لا تتوقف التوترات المصرية الإسرائيلية منذ بدء العملية العسكرية في رفح أقصى جنوبي قطاع غزة، حيث سيطرت إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري، قبل أن تخرج القاهرة وتهدد بالانسحاب الكامل من وساطتها في مفاوضات وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المختطفين.
وأكد محللون تواصل معهم موقع "الحرة"، أنه "من الصعب" أن تنسحب مصر من دورها في الوساطة، حيث "تفضلها" إسرائيل على الطرف القطري، مشيرين إلى أنه "لا يمكن لأحد أن يقوم بدور القاهرة، في ظل أنها المنفذ الوحيد لقطاع غزة على العالم، بجانب إسرائيل".
وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات الحكومية في مصر، ضياء رشوان، إن "ما يتم ترويجه من أكاذيب حول الدور المصري، سوى بأنه محاولة لعقاب مصر على مواقفها المبدئية الثابتة تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في ظل قيامها بدور الوساطة"، مضيفًا أن محاولات "التشكيك والإساءة.. قد تدفع إلى اتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من الوساطة".
جاء البيان المصري، ردا على تقرير لشبكة "سي إن إن" الأميركية، أشار نقلا عن 3 مصادر، إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته حماس، في السادس من مايو، "لم يكن ما قدمته قطر أو الولايات المتحدة إلى حماس بهدف مراجعته".
واتهمت مصادر في التقرير المخابرات المصرية بأنها "عدلت بهدوء" بنود اقتراح وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه إسرائيل بالفعل في وقت سابق من هذا الشهر، مما أدى في النهاية إلى تعطيل صفقة كان من الممكن أن تفضي إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين، وتحدد مسارا لإنهاء القتال مؤقتا في غزة.
تهديد جدي؟
قال مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية، أشرف العشري، في حديثه لموقع "الحرة"، إن التهديد المصري "موجه للجانب الإسرائيلي، لأن مصر مستاءة من حجم ما أذيع في الأيام الماضية حول وجود عملية حذف بند وغيره خلال المفاوضات، وتسريبات في الإعلام الإسرائيلي تتحدث عن التنسيق مع مصر بشأن احتلال إسرائيل لمعبر رفح، والسماح بوجود عسكري إسرائيلي فيه، وأيضا بممر صلاح الدين (فيلادلفيا)".
وأكد العشري أن "هذه الأمور ترفضها القاهرة، وترى أنها غير مقبولة ومرفوضة تماما".
ونفت مصر في أوقات سابقة تقارير إسرائيلية عن التنسيق مع إسرائيل في عمليتها العسكرية في رفح، ورفضت أي وجود إسرائيلي في محور فيلادلفيا.
من جانبه، اعتبر المحلل الإسرائيلي، إيلي نيسان، أن "التهديد المصري لم يكن جديا"، مشيرًا إلى أنه "خلال الساعات الأخيرة كانت هناك محاولات من الطرفين لتسوية الخلاف، وبعد اجتماع الحكومة الإسرائيلية الليلة الماضية، جاء الحديث عن المضي قدما في المفاوضات.. وأعتقد أنه بالنهاية تم تسوية الخلاف".
وتابع في حديثه لموقع الحرة: "هناك رغبة من الطرفين في حل الأمر، رغم الخلافات في مسائل مثل سيطرة القوات الإسرائيلية على معبر رفح" من الجانب الفلسطيني.
ووافق مجلس الحرب الإسرائيلي "بالإجماع" على "مبادئ توجيهية جديدة" للمفاوضين، في محاولة لإحياء المحادثات بشأن صفقة الرهائن مقابل الهدنة مع حركة حماس في قطاع غزة، وفق ما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الناطقة بالإنكليزية، عن موقع "والا" العبري، الخميس.
ولم يذكر الموقع أي تفاصيل بشأن التوجيهات الجديدة التي تمت الموافقة عليها في الاجتماع الذي عقد الليلة الماضية، في حين قال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، إن مجلس الحرب أمر فريق التفاوض "بمواصلة المفاوضات من أجل عودة الرهائن".
من جانبه، اعتبر المحلل الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع، أن "التهديد المصري بالانسحاب كان له كبير الأثر، ورأينا رد الفعل الإسرائيلي حينما خرج متحدث الجيش (الإسرائيلي دانيال هاغاري) وتحدث بإيجابية عن مصر".
وتابع في تصريحاته لموقع الحرة: "الدور المصري مهم لأنها تحد غزة من جانب معبر رفح، وبالتالي فإنها جزء أساسي من أي ترتيبات مستقبلية، ولا يمكن تجاوزها، وهي عامل استقرار في المنطقة... في النهاية ستسعى إسرائيل إلى تخفيف حدة تعاملها مع مصر".
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، هاغاري، قد قال في حوار مع قناة "الحرة"، الخميس، إن مصر "دولة مهمة بالنسبة لإسرائيل"، لافتا إلى أن بلاده "تعمل على ألا تتسبب العملية المعقدة في رفح، إلى دفع المدنيين للتوجه نحو حدود مصر".
وأضاف هاغاري: "رفح مدينة معقدة لأن حماس تستخدم المدنيين فيها، والمنطقة معقدة لأنها بالقرب من الحدود المصرية، ومصر بلد مهم لنا ويقوم بوساطة في مفاوضات الرهائن".
ماذا لو انسحبت مصر؟
لم يشر أي من المحللين الذين تواصل معهم موقع "الحرة" إلى إمكانية انسحاب مصر من الوساطة، وذلك في وقت تتشارك فيه قطر هذا الملف بجانب الولايات المتحدة.
وقال العشري: "أرى أن القاهرة لن تنسحب، لكنها توجه رسالة لكل الأطراف بأنها مستمرة في موقفها، وإذا حدث أي تجاوزات إسرائيلية وغيرها، فسيكون لها موقف فيما يتعلق بالمفاوضات".
أما المحلل الفلسطيني، مطاوع، فأشار إلى أن "الجانب القطري لا يمتلك تأثيرا كتأثير المفاوض المصري، خصوصا بعدما هاجمت إسرائيل قطر بسبب استضافتها لقادة من حماس، واتهمتها كذلك بتمويل الحركة الفلسطينية".
وفي أبريل، أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن الدوحة في صدد "تقييم" دور الوساطة الذي تؤديه منذ أشهر بين إسرائيل وحركة حماس.
وجاء التهديد القطري بعد تصريحات لعضو الكونغرس الأميركي، الديمقراطي ستيني هوير، قال فيها إنه "إذا فشلت قطر في ممارسة الضغط (على حماس)، فإن الولايات المتحدة لا بد أن تعيد تقييم علاقتها مع قطر".
واعتبرت السفارة القطرية في واشنطن، في بيان حينها، أن هذه التصريحات من عضو الكونغرس الأميركي "غير بناءة"، وقالت: "قطر وسيط فقط، لا نتحكم في إسرائيل أو حماس. حماس وإسرائيل هما المسؤولتان الوحيدتان عن التوصل إلى اتفاق".
وبدوره، رأى نيسان أن إسرائيل "لن تتنازل عن الوساطة المصرية، وتفضلها عن الوساطة القطرية، لأن هناك علاقات استراتيجية بين البلدين"، مشيرًا أيضًا إلى قرار الحكومة الإسرائيلية إغلاق قناة الجزيرة القطرية في وقت سابق هذا الشهر بسبب "دعمها لحماس".
وقررت الحكومة الإسرائيلية في الخامس من مايو الجاري، وقف عمل شبكة الجزيرة في البلاد، بعد أيام من إقرار الكنيست قانونا يمهد الطريق لإغلاقها، على خلفية اتهامها بـ"التحريض" ضد إسرائيل.
وكتب نتانياهو على حسابه في منصة "إكس" حينها: "لقد قررت الحكومة برئاستي بالإجماع: إغلاق قناة (التحريض) الجزيرة في إسرائيل".
وبدوره، قال وزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو كرعي، في بيان حينها: "أوامرنا ستدخل حيز التنفيذ على الفور.. واجهنا الكثير من العقبات القانونية غير الضرورية حتى تمكنا أخيرا من إيقاف آلة التحريض التابعة لقناة الجزيرة والتي تضر بأمن البلاد".
وأوردت وكالة فرانس برس أن "الحكومة الإسرائيلية أمرت بمصادرة معدات قناة الجزيرة بعد قرار إغلاقها".
كما أشار المحلل الإسرائيلي، أمير أورن، في تصريحاته لموقع "الحرة"، إلى أن "مصر بتهديدها الأخير بالانسحاب لم تضع ضغوطا على إسرائيل، بل على العكس، فموقف إسرائيل كان أكثر مرونة في المفاوضات (قبل التصريحات المصرية الأخيرة).. ويبدو أن لدى إسرائيل تعاونا أفضل مع مصر بشأن ممر فيلاديلفيا. وهذا هو ما أعتقد أنه يحدث حاليا، حتى لو استمر لفترة قصيرة وتبدد لاحقًا".
لكنه أشار أيضًا إلى أنه "لا بديل" للدور المصري في الوساطة، موضحا: "من يمكنه القيام بهذا الدور؟".
وكانت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس بشأن هدنة محتملة تفضي إلى وقف لإطلاق النار، والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، قد توقفت قبل أكثر من أسبوع، بعد عدة أيام من المحادثات في العاصمة المصرية القاهرة.
واندلعت الحرب في قطاع غزة، إثر هجوم حماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
كما خُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا ما زال 130 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء على حماس"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أُتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن مقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، وفق ما أعلنته السلطات الصحية بالقطاع.