يُواجه مشروع قانون المنشآت الطبية، الذي تقدمت به الحكومة المصرية لمجلس النواب، موجة من الجدل والرفض، من قبل الأطباء ومؤسسات المجتمع المدني، محذرين، إذا تم إقراره، من نتائج سلبية على قطاع الرعاية الصحية والمواطنين.
ويرتكز قلقهم وفق حديثهم مع موقع "الحرة"، على ما قد يُشكله هذا القانون من مخاطر مستقبلية على القطاع، خاصةً مع ما يتضمنه من أحكام تُتيح للقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب إنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، بما في ذلك المرافق العامة، إلى جانب الاستعانة بكوادر طبية غير مصرية، مما قد يزيد من هجرة الأطباء خارج البلاد.
ورفض النقيب العام للأطباء في مصر، أسامة عبدالحي، في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" التعليق على مشروع القانون في الوقت الحالي، حيث يقول إن "مجلس النقابة يعقد اجتماعات لمناقشة مشروع القانون والتوافق على رأي للرد عليه".
ووافقت لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، الأربعاء، من حيث المبدأ على مشروع القانون المقدم من الحكومة، وفق ما ذكرت وسائل إعلام محلية، والذي يهدف إلى "تشجيع مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية".
وحسب صحيفة "الشروق"، فإن مشروع قانون "تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية"، ينص على جواز منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين المصريين أو الأجانب، سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم اعتباريين، لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، أو لإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة.

"حق لمن يستطيع الدفع فقط"
ويبدي عدد من الأطباء والنقابيين رفضهم بشكل كامل لمشروع القانون، حيث يقول نقيب أسبق للأطباء المصريين، رفض ذكر اسمه، إن "الحكومة كان يجب عليها التركيز على تعزيز دورها في القطاع الطبي، بدلا من دفع المواطنين ليكونوا تحت رحمة القطاع الخاص".
ويضيف لموقع "الحرة": "ما تسعى من خلاله الحكومة لإشراك القطاع الخاص في الرعاية الطبية الأساسية سيؤثر على الجميع. وهذا القطاع بالأساس لا يجب أن يتحكم فيه الأشخاص الراغبون في تحقيق أرباح"، إذ يُشدد على "ضرورة توفير دعم مباشر من الحكومة للقطاع الصحي، مما يقلل من الحاجة إلى القطاع الخاص بشكل كبير".
ويؤكد هذا، الطبيب هانئ محروس مهنى، والذي يقول في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة": "وجود القطاع الخاص في مجال الرعاية الصحية يُعتبر خطوة استغلالية للمرضى، لأنها تعتبر بمثابة تجارة وهذا الأمر مهنيا غير مقبول".
ويضيف مهنى، وهو استشاري جراحة العظام والكسور بمحافظة القاهرة: "المؤسسات الاستثمارية تستهدف الربح في الأساس وتيسير دخولها في قطاع الرعاية الصحية، خصوصا في المنشآت الحكومية، سيؤدي إلى زيادة التكاليف على المرضى في ظل عدم وجود تغطية تأمينية شاملة لكافة المواطنين".
من جانبه، يعتبر رئيس جمعية الحق في الدواء، محمود فؤاد، أن الحكومة المصرية أصبحت تنظر إلى الخدمات الصحية على أنها "حق لمن يستطيع الدفع فقط"، مما يثير مخاوف حقيقية بشأن مستقبل الرعاية الصحية في البلاد، في ظل "التكاليف المعيشية المرتفعة على المواطن".
ويقول فؤاد لموقع "الحرة"، إن "المجتمع المدني يشعر بالصدمة، مع تبني الحكومة سلسلة من الخطوات مؤخرا، على رأسها مشروع قانون المنشآت الطبية الجديدة، والتي تهدف من خلالها إلى تقليص الإنفاق على الرعاية الصحية".
وقد بدأت هذه الإجراءات "بزيادة أسعار تذاكر المستشفيات إلى 10 جنيهات، ثم تبعها قرار صرف دواء واحد لكل مريض، وإلغاء بعض الوجبات الغذائية للمرضى، وأخيرا إعادة تسعير الخدمات الصحية في مستشفيات التأمين الصحي"، وفق ما يضيف فؤاد.
ويتابع: "هذه المرة الأولى في تاريخ الرعاية الصحية الحديثة في مصر التي توافق فيها الحكومة علنا على تملك وتشغيل المنشآت الصحية الحكومية من قبل الأجانب والمستثمرين. وهذا يمثل تحولا وتغييرا كبيرا في مفهوم مبدأ الحق في الصحة، ويناقض المادة 18 من الدستور المصري".
وتنص المادة 18 من الدستور المصري لعام 2014، على أن "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة. وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل. كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية".
تحسين الإدارة أم تخفيض الإنفاق؟
في المقابل، يقول أمين صندوق نقابة الأطباء السابق، الطبيب خالد سمير، إن مشروع القانون يرتبط بشكل رئيس بقانون التأمين الصحي الشامل لعام 2018، والذي نص على ضرورة التعاقد مع الجهات الخاصة لتقديم الرعاية الصحية كجزء من النظام الصحي.
ويضيف في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة": "أشركت الحكومة خلال السنوات الماضية القطاع الخاص في الأعمال غير الطبية بالمنشآت الصحية العامة، مثل الأمن والنظافة وتوفير الوجبات الغذائية. لكن مشروع القانون الجديد يعزز هذا التعاون بشكل رسمي مع القطاع الخاص فيما يتعلق بالرعاية الطبية".
ويتابع: "من المستحيل على الدولة تقديم خدمات التأمين الصحي الشامل عن طريق المستشفيات العامة فقط، حيث يشجع المشروع على إدارة المستشفيات العامة لفترات معينة من قبل شركات متخصصة في الإدارة، وهذه الفكرة بشكل عام، منتشرة في دول أخرى وتسهم في تحسين إدارة المؤسسات الصحية".
وينص مشروع قانون "المنشآت الصحية"، منح التزام إدارة وتشغيل المرافق العامة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عاما، مشترطا الحفاظ على المنشآت الصحية وما تشتمل عليه من تجهيزات وأجهزة طبية، والالتزام بتقديم الخدمات الصحية بأحكام القوانين والقرارات المطبقة على المنشآت الصحية.
ويستبعد سمير أن يكون لهذا "تأثيرات سلبية على تكاليف الخدمات الطبية، إذ إنه ينبغي للتأمين الطبي أن يحدد التكلفة وفقا للدراسات الاكتوارية التي من المفترض أن تجرى كل 3 أشهر".
ويقول: "التأمين الصحي الشامل سيكون له دور كبير في تحديد تكاليف الخدمات الطبية، وسيضمن تقديم خدمات شاملة للمواطنين، مما يقلل من الحاجة إلى الخدمات الطبية الخاصة".
وتطبق مصر، قانون التأمين الصحي الشامل فقط في 6 محافظات، وفق سمير، الذي يُقر بأن "القانون لا يطبق بشكل فعلي على أرض الواقع. وإن وزارة المالية تخالف القانون في ظل رفض بعض المواطنين دفع الاشتراكات السنوية".
من جانبه، لا يرى فؤاد أن القانون سيعزز من إدارة المؤسسات الصحية ويعظم من الخدمات المقدمة للمرضى، إذ يقول إن "الحكومة وفق هذا القانون تفرط في حقوق المواطنين، ولا يهمها مفاهيم مبادئ الحق في الدواء والصحة في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة والأعباء".
ويضيف: " قطاع الرعاية الصحية يُعتبر أهم استحقاقا اجتماعيا في الحياة، ولا يجب التخلي عنه، خصوصا أن الاستغناء عن وحدات الرعاية الأساسية التي تخدم السكان الأكثر فقرا في النجوع والقرى، قد يعني انتكاسة بالنسبة للمواطنين".
ويرى رئيس جمعية الحق في الدواء أن "ما يحدث يشير إلى رغبة الحكومة في عدم زيادة الإنفاق الصحي".
ووفق البيانات المنشورة عبر موقع وزارة المالية، فإن مخصصات القطاع الصحي في مصر خلال العام المالي الحالي، تبلغ نحو 147.8 مليار جنيه (3.09 مليار دولار)، تستحوذ أجور وتعويضات العاملين على الحصة الأكبر بنسبة 50 بالمئة. وهو الأمر الذي يعتبره أمين صندوق نقابة الأطباء السابق، "منخفض للغاية، إذ يحتاج القطاع المصري لأكثر من تريليون جنيه سنويا (21 مليار دولار) لتحسين أوضاع الأطباء، وكذلك الخدمات المقدمة للمرضى".
"هجرة الأطباء"
يثير مشروع القانون أيضا مخاوف فيما يتعلق بالكوادر الطبية في مصر، حيث ينص على إمكانية استقدام أطباء وأطقم طبية غير مصريين في المنشآت التي سيتولى المستثمرين والقطاع الخاص إدارتها، حسب رئيس جمعية الحق في الدواء، والذي يرى في ذلك "أزمة خطيرة، قد تزيد من هجرة الأطباء إلى خارج البلاد".
ويضيف: "هناك أكثر من 45 ألف طبيب هاجروا من مصر. وهذا الأمر عملت الحكومة خلال السنوات الماضية على التصدي له للحفاظ على الكوادر. لكن السؤال الآن: كيف تأتي بهذا القانون لتشجع على استقدام كواد طبية أجنبية لممارسة المهنة في مصر؟".
وسجل عام 2022 أعلى حصيلة لاستقالات الأطباء والطبيبات خلال السنوات السبع الماضية، بإجمالي 4261 طبيبا، وبمعدل 12 طبيبا وطبيبة في اليوم الواحد، وفقا لبيان صدر عن نقابة الأطباء، في يناير 2023، وأكد أن العدد يزيد سنويا، إذ تضاعف 4 مرات من 1044 استقالة عام 2016 إلى 4127 استقالة عام 2021.
وتنص المادة الثالثة من مشروع القانون على "تحديد نسبة الأطباء وأفراد هيئة التمريض والفنيين الأجانب العاملين بالمنشأة الصحية محل الالتزام بقرار من الوزير المختص بالاتفاق مع الوزير المختص بشئون العمل وبعد أخذ رأي الجهات المعنية، على أن يصدر لكل منهم ترخيص مؤقت لمزاولة المهنة داخل المنشأة فحسب وفقا للشروط والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير، وعلى النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية".
ويعتبر أمين صندوق نقابة الأطباء السابق، أن "هذه المادة هي الأخطر في القانون، حيث تفتح الباب أمام الأشخاص ذوي المهارات المنخفضة من الدول الأخرى للعمل بأجور زهيدة".
ويضيف: "هذا الأمر لن يؤثر ليس فقط على الأطباء، بل أيضا على الكوادر الطبية بشكل عام، بما في ذلك التمريض وفنيي الأشعة وغيرهم".
ويشكل هذا النص من القانون تهديدا مباشرا للعاملين في قطاع الرعاية الصحية، وفق سمير، والذي يشدد أنه "بدلا من ذلك كان من الضروري أن تتدخل الحكومة لتحسين أوضاع الأطباء".
ويؤكد سمير أن القانون يناقض قانون مزاولة مهنة الطب، والتي القانون حاليا على أن الطبيب يجب أن يكون مصريا أو خريج كلية طب مصرية، أو من دولة يقبل فيها عمل الأطباء المصريين مباشرة دون الحصول على تراخيص خاصة".
ويتفق مع هذا الطبيب هانئ محروس مهنى، والذي يقول إن قطاع الرعاية الصحية ليس في حاجة ماسة إلى استقدام أطباء أجانب، ويمكن حدوث ذلك فقط في حالة ندرة التخصص وعدم توفره محليا.
ويعتقد مهنى أن "الجامعات المصرية تلبي احتياجات البلاد من مختلف التخصصات الطبية والكوادر المهنية، وهو الأمر الذي يمكن رؤيته في تواجد الأطباء المصريين على مستوى دول الإقليم، وكذلك في العالم".
ويشدد على أن استقدام أي طبيب أجنبي يستلزم موافقة نقابة الأطباء التي تمنحه ترخيص مزاولة المهنة، إذ يتوقع أن تبدي "النقابة العامة للأطباء رفضها لهذا القانون".
على النقيض، يُشكك سمير في "قدرة النقابة العامة للأطباء على اتخاذ موقف واضح تجاه القانون"، إذ يقول إن "النقابة منذ فترة لا تستطيع اتخاذ أي مواقف فيما يتعلق بالإجراءات التي تتخذها الحكومة تجاه الأطباء والتي كان آخرها تطبيق ضريبة القيمة المضافة".
ويضيف: "أتوقع تمرير القانون في مجلس النواب الحالي، والذي يُعتبر خاضعا للحكومة، ولا يرد لها كلمة، خصوصا أنه لم يحدث من قبل أن رفض أي مشروعات قوانين تقدم بها مجلس الوزراء".