لم يشغل تشكيل الحكومة الجديدة في مصر، بال الكثير من المواطنين، ومن بينهم، مصطفى عدلي، الموظف الحكومي البالغ من العمر 58 عاما، والذي يقول إن "جل ما يهمه هو خفض الأسعار وتحسين مستوى المعيشة".
ويضيف عدلي، الذي يقترب من التقاعد بعد سنتين، لموقع "الحرة": "لا يهمني من يأتي ولا من يتعين في الوزارات، كل ما نريده أن تنخفض الأسعار كي نعيش بكرامة".
وأدت الحكومة المصرية الجديدة برئاسة، مصطفى مدبولي، اليمين الدستورية أمام الرئيس، عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، حيث تضمن التشكيل الجديد، تغييرات واسعة في الحقائب الوزارية الاقتصادية من بينها التموين والكهرباء والمالية والبترول والاستثمار.
ومن المقرر أن يعقد مجلس النواب المصري، هذا الأسبوع، جلسة عامة للموافقة على الحكومة الجديدة، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية.
"خفض الأسعار أولوية"
وكما هو حال الكثير من المصريين، تطالب أيضا منى (35 عاما)، الوزراء الجدد "بإعادة النظر في الأسعار التي ارتفعت خلال السنوات القليلة الماضية حتى أصبحت الأموال بلا قيمة".
ويعيش ما يقرب من ثلثي سكان مصر، البالغ عددهم 106 ملايين نسمة، تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، وتواجه البلاد انخفاضا في عائدات النقد الأجنبي، سواء من السياحة التي تضررت من وباء كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا، وحاليا في قطاع غزة، وكذلك انخفاض واردات قناة السويس.
وتعاني مصر من ارتفاع كبير في معدلات التضخم منذ العام الماضي، حيث سجل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين بالمدن 28.1 في المئة في مايو الماضي.
فيما يشير البنك الدولي، إلى أن مصر من بين "البلدان الـ10 الأكثر تضررا من تضخم الغذاء في العالم".
ويأمل عدلي ومنى في "عدم الاتجاه نحو زيادات جديدة في أسعار السلع"، حيث يعبران عن قلقهما "إزاء تأثير زيادات الأسعار على حياتهما اليومية".
وتقول منى لموقع "الحرة": "نريد أن تكفينا رواتبنا للمصاريف الشهرية، ولا نريد شيئا آخر من الحكومة الجديدة أو القديمة".
وتوضح: "كل ما يشغل بالي الآن كيفية تأمين مصاريف البيت والأولاد والمدارس، زوجي يعمل ليل نهار وفي وظيفتين كي نقدر على العيش في هذه الظروف".
ويؤكد هذا أيضا الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، الذي قال في حديث مع موقع "الحرة" إن "مسألة تشكيل الحكومة ليست ذات أهمية كبيرة للمصريين العاديين. وما يهم المواطن المصري هو توفير السلع بأسعار مناسبة".
ويضيف: "المواطن لا يهتم بمن جاء أو من رحل في التشكيل الوزاري. حتى أزمة الكهرباء، التي تؤثر على الجميع، تثير اهتمام الناس أكثر من الوجوه الجديدة في المناصب الوزارية".
ويوضح النحاس: "المواطنون المصريون في واد آخر تماما مقارنة بالماضي. العديد من الناس لا يهتمون بالتشكيل الحكومي بقدر ما يهتمون بتخفيض الأسعار. هم يركزون على تلبية احتياجاتهم الأساسية فقط".
ويتفق مع هذا الطرح الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، والذي يقول إن "جزءا أساسيا مما ينتظره المواطن من الحكومة الجديدة هو استقرار الأسعار أو خفضها لتتناسب مع مداخيل أغلب المصريين".
ويضيف لموقع "الحرة": "المواطن المصري على موعد جديد مع ارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والغاز، وغيرها من الخدمات، فضلا عن توقعات بزيادة أسعار الوقود مع ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، وهذا بدوره قد يثير قلقهم".
"حياة كريمة"
ومنذ بداية العام الحالي، قررت الحكومة المصرية زيادة أسعار بعض السلع والخدمات من بينها المحروقات، والتي رفعت أسعارها للمرة التاسعة في 3 أعوام.
كما قامت بزيادة سعر رغيف الخبز المدعوم لأول مرة منذ 3 عقود من خمسة قروش إلى 20 قرشا، اعتبارا من يونيو الماضي، وهي خطوة تقول الحكومة إنها "ضرورية لتتناسب مع الزيادة الكبيرة في الأسعار".
وقبل أيام، كشف مصدر مطلع بوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، لوسائل إعلام محلية، أنه تقرر تأجيل زيادة أسعار الكهرباء المقرر اعتمادها بدءا من يوليو، نظرا للظروف التي تعيشها الدولة وعدم انتهاء خطة تخفيف الأحمال.
وتقوم الحكومة المصرية بقطع الكهرباء بانتظام منذ عام، بسبب أزمة طاقة مصحوبة بشح في العملات الأجنبية، أدى إلى عدم توافر الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء.
وتعتبر منى خلال حديثها مع موقع "الحرة" أن "أي زيادة جديدة في الأسعار لن نستطيع تحملها. فكل أسعار السلع زادت، والرواتب لا تكفي حتى نهاية الشهر".
وتمنت أن "تخفض الحكومة الجديدة الأسعار"، وأشارت إلى ضرورة "مراقبة التجار الذين يرفعون الأسعار بشكل مستمر".
فيما يقول عدلي، الذي يعيش في محافظة الجيزة مع أسرته المكونة من 4 أفراد، إنه "لا مانع لديه من تحمل أزمة الكهرباء في الوقت الحالي، على أمل انتهاء انقطاع التيار الكهربائي مع نهاية فصل الصيف كما وعدت الحكومة"، لكنه يستطرد: "من المهم بالنسبة لي أنا وأسرتي أن نعيش حياة كريمة، خصوصا بعد أن أخرج على المعاش (التقاعد)".
ويؤكد النحاس أن "أصحاب المصالح من رجال الأعمال والاستثمار هم المهتمون الوحيدون بتشكيل الحكومة الجديدة، وذلك فيما إذا كانت ستعطل أو تسهل أو تنجز مصالحهم".
ومع ذلك، ينتقد الخبير الاقتصادي، التشكيل الوزاري الجديد، الذي تضمن إعادة إحياء حقيبة الاستثمار بعد إلغائها لسنوات، ودمج وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وكذلك وزارتي الصناعة والنقل، حيث يقول النحاس إن "هناك تضاربا وتشابكا في المصالح بين الوزرات المختلفة والاستثمار، وكان من الأفضل ألا يتم إحياء هذه الوزارة أو دمج وزارتي النقل والصناعة".
ويضيف خلال حديثه: "هناك مخاوف من حدوث صدام بين الوزارات المختلفة مثل وزارة قطاع الأعمال ووزارة الصناعة ووزارة الاستثمار، خاصة في مجالات الاستثمار والتجارة".
كما يثير تعيين العديد من النواب لكل وزارة، الكثير من التساؤلات حول كيفية تحقيق التنسيق بينهم وتجنب التعارض في المصالح، وفقا للنحاس.
ماذا ينتظر الحكومة الجديدة؟
ينتظر الحكومة الجديدة تحديات منها الحرب في قطاع غزة والمشاكل الاقتصادية وانقطاع الكهرباء الذي تسبب في إحباط لدى المصريين وأدى إلى إغلاق بعض المصانع، حسب "رويترز".
فيما يقول عبد المطلب إن "ملف التعليم يأتي على رأس هذه التحديات التي تقف أمام الحكومة الجديدة، حيث يلاحظ الآن أن التعليم لم يعد ميسرا بشكل غير مباشر لغالبية الطبقات الفقيرة في مصر".
ويضيف: "نشهد الآن إنشاء جامعات أهلية برسوم مرتفعة وتكاليف عالية. كما أن التعليم الحكومي العادي أصبح في هذه الظروف غير متاح وغير ميسر لعدد ليس بالقليل من الأسر المصرية".
والتعليم في مصر مجاني حتى مرحلة الشهادة الثانوية، وفق ما يُقر الدستور، غير أن ضعف مستوى التعليم الحكومي يجبر كثيرين على اللجوء إلى بدائل يرونها مكلفة اقتصاديا، وهو الأمر الذي تقول وزارة التربية والتعليم إنها تعمل على القضاء عليه من خلال استراتيجية تستهدف عودة الطلاب للمدارس وتحقيق لائحة الانضباط المدرسي، حسب صحيفة "الوطن" المحلية.
وبالنسبة للجوانب الاقتصادية، فإن أزمة الديون الخارجية وأزمة الدين الداخلي تعد من الأزمات الخطيرة التي يجب التصدي لها بشكل فعال، وفق عبد المطلب، الذي يقول إن "تعزيز الصناعة والتجارة يعتبر من الجوانب الأساسية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وضرورة زيادة الإنتاجية لتعزيز التنافسية العالمية للمنتجات المصرية".
ويتابع: "يجب دراسة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومراجعة استخدام الأدوات المالية مثل الدين العام، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين صانعي السياسات النقدية والحكومة للحفاظ على استقرار السوق المالية وتحقيق أهداف النمو الاقتصادي".
وتلقت مصر تمويلا أجنبيا ضخما وتعهدات كثيرة هذا العام من الإمارات وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكذلك الاتحاد الأوروبي.
وخفف التمويل أزمة مستمرة منذ وقت طويل في النقد الأجنبي في وقت تحاول فيه مصر التعامل مع تأثير الحرب في قطاع غزة المجاور وفي السودان على حدودها الجنوبية.
ويأمل عبد المطلب أن يكون لدى الحكومة الجديدة "رؤية مكتوبة وواضحة، تُعرض للنقاش في إطار ما يعرف بالحوار المجتمعي، وتعلن من خلالها سياساتها في كافة المجالات: السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، التعليمية، والصحية، مع تحديد جدول زمني لتحقيق الأهداف الموضوعة."
ويضيف: "بدون هذه الرؤية المكتوبة والواضحة، لن يكون هناك تغيير جذري في أسلوب عمل الحكومة أو قدرتها على تحقيق التقدم المطلوب لصالح المجتمع".
"مرحلة الإنقاذ"
في المقابل، يرى النحاس أن "الحكومة الجديدة لن تقدم أي خطط مستحدثة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، لأن مصر حاليا تنفذ خطة إنقاذ اقتصادي مدعومة من الخارج بما في ذلك صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي".
ويقول خلال حديثه: "كل شيء يعتمد على استحقاقات صندوق النقد الدولي. والاتفاق مع الاتحاد الأوروبي".
وفي وقت سابق من العام وقعت مصر اتفاقية استثمارية ضخمة مع دولة الإمارات، علاوة على اتفاقيات تمويل من مؤسسات دولية شملت توسيع برنامج إقراض مع صندوق النقد الدولي.
وفي مارس الماضي، تعهد الاتحاد الأوروبي، بتمويلات بقيمة 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار) لصالح مصر على مدار 4 سنوات، تشمل قروضا ومساعدات واستثمارات في قطاعات مختلفة.
وهذا الأسبوع، وقع صندوق مصر السيادي، 4 اتفاقيات في مجال الأمونيا الخضراء مع عدد من المطورين الأوروبيين بتكلفة استثمارية تصل إلى نحو 33 مليار دولار.
ويضيف النحاس: "نحن في مرحلة إنقاذ اقتصادي، ولم نتعافى بعد وهذا لن يحتاج أي سياسات جديدة من وزراء المجموعة الاقتصادية، ومن المرجح أن تتبع الحكومة نفس السياسات الإنقاذية حتى الخروج من الأزمة".
ويختتم حديثه بالقول: "نعم تأخرت مصر في تغيير الحكومة منذ العام الماضي، لكن الآن نحن بحاجة إلى تنفيذ خطط الإنقاذ المتفق عليها مع المؤسسات الدولية على أمل تجاوز هذه الأزمة".