخارج. بجانب تحريك سعر الصرف ليكون أكثر واقعية مما سيقضي على السوق السوداء".

ورأت المهدي أن المواطن في البلاد سينتظر فترة قد تصل إلى 6 أشهر أو عام "حتى ينعكس الأمر على الأسعار"، مشيرة إلى أن هناك تجارا بالفعل استوردوا مدخلات إنتاج أو منتجات بأسعار مرتفعة للدولار، وسيبيعون بضائعهم بسعر مناسب لهم.

ويتوقع النحاس أن تكون هناك إجراءات شديدة وجراحات صعبة للاقتصاد المصري في المرحلة المقبلة. 

ويصف الاقتصاد المصري بأنه "في الرعاية المركزية وتحت التنفس الاصطناعي"، مشيرا إلى أن المليارات التي ستصل إلى مصر قريبا بناء على صفقة "رأس الحكمة" من شأنها أن "تزيل جهاز التنفس الاصطناعي لكننا سنبقى في الرعاية المركزة". 

ويرى أن "فكرة خروج الاقتصاد المصري من الرعاية المركزة في يد صندوق النقد الدولي الذي سيراقب أداء الحكومة ويقرر ما إذا كانت تسير بخطى صحيحة للإصلاح الاقتصادي من عدمه وما إذا كانت ستفي بالتزاماتها الدولية".