تأخر صرف شريحة قرض صندوق النقد لمصر بسبب تفاصيل تتعلق بالسياسات
تأخر صرف شريحة قرض صندوق النقد لمصر بسبب تفاصيل تتعلق بالسياسات (أرشيفية)

يثير إرجاء صندوق النقد الدولي، النظر في صرف شريحة قرض قيمتها 820 مليون دولار لمصر حتى 29 يوليو الجاري، تساؤلات حول مسار العلاقات بين الطرفين، خصوصا أنها مرت بمرحلة جمود خلال عام 2023، مع رفض الحكومة تنفيذ بعض الإصلاحات التي كان متفقا عليها وفي مقدمتها تحرير سعر الصرف، قبل أن تمضي قدما في ذلك قبل 4 أشهر.

والخميس، قالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، إن المجلس التنفيذي للصندوق أرجأ النظر في صرف شريحة القرض لوضع اللمسات النهائية على بعض التفاصيل المتعلقة بالسياسات، مضيفة أن مثل هذه التأجيلات ليست بالأمر غير المعتاد خلال الظروف الصعبة.

وأضافت كوزاك في إفادة صحفية دورية أن مصر تواصل العمل وسط ظروف إقليمية صعبة ناجمة عن الحرب في قطاع غزة وتصاعد هجمات حركة الحوثي اليمنية على سفن الشحن في البحر الأحمر، وهو ما أدى إلى تراجع إيرادات قناة السويس بأكثر من النصف مقارنة بالعام الماضي.

بدوره، نقل موقع "مدى مصر" المحلي، عن 3 مصادر، أحدها حكومي في قطاع البترول، والآخر برلماني، والثالث من القطاع المالي، قولهم إن تأجيل مناقشة صندوق النقد الدولي، جاء بسبب عدم تطبيق الحكومة لزيادات أسعار المحروقات والكهرباء.

وأوضحوا أن "التأجيل بمثابة مهلة للحكومة ينتظر أن تقر خلالها الزيادات في الأسعار".

وكان من المفترض أن يبت المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في الموافقة على المراجعة الثالثة لبرنامج القرض الموسع لمصر بقيمة 8 مليارات دولار في العاشر من يوليو الجاري، قبل تأجيل ذلك حتى نهاية الشهر.

"ليس السبب الوحيد"

ورأى خبراء تحدثوا مع موقع "الحرة" أن رفع أسعار المحروقات والكهرباء "ليس السبب الوحيد" وراء تأجيل الموافقة على القرض، إذ أن وجود حكومة جديدة "أربك الأوضاع الاقتصادية في البلاد" مع انتظار موافقة مجلس النواب على برنامجها.

وفي الثالث من يوليو الجاري، أدت حكومة مصرية جديدة برئاسة مصطفى مدبولي، اليمين الدستورية، حيث تضمن التشكيل الجديد تعيين نائبين لرئيس الوزراء، وتغييرات واسعة في الحقائب الوزارية الاقتصادية من بينها المالية والتعاون الدولي والصناعة والاستثمار والتموين.

ويبحث مجلس النواب المصري، الموافقة على برنامج الحكومة الذي عرضه مدبولي في وقت سابق الأسبوع الماضي، حيث من المتوقع أن تجري الموافقة خلال 10 أيام، حسب ما قال في تصريحات سابقة لموقع "الحرة"، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، فخري الفقي.

واعتبر الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، أن ما جرى من تأجيل الموافقة على الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد، يأتي في إطار "سوء تقدير من الحكومة"، حيث لم يتم التنسيق بين موعد تشكيلها والأجندة الدولية المرتبطة بتعهداتها مع المؤسسات الدولية.

وأضاف في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة": "حتى الآن لم تتمكن الحكومة المصرية من الحصول على موافقة البرلمان على برنامجها، ممّا يُعطل حصولها على الشريحة الثالثة من القرض ويُعتبر من وجهة نظر الصندوق (حكومة غير مكتملة الصلاحيات)".

وأوضح النحاس أن "أداء الحكومة لليمين الدستورية دون الرجوع للبرلمان يُعد خطأ إداريا، فالمادة 165 من الدستور المصري تنص على أن الحكومة تمارس عملها فور أداء اليمين، ولكن يجب أن يتم ذلك بعد موافقة البرلمان على برنامج العمل المقدم".

والاثنين، عرضت الحكومة، برنامجها أمام مجلس النواب على مدار 3 سنوات القادمة، وفق بيان صادر عن مجلس الوزراء، والتي تضمن تعهدات تستند على 4 محاور رئيسية، تتمثل في حماية الأمن القومي وسياسة مصر الخارجية، وبناء الإنسان المصري وتعزيز رفاهيته، وبناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات، وتحقيق الاستقرار السياسي والتماسُك الوطني.

بدوره، رجح الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبد المطلب، أن مصر قد تكون طلبت تأجيل التصويت على الشريحة الثالثة، خوفا من صدور تقرير سلبي من صندوق النقد الدولي قد يؤثر سلبا على الاقتصاد المصري.

وأشار عبدالمطلب لموقع "الحرة" إلى أن مراجعة صندوق النقد السابقة كشفت عن عدم وفاء مصر بثمانية تعهدات، مما أدى إلى تراجع مؤشرات البورصة المصرية.

وأضاف: "العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي للأسف لم تكن واضحة في البداية. والهدف الأساسي كان الحصول على التمويل وإصدار تقارير إيجابية، وهو ما ساعد في جذب استثمارات أجنبية مباشرة، مثل بيع رأس الحكمة والحصول على تدفقات نقدية كبيرة".

وفي ظل هذه المؤشرات الإيجابية، لم تكن مصر مستعدة لتقبل مراجعة ثالثة تعكس هذه المؤشرات، وفق عبدالمطلب، والذي قال إن بلاده ضحت بتأجيل صرف الشريحة الثالثة لتجنب صدور تقرير سلبي، مع منح مصر وقتا لتنفيذ بعض التعهدات المتفق عليها.

متوسط الأجور في مصر يتراوح بين 100 و120 دولارا شهريا
أعوام عديدة مقبلة لمصر مع صندوق النقد.. هل يتحمل المواطن "ثمن الإصلاحات"؟
في السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، لتنفيذ إصلاح اقتصادي لطالما طالب به صندوق النقد الدولي القاهرة، منذ الاتفاق على برنامج تمويلي قبل عام ونصف العام تقريبا.

"الوفاء بالوعود؟"

واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، في مارس الماضي، على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022، وتعثر لأكثر من عام بسبب رفض السلطات تنفيذ بعض الإصلاحات المتفق عليها ومن بينها تحرير سعر صرف الجنيه، وزيادة أسعار الكهرباء والمحروقات.

وخلال هذه الفترة أعرب المسؤولون المصريون بشكل علني عن رفضهم لشروط صندوق النقد الدولي.

لكن منذ مارس الماضي، سمحت مصر بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة ليصل إلى 47.95 جنيه للدولار الواحد، كما رفعت أسعار مجموعة من السلع والخدمات في مقدمتها رغيف الخبز الذي زاد 400 بالمئة ليصل إلى 20 قرشا.

كما من المقرر أن تمضي قدما في رفع أسعار السلع والخدمات خلال الفترة المقبلة، حسب رئيس الوزراء، والذي قال الأسبوع الماضي، إنه "لا سبيل لدى الدولة سوى تعديل أسعار بعض الخدمات المقدمة للمواطنين"

وأضاف مدبولي، خلال تصريحات له عقب أول اجتماع لمجلس الوزراء في تشكيلته الجديدة: "سوف نتحرك خلال سنة ونصف في الأسعار لسد الفجوة الموجودة"، مشيرا إلى أنه سيتم تحريك أسعار الكهرباء والمحروقات "بفروق بسيطة إلى كبيرة حتى تستطيع الدولة الاستمرار في الاستدامة الاقتصادية".

ويشدد صندوق النقد الدولي على أن دعم أسعار البنزين في مصر "تصب بشكل رئيسي في صالح الأغنياء على حساب الفقراء" الذين لا يملك معظمهم سيارات، وفق وكالة رويترز.

كما يطالب بإدخال إصلاحات عدة على الدعم العيني من أجل تحويله إلى دعم نقدي، من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا.

واعتبر النحاس أن بلاده "تواجه موقفا صعبا، حيث عليها الموازنة بين الوفاء بوعودها للصندوق وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بما لا يثقل كاهل المواطنين في الوقت الحالي".

وأضاف النحاس أن "الزيارة الأخيرة لصندوق النقد الدولي كشفت عن بعض الخطوات التي لم تتمكن مصر من الوفاء بها بشكل كامل، مثل ملف تحرير الدعم. ومع ذلك، أظهر الصندوق تفهما لصعوبة سرعة تطبيق مثل هذه الإصلاحات، حيث وافق على صرف الشريحة الثانية من القرض".

وأوضح: "أما فيما يتعلق بالشريحة الجديدة، ليس هناك حكومة تم التوافق بشأنها من قبل البرلمان، حتى يتمكن المجلس التنفيذي من الموافقة عليها".

بدوره، قال عبدالمطلب إن مصر قد تواجه صعوبات في تنفيذ بعض التعهدات ومن بينها وثيقة ملكية الدولة وتخارج الحكومة من بعض الأنشطة والقطاعات الاقتصادية.

وأضاف خلال حديثه أن "الحكومة تعتقد أن البورصة غير مؤهلة لقبول برنامج الطروحات الحكومية. في المقابل هناك إصرار من إدارة الصندوق على طرح أسهم بعض الشركات المملوكة للجهات السيادية أو الجيش، مما يتطلب إعادة تأهيل وهيكلة لهذه الشركات".

وفي مايو الماضي، وافقت الحكومة المصرية على مشروع قانون "تنظيم ملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها"، والذي ينص على إنشاء وحدة مركزية لحصر ومتابعة الشركات المملوكة للدولة، بهدف تحديد آليات التخارج من هذه الشركات.

وتهدف الحكومة وفق وثيقة سياسة "ملكية الدولة"، إلى التخارج من شركات وقطاعات بهدف زيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، لتصبح 65 بالمئة.

ويؤكد صندوق النقد الدولي على ضرورة تخارج الحكومة من الشركات وإفساح المجال والمنافسة للقطاع الخاص، إذ تقول مديرة الصندوق، كريستالينا غورغييفا، في بيان صدر في الأول من أبريل الماضي، إن "تخارج الدولة والمؤسسة العسكرية من النشاط الاقتصادي وضمان تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص، يُعد عنصرين أساسيين لجذب الاستثمار الأجنبي واستثمارات القطاع الخاص المحلي في مصر".

على هامش مؤتمر الاستثمار المصري-الأوروبي المشترك
اتفاقيات الأمونيا الخضراء.. هل تنقذ الاقتصاد المصري؟
أعلن مجلس الوزراء المصري، الأحد، توقيع الصندوق السيادي 4 اتفاقيات في مجال الأمونيا الخضراء مع عدد من المطورين الأوروبيين، بتكلفة استثمارية تصل إلى نحو 33 مليار دولار، ما يثير التساؤلات بشأن تلك الاتفاقيات وما إن كانت ستعيد التوازن للاقتصاد المصري الذي لا تزال مشكلاته تراوح مكانها رغم الصفقات الاقتصادية الأخيرة وعلى رأسها اتفاقية "رأس الحكمة". 

هل تتراجع الحكومة؟

استبعد الخبيران خلال حديثهما مع موقع "الحرة"، إمكانية تراجع الحكومة المصرية عن التعهدات التي تم الاتفاق بشأنها مع صندوق النقد الدولي، إذ قال النحاس إن بلاده "عملت خلال الأسابيع الماضية على تهيئة الرأي العام لقبول فكرة زيادة الأسعار، باعتبار أن هذا الخيار أصبح لا مفر منه".

وأضاف النحاس: "سعت الحكومة جاهدة لإيصال هذه الرسالة للمواطنين بكل وضوح، وبغض النظر عن الوسيلة المستخدمة، فإن الرسالة الجوهرية هي أن الاستمرار في التعاون مع صندوق النقد الدولي يمثل الخيار الوحيد المتاح أمام مصر في الوقت الحالي. ولا تزال الحكومة في المراحل الأولى من تنفيذ هذا البرنامج الإصلاحي".

وأكد النحاس على أن الاستمرار في البرنامج الذي يمتد حتى خريف 2026، سيؤدي إلى تحقيق أهدافٍ اقتصادية مُهمة، مثل زيادة الاحتياطي الأجنبي وخفض الدين الخارجي، وهو أيضا ما يتطلب التزاما مستمرا بجميع الإصلاحات لتحقيق النجاح الكامل، دون التراجع عن ذلك.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن أي تراجع عن تنفيذ الإصلاحات لا يعني تدهور العلاقات مع صندوق النقد الدولي فقط، بل أيضا مع الشركاء الدوليين الآخرين، مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، فضلا عن "تراجع الثقة في الاقتصاد".

في المقابل، اعتبر عبدالمطلب أن مصر "غير مجبرة على تنفيذ الشروط، ولكن إذا حدث ذلك، قد يظل الاتفاق معلقا لسنوات دون إعلان رسمي عن فشل المفاوضات".

ومع ذلك، فإن الإعلان عن فشل المفاوضات من أي طرف أمر صعب وغير متوقع، حسب عبدالمطلب، والذي يختتم حديثه بالقول: "كل المؤشرات تؤكد أن مصر وصندوق النقد الدولي مستمران في البرنامج حتى إذا كان هناك أي تأجيل في صرف الشرائح المتفق عليها".

مسؤولون مصريون قالوا إن اتفاقية السلام في خطر
مسؤولون مصريون قالوا إن اتفاقية السلام في خطر

بعد استمرارها لما يقرب من نصف قرن، باتت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل مهددة بسبب خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب بشأن قطاع غزة، وفق رسالة مصرية سلمت لواشنطن وإسرائيل ودول أوروبية، حسبما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

ورفضت الحكومة المصرية، الخميس، الجهود المبذولة لنقل الفلسطينيين من غزة باعتبارها "انتهاكا صارخا" للقانون الدولي يمكن أن يقوض محادثات وقف إطلاق النار ويهدد العلاقات في الشرق الأوسط. 

"هذا السلوك يثير عودة الأعمال العدائية ويشكل مخاطر على المنطقة بأكملها وأسس السلام"، وفق القاهرة التي تشن حملة دبلوماسية خلف الكواليس ضد الاقتراح.

وقال مسؤولون مصريون، تحدثوا للوكالة شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المحادثات المغلقة، إن القاهرة أوضحت لإدارة ترامب وإسرائيل أنها ستقاوم أي اقتراح من هذا القبيل، وأن اتفاق "كامب ديفيد" للسلام مع إسرائيل "معرض للخطر".

وأوضح أحد المسؤولين أن الرسالة سلمت إلى البنتاغون ووزارة الخارجية وأعضاء الكونغرس الأميركي. وقال مسؤول ثان إنه تم نقلها أيضا إلى إسرائيل وحلفائها في أوروبا الغربية بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

 وأكد دبلوماسي غربي في القاهرة تحدث أيضا دون الكشف عن هويته أنه تلقى رسالة مصر عن معارضتها القوية عبر قنوات متعددة. وقال الدبلوماسي إن مصر جادة للغاية وتعتبر الخطة تهديدا لأمنها القومي.

وقال الدبلوماسي إن مصر رفضت مقترحات مماثلة من إدارة بايدن والدول الأوروبية في وقت مبكر من الحرب، التي اندلعت بسبب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل. 

وتم طرح المقترحات السابقة بشكل خاص، بينما أعلن ترامب عن خطته في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وتقول إسرائيل إنها بدأت الاستعدادات لمغادرة الفلسطينيين "الطوعية" من غزة على الرغم من الرفض الدولي لخطة ترامب.

وحاول مسؤولون في إدارة ترامب التراجع عن بعض جوانب الاقتراح بعد أن قوبل برفض واسع النطاق دوليا، قائلين إن نقل الفلسطينيين سيكون مؤقتا. لكن لم يقدموا سوى القليل من التفاصيل.

وطرح ترامب، الثلاثاء، خلال استقباله نتانياهو في البيت الأبيض فكرة غير مسبوقة تقضي بأن تتولى الولايات المتحدة زمام الأمور في غزة بهدف إعادة إعمارها وتطويرها اقتصاديا بعد أن يتم نقل سكان القطاع الفلسطيني إلى مصر والأردن اللذين سارعا إلى رفض هذه الفكرة، على غرار ما فعل الفلسطينيون أنفسهم ودول عديدة حول العالم.