مواطنون تخلوا عن توزيع كراتين رمضانية بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية
مصريون تخلوا عن توزيع كراتين رمضانية بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية (صورة تعبيرية)

بدأت الحكومة المصرية خلال الأيام الأخيرة في توجيه اهتمامها الأكبر نحو توفير السلع والمواد الأساسية قبل دخول شهر رمضان مارس المقبل، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية وارتفاع أسعار دفع بعض المواطنين إلى الابتعاد عن عادة رمضانية سنوية.

المصريون لديهم عادة سنوية تسبق شهر رمضان (يتوقع أن يبدأ 11 مارس 2024)، تتمثل في توزيع سلات غذائية تعرف باسم "شُنَط رمضان" على المواطنين الفقراء الأكثر حاجة للسلع الأساسية في الدولة البالغ عدد سكانها 110 ملايين نسمة.

لكن الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها القاهرة جعلت بعض المصريين يتخلون عن هذه العادة ورفعت من الأعباء على الجمعيات الخيرية التي تعمل في هذا المجال.

وتعاني مصر واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا جديدا ناهز الـ 40 بالمئة في سبتمبر الماضي، قبل أن يتراجع حاليا إلى 35.2 بالمئة.

وتضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر من 3 مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164,7 مليار دولار، وفقا للأرقام الرسمية، بينها أكثر من 42 مليار دولار مستحقة هذا العام.

وتحدث موقع "الحرة" مع مواطنين مصريين ومؤسستين خيريتين لمعرفة تداعيات الأزمة على عملهم، وأكد القائمون عليها أن أسعار السلع التي يوزعونها على المحتاجين خلال شهر رمضان أو غيره، زادت بدرجة كبيرة بسبب الوضع الاقتصادي الحالي، بل وأيضا زادت أعداد المستحقين أو المتقدمين للحصول على مثل هذه المساعدات.

فقراء أكثر وأزمة أكبر

وأرجع مواطنون تحدثوا لموقع "الحرة" ابتعادهم عن عادة "كراتين رمضان" إلى الارتفاع الكبير في أسعار السلع، بجانب تأثير الأزمة الاقتصادية عليهم بشكل خاص ما جعل من الصعب اقتطاع جزء كبير من رواتبهم وتوجيهها بالكامل إلى هذا الأمر.

وقال إسلام محمد، وهو مواطن في منتصف الثلاثينات من عمره اعتاد على التعاون مع أصدقائه، لتعبئة وتوزيع كراتين رمضانية، إنه توقف عن الأمر بسبب ارتفاع الأسعار والضغوط المادية التي يواجهها.

ولفت في حديثه لـ "الحرة" إلى أن الأمر لا يتعلق بشهر رمضان فقط، بل يمتد إلى طقوس عيد الأضحى فبعدما اعتاد مع أسرته على ذبح عجل كأضحية وتوزيع لحومها على الفقراء، ساهمت الأزمة الاقتصادية وغلاء الأضاحي في توقفهم عن الأمر.

وكانت وزارة التموين والتجارة الداخلية في مصر، أعلنت خلال منتصف فبراير، انطلاق معارض "أهلا رمضان"، بحد أدنى 3 معارض في كل محافظة بجانب وجود ما يعرف محليا بـ "شوادر" وسيارات متنقلة ومنافذ لبيع السلع الأساسية بأسعار مخفضة.

لكن خلال افتتاح وزير التموين، علي المصيلحي، لأحد تلك المعارض في شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، هتف مواطنون ضده بسبب عدم توفر السلع وغلاء الأسعار، ما أجبره على مغادرة المكان.

وتزامن ذلك مع إعلان رئاسة الجمهورية في مصر، رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الدولة بنسبة 50 بالمئة ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهريا (193.88 دولار).

وقال محمد جندي، وهو مواطن مصري يعيش في القاهرة، إنه اعتاد بمعية بعض من المعارف والأصدقاء على المشاركة في تجميع وتوزيع حقائب رمضانية مليئة بالسلع، لكنهم توقفوا هذا العام بسبب الغلاء الكبير في الأسعار.

ويأتي التضخم في مصر مدفوعا بتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار ونقص احتياطيات العملة الأجنبية لبلد يعتمد على الاستيراد من الخارج لتأمين حاجياته الأساسية.

وتعود آخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر حول معدلات الفقر إلى ديسمبر 2020 عندما كانت عند عتبة 29.7 بالمئة.

ولكن في أكتوبر 2023، توقعت دراسة مستقلة لمستشارة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، هبة الليثي، أن ارتفاع مستوى الفقر في العام المالي 2022/2023، إلى 35.7 بالمئة.

واعتبرت تلك الدراسة أن خط الفقر في مصر يبلغ 1478 جنيها شهريا (نحو 47.76 دولار وفق السعر الرسمي)، في حين يصل خط الفقر المدقع لمن لا يتجاوز مدخوله الشهري 1069 جنيها (34.54 دولار)، علما بأن خط الفقر الدولي عند 2.15 دولار للفرد في اليوم، ما يعني هذا أن مَن يعيش على أقل من هذا المبلغ يوميا يُعد فقيرا فقرا مدقعا، بحسب البنك الدولي.

وفي ندوة حول الدراسة، توقعت أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية، عالية المهدي، أن نسبة الفقر المتوقعة في عام 2025 تصل إلى 36 بالمئة، مشيرة إلى أن التقديرات توضح أن الفقراء يشكلون في عام 2023 نحو 33.3 بالمئة من إجمالي السكان مقابل 29.5 بالمئة عام 2019.

ويعني ذلك أن نحو 37 مليون شخص يعيشون حالة فقر في عام 2023، بحسب ما نقله موقع "القاهرة 24" المحلي حول تفاصيل الندوة.

مؤسسات خيرية تكافح

المؤسسات الخيرية التي تقدم المعونات للفقراء في مصر تكافح هي الأخرى، خاصة في شهر رمضان الذي يزداد فيه الطلب على المواد الغذائية مع استمرار الأزمة الاقتصادية.

وتدعو جميعة "الأورمان" الخيرية في مصر، المواطنين إلى التبرع للمساهمة في توفير "كراتين رمضانية" للأسر الفقيرة في جميع أنحاء البلاد.

وتظهر أن الكرتونة التي تزن 10 كيلوغرامات من السلع الأساسية تكون بقيمة 455 جنيها (14.70 دولار)، بينما الكرتونة التي تزن 14 كيلوغراما تصل قيمتها إلى 645 (20.84 دولار). يعني ذلك أن راتب موظف بالحد الأدنى للأجور (6 آلاف جنيه) يمكنه توفير 9 كراتين فقط من وزن 14 كيلوغراما.

وقعت مصر والإمارات مشروع تطوير رأس الحكمة في فبراير
مشروع "رأس الحكمة".. "فرصة أخيرة" أمام اقتصاد مصر
بعد إعلان مصر لصفقة استثمارية ضخمة مع الإمارات، سرعان ما انخفض سعر الدولار الأميركي أمام العملة المحلية في السوق السوداء بواقع بضعة جنيهات، ما فتح التساؤلات بشأن قدرة مثل هذه المشاريع على معالجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها القاهرة.

وقال مدير عام جمعية "الأورمان"، ممدوح شعبان، في تصريح لموقع "الحرة"، إنهم يعملون على توزيع مليون كرتونة مواد غذائية على مليون أسرة في جميع أنحاء البلاد، ويتواصلون مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية حتى لا تستفيد أسرة بأكثر من مرة.

وواصل حديثه بالقول إن تلك الكراتين تشمل سلع مثل الأرز والمعكرونة والسكر وغيرها من المواد الأساسية، لكنها في الأغلب لا تشمل اللحوم. كما أوضح أن تكلفة الكرتونة الواحدة ارتفعت بسبب التضخم بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 40 بالمئة عن العام الماضي.

يذكر أن مصر أعلنت عن صفقة استثمارية كبرى يدخل بموجبها خزينة الدولة نحو 35 مليار دولار خلال شهرين، وهي الاتفاق مع الإمارات على تطوير مشروع "رأس الحكمة" على ساحل البحر المتوسط شمال غربي البلاد.

وتوقعت المهدي في تصريحات سابقة لموقع "الحرة" أن تؤثر هذه الأموال على الأسعار ويشعر بها المواطن خلال فترة من 6 أشهر إلى عام.

مؤسسة "أبواب الخير" تعمل، من جانبها، على توفير "شنط رمضان ومساعدات غذائية ونقدية" خلال الشهر المقدس لدى المسلمين هذا العام، وذلك لما يقرب من 4400 أسرة في 19 محافظة بتكلفة تصل إلى 3.3 مليون جنيه.

وقال المدير التنفيذي للمؤسسة، هيثم التابعي، لموقع "الحرة"، إنهم يواجهون تحديا دائما "يتمثل في تراجع التبرعات كلما اشتدت الأزمة الاقتصادية في مصر، بجانب ارتفاع أسعار السلع".

وأضاف: "نوفر ما يطلق عليه كوبونات (بطاقات) قيمتها كانت في الماضي 300 جنيه، وحاليا نحتاج إلى أن تصل إلى 500، ما زاد التكلفة بشكل عام علينا". وتلك البطاقات توفرها المؤسسات الخيرية للمحتاجين ليشتروا بها سلعا بما يعادل قيمتها.

كما أشار التابعي إلى أن "حجم التبرعات تراجع كثيرا، كما زاد عدد المستحقين، فتضاعف عدد المتقدمين للحصول على مساعدات 3 مرات خلال الفترة الأخيرة"، موضحا: "لم نصل إلى حد وقف العمل أو رفض حالات".

لكن مدير المؤسسة الخيرية، أكد أنهم أوقفوا أي خطة "لتوسيع العمل أو زيادة عدد المستحقين في محافظات جديدة، وذلك منذ ديسمبر"، مضيفا: "آخر 3 أشهر بالتحديد كانت صعبة جدا على الناس، وزاد احتياجهم، وباتت ميزانية أي تحرك نقوم به الضعف على أقل تقدير".

أما شعبان، فقال إن عدد المستحقين وفق إحصائيات تجريها جمعيته زاد مقارنة بالعام الماضي، "لكن التبرعات زادت أيضا، لأن المصري إنسان مسؤول وخيّر رغم الأزمة الاقتصادية".

والدة علاء عبد الفتاح ناشدت بريطانيا الإفراج عنه- رويترز
والدة علاء عبد الفتاح ناشدت بريطانيا الإفراج عنه- رويترز

كشفت ليلى سويف (68 عاما)، والدة الناشط المصري البريطاني البارز، علاء عبد الفتاح، المسجون في مصر، عن فحوى رد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، على طلبها المساعدة في الإفراج عنه.

وخسرت سويف ثلث وزنها خلال إضرابها المتواصل عن الطعام منذ 134 يوما، وتعيش على القهوة والشاي والأكياس المخصصة لتعويض السوائل في الجسم منذ 29 سبتمبر 2024، اليوم الذي أكمل فيه نجلها خمس سنوات في السجن مع احتساب الفترة التي قضاها معتقلا قبل المحاكمة. 

صورة أرشيفية للناشط السياسي المصري علاء عبد الفتاح- فرانس برس

وواجهت سويف برد الشتاء القارس للتظاهر خارج مكتب ستارمر في كل يوم عمل منذ اليوم الذي كان من المفترض أن يتم فيه الإفراج عن ابنها، حيث دعته من هناك إلى ضمان إطلاق سراح ابنها محذرة "لم يعد لدي متسع من الوقت".

ويُعد عبد الفتاح أحد رموز ثورة يناير 2011، التي أطاحت الرئيس الراحل حسني مبارك، وهو أبرز معارضي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وقد دخل السجن عدة مرات منذ 2006. 

وأوقفت السلطات المصرية الناشط في سبتمبر 2019 وصدر حكم بسجنه خمس سنوات بعد إدانته بـ"نشر معلومات كاذبة" عبر مشاركة منشور على فيسبوك عن التعذيب في السجون المصرية. 

وتقول السلطات في مصر إن تاريخ الإفراج عن عبد الفتاح سيكون يوم 3 يناير 2027، بعد 5 سنوات من تاريخ التصديق على الحكم عليه، وليس بعد 5 سنوات من تاريخ القبض عليه. 

وسبق أن صرحت سويف لموقع "الحرة" في أكتوبر الماضي، بأن إضرابها عن الطعام جاء "كرسالة واضحة" بعدما أنهى نجلها فترة سجنه إثر "حكم جائر، ولم يخرج".

وكشف خالد علي، محامي أسرة الناشط في ديسمبر الماضي أن شقيقتيه تقدمتا إلى رئاسة الجمهورية بطلب "عفو رئاسي"، بواسطة مجموعة من السياسيين البارزين. 

والتقت سويف في نوفمبر وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، الذي توجه إلى القاهرة، الشهر الماضي، للضغط على السلطات المصرية لإطلاق سراح ابنها الذي يحمل أيضا الجنسية البريطانية.

ليلى سويف دعت إلى إطلاق سراح نجلها- الصورة من حسابها على أكس

 لكن سويف تطالب بعقد لقاء مع ستارمر الذي تقول إن بإمكانه المساعدة أكثر، وفق مقابلة مع فرانس برس. 

وقالت لوكالة من منزلها في جنوب لندن "كتبت له رسالة طلبت فيها الاجتماع به". وأضافت "وصلني رد لم يأت على ذكر اللقاء وكرر أن هذه القضية تتصدر أولوياته، لكنه قال أيضا إن المسألة ستستغرق وقتا"، مؤكدة "لم يعد لدي متسع من الوقت". 

وترى سويف أن ستارمر هو الشخص الوحيد القادر على التدخل عبر الضغط على الرئيس المصري. 

وقالت لصحفيين الاثنين أثناء تظاهرة أمام داونينغ ستريت "لا أفهم سبب فشل السيد ستارمر في الاتصال بالسيد السيسي أو التحدث معه مباشرة". وأضافت "تدار الأمور بشكل هرمي في مصر. ولن يحدث أي شيء ما لم يصدر الضوء الأخضر من السيد السيسي". 

وتأمل حاليا أن تدفع تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأخيرة عن الأمن في الشرق الأوسط المملكة المتحدة ومصر للتقارب، وهو ما ترى أنه قد يصب في مصلحة ابنها. 

وأكدت أن ابنها سيعيش حياة هادئة في المملكة المتحدة حيث سيعتني بابنه خالد (13 عاما) الذي يعاني من التوحد، إذا أطلق سراحه. 

 وفقدت سويف 28 كيلوغراما من وزنها منذ بدأت إضرابها عن الطعام، وباتت ضعيفة وبطيئة الحركة. 

وأُدخلت الأسبوع الماضي إلى مستشفى في لندن حيث قال أطباء إنها تعاني من انخفاض في ضغط الدم وفي مستويات السكر والبوتاسيوم. 

وكانت آخر مرة رأت سويف ابنها في السابع من يناير في سجنه في القاهرة. وقالت "يريد أن يضرب هو أيضا عن الطعام. إنه يتألم لقيامي بذلك.. وهو جالس في زنزانته يعد الساعات والأيام". 

وأضافت "كان سعيدا برؤيتي أقف على قدمي. بالتأكيد يشعر بقلق بالغ". لكن سويف، وهي نفسها ناشطة، لن تتراجع. 

وقالت: "سأبقى هنا إلى حين حل هذه المسألة بطريقة أو بأخرى... سأواصل إضرابي عن الطعام إلى أن يتم إطلاق سراح علاء أو أنهار تماما، ولربما أموت حتى. في كل مرة أزوره، أفكر في أن هذه الزيارة قد تكون الأخيرة. أعتقد أنه يفكر في ذلك أيضا".