بين الإعلان عن قمة مصرية أوروبية، والحديث عن اتفاقيات متوقعة بمليارات الدولارات، تظهر التساؤلات حول سر توقيت التمويل الأوروبي لمصر، وأسباب ذلك ومدى استفادة الجانبين من "الشراكة الاستراتيجية".
قمة مصرية أوروبية
كتب المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، أحمد فهمي، على صفحته الرسمية عبر "فيسبوك" أن القاهرة تستضيف الأحد "قمة مصرية-أوروبية (..) بهدف تحقيق نقلة نوعية في التعاون والتنسيق بين الجانبين".
ومساء الأحد، يوقع الاتحاد الأوروبي اتفاقيات بقيمة 7.4 مليارات يورو بما يعادل (8.06) مليار دولار، مع مصر على مدى أربعة أعوام في مجالات مختلفة تشمل قروضا ومساعدات واستثمارات، بحسب ما نقلته وكالتي "فرانس برس" و"رويترز" عن مسؤول أوروبي كبير.
ويشمل التمويل مساعدات مالية قدرها خمسة مليارات يورو واستثمارات بقيمة 1.8 مليار يورو ومنح قدرها 600 مليون يورو، وسيصرف في 2024 تمويلا طارئا قدره مليار دولار من ضمن المساعدات المالية.
شراكة استراتيجية "شاملة"
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يكشف رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، أنه سيتم "صرف مبلغ مليار يورو فورا".
وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في مجالات تشمل الطاقة المتجددة والتجارة والأمن مع تقديم منح وقروض وغيرها من أشكال التمويل على مدى السنوات الثلاث المقبلة لدعم الاقتصاد المصري المتعثر.
وتندرج الاتفاقات في إطار "شراكة استراتيجية شاملة" بين الاتحاد الأوروبي ومصر، سيتم إدخال مبلغ ٤ مليارات يورو من ذلك التمويل إلى برنامج الإصلاح الاقتصادي الممول من صندوق النقد الدولي، وفق الفقي.
ويشير إلى التعاون والشراكة "الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، والعسكرية"، بين مصر ودول كبيرة في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا.
وخلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب27) في شرم الشيخ بمصر، أبدى الجانب الأوروبي مساندة لمشروعات الطاقة المتجددة والاستثمارات الخضراء، وهو يقوم بالوفاء بالتزامات وعد بها خلال القمة، حسبما يوضح الفقي.
ما وراء التمويل؟
تشعر الحكومات الأوروبية منذ فترة طويلة بالقلق بشأن خطر عدم الاستقرار في مصر، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 106 ملايين نسمة والتي تكافح من أجل الحصول على العملة الأجنبية، وحيث دفعت الصعوبات الاقتصادية أعدادا متزايدة للهجرة في السنوات الأخيرة.
يشير الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، إلى أن التمويلات مرتبطة بموافقة الاتحاد الأوروبي على "موازنته السنوية" التي لم يتم إقرارها حتى الآن.
وإذا تم تنفيذ التمويل على أرض الواقع ولم يكن مجرد "وعود" كما حدث سابقا في عام 2011، فمن الواضح أن الاتحاد الأوروبي يعاني من مشكلات كبيرة بسبب تصاعد الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وفق حديثه لموقع "الحرة".
والحرب في غزة تسبب قلقا كبيرا للاتحاد الأوروبي، وهناك مخاوف أوروبية من "عودة تدفقات الهجرة غير النظامية" على القارة، حسبما يوضح عبدالمطلب.
وبسبب ذلك تقدم دول الاتحاد الأوروبي دعما يضمن استقرار دول منطقة الشرق الأوسط، وخاصة المنطقة الحرجة "فلسطين- الأردن- مصر"، حسبما يؤكد الخبير الاقتصادي.
أهمية "جيوسياسية وجيوستراتيجية"؟
مع عدد سكان يبلغ 106 ملايين نسمة، فإن "مصر هي البلد العربي الأكبر ديموغرافيا والثالث في إفريقيا.
وتستضيف مصر ما يقدر بنحو تسعة ملايين مقيم أجنبي من بينهم أربعة ملايين سوداني و1.5 مليون سوري، بحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير الخبير الاستراتيجي، سعد الزنط، إلى "إدراك قادة أوروبا أهمية الحفاظ على مصر مستقرة على كافة الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية".
ومشاكل الهجرة غير الشرعية مهددة لـ"أمن أوروبا"، وأزمة الطاقة والتجارة خاصة العابرة عبر قناة السويس تشكل تهديدا حقيقيا للاقتصاد الأوروبي، وفق الزنط.
ويشير إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تدرك وتقدر بالمقابل عمق وخطورة التهديدات المحيطة بمصر، والتي تمثل خطورة من كافة اتجاهاتها الاستراتيجية.
وفي سياق متصل، يتحدث الباحث في الاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، عن الأهمية "الجيوسياسية"، و"الجيوستراتيجية" لمصر.
ومصر دولة كبيرة وذات ثقل وتحفظ استقرار الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه فإن أي أزمات بالمنطقة تنعكس سلبا على أوروبا بشكل رئيسي، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويوضح الديب أن مصر "ممر رئيسي ومهم للطاقة"، وينطبق ذلك على الغاز الطبيعي المصري، أو الطاقة القادمة من منطقة الشرق الأوسط.
وأي عدم استقرار بالأراضي المصرية أو جوارها الإقليمي سيؤدي لتدفقات بالملايين لمهاجرين غير شرعيين على القارة العجوز، ولذلك تحرص أوروبا على "أمن واستقرار" مصر كمصلحة استراتيجية أوروبية، حسبما يوضح الباحث بالاقتصاد السياسي.
ويتفق مع الطرح السابق، الفقي ويقول:" أوروبا تعرف جيدا ماذا تفعل.. وتقدم التمويل والدعم لمصر.. لأنها تعرف جيدا دورها الهام بالمنطقة".
ومصر ركيزة أساسية للاستقرار بالشرق الأوسط، وبالتالي استقرار القارة الأوروبية، وفق رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب.
ما علاقة ليبيا؟
هناك زيادة في عدد المصريين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر ليبيا، ويقدم الاتحاد الأوروبي بالفعل التمويل الذي يهدف إلى الحد من هذه التدفقات، وتعمل مصر على منع الهجرة غير الشرعية إلى حد كبير من سواحلها الشمالية منذ عام 2016.
وفي الأشهر القليلة الماضية، شهدت جزيرتا كريت وجافدوس اليونانيتان ارتفاعا حادا في أعداد المهاجرين الوافدين، معظمهم من مصر وبنغلادش وباكستان، مما زاد الضغط على السلطات غير المجهزة على النحو الملائم وأثار مخاوف من طريق تهريب جديد في البحر المتوسط.
ويؤكد الفقي أن مصر ناجحة في السيطرة على حدودها ومنع "الهجرة غير المشروعة" إلى أوروبا، لكن سواحل ليبيا مفتوحة على الأراضي الأوروبية.
وتسود الانقسامات ليبيا ولا يوجد "دولة قوية"، وبالتالي فالبلاد "غير متمكنة من حدودها"، حسبما يوضح رئيس لجنة الخطة والموازنة.
ويشير الفقي إلى وجود حركة أفراد بين مصر وليبيا، وعلاقات "نسب ومصاهرة" بين القبائل المصرية والليبية، وهما دولتين جارتين، وبالتالي "لا يمكن إغلاق الحدود بين البلدين"
ورغم ذلك فمصر تحاول "السيطرة" على الحدود مع ليبيا ومنع تسرب المهاجرين غير الشرعيين، حسبما يضيف.
ما علاقة الحرب في غزة؟
مصر هي الممر الرئيسي للمساعدات الإنسانية الدولية التي يتم إرسالها إلى غزة، وتحاول مع قطر والولايات المتحدة التوسط للتوصل إلى هدنة بين إسرائيل وحماس.
ويوضح الفقي أن مصر بذلت مجهودا كبيرا لمنع "تمدد واتساع نطاق الحرب في غزة"، ولم تنجر للصراع هناك واتخذت "موقفا عقلانيا".
ورفضت مصر منذ اليوم الأول للحرب في غزة "التهجير القسري"، للفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، وفق رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري.
وفي سياق متصل، يشير الديب إلى أهمية الدور المصري في محاولة وقف الحرب بغزة وتحقيق الاستقرار وتوفير المساعدات لسكان القطاع، وكذلك التدخل للتوسط لمحاولة "وقف إطلاق النار".
وبالتالي يجب مد يد العون لمصر التي تلعب دورا مهما في قطاع غزة، وفق الباحث بالاقتصاد السياسي.
ومن جانبه، يشدد الزنط على أن بعد خمسة أشهر من "حرب غزة "، فتداعيات الحرب تهدد الأمن والسلم الدوليين وفي الصدارة "المنطقة الأقرب" وهي أوروبا.
والدعم الأوروبي لمصر يستهدف في النهاية مصلحة دول الاتحاد أولا، وتهدف أوروبا إلى ضمان استقرار مصر، باعتبارها "دولة تمثل مركز ومحور المنطقة"، وفق الخبير الاستراتيجي.