الحكومة المصرية قررت غلق المحال التجارية مبكرا لترشيد استهلاك الكهرباء
الحكومة المصرية قررت غلق المحال التجارية مبكرا لترشيد استهلاك الكهرباء.

لاتزال تبعات قرار الحكومة المصرية غلق المحال التجارية في العاشرة مساء تلقي بظلالها على الشارع المصري، لاسيما بعد رفض الكثيرون تنفيذه لما قد يجلبه من أضرار اقتصادية.

وظهرت تبعات رفض القرار الحكومي خلال المؤتمر الذي عقده رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الثلاثاء، والذي تحدث فيه عن ضرورة الالتزام بالغلق من أجل حل أزمة الكهرباء، نافيا العودة عنه بعد إنهاء تخفيف الأحمال، وذلك في الوقت الذي تتداول فيه مقاطع فيديو لمناوشات بين الأمن ومواطنين يرفضون غلق محالهم.

وتباينت الآراء بين من يرى إغلاق المحال التجارية إجراء ينظم عملية البيع والشراء ويوفر استهلاك الطاقة، ومن يعتبره ضربة موجعة للنشاط التجاري والسياحي في آن واحد.

خسائر أصحاب المتاجر

وقال محمد رفعت، صاحب سلسلة محل ملابس في القاهرة، لموقع "الحرة" إن "ما يحدث خراب بيوت"، مضيفا: "أنا أعاني منذ خسائر كبيرة فترة طويلة بسبب ارتفاع أسعار الأقمشة والمنتجات الخام، فضلا عن أزمة الاستيراد، وعدم توافر العملة الصعبة في البنوك، وما تلى ذلك من ارتفاع أسعار جميع الخدمات والسلع الأخرى مثل النقل وغيره".

وتحدث رفعت عن مدى تضرره من قرار الغلق الحكومي، قائلا إن "أزمة الكهرباء بمفردها كلفته خسائر نسبتها أكثر من 70 في المئة منذ بداية تخفيف الأحمال".

وأضاف "النور (الكهرباء) بيقطع عندي يوميا من الساعة 6 مساء وحتى الساعة 8 مساء، وهذه فترة العمل خاصة في الصيف لأنها تتزامن مع خروج الموظفين من أعمالهم".

وتابع: "لكن أن تجبرني بعدها أن أغلق المحلات في العاشرة مساء يعني أنك تدفعني نحو الإفلاس، لأنه بذلك لا يتبقى وقت للبيع والشراء".

وأعلنت الحكومة المصرية أنها ستبدأ في الأول من يوليو وحتى الخميس الأخير من شهر سبتمبر في تطبيق مواعيد جديدة سواء لفتح أو لغلق المحال التجارية لتفتح في السابعة صباحا، وتغلق أبوابها في العاشرة مساء، وتزيد ساعة في أيام الإجازات الرسمية والأسبوعية، بينما تفتح المولات التجارية في العاشرة صباحا وتغلق منتصف الليل وتستمر حتى الواحدة صباحا في الإجازات.

وفي حالة مخالفة مواعيد الغلق والفتح اليومية، يتم إنذار المسؤول كتابة، ويتم غلق المكان لمدة شهر إذا انقضت مدة 15 يوما دون تلافي أسباب المخالفة.

ويأتي القرار في ظل أزمة انقطاع الكهرباء لساعات يوميا في أوقات متفرقة كان بعض المصريين يفرون فيها من البيوت بسبب الحرارة الشديدة والرطوبة العالية إلى أماكن في الهواء الطلق أو المحال أو المولات التجارية للحصول على هواء التكييفات.

وعزت الحكومة قرارها إلى رغبتها بترشيد استخدام الكهرباء بما يساهم في تقليل حجم المنتجات البترولية المستوردة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وكذا الارتفاع غير المسبوق في معدلات استهلاك الكهرباء، بحسب بيان لوزارة التنمية المحلية.

وأعرب كمال سلام، صاحب سلسة محلات للحلوى والأيس كريم في محافظة الدقهلية، لموقع "الحرة" عن استيائه من القرار الحكومي، الذي قال إنه "لا يراعي مصلحة التجار أو حتى العمال في مصر".

وأضاف أنه "يعمل لديه أكثر من 120 موظف في مختلف فروع متاجره، وأصبح أكثر من نصفهم مهددا الآن بالرحيل بسبب الخسائر التي نتجت عن القرارات الحكومية الأخيرة".

وتابع أن "الحلوى والمنتجات الأخرى التي يبيعها والمواد الخام تفسد يوميا بآلاف الجنيهات بسبب الحرارة وقطع الكهرباء، وبالإضافة إلى ذلك قرورا غلق المحال في العاشرة مساءًا ليقضوا على أي أمل متبقي".

وتطرق إلى المشاكل الأخرى التي يواجهها بفعل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر منذ فترة، قائلا "إن ارتفاع سعر السكر والزيت وغيرهما من المواد الخام تسببت في ارتفاع أسعار الحلويات بشكل كبير في مصر، ويعتبر موسم الصيف هو الأكثر رواجا في البيع والشراء، وكان يعتمد عليه التجار من أجل تعويض خسائرهم، لكن بقطع التيار الكهربائي لأكثر من 3 ساعات يوميا وغلق المحال في العاشرة، فأصبح بذلك مهددًا بالإفلاس وتسريح العمالة".

وأضاف: "أنا أدفع فاتورة الكهرباء بآلاف الجنيهات شهريا مقابل خدمة لا أحصل عليها، كما اضطررت أن أشتري مولدات كهربائية بمبالغ باهظة لمحاولة الحفاظ على الطعام من الفساد ، وبدل من أن تحاول الحكومة مساعدتنا، قررت القضاء علينا نهائيًا بقرار الغلق المبكر".

وتساءل: "لماذا لا تجتمع الحكومة قبل اتخاذ أي قرار بممثلين عن التجار أو حتى بأعضاء غرفة التجارة، فلا توجد دولة تدير قراراتها الاقتصادية بمثل هذه الطريقة من عشوائية وعدم تخطيط".

وتأتي أزمة الكهرباء فيما يواجه المصريون أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود تسبّبت بتآكل مدخراتهم وهم يكافحون من أجل توفير نفقات حياتهم اليومية.

ومنذ نهاية 2022، فقدت العملة المصرية ثلثي قيمتها، وبلغ التضخم العام الماضي 40 في المئة مسجلا رقما قياسيا.

ورفعت الحكومة أسعار الكهرباء في يناير الماضي، وأعلنت أنها قد ترفعها مجددًا مع بداية السنة المالية الجديدة في يوليو أو أغسطس على أقصى تقدير.

أزمة العمالة

وتحدثت سامية عبدالمجيد، الموظفة بإحدى المدارس الخاصة نهارا والتي تعمل ليلا في أحد متاجر الملابس، لموقع "الحرة" عن تضررها من قرار غلق المحال، قائلة إنها "مطلقة وتعول أطفالها الثلاث، وليس لديها أي دخل سوى عملها في التنظيف بإحدى المدارس والذي تقبض عنه 6 آلاف جنيه، ولذلك اضطرت للبحث عن وظيفة ليلية أخرى لتساعدها في تحمل غلاء المعيشة".

وأضافت أن "صاحب المتجر الذي تعمل به يُقدر ظروفها ويحاول مساعدتها بقدر الإمكان، لكنه أبلغ جميع العاملين لديه بإنهاء الشيفت الليلي لعدم جدواه بعد الآن وإبقاء أقل من نصف العدد، وبالتالي أصبحت مهددة بخسارة وظيفتها، وبالتالي الدخل الذي يعينها على غلاء المعيشة".

وقالت "لا أعرف ماذا أفعل؟، كيف سأعيش أنا وأولادي؟، هل أمد يدي (أتسول)؟، لماذا لا يشعر أحد بحالنا؟، فالحكومة رفعت عنا الدعم من كل شيئ ورفعت أسعار كل شيئ في الوقت نفسه".

وحال سامية لا يختلف كثيرا عن هشام عبدالمولى، الذي يعمل موظفا بإحدى المصالح الحكومية نهارا وعامل في أحد مطاعم الأسماك ليلا، والذي قال لموقع "الحرة" إنه (يعتمد في عمله الليلي على الإكرامية (المبالغ التي يدفعها له الزبائن) وليس المرتب سواء من المصريين أو الأجانب والعرب السياح، وكان في السابق وحتى وقت قريب يكفي نفقات بيته وأبنائه الاثنين، لكن منذ حوالي ثلاث سنوات، بدأت الأوضاع تتدهور على كافة المستويات".

وأضاف: "أنا حاصل على شهادة جامعية، لكن الأوضاع أجبرتني على مثل هذا الوضع خاصة أنني أنفق على والدتي المريضة، والتي حتى أصبحت لا أجد دواءها بسبب أزمة الأدوية الموجودة حاليا في مصر".

وتابع أنه "أصبح مهددا أيضا بترك وظيفته الليلية في المطعم بسبب قرار الغلق المبكر الذي كبد المطعم خسائر كبيرة، وأصبحت الإكرامية لا تكفي كما في السابق".

وقال إنه "لا أحد في الحكومة يشعر بحال المواطن البسيط، الذي هبط درجات بسبب الوضع الاقتصادي المتأزم"، متسائلًا: "ما ذنبنا فيما يحدث؟ فنحن نعمل ونلهث على مدار اليوم لنكفي نفسنا، ومع ذلك لا يرحمنا أحد".

وأضاف أنه "أصبح يبحث عن أي وظيفة خارج مصر حتى ينجو بنفسه وأبنائه، لكنه لا يعرف كيف سيترك والدته المريضة بمفردها".

وتشتهر مصر، خاصة العاصمة القاهرة، باستمرار أنشطة المتاجر والمطاعم وأماكن الترفيه حتى ساعات متأخرة من الليل تصل أحيانا حتى فجر اليوم التالي، وهو ما يعتبر عامل جذب للسائحين، خاصة أولئك الآتين من منطقة الخليج الغنية بالنفط.

قرارات "غير مدروسة"

وتحدث الخبير الاقتصادي، سليم أبو المجد، لموقع "الحرة" عن قرار الغلق الحكومي، قائلا إنه "بعد مرور أكثر من أسبوع على بداية تنفيذ القرار لا تسطيع الحكومة السيطرة علي الوضع، لأنه قرار عشوائي تم اتخاذه بدون دراسة للإيجابيات والسلبيات، خاصة لاختلاف طبيعة المجتمع المصري عن أوروبا وغيرها".

وأضاف أن "النشاط التجاري في مصر يعاني من انكماشًا كبيرًا منذ وقت الكورونا، ولايزال يحاول التعافي من هذه الفترة، لكنه اصطدم بالقرارات الحكومية المتشددة المتعلقة بالاستيراد وصرف العملة".

وتابع: "وبدلا من أن تسعى الحكومة لمساعدة هذا لقطاع على استعادة نشاطه، يتم سحقه بكافة الطرق، بسبب انقطاع التيار الكهربائي لساعات، وبعد ذلك إصدار قرار الغلق المبكر".

وأوضح أن "الاقتصاد المصري لن يقوم إلا من خلال نهضة القطاعين التجاري والصناعي، واللذين بدورهما سيزيدان حصيلة الضرائب في خزينة الدولة".

وقال إن "حوالي 60 في المئة من المصريين يعملون في وظيفتين لتحمل نفقات المعيشة، ويستوعب القطاع التجاري، بما في ذلك المحلات المختلفة والمطاعم والمقاهي، أغلبية هذا العدد".

وأضاف أن "القرارات الحكومية ستخلق أزمات جديدة لم يتمكنوا من حلها فيما بعد، وقال إن هذا هو الوقت الذي يجب أن تكرس فيه الحكومة جهودها لدعم وتعزيز القطاع التجاري والصناعي في مصر إذا أرادت استقرار الوضع الاقتصادي".

وقال: "ولذلك نرى في الشوارع وفي الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي عدم قدرة أو رغبة الجهات التنفيذية بتطبيق القرار لعدم اقتناعها به، وهذا القرار أيضًا تسبب في ظهور مشاحنات بين أصحاب المتاجر والأمن، وهو ما يهدد بأزمة وشيكة".

قرار تنظيمي واضطراري

لكن الخبير الاقتصادي، محمد علي، قال لموقع "الحرة" إنه "يجب الوقوف مع الحكومة في هذه الفترة الحرجة حتى نعبر هذه الأزمة، موضحا أن "معظم دول العالم توفر الكهرباء والطاقة من خلال تحديد ساعات عمل المتاجر والمطاعم".

وأضاف أنه "لم يمر سوى 10 أيام على تطبيق القرار، ويجب أن ننتظر نتائجه، لأن كل قرار مختلف يكون صعبا في بدايته حتى يتم الاعتياد والتأقلم عليه"، موضحا أن "هذا القرار تأخر كثيرا وكان من المفترض أن يتخذ منذ فترة، خاصة أن دول العالم يتم غلق المحلات فيها من السابعة مساء".

وتابع أن "يجب التأكيد على أن هذا القرار تنظيمي واضطراري وهو أفضل الخيارات لتخفيف الأحمال على الكهرباء، وليس بهدف التضييق على أصحاب المحال التجارية".

ومن جانبه، قال وزير التنمية المحلية، اللواء هشام آمنة، إن "قرار الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء بإغلاق المحال مبكرًا يأتي في إطار اتخاذ الحكومة للإجراءات اللازمة لترشيد استخدام الكهرباء بما يساهم في تقليل حجم المنتجات البترولية المستوردة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وكذا الارتفاع غير المسبوق في معدلات استهلاك الكهرباء".

وأشار وزير التنمية المحلية، رئيس اللجنة العليا، إلى أن ذلك جاء على سبيل الاستثناء لفترة مؤقتة لتحقيق التوازن بين المصلحة العليا للدولة ومصلحة المواطنين في ممارسة أنشطتهم التجارية.

وبشأن مدى التأثير السلبي للقرار على التجار، قال الخبير الاقتصادي، محمد علي، إن "القرار لن يضر بالتجار ماديا لأنه يُنظم حركة التجارة الداخلية، بل يسهم في تخفيف الضغط على شبكات الطرق وخفض استخدام المحروقات وتقليل التلوث وحماية البيئة".

وأشار إلى أن "القرار سيكون له مردود إيجابي على الوضع الاقتصادي حيث ينظم عملية البيع، وتشديد الرقابة على جميع الأنشطة الاقتصادية".

وأوضح أن "الحكومة راعت مواعيد الإغلاق لبعض المحال مثل المقاهي والمطاعم، وفي العطلة الأسبوعية، في ظل اعتماد أنشطة الأماكن السياحية على فترات المساء صيفاً".

وأكد أنه من "إيجابيات القرار أنه راعى المناطق والمحافظات الساحلية التي تعتمد على السياحة، حتى لا يضار أحد من أصحاب المحلات والبازارات بتلك المناطق من الغلق المبكر".

ويرى الخبير الاقتصادي أن "هذا القرار خطوة على الطريق الصحيح وبداية لتنظيم التجارة وحركة الأسواق بعيدا عن عشوائية فتح وغلق المحلات، كما أن ذلك سيحل مشكلة انقطاع الكهرباء لتخفيف الأحمال".

 

مصر والصين

لم يكن الدخان الذي خلفته المقاتلات الصينية في سماء الأهرامات مجرد خلفية لمناورة مشتركة بين مصر والصين. كان رسالة، بل إعلانا جيوسياسيا بأن بكين لم تعد تكتفي بمراقبة الشرق الأوسط عن بعد. 

هذه المرة، جاءت بمقاتلاتها (J-10) ووضعتها في سماء حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما.

لمناورة "نسر الحضارة 2025" بعد رمزي أيضا.

نحن نتحدث عن أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري. لفترة قصيرة؟ نعم. لكن الدلالة ضخمة. إنها إشارة إلى شيء ما في طور التشكل، إلى فراغ تُحاول الصين أن تملأه حيث يتراجع الحضور الأميركي.

تغيير في قواعد اللعبة

"هذه المناورات تحمل أبعادا تتجاوز التدريب. إنها تغيير في قواعد اللعبة"، يقول إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، لموقع الحرة.

تشير هذه التدريبات النوعية، من ناحية أخرى، إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري الصيني المصري. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاها واضحا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية، يضيف بيرمان.

"ورغم أن مصر ما زالت ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، فهي ترسل إشارات واضحة: لن نعتمد على مصدر واحد. التنوع في التسليح، وتبادل الخبرات، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية".

هذا ليس حيادا. هذه موازنة جديدة للقوة.

يشير بيرمان إلى أن "إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر". ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تتجاوز مجرد البحث عن بدائل للتسليح؛ فهي تُمثل نافذة استراتيجية بالنسبة لمصر للانفتاح على أحدث التقنيات العسكرية الصينية، وذلك في سياق جهودها المستمرة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في محيطها الإقليمي المضطرب.

فوق الأهرامات... تحت الرادار

بدا مشهد الطائرات الصينية فوق الأهرامات وكأنه من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية. لكن خلف الصورة الرمزية، هناك رسائل أمنية كثيرة. 

تقارير إسرائيلية لفتت إلى معلومات بأن بكين تجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء التدريبات، التي قد تكون أيضا اختبارا لقدرة الصين على القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن حدودها.

أين واشنطن من هذا كله؟

حين تبتعد أميركا عن الشرق الأوسط خطوة، ثمة دائما من يتحرك ليملأ الفراغ. والسؤال هو: هل تتهيأ بكين لتكون البديل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة؟

وهل تقف القاهرة على مفترق طرق فعلا، أم أنها تلوّح بورقة بكين لتحسين شروط علاقتها بواشنطن؟

تحولات في طور التشكل تُلزم واشنطن بإعادة قراءة المشهد، وإعادة ضبط إيقاع حضورها في منطقة لم تعد تتحمّل الغياب الأميركي.

التعاون الثنائي

على الصعيد الثنائي، تشير هذه التدريبات النوعية إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري بين الصين ومصر. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاهًا واضحًا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية.

يرى بيرمان في هذا السياق أن "الحكومة الصينية تسعى بوضوح إلى سد الفجوات في المناطق التي يتراجع فيها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها، وتحاول استغلال هذه العلاقات لصالحها ولإضعاف الغرب". 

ويضيف: "هذا التدريب المشترك يحمل أهمية كبيرة من الناحية الجيوسياسية".

يُعد اختيار القاهرة شريكًا استراتيجيًا لإجراء هذه المناورات المتقدمة دليلاً على اعتراف الصين المتزايد بالدور الحيوي الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يعكس هذا الخيار سعي بكين الحثيث لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية عبر تأسيس تعاون عسكري متين مع قوة إقليمية مركزية كالقاهرة، وفقا لإيلان.

تنوع مصادر التسليح

تحصل مصر على مساعدات عسكرية بنحو 1.3 مليار دولار سنويا، وهي ثاني أكبر متلق للدعم العسكري الأميركي بعد إسرائيل. لكن على الرغم من ارتباطات مصر العسكرية التقليدية، تعتبر القاهرة شراكتها المتنامية مع الصين فرصة استراتيجية لتنويع مصادر التدريب والتسليح.

"إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر"، يقول بيران.

تحولات استراتيجية قيد التشكل

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، تُثير هذه المناورات تساؤلات حول أهداف التعاون المصري الصيني، خاصة في ظل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين واشنطن وبكين على النفوذ.

من زاوية أخرى، تشير المناورات أن الصين تحاول اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بعيدة عن قواعدها الرئيسية، وتقييم درجة التوافق التشغيلي بين أنظمتها العسكرية وأنظمة دول أخرى ذات خصائص مختلفة.

ويذهب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "المناورات الجوية الصينية المصرية "نسر الحضارة 2025" تتجاوز الإطار التقني للتدريبات العسكرية لتُمثل مؤشرا جيوسياسيا بالغ الأهمية". 

وتحمل المناورات في طياتها رسائل إقليمية ودولية متعددة الأبعاد، خصوصاً بعد إعادة الولايات المتحدة صياغة سياستها الخارجية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، مما يخلق كثيرا من الفراغ السياسي.