مؤسسة بحثية توقعت أن يتراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى 49 جنيها بنهاية العام
مؤسسة بحثية توقعت أن يتراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى 49 جنيها بنهاية العام

رغم التدفقات المليارية الدولارية التي دخلت مصر خلال الفترة الماضية، وتوحيد سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوق الرسمية والموازية، تتوقع مؤسسة اقتصادية دولية "تراجع قيمة العملة المصرية أمام نظيرتها الأميركية مرة أخرى"، فهل يمكن أن يحدث ذلك؟ ولماذا؟ وما تداعيات ذلك السيناريو؟

والثلاثاء، توقعت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" البحثية أن يتراجع سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار إلى 49 جنيها بنهاية العام الجاري من متوسط عند 47 جنيها في الوقت الحالي.

وفي تقريرها توقعت المؤسسة أن يتواصل التراجع إلى مستوى عند 50 و55 جنيها في العامين المقبل والذي يليه على الترتيب.

استمرار "معركة الدولار والجنيه"؟

يشير الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، إلى أن توقعات المؤسسة الدولية مبنية على سيناريو من اثنين لا ثالث لهما.

والسيناريو الأول أن تكون التوقعات "مبنية على بيانات قديمة عندما كان هناك أزمة نقد أجنبي وعدم توفر للعملات الصعبة في مصر"، وفق حديثه لموقع "الحرة".

وقد يكون لدى المؤسسة معلومات "غير منشورة" ولم يطلع عليها آخرون، دفعتهم لتوقع الهبوط الجديد لسعر صرف الجنيه في الفترة القادمة، حسبما يوضح الخبير الاقتصادي.

ويتساءل عبد المطلب: "هل لدى (كابيتال إيكونوميكس) تحليل حالة للاقتصاد المصري؟، وهل يشير هذا التحليل إلى كون التدفقات المالية مسكنات سيتم إنفاقها بشكل غير رشيد؟".

وإذا كانت تقديرات المؤسسة مبنية على تلك المعطيات، فهذا ربما يعني "عدم وجود توليد لدخول إضافية من هذه التدفقات المالية المليارية التي دخلت خلال الفترة الماضية، وفق الخبير الاقتصادي.

ويشدد عبد المطلب على أن ذلك السيناريو هو "مصدر خطورة تقرير المؤسسة".

ومن جانبه، يتطرق الباحث بالاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، إلى ما يسميه "النجاح الجزئي للحكومة في معركة الدولار والجنيه".

والحكومة المصرية أمام "اختبار مهم جدا"، بعد دخول عملات صعبة إلى مصر منها صفقة "رأس الحكمة"، والاستثمارات السعودية المرتقبة بحوالي 15 مليار دولار، وبيع "مباني تاريخية" في القاهرة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي وكذلك الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وفق حديثه لموقع "الحرة".

ونجحت الحكومة في جذب تدفقات دولارية، لكن الاختبار الأصعب هو "المحافظة على وضع مستقر في الجنيه"، حسبما يوضح الديب.

ويشدد الباحث بالاقتصاد السياسي على أن المعضلة ليست في تسعير العملة الأميركية لكن في "توفير الدولار".

وفي السادس من مارس، سمح البنك المركزي المصري للجنيه بالهبوط، وقال إنه سيسمح بحرية تداول العملة بعد أن ظل الجنيه ثابتا أمام الدولار 12 شهرا.

وانخفض سعر صرف العملة المحلية إلى حوالي 47 جنيها مصريا للدولار من نحو 30.85 جنيه، وهو المستوى الذي حاولت مصر الدفاع عنه لعدة أشهر.

معضلة "التدفقات الدولارية"

تبيع مصر أصولا من أجل دعم القطاع الخاص وجمع العملة الصعبة الشحيحة، ووضعت في 2022 هدفا لجمع 10 مليارات دولار سنويا على مدى أربع سنوات من خلال استثمار القطاع الخاص في أصول الدولة.

وحصلت مصر على 35 مليار دولار من خلال بيع حقوق تطوير منطقة "رأس الحكمة" على ساحل البحر المتوسط إلى صندوق الثروة السيادي الإماراتي "إيه.دي.كيو".

وبعد الاتفاق قالت مصر إنها تلقت 10 مليارات دولار من أصل التمويلات الجديدة مقابل حقوق تطوير منطقة "رأس الحكمة" المتميزة على ساحل البحر المتوسط.

ويوضح عبد المطلب أنه عندما تم الإعلان عن صفقة "رأس الحكمة" ظهرت توقعات مؤسسات دولية بوجود تدفقات تقترب من 60 مليار دولار، بواقع 35 مليار دولار خلال العام الحالي، ثم تدفقات بقيمة 25 مليار دولار مقسمة على العامين التاليين.

ولذلك فمن المتوقع أن يسترد الاقتصاد المصري الكثير من عافيته خلال عام 2024، وأن يتراوح سعر الدولار بين42 إلى 45 جنيها، وفق الخبير الاقتصادي.

ومن جانبه يشير الديب إلى أن حوالي 55 مليار دولار قد دخلت مصر في الفترة الماضية، وهناك 45 مليار دولار قد تدخل البلاد قريبا، وبالتالي فقد يكون بحوزة الحكومة المصرية حوالي 100 مليار دولار خلال العام الجاري من مصادر متعددة.

وهذه التدفقات الدولارية حمت مصر من "أزمة نقص النقد الأجنبي، وقد تضع الاقتصاد على أرض صلبة، لكنها لا تكفي حاجة مصر على المدى الطويل، وفق الباحث بالاقتصاد السياسي.

هل انتهت "الأزمة الاقتصادية"؟

مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم والتي تعتمد أيضا على استيراد الوقود ومواد غذائية أساسية أخرى، وشكا مستوردون من عدم تمكنهم من إخراج بضائعهم من الموانئ لتعذر حصولهم على العملة الأجنبية.

وزادت ديون مصر الخارجية أكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164.7 مليار دولار.

ويوضح الديب أن استمرارية "استقرار سعر صرف الجنيه" تتطلب "وجود موارد دولارية مستمرة".

وما حدث خلال الفترة الماضية هو "إعطاء الاقتصاد المصري حقنة إنعاش قوية" جعلته يتخطى "الأزمة الحالية" لكن التدفقات المالية "محدودة" وسوف تنفد عاجلا أم آجلا، والاستمرار يتطلب البحث عن بدائل بتوفير العملات الصعبة بشكل مستمر ودائم، والحفاظ على قيمة الجنيه أمام الدولار، حسب الديب.

ويشير الباحث بالاقتصاد السياسي إلى أن مصر تستورد سنويا ما قيمته 3 مليارات دولار، ولديها التزامات دولية وعليها سداد ديون وفوائدها، وعليها توفير السلع الأساسية والغذائية المستوردة، وكل هذا يحتاج لـ"تدفقات دولارية مستمرة لفترات طويلة".

وإذا نجحت الحكومة في توفير التدفقات الدولارية بشكل "مستمر ولفترات طويلة"، فهذا يعني "اختفاء السوق السوداء" للأبد، والنجاح في سداد الالتزامات الدولية، وفق الديب.

وبالتالي سيصدر صندوق النقد الدولي "تقريرا إيجابيا" عن مصر سيفتح باب التعاون مع الصندوق وكذلك تشجيع المستثمرين على الدخول في استثمارات جديدة بالاقتصاد المصري، حسبما يضيف.

ويشدد الباحث بالاقتصاد السياسي على أن تنفيذ ذلك يتطلب وجود "معطيات على الأرض"، بزيادة الصادرات، وتنشيط الاستثمار والسياحة، والسعي لزيادة تحويلات المصريين بالخارج وربط استثماراتهم ببلدهم بشكل أكبر.

ومن جانبه يشير عبد المطلب إلى أن "الأزمة الاقتصادية مستمرة وسوف تستمر"، لكن هناك مؤشرات سوف تحدد هل هي في طريقها للحل أم للتفاقم.

والاحتياجات الدولارية لإحداث نوع من الاستقرار في السوق المصري تقدر بحوالي 17 مليار دولار، وحاليا لدى الحكومة 18 مليار دولار، وفق تقديرات عبدالمطلب.

ويضيف الخبير الاقتصادي: "إذا تم الاستفادة منهم بشكل جيد وإدارتهم بشكل اقتصادي متوازن، فهذا سيقود لاستقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار على الأقل خلال العام الحالي 2024".

واستقرار سعر صرف الجنيه سوف يعطي دافع لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وسوف يعيد تحويلات المصريين العاملين بالخارج ويعطي فرصة للقطاع الخاص لزيادة استثماراته وتشغيل المصانع العاطلة، حسبما يوضح عبد المطلب.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن "استقرار سعر صرف الجنيه، بالتزامن مع استغلال الموارد الدولارية بشكل اقتصادي سليم، قد يكون بداية نهاية الأزمة الاقتصادية في مصر".

الجنيه والدولار..3 سيناريوهات 

يتحدث الديب عن 3 سيناريوهات لمستقبل الجنيه والدولار في مصر، وأولها هو "استقرار سعر العملة المحلية أمام الأميركية".

وحسب الباحث بالاقتصاد السياسي فالسيناريو الثاني هو "انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه"، وسوف يحدث ذلك بزيادة المدخلات الدولارية لمصر.

لكن السيناريو الأسوأ هو "ارتفاع الدولار أمام الجنيه من جديد"، بعد انتهاء تلك الأموال ما يعني "تجدد الأزمة في مصر"، وفق الديب.

ويشير إلى أن السيناريو الثالث سيؤدي "لما لا يحمد عقباه" وبالتالي ارتفاع أسعار بشكل كبير، وزيادة معدلات التضخم، وارتفاع قيمة الديون وفوائدها، وزيادة نسبة العجز بالموازنة العامة.

ومن جانبه، يحذر عبد المطلب من استمرار "المنهج الاقتصادي الحالي غير الرشيد في إنفاق الموارد الاقتصادية".

وإذا استمر المنهج الحالي فستكون "الأمور من سيئ إلى أسوأ"، ما يعني زيادة أسعار السلع والخدمات بشكل مضطرد وغير مسبوق.

مصر والصين

لم يكن الدخان الذي خلفته المقاتلات الصينية في سماء الأهرامات مجرد خلفية لمناورة مشتركة بين مصر والصين. كان رسالة، بل إعلانا جيوسياسيا بأن بكين لم تعد تكتفي بمراقبة الشرق الأوسط عن بعد. 

هذه المرة، جاءت بمقاتلاتها (J-10) ووضعتها في سماء حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما.

لمناورة "نسر الحضارة 2025" بعد رمزي أيضا.

نحن نتحدث عن أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري. لفترة قصيرة؟ نعم. لكن الدلالة ضخمة. إنها إشارة إلى شيء ما في طور التشكل، إلى فراغ تُحاول الصين أن تملأه حيث يتراجع الحضور الأميركي.

تغيير في قواعد اللعبة

"هذه المناورات تحمل أبعادا تتجاوز التدريب. إنها تغيير في قواعد اللعبة"، يقول إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، لموقع الحرة.

تشير هذه التدريبات النوعية، من ناحية أخرى، إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري الصيني المصري. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاها واضحا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية، يضيف بيرمان.

"ورغم أن مصر ما زالت ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، فهي ترسل إشارات واضحة: لن نعتمد على مصدر واحد. التنوع في التسليح، وتبادل الخبرات، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية".

هذا ليس حيادا. هذه موازنة جديدة للقوة.

يشير بيرمان إلى أن "إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر". ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تتجاوز مجرد البحث عن بدائل للتسليح؛ فهي تُمثل نافذة استراتيجية بالنسبة لمصر للانفتاح على أحدث التقنيات العسكرية الصينية، وذلك في سياق جهودها المستمرة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في محيطها الإقليمي المضطرب.

فوق الأهرامات... تحت الرادار

بدا مشهد الطائرات الصينية فوق الأهرامات وكأنه من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية. لكن خلف الصورة الرمزية، هناك رسائل أمنية كثيرة. 

تقارير إسرائيلية لفتت إلى معلومات بأن بكين تجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء التدريبات، التي قد تكون أيضا اختبارا لقدرة الصين على القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن حدودها.

أين واشنطن من هذا كله؟

حين تبتعد أميركا عن الشرق الأوسط خطوة، ثمة دائما من يتحرك ليملأ الفراغ. والسؤال هو: هل تتهيأ بكين لتكون البديل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة؟

وهل تقف القاهرة على مفترق طرق فعلا، أم أنها تلوّح بورقة بكين لتحسين شروط علاقتها بواشنطن؟

تحولات في طور التشكل تُلزم واشنطن بإعادة قراءة المشهد، وإعادة ضبط إيقاع حضورها في منطقة لم تعد تتحمّل الغياب الأميركي.

التعاون الثنائي

على الصعيد الثنائي، تشير هذه التدريبات النوعية إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري بين الصين ومصر. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاهًا واضحًا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية.

يرى بيرمان في هذا السياق أن "الحكومة الصينية تسعى بوضوح إلى سد الفجوات في المناطق التي يتراجع فيها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها، وتحاول استغلال هذه العلاقات لصالحها ولإضعاف الغرب". 

ويضيف: "هذا التدريب المشترك يحمل أهمية كبيرة من الناحية الجيوسياسية".

يُعد اختيار القاهرة شريكًا استراتيجيًا لإجراء هذه المناورات المتقدمة دليلاً على اعتراف الصين المتزايد بالدور الحيوي الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يعكس هذا الخيار سعي بكين الحثيث لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية عبر تأسيس تعاون عسكري متين مع قوة إقليمية مركزية كالقاهرة، وفقا لإيلان.

تنوع مصادر التسليح

تحصل مصر على مساعدات عسكرية بنحو 1.3 مليار دولار سنويا، وهي ثاني أكبر متلق للدعم العسكري الأميركي بعد إسرائيل. لكن على الرغم من ارتباطات مصر العسكرية التقليدية، تعتبر القاهرة شراكتها المتنامية مع الصين فرصة استراتيجية لتنويع مصادر التدريب والتسليح.

"إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر"، يقول بيران.

تحولات استراتيجية قيد التشكل

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، تُثير هذه المناورات تساؤلات حول أهداف التعاون المصري الصيني، خاصة في ظل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين واشنطن وبكين على النفوذ.

من زاوية أخرى، تشير المناورات أن الصين تحاول اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بعيدة عن قواعدها الرئيسية، وتقييم درجة التوافق التشغيلي بين أنظمتها العسكرية وأنظمة دول أخرى ذات خصائص مختلفة.

ويذهب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "المناورات الجوية الصينية المصرية "نسر الحضارة 2025" تتجاوز الإطار التقني للتدريبات العسكرية لتُمثل مؤشرا جيوسياسيا بالغ الأهمية". 

وتحمل المناورات في طياتها رسائل إقليمية ودولية متعددة الأبعاد، خصوصاً بعد إعادة الولايات المتحدة صياغة سياستها الخارجية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، مما يخلق كثيرا من الفراغ السياسي.