لاقت 11 فتاة صغيرة "بعمر الزهور" حتفهن "غرقا"، بينما فقدت 5 آخريات، بعد رحلتهن اليومية في العمل بالأجرة بحثا عن "لقمة العيش"، ما يعيد للأنظار قضية "عمالة الأطفال" في مصر، فما أسباب وتداعيات "الظاهرة المستمرة رغم التجريم"؟
وفي بيان الأربعاء، قالت النيابة العامة المصرية، إنها تلقت إخطارا بسقوط حافلة نقل ركاب "ميكروباص" على متنه خمس وعشرين فتاة، من أعلى معدية لنقل السيارات عبر ضفتي الرياح البحيري بمنطقة أبو غالب بدائرة مركز شرطة منشأة القناطر في محافظة الجيزة، مما أدى إلى إصابة ووفاة عدد من مستقليها.
بيان في القضية رقم ٢٦٩٨ لسنة ٢٠٢٤ إداري مركز إمبابة https://t.co/VZsBV0UwIJ
— النيابة العامة المصرية (@EgyptianPPO) May 22, 2024
وحسب بيان النيابة العامة، فقد تسببت الحادثة في غرق إحدى عشرة فتاة، وقد انتشلت قوات الدفاع المدني جثامينهن، بينما فقدت خمس فتيات واصيبت اثنتين.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يرصد الخبير بالمجلس القومي للطفولة والأمومة (حكومي)، ناصر مسلم، في حادثة غرق الفتيات مؤشر استمرار على "قضية عمالة الأطفال" المجرمة وفق القوانين المصرية.
وعمالة الأطفال "مجرمة" وفق القوانين المصرية، لأنها تعرض الأطفال للخطر، ولا يحق للطفل العمل إلا بعد بلوغ سن 15 عاما ويكون ذلك في أعمال بسيطة فيما يعرف بـ"التدرج المهني"، وفق مسلم.
لكن الأعمال التي كانت تلك الفتيات تقوم به "ليس بسيطة" ولذلك فقد كانوا "معرضين للخطر"، ومن قام بتشغيلهم "يقع تحت الطائلة الجنائية للقانون"، حسبما يضيف الخبير بالمجلس القومي للطفولة والأمومة.
رغم التجريم.. لماذا تستمر الظاهرة؟
في مصر، يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، كمـا يحظر تدريبهم قبل بلوغهم ثلاث عشرة سنة ميلادية، وفق "قانون الطفل".
ولا تمتلك الحكومة المصرية توثيقا حديثا لواقع "عمالة الأطفال"، فآخر مسح قومي بهذا الخصوص أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2010.
ووصل عدد الأطفال العاملين في مصر في عام 2010 إلى نحو 1.6 مليون طفل، وفق بيانات "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء".
وتشير تقديرات مسح صحة الأسرة المصرية لعام 2021، إلى أن 1.3 مليون طفل "4.9 بالمئة"، منخرطون في أنشطة عمالة الأطفال، مع تعرض حوالي 900 ألف طفل لبيئات عمل خطرة، وفق ما نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف".
وتواصل موقع "الحرة" مع وزير القوى العاملة المصري، حسن شحاتة، والمتحدث باسم الوازرة، عبدالوهاب خضر، هاتفيا وعن طريق رسائل "واتس آب" لتوضيح الإجراءات التي يتم اتخاذها لمواجهة "ظاهرة عمالة الأطفال"، لكن لم نتحصل على رد.
ومن جانبه، يشير أستاذ علم الاجتماع، خالد عبدالفتاح، إلى أن "عمالة الأطفال ظاهرة مستمرة رغم التجريم القانوني، ومحاولات الدولة للحد منها".
وفي ظل الضغوط الاقتصادية على الفئات الضعيفة، تنظر بعض الأسر لأطفالهم على أنهم "مورد اقتصادي"، ويتم تشغيلهم في "القطاع غير الرسمي" بعيدا عن أعين القانون، ولذلك فجميع الإجراءات التي تتخذها الدولة "لم توقف استمرار الظاهرة"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويتم تشغيل الأطفال في "فرز القمامة" بالمدن وفي "الأنشطة الزراعية" بالقرى والريف، ومن الصعب "متابعة ورقابة" هذا النوع من العمل، حسبما يوضح عبدالفتاح.
ويشدد أستاذ علم الاجتماع على أن "الدولة المصرية توفر أطر قانونية تجرم عمل الأطفال وشكلت لجان لحماية الطفولة، لكن تفعيلها يقتصر على مؤسسات العمل الرسمية".
الفقر "في قفص الاتهام"
مع عدد سكان يبلغ 106 ملايين نسمة، فإن مصر هي البلد العربي "الأكبر ديموغرافيا"، بينما تشير تقديرات إلى أن نحو 60 بالمئة من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر أو يقتربون منه.
ويصف الباحث في الاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، عمالة الأطفال بـ"الظاهرة الممتدة في مصر" والتي يقف ورائها "الفقر" بالأساس.
وتتصاعد ظاهرة عمالة الأطفال في ظل "ارتفاع معدلات الفقر، وتدني دخول الأسر، وانتشار العمالة غير المنتظمة في القرى والريف المصري بعيدا عن أعين الجهات المختصة،"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
وخلال الفترة الماضية "ارتفعت الأسعار وزادت نسب التضخم"، ما يجعل الكثير من الأسر تدفع بأبنائها للعمل قبل بلوغهم "سن الرشد"، حسبما يوضح الباحث في الاقتصاد السياسي.
وفي أبريل، بلغ معدل التضخم في المدن المصرية 32.5 بالمئة، بعدما تراجع من مستوى قياسي بلغ 38 بالمئة في سبتمبر العام الماضي.
ويشدد الديب على أن غالبية هؤلاء الأطفال يعملون ضمن أنشطة تندرج تحت ما يسمى بـ"الاقتصاد غير الرسمي"، والذي يعمل بعيدا عن أعين "الجهات الرقابية".
ويعتمد "الاقتصاد غير الرسمي" على "عمالة الأطفال" لأنها رخيصة ولا تكلفهم "عقود عمل ولا تأمينات صحية أو اجتماعية"، حسبما يؤكد الديب.
ويشير الباحث بالاقتصاد السياسي إلى أن ارتفاع الأسعار جعل "العملية التعليمية مكلفة ماديا"، ما يدفع بعض الأسر إلى "تشغيل أبنائهم من الأطفال".
أطفال "فقدوا طفولتهم"
في حديثها لموقع "الحرة"، تشير استشاري الصحة النفسية، الدكتورة إيمان ممتاز، إلى تداعيات خطيرة لظاهرة "عمالة الأطفال" التي تؤذي الأطفال نفسيا.
وبدلا من أن "يعيش هؤلاء الأطفال طفولتهم بلا مسؤوليات"، يخرجون لعالم "العمل المعقد" الذي لا يناسب أعمارهم الصغيرة، ما يصيبهم بـ"حالة من الحرمان"، وفق استشاري الصحة النفسية.
وتوضح أن حالة الحرمان تولد لدى هؤلاء الأطفال "أحقاد دفينة تجاه المجتمع قد تتحول في المستقبل إلى سلوك عدواني".
والسلوك العنيف قد يؤدي مستقبلا إلى "مشكلات مجتمعية خطيرة"، وفق تحذيرات استشاري الصحة النفسية.
تداعيات مجتمعية خطيرة
يعمل غالبية هؤلاء الأطفال في "ظروف صعبة وغير صحية"، وخاصة في الأنشطة الزراعية حيث يتعرضون لأشعة الشمس لساعات طويلة ويتعرضون كذلك لـ"مواد كيماوية"، حسبما يوضح عبدالفتاح.
ويحذر أستاذ علم الاجتماع من "تداعيات مجتمعية خطيرة" لاستمرار ظاهرة "عمالة الأطفال"، وعلى رأسها "عدم التزام الطفل بالعملية التعليمية والتسرب من التعليم"، ما يعني زيادة معدلات الأمية.
ولذلك، يشدد مسلم على ضرورة "زيادة الرقابة والتفتيش على المزارع والأماكن التي قد يعمل بها الأطفال للحد من الظاهرة"،
ويجب "سد المنابع" من خلال التفتيش والرقابة والتوعية بأضرار "عمالة الأطفال"، في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، حسبما يؤكد الخبير بالمجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر.