مصر تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة
مصطلح "الأموال الساخنة" تكرر استخدامه على لسان بعض أعضاء الحكومة المصرية خلال الأيام الماضية.

مصطلح "الأموال الساخنة" تكرر استخدامه على لسان بعض أعضاء الحكومة المصرية خلال الأيام الماضية، وآخرها تصريحات رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، الأربعاء، والتي تحدث فيها عن خروج تلك الأموال من مصر خلال عمليات البيع العالمية، الاثنين، لكن بنسبة لم تتعد 7 أو 8% من إجمالي الأموال الموجودة في السوق في ذلك الوقت.  

وحديث مدبولي سبقته تصريحات تلفزيونية لوزير المالية، أحمد كوجك قال فيها إن مصر تأثرت بخروج بعض الأموال الساخنة، لكنها تسيطر على ذلك بعدد من الإجراءات، منها التنوع في الأدوات ودراسة عمل صكوك في السوق المحلية.

وأثارت هذه التصريحات تساؤلات بشأن أهمية الأموال الساخنة ومدى تأثيرها على الوضع الاقتصادي للبلاد.

ما هي الأموال الساخنة؟

قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية في القاهرة، شريف عباس، لموقع "الحرة" إن "الأموال الساخنة هي جميع التدفقات المالية التي تدخل الدول أو تخرج منها بهدف الاستثمار والاستفادة من وضع اقتصادي خاص فيها، مثل ارتفاع معدلات الفائدة أو تدني سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي، وغالبا ما تكون هذه الأموال موجهة نحو الاستثمارات قصيرة الأجل".

وأضاف "وتضمن الأموال الساخنة حصول المستثمرين على معدلات فائدة مرتفعة، وتتحرك هذه الأموال من الدول التي تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة إلى الدول ذات معدلات الفائدة المرتفعة".

ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بكلية لندن للاقتصاد البريطانية، شادي ديفيد، لموقع "الحرة" إن "الأموال الساخنة تدخل لبلد ما أو تخرج منه بعدة طرق للاستفادة من تدني العملة المحلية، وارتفاع معدلات الفائدة، أو الاستفادة من النمو المتسارع للاقتصاد".

وأضاف أن "هذه الأموال تتحرك عن طريق أكثر من باب، منها استثمارات في أذون الخزينة أو السندات التي تطرحها الحكومة بغرض الاقتراض، واستثمارات في أسهم الشركات المدرجة في البورصة، وذلك للاستفادة من تدني العملة المحلية مقابل الدولار، ما يمكن أصحاب هذه الأموال الساخنة من شراء عدد كبير من الأسهم، وكذلك الاستثمار في شهادات الادخار التي تطرحها البنوك بهدف جذب المستثمرين الخارجيين الذي يسعون للاستفادة من الفوائد المرتفعة".

وتابع أن "بشكل عام، فإن الأموال الساخنة يمتلكها مستثمرون دوليون على الأغلب في الدول المتقدمة ذات الاقتصاديات المستقرة، ويحركونها عبر مؤسسات استثمار إلى الدول النامية والأسواق الناشئة من أجل تحقيق الربح السريع والمرتفع، من خلال الاستثمار في أدوات الدين قصيرة الأجل في حال كانت الفائدة عليها مجزية بالنسبة لهم".

وأوضح أنه "بعد ذلك يحولون هذه الفوائد إلى الخارج مرة أخرى مع الاحتفاظ بأصل رأس المال المستثمر، ولذلك هي إحدى أشهر وسائل المضاربة الرامية لتحقيق الربح بأقصر طريق".

كيف تتواجد في مصر؟

قال الخبير الاقتصادي، محمد وائل محفوظ، لموقع "الحرة" إنه "في حالة مصر، تأتي الأموال الساخنة في شكل استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي".

وأشار  إلى أنها "تعتبر أبرز صور الاستثمارات غير المباشرة، إذ تأتي لتشتري أذونات وسندات تخص الديون الحكومية، سعيا وراء سعر فائدة أعلى في سوق ما، دون غيره من الأسواق، لتستفيد من فرق السعر، وهو ما شهدناه خلال الأزمة الأخيرة حين شهدت الأسواق العالمية هزة وارتباكًا، فهربت الأموال الساخنة من السوق المصري سريعا خوفًا من تكبد خسارة أكبر وتوجهت إلى أسواق أخرى".

وتابع أن "بيانات حديثة للبنك المركزي المصري كشفت ارتفاع أرصدة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة إلى 32.7 مليار دولار في مارس، بزيادة 140 بالمئة عن شهر فبراير، الذي سجلت خلاله نحو 13.6 مليار دولار".

ووفقا لعباس، فإن "أذون الخزانة هي إحدى أدوات الدين الحكومي قصيرة الأجل، التي تبيعها وزارة المالية عبر البنك المركزي بآجال استحقاق متنوعة للبنوك والمستثمرين، لتمويل عجز الموازنة، مقابل حصولهم على فائدة في نهاية استحقاقها".

وبخلاف أذون الخزانة، أشار أستاذ الاقتصاد إلى أنه يمكن رؤية الأموال الساخنة في بيئات مالية مختلفة، حيث "توجد كذلك في سوق الأسهم والسندات التي لا تشترط مددا زمنية لعمليات البيع والشراء، وقد تتسع الدائرة لتشمل وجود الأموال الساخنة في مجال المضاربات التي تتسم بالسرعة مثل الذهب أو النقد الأجنبي، أو بورصات السلع".

وبشأن تواجد الأموال الساخنة في السوق المصري، أوضح الخبير الاقتصادي أن "تلك الأموال عادت للتدفق على مصر من جديد، لتبلغ مستوى غير مسبوق، متجاوزة 30 مليار دولار في مارس الماضي".

وجاءت القفزة القياسية في استثمارات الأجانب، بعد أن سمح المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة في السادس من مارس الماضي، ورفع أسعار الفائدة في البلاد بـ6 نقاط مئوية دفعة واحدة، لتصل إلى 27.25 بالمئة على الإيداع و28.25 بالمئة على الإقراض، وهو ما يعتبره خبراء بمثابة خطوات "أعادت الأجانب إلى الاستثمار في أدوات الدين الحكومي للاستفادة من العوائد المرتفعة".

ما مخاطرها؟

المشكلة الحقيقية وراء الأموال الساخنة، بحسب ديفيد، هي أنها "عادة ما تتسم بسرعة الدخول والخروج من الأسواق، وهو ما يحدث حالة من الإرباك، خاصة عند خروجها، لما تحدثه من ضغط على الطلب على النقد الأجنبي، وهو ما حدث خلال الأسبوع الجاري".

وقال إنه "ولعل ما حدث في مصر بعد تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار في نوفمبر 2016، ساعد بشكل كبير على جذب الأموال الساخنة للاقتصاد المصري خاصة مع تقديم معدلات فائدة مرتفعة."

وأضاف أنه "عند مرحلة ما في السنوات الماضية، كانت مصر البلد المفضل لاستثمارات الأموال الساخنة لأنها حظيت بأعلى معدل فائدة حقيقي (معدل الفائدة الرئيسي مطروحا من نسبة التضخم) في العالم".

وتابع "لكن في 2022، ومع قيام الفيدرالي الأميركي بمسار تشديد سياسته النقدية برفع معدلات الفائدة بأعلى وتيرة منذ حوالي 40 عاما، أصبح السوق الأميركي أكثر جاذبية وقل العائد الحقيقي للاستثمار في الجنيه، علاوة على زيادة المخاطر العالمية التي حفزت المستثمرين على التمسك بالدولار كملاذ آمن ضد الأخطار المالية".

وهذا الحديث اتفق معه محفوظ، قائلا إنه "في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، خرج الكثير من أموال المستثمرين الأجانب، التي كانت تعمل في الدين الحكومي المحلي (أذون وسندات) بنحو 8 مليارات دولار. وفي السنوات 2018 و2020 و2022، تكرر نفس الأمر من قبل المستثمرين الأجانب، وكان هذا الأمر أحد أهم أسباب شح النقد الأجنبي خلال تلك الفترات، وانتعاش السوق السوداء للنقد الأجنبي".

وأضاف "وكانت أكثر عمليات خروج هذه الأموال ضررا لسوق الصرف في مصر، ما تم بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحديدا بعد أبريل 2022، حيث خرجت أموال للمستثمرين الأجانب العاملين في الدين الحكومي المصري بما يتراوح بين 18 و20 مليار دولار".

وتابع "لكن في يونيو 2022، قال وزير المالية المصري وقتها، محمد معيط، خلال لقائه بغرفة التجارة المصرية الأميركية إن (الدرس الذي تعلمناه أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة، لأنها تأتي من أجل العائد الكبير فقط.. مصر يجب أن تتعلم الدرس، لا يجب أن تعتمد على تلك الأموال، إذا جاءت مجددا فليس لدينا مشكلة)".

وتقدر وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية، حجم التدفقات إلى مصر منذ ذلك الحين بنحو 60 مليار دولار، بما فيها 20 مليار دولار استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي قصيرة الأجل.

لكن بعد قرابة سنتين من تصريحات الوزير، وتحديدا في السادس من مارس 2024، أشار محفوظ إلى أن مصر اتخذت "قرارات تتعلق برفع سعر الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه، وهو ما جعل توقع عودة الأموال الساخنة لمصر واردا بشكل كبير، فهذه الأموال تراهن على هذين الأمرين لوجودها في أي سوق يرفع سعر الفائدة ويخفض قيمة العملة المحلية".

وذكرت وكالة "بلومبرغ" أن مصر تعد ثالث أعلى عائد من أذون الخزانة والسندات بالعملة المحلية من بين 23 دولة نامية يتم متابعتها من قبل الوكالة.

ووفقا للوكالة، باعت مصر في السابع من مارس الماضي أذون خزانة بنحو 87.8 مليار جنيه (1.78 مليار دولار) بسعر فائدة 32.2%. كما أسهمت كبار مؤسسات الاستثمار العاملة في الديون المحلية في شراء أذون السابع من مارس الماضي، ومن بين هذه المؤسسات (غولد مان ساكس، وسيتي بنك، ومورغان ستانلي).

ويتوقع محفوظ "أن تصل أرصدة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة إلى مستوى يتراوح بين 40 و50 مليار دولار على الأقل، في نهاية العام الجاري".

وأوضح أنه "من المقرر أن يبقي البنك المركزي أسعار الفائدة في البلاد دون تغيير حتى نهاية عام 2024، حسب توقعات جاءت في مذكرة بحثية لمؤسسة (كابيتال إيكونوميكس) للأبحاث، التي تقول إنه من غير المرجح أن يخفض المركزي المصري أسعار الفائدة حتى عام 2025).

ولذلك يرى أنه "مع قرب دورة تيسير النقدي بحلول نهاية العام أو بداية العام المقبل، سيكون هناك تدفق للخارج من قبل هذه الأموال التي تبحث عن الأرباح في الأسواق الأخرى، مما يعني أن تباطؤ تدفقات الأموال الساخنة لن يحدث في القريب العاجل".

وقال عباس إنه "نظرا لأن مخرج مصر من أزمتها الاقتصادية والتمويلية في مارس 2024، أتى عبر مصادر تتسم بعدم الاستدامة، مثل صفقة رأس الحكمة أو زيادة قيمة قرض صندوق النقد الدولي، أو الحصول على بعض القروض الخارجية، فإنه من المناسب أن تتعامل مصر بحذر في ضوء ممارستها السلبية السابقة، وفي ضوء ما صرح به وزير المالية السابق من أنهم تعلموا الدرس، وأنه لا يجب أن يُعتمد على هذه الأموال بسبب سهولة وسرعة خروجها من الاقتصاد، ما قد يشكل أزمة في السوق".

وحذر ديفيد من أنه "لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة في تمويل التنمية أو تحقيق معدلات نمو مرتفعة، أو حتى في مجال تشجيع الاستثمار المباشر، لكنها تظل بصورة أو بأخرى مؤشرا يعكس بعض الإيجابية عن الاقتصاد المصري".

محكمة مصرية
محكمة مصرية- صورة تعبيرية

أمر النائب العام المصري، السبت، بالتحقيق في بلاغات ضد ديوان شعري "يتضمن عبارات تحمل اعتداء على الذات الإلهية"، كما كلف لجنة من مؤسسة الأزهر بـ"فحص" الديوان.

وقال بيان للنيابة المصرية، إنه "بمطالعة ديوان الشعر محل البلاغ، تبين احتواؤه على تلك العبارات. وأمر النائب العام محمد شوقي، بطلب تحريات الشرطة حول الواقعة، وتكليف لجنة من المختصين بالأزهر الشريف بفحص عبارات الديوان".

النائب العام يأمر بالتحقيق في واقعة نشر ديوان شعري يتضمن ازدراءً للأديان

Posted by ‎Egyptian Public Prosecution النيابة العامة المصرية‎ on Saturday, October 5, 2024

وأكدت النيابة العامة أن التحقيقات لا تزال مستمرة.

وأشار عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن الديوان يحمل اسم "كيرلي" وهو للناشط الذي قضى سنوات في السجن عقب عام 2011، أحمد دومة.

وكتب دومة عبر حسابه على منصة "إكس": "أظن هذا أفضل تعليق على جنون محاولة محاكمتي وديوان شعر بتهمة ازدراء الأديان والاعتداء على الذات الإلهيّة"، ملحقا التعليق بمقطع فيديو لأغنية باسم "أنا مش كافر".

وزعم دومة في يوليو الماضي، أنه تم إلغاء حفل لتوقيع ديوانه، بسبب تلك الاتهامات أيضًا.

وحينها شهدت مقاطع قصيدته هجوما من البعض ودعم من آخرين، فكتب أحد المعلقين على إكس: "القصيدة تتضمن سب للذات الإلهية وتشبيهها بالبشر".

وكتب آخر: "المفروض تكون أرقى من كده عند التكلم عن الذات الإلهية".

فيما دافع البعض عن دومة باعتبار أنه "يمارس حرية التعبير". وكتب أحد المعلقين: "متضامن مع حرية الشعر.. ضد محاكمة الإبداع".

وأصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عفوا في سبتمبر 2023 عن عدد من السجناء، ومن بينهم دومة.

وجاء الإفراج عن دومة بعد 10 سنوات قضاها محبوسا لتنفيذ حكم نهائي بالسجن المشدد 15 عاما، بالقضية المعروفة إعلاميا بـ "أحداث مجلس الوزراء" التي تعود إلى عام 2011، في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير.