مكالمة هاتفية وردت، مساء الجمعة، لسيدة مسنّة في إحدى قرى دلتا مصر، حملت معها أخبارا من ابنها في السعودية، عن أحداث مأساوية وقعت في قرغيزستان حيث يدرس شقيقه الطب، لتسقط الأم مغشيًا عليها.
وعاش طلاب مصريون وغيرهم من الجنسيات الأخرى، ليلة مأساوية، الجمعة، في عاصمة قرغيزستان، بيشكيك، بعدما تحولت مشاجرة عادية في مطعم بيتزا إلى هجمات من المواطنين ضد الطلاب الأجانب داخل سكنهم الجامعي.
وقالت وزارة خارجية قرغيزستان في بيان، إن الأوضاع باتت "بالكامل تحت سيطرة سلطات إنفاذ القانون، وتم تأمين سلامة المواطنين والنظام العام. ولا توجد إصابات خطيرة بين المتورطين في الحادث".
كما أوضحت وزارة الداخلية، السبت، أن الأزمة بدأت ليلة 13 مايو في حدود الساعة الثانية صباحا، حينما بدأت مشاجرة بين "مجهولين بملامح آسيوية داخل مطعم بيتزا" مع مجموعة من الطلاب الأجانب.
ولفتت إلى أن الأمر بدأ حينما طلب "المجهولون" من الطلاب سجائر فرفضوا، لتبدأ بعدها الأزمة.
ودارت اشتباكات قوية حيث يسكن في نفس المبنى طلاب من جنسيات مختلفة، عربية وهندية وباكستانية.
ونشرت وزارة الداخلية في قرغيزستان، الجمعة، مقطع فيديو لثلاثة طلاب مصريين مقبوض عليهم بتهمة الاعتداء على مواطنين، وفيه يتضح أنهم يقدمون اعتذارا عما وقع من شجار.
وقال الطالب في قرغيزستان (م.هاني) صاحب 22 عاما، إن "المصريين المقبوض عليهم لا يعيشون في السكن معي، ويتم احتجازهم حتى الآن على ذمة التحقيقات، في انتظار المحاكمة".
وتم استخدام أسماء مستعارة في التقرير وفقا لرغبات الطلاب بسبب الظروف الصعبة التي يمرون بها.
حصار واعتداءات
سافر هاني من مصر قبل شهرين لدراسة الطب في قرغيزستان، ولم يكن يتوقع على الإطلاق أن ما جرى ليلة الجمعة قد يحدث، حيث قال في تصريحات لموقع "الحرة" عبر تطبيق "واتساب"، إن الأمور كانت هادئة ولم يحدث مثل هذا الشيء مع المصريين هناك مطلقًا.
وبدوره، وصف شقيقه أحمد الذي يعيش في القاهرة، في حديث لموقع الحرة، لحظات الخوف التي عاشتها الأسرة في تلك الليلة العصيبة، بعدما اتصل أخ له يعمل في السعودية بوالديه وأبلغهما بوجود توترات في بيشكيك.
وأوضح: "تواصل أخي مع أمي هاتفيا وتحدث عن الاعتداءات على السكن الجامعي الذي يعيش شقيقنا، وأشار إلى سقوط قتلى.. وحينما ألمح إلى وجود مصابين وقتلى سقطت أمي مغشيًا عليها".
وتابع: "حينها تواصلت مع أخي في بيشكيك وكان هو وغيره من الطلاب محاصرين بلا طعام ولا المواد التي تغطي احتياجاتهم اليومية ولا دراسة. كانت لديهم تعليمات بعدم نشر أي مقاطع فيديو على مواقع التواصل، وإطفاء الأضواء ليلا حتى تهدأ الأمور. وقد وضعوا خزانات الملابس خلف الأبواب لحماية أكبر".
وأشارت وزارة الداخلية في قرغيزستان، إلى أن مقطع فيديو انتشر لواقعة الشجار والاعتداء على مواطنين في مبنى الطلاب الأجانب، الجمعة، "أثار استياء الرأي العام وتسبب في أعمال شغب محلية"، حيث تجمع ما يتراوح من 500 إلى 700 شخص، السبت، مطالبين باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المتورطين في الاعتداءات.
وذكر البيان أن هؤلاء الأشخاص "كانوا ساخطين بسبب المقطع المنتشر لاعتداء الطلاب الأجانب على مواطنين، لكن الفيديو لا يوضح حقيقة الحادث"، وتفرقوا بعدما شرحت لهم الشرطة تفاصيل الأحداث.
ونفت الوزارة أن يكون هناك قتلى إثر الحادث، داعية السكان في العاصمة إلى "عدم الانجرار وراء المعلومات الكاذبة والاستفزازات".
"سبب تافه"
وكشف هاني لموقع "الحرة" سبب الأزمة، واصفا إياه بـ"التافه"، قائلا: "دخل مواطنون في شجار مع مصريين، وطارد هؤلاء السكان الطلاب المصريين إلى مكان سكنهم الجامعي، فتجمع المصريون وواجهوا هؤلاء الأشخاص".
وكان بيان وزارة الداخلية أشار إلى أن الأمر بدأ حينما طلب "المجهولون" من الطلاب سجائر فرفضوا، لتبدأ بعدها الأزمة.
وأضاف هاني أنه في ليلة الجمعة "تعرضنا لاعتداءات قوية وتم تكسير المبنى السكني.. كنا نسد الأبواب بخزانات الملابس لنحمي أنفسنا من المعتدين، وبحمد الله هدأ الوضع يوم السبت ونتمنى أن تستقر الأمور".
ولفت إلى أن هناك "الكثير من المصابين، وانتشرت أنباء عن وفيات في جاليات دول مثل بنغلادش وباكستان والهند".
وأصدرت السلطات الهندية والباكستانية بالفعل، بيانات تطالب طلابها بالبقاء داخل أماكن إقامتهم وعدم الخروج بعد الأحداث التي شهدتها العاصمة.
وأشار موقع "إنديا توداي" إلى أن المبنى الذي تم الاعتداء عليه في البداية بعد مطاردة الطلاب المصريين، أغلب من يسكنون فيه طلاب من الهند وباكستان وبنغلادش.
"الحكومة لن تحميك كل مرة"
يتحرك أحمد، شقيق الطالب هاني، في مصر ويحاول التواصل مع المسؤولين المعنيين من أجل حل الأزمة وإيجاد سبيل للاطمئنان على سلامة أخيه.
وقال للحرة إنه تواصل مع عدد من المسؤولين في مصر، مضيفا: "وصلتني تطمينات بأنهم سيعملون على حماية أخي والمصريين هناك في قرغيزستان وإعادتهم سالمين".
من جانبه، ناشد طالب الطب الآخر، عماد عبد الله، الذي وصل قرغيزستان قبل 10 أشهر، المسؤولين في مصر بـ"سرعة إعادتهم".
وقال في تصريحات للحرة: "نطالب السلطات المصرية بإعادتنا لاستكمال دراستنا هناك، لأن المشكلة ليست بين دولتين وحكومات وسيتم حلها، بل بين أهالي وطلاب، نحن مهددون بالقتل في أي وقت، لو استطاعت الحكومة حمايتك مرة ربما لن تتمكن من ذلك في المرة التالية".
لكن لم يكن يتوقع أي منهم حدوث مثل هذا الأمر، فقال هاني: "قبل المشكلة كان الوضع جيد والشعب ودود"، فيما قال أحمد حسب، الذي يدرس الطب منذ عامين في الجمهورية السوفيتية السابقة: "لم أواجه مثل هذا الأمر من قبل على الإطلاق، ولدي أصدقاء هنا من قرغيزستان، لكن هم شعب بدم حامٍ، ويحبون المصريين والعرب".
ونقل من جانبه، موقع "القاهرة 24" المصري، السبت، أن السفارة المصرية في روسيا تلقت إخطارا بالواقعة وبلاغا من مجموعة من الطلاب، بشأن تعرضهم لهجوم من مجهولين خلال وجودهم في مقر سكنهم في بيشكيك.
وأكدت السفارة أنه "يجري متابعة الحادث للوقوف على ملابسات القضية".
لكن عبدالله، أكد للحرة أن "الوضع غير مطمئن، وبالفعل عاد طلاب الهند وباكستان إلى بلادهم لأن الوضع خطير للغاية. بعضهم (المحليون) لا يحبون الأجانب ويريدون إعادتهم، لأن البلد صغير والأجانب بأعداد كبيرة ويعتبرون أنهم يزاحمونهم في كل شيء".
لماذا ندرس في قرغيزستان؟
قال حسب (22 عاما) إن المصريين يدرسون في قرغيزستان لأن التكاليف "رخيصة والمفترض أنها آمنة مقارنة بالأوضاع في روسيا أو أوكرانيا، كما أن أغب الطلاب هنا هم بالفعل ممن تم تحويلهم من روسيا وأوكرانيا أو في عامهم الأول، قادمين من مصر".
وتابع: "أنا شخصيًا كنت أدرس في روسيا وحوّلت".
أما هاني فقال إنه لم يحصل على الثانوية العامة في مصر، وحاول لفترة طويلة وعبر القضاء أيضًا أن يدرس في بلاده، لكن ذلك لم يحدث بدعوى "مشاكل في الأوراق".
وأشار إلى أن بالنسبة له، فإنه "يريد أن تهدأ الأمور، لأنه إذا عاد إلى مصر فلا يعلم ماذا سيفعل، حيث لا يحق له الدراسة بالجامعات المصرية".
وواصل طالب الطب حديثه: "حاليا الأمور هادئة نوعا ما، لكن هناك مظاهرات في مناطق أخرى بين وقت وآخر ضد الطلاب الأجانب، وكانت آخر محاولة هجوم ضد السكن الخاص بنا، ليل السبت".