عندما شنت إسرائيل الحرب ضد حماس في غزة قبل نحو تسعة أشهر، أعلنت مصر أنها لن تقبل اللاجئين الفلسطينيين، ومع ذلك، عبر أكثر من 115 ألف من سكان القطاع إلى مصر منذ أكتوبر الماضي، حسب تقديرات سفارة السلطة الفلسطينية لدى القاهرة، وفق ما ذكرته صحيفة "واشنطن برست".
وتقول الصحيفة إن معظم هؤلاء ظلوا في طي النسيان، من دون وضع قانوني ولا مكان آخر يذهبون إليه.
وذكرت أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم جاؤوا بمساعدة السفارات الأجنبية أو عبر شركة "هلا" للاستشارات والسياحة، وهي شركة مصرية يقال إنها مرتبطة بأجهزة أمن الدولة وتفرض رسوما باهظة لمساعدة الفلسطينيين على الهروب.
بمجرد وصولهم إلى مصر، يُترك الأشخاص الذين تم إجلاؤهم لأسباب غير طبية إلى حد كبير ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، بحسب الصحيفة، التي أشارت إلى أن عشرات الآلاف منهم تجاوزا بشكل غير قانوني مدة تأشيراتهم السياحية البالغة 45 يوما، مما جعلهم غير مؤهلين للحصول على التعليم العام والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات.
كما أن وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين غير قادرة على مساعدة المتواجدين في مصر إذ تشير إلى أن القاهرة لا تعترف بالتفويض الممنوح لها لمساعدة الفلسطينيين، بحسب الصحيفة.
ورفض متحدث باسم السلطات المصرية طلب الصحيفة الأميركية التعليق، وكذلك نفى المسؤولون المصريون في السابق تورط الحكومة في قضية شركة "هلا" وقالوا إن السلطات غير مسؤولة عن فرض رسوم على الفلسطينيين الذين يسعون إلى مغادرة غزة.
تقول الصحيفة إن مراسليها أجروا زيارات للنازحين من غزة في منازلهم وأماكن عملهم في جميع أنحاء القاهرة، حيث وجد هؤلاء ملاذا آمنا وفسحة من الهدوء، لكنهم مع ذلك لا يزالون غير قادرين على بناء مستقبلهم.
من هؤلاء سيدة أردنية تبلغ من العمر 42 عاما ولديها ست بنات، كانت قد انتقلت إلى غزة بعد أن تزوجت من رجل فلسطيني قبل عدة عوام.
وفقا للصحيفة فإن جواز سفرها الأردني هو من ساعدها في الخروج من غزة، بعد أن تلقت في ديسمبر الماضي مكالمة هاتفية من مسؤول أردني أبلغها أن اسمها فقط كان مدرجا على قائمة الإجلاء إلى مصر، من دون بناتها وزوجها.
تحدثت المرأة للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتها، لأنها غير مخولة من قبل صاحب عملها بالتحدث علنا.
عند معبر رفح الحدودي، توسلت السيدة بالمسؤولين المصريين للسماح لبناتها بالمرور، وبعد ساعات من الانتظار، نجحت بالفعل في ذلك، لكن زوجها ظل في غزة.
بدون الإقامة المصرية، لم تتمكن من العثور على عمل مستقر، وفي شهر مايو، انتقلت العائلة إلى ضاحية صحراوية هادئة على بعد ساعة من وسط مدينة القاهرة.
تمكنت بناتها الأصغر سنا، الممنوعات من الذهاب للمدارس المصرية، من الالتحاق فعليا بفصول دراسية عن بعد في رام الله، من خلال برنامج أنشأته سفارة السلطة الفلسطينية.
تقول السيدة إن "الناس هنا طيبون جدا معنا.. عندما يعرفون أننا من فلسطين، وتحديدا من غزة، أحيانا لا يسمحون لنا بدفع ثمن القهوة وسيارات الأجرة والحلويات، لكن مع ذلك هي حياة جديدة وصعبة بالنسبة لنا".
شخص آخر من غزة يدعى ماجد الخزندار لديه قصة مختلفة تماما، فهو يبلغ من العمر 60 عاما وبدأ بنقل تجربته في إدارة المطاعم للقاهرة.
بدأ الخزندار التخطيط لفتح فرع لسلسلة مطاعمه المتخصصة بأكلة الفلافل الشهيرة في القاهرة حتى قبل مغادرته غزة.
دمرت الحرب جميع مطاعمه الثلاثة في غزة، وكذلك المنزل المكون من خمسة طوابق الذي بناه بمدخرات حياته في عام 2021.
بعد أن دفع 25 ألف دولار لشركة "هلا"، عبر ماجد الحدود إلى مصر مع اثنين من أبنائه وزوجتيهما وحفيد صغير في فبراير الماضي.
افتتح مطعم الفلافل الخاص به في مدينة نصر، الحي الشرقي للقاهرة، حيث انتهى الأمر بالعديد من سكان غزة.
يرسل ماجد جزءا مما يكسبه من أموال إلى بقية أفراد عائلته المحاصرين في غزة، ولا يزال يأمل أن يتمكن من إيصالهم إلى بر الأمان.
ويضيف "أنا أحب مصر.. كنت أقضي نصف العام هنا، لكنني لا أستطيع أن أستبدلها بفلسطين".
أما مصعب أبو توحة، 31 عاما، الشاعر الحاصل على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة سيراكيوز الأميركية فكان أكثر حظا.
فاز أبو توحة بجائزة الكتاب الأميركي العام الماضي، وكانت السبب الذي جعل أدباء عالميين يهبون لمساعدته عندما اعتقلته القوات الإسرائيلية أثناء محاولته الفرار من شمال غزة مع عائلته الصغيرة في نوفمبر.
بعد أسبوعين من إطلاق سراحه، تمكن وعائلته من العبور إلى مصر، ويعود الفضل في ذلك لامتلاك ولده الجنسية الأميركية.
أقام أبو توحة وزوجته مرام وأطفالهما يزن، 8 أعوام، ويافا، 7 أعوام، ومصطفى، 4 أعوام، مع أصدقاء قبل أن ينتقلوا إلى شقة وفرتها لهم الجامعة الأميركية في القاهرة.
يقول أبو توحة إنه حتى مع الدعم من الأصدقاء والجامعة، فإن الحياة في مصر لم تكن سهلة.
لم يتمكن من الحصول على الإقامة، فيما بلغت تكلفة المدرسة الخاصة حوالي 6000 دولار.
بسبب عدم القدرة على البقاء في مصر، عادت العائلة إلى سيراكيوز بولاية نيويورك الأميركية، حيث حصل أبو توحة على عمل كأستاذ في الجامعة.
وكانت مصر صريحة في معارضتها لأي نزوح جماعي للفلسطينيين من غزة، واضعة ذلك في إطار رفض عربي أوسع لأي تكرار لما حدث في "النكبة"، عندما فر نحو 700 ألف فلسطيني أو أُجبروا على ترك منازلهم في الحرب التي ترافقت مع قيام إسرائيل عام 1948. كما يرفض الزعماء الفلسطينيون توطين شعبهم في البلدان الأجنبية.
وخلال الحرب الحالية، كان معبر رفح على الحدود التي يبلغ طولها 13 كيلومترا بين شبه جزيرة سيناء المصرية وغزة نقطة دخول لتسليم المساعدات، كما ظل مفتوحا إلى حد كبير لحركة الركاب.
لكن المغادرة من غزة، التي كانت تخضع بالفعل لرقابة صارمة قبل الحرب، اقتصرت على الأشخاص الذين يتم إجلاؤهم لأغراض طبية والأجانب ومزدوجي الجنسية، والفلسطينيين الذين يدفعون رسوما لشركة "هلا" يملكها رجل أعمال بارز من سيناء.
ويحتاج المغادرون أيضا إلى تصريح أمني من إسرائيل ومصر، اللتين فرضتا معا حصارا على قطاع غزة منذ تولي حماس السلطة هناك في عام 2007.