قوة أمنية مصرية تعتقل محتجين على تسييس القضاء - أرشيفية
قوة أمنية مصرية تعتقل محتجين على تسييس القضاء - أرشيفية

استجابة لتوصيات "الحوار الوطني"، أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعته كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، من دون أن يتحول إلى عقوبة.

وقال المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية، في بيان الأربعاء، إن السيسي وجه بإحالة توصيات "الحوار الوطني" للحكومة، وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها.

وبحسب البيان، أكد السيسي أن الاستجابة لتوصيات الحوار الوطني "نابعة من الرغبة الصادقة في تنفيذ أحكام الدستور المصري والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان".

وأشار البيان إلى أن السيسي وجّه بتفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطي المختلفة، وأهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطي خاطئ.

وقابلت قطاعات سياسية وقانونية مصرية الخطوة بالترحيب، مشيرة إلى أنها تخدم قضية التقاضي والعدالة، في حين شكك فيها آخرون وقللوا من جدواها، مطالبين بمزيد من القرارات في مسألة الحقوق والحريات.

ويرى المحلل السياسي، طارق البرديسي، أن التوجيهات الرئاسية تصب في خدمة المسار العدلي في البلاد، مشيرا إلى أن الخطوة تأتي ضمن الالتزام بالدستور، وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ومخرجات الحوار الوطني.

وقال البرديسي لموقع "الحرة" إن هناك متغيرات كثيرة في الساحة المصرية، ولذلك هدفت التوجيهات والتعديلات القانونية لتحقيق التوزان بين حماية المجتمع وحقوق المواطن.

وأشار المحلل السياسي إلى أن الحبس الاحتياطي مهم كخطوة وقائية واحترازية، ولذلك جاء التوجيه بعدم تحويله إلى عقوبة، أو إلى أي شكل من أشكال العقاب.

وقفة للمطالبة بتعزيز الحريات في مصر-أرشيف
الحبس الاحتياطي في مصر.. إجراء احترازي أم أداة لقمع المعارضين؟
لا تزال عمليات الحبس الاحياطي التي تنفذها السلطات المصرية ضد ناشطين وصحفيين وسياسيين، تثير الجدل بين داعم للتشريع الخاص بالحبس الاحتياطي كضرورة قانونية، وبين مطالب بإلغائه، أو تعديله على الأقل، كونه أصبح "وسيلة لقمع المعارضين".

وكان "الحوار الوطني" رفع إلى رئيس الجمهورية 24 توصية تدعو لتخفيض مدد الحبس الاحتياطي إلى 4 أشهر في قضايا الجنح، بدلا عن 6 أشهر، وتخفيضها إلى 12 شهرا في قضايا الجنايات، بدلا عن 18 شهرا، وكذلك تخفيضها إلى 18 شهرا في القضايا التي تصل عقوبتها إلى المؤبد أو الإعدام، بدلا عن 24 شهرا.

وأشارت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، في يوليو الماضي، إلى أن الدائرة الأولى - إرهاب في محكمة الجنايات، جددت حبس 17 متهما لمدة 45 يوما على ذمة قضايا مختلفة، بعضها يعود إلى عام 2020، وذلك بالتزامن مع جلسة "الحوار الوطني".

وذكر تقرير سابق لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أن السلطات المصرية تضع عشرات أو حتى مئات من الأشخاص معًا في نفس القضية، ويتم تجديد حبسهم بشكل جماعي، بما في ذلك أكثر من 600 شخص اعتقلوا خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2020.

وفي المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية، عصام عبد الشافي، أن التوجيه الرئاسي "حوى قدرا من الاستخفاف بالعقول، لأن مسألة الحقوق والحريات لا محل لها من الإعراب، في عهد النظام المصري".

وقال عبد الشافي لموقع "الحرة" إن هناك عشرات الآلاف من المحبوسين احتياطيا في سجون النظام المصري، لمدد وصل بعضها إلى 8 سنوات، دون تقديمهم إلى محاكمة عادلة.

وأشار إلى أن السجون والمعتقلات المصرية تحتشد بكثيرين تعرضوا للخطف أو الإخفاء القسري، بما في ذلك سياسيون ونُشطاء بارزون في ثورة 25 يناير التي أطاحت نظام حسني مبارك.

ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن الدعوة للحوار الوطني جاءت عام 2022، في ظل ضغوط أميركية وانتقادات دولية لسجل حقوق الإنسان في مصر، ومع ذلك تحول الحوار الوطني لـ"أداة للإلهاء السياسي".

وأضاف أن "النظام المصري لن يسمح بحرية الرأي ولا حرية التعبير ولا حرية التنظيم، وهي الثلاثية التي تخيفه، مما يشكك في صدقيته تجاه مسألة حقوق الإنسان والعدالة".

وكان المحامي الحقوقي، نبيه الجنادي، أشار إلى أن السلطات المصرية تتخذ الحبس الاحتياطي بديلا للاعتقال الذي كان يتم في عهد مبارك، تحت مظلة قانون الطوارئ.

ولفت الجنادي في حديث سابق مع موقع "الحرة" إلى أن الاعتقال الذي كان يحدث في عهد مبارك، جرى إلغاؤه عقب ثورة 25 يناير.

وأضاف "الآن حل الحبس الاحتياطي بديلا للاعتقال، إذ يقوم قطاع الأمن الوطني بعمل تحريات ويعرضها على النيابة العامة لتصدر إذن الضبط والإحضار للشخص المُتحرى عليه".

وفي حين عبر ناشطون مصريون في مواقع التواصل الاجتماعي، عن تفاؤلهم بشأن التوجيه الرئاسي، شكك آخرون في إمكانية تنفيذه، مشيرين إلى وجود "تجاوزات كثيرة في مسألة تطبيق القوانين".

وقريبا من هذا المسار، يرى عبد الشافي أن صدقية القرار وجدية النظام مرهونتان بقرارات سريعة بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا، الذين تجاوز حبسهم المدد المنصوص عليها في القانون، وكذلك الإعلان عن أعداد المحبوسين احتياطيا، وتمكينهم من الحصول على محاكمات عادلة، أو إطلاق سراحهم.

واستبعد المتحدث ذاته تنفيذ التوجيهات المتعلقة بمسألة التعويضات لمن تجاوز حبسهم احتياطيا المدد المنصوص عليها، مضيفا "لا أتوقع أن يتلزم النظام بأي شيء في هذا المسار، لأنه لا يعترف أصلا بحدوث اعتقالات أو إخفاء قسري".

وأضاف "الآن في مصر، هناك ما يُعرف بالكعب الدائر، وهو ممارسة قانونية مذلة ينتهجها النظام، بفتح بلاغات متعددة في محاكم متعددة ضد الشخص الواحد، لجعله يتنقل بين تلك المحاكم أثناء فترة حبسه، ولذلك سيستمر تسلُّط الحبس الاحتياطي".

وتابع عبد الشافي أن "الإشكالية ليست في النصوص، وإنما في احترام القانون وتنفيذه، ولذلك ليس من المنطقي أن ننتظر من نظام انتهك الدستور، وهو أبو القوانين، أن يحترم القوانين، أو الإجراءات الإدراية".

وشهدت السنوات العشر الماضية من حكم السيسي حملة قمع واسعة النطاق للمعارضة من مختلف ألوان الطيف السياسي، وفق منظمات حقوقية دولية، بينما يقول المسؤولون إن القضاء يتصرف بشكل مستقل، وإن السلطات تتخذ خطوات بشأن تعزيز حقوق الإنسان.

وبحسب وسائل إعلام مصرية، عُقدت جلسات الحوار الوطني في الـ 23 من يوليو، بمشاركة شخصيات سياسية وحقوقية وعامة، ونواب، وممثلي أحزاب. ورفع المشاركون 24 توصية، حصلت 20 منها على اجماع كامل، في حين تضمنت 4 توصيات أكثر من رأى بشأن آلية التنفيذ.

ويشير البرديسي إلى أن التوجيه الذي أصدره السيسي اليوم، صادر من أعلى سلطة في الدولة، وهذا أهمّ ضامن لتنفيذ توصيات الحوار الوطني المتعلقة بمدد الحبس الاحتياطي، بحسب قوله.

ولفت إلى أنه لا يوجد ما يدفع رئيس الجمهورية لاتخاذ مثل هكذا قرارات، "إلا إذا كان مقتنعا بذلك، وإلا إذا حقق نجاحات في مجابهة التطرف والإرهاب"، مضيفا "من درج على التشكيك في النوايا سيظل متشككا، مهما اتضحت الرؤية".

وأطلق السيسي، منذ استئنافه "الحوار الوطني" عام 2022، سراح مئات السجناء السياسيين، لكنّ مدافعين عن حقوق الإنسان يقولون إنّ عدد الأشخاص الذين تمّ اعتقالهم في نفس الفترة يناهز على الأقل ثلاثة أضعاف عدد الذين أفرج عنهم، وفقا لفرانس برس.

مصر والصين

لم يكن الدخان الذي خلفته المقاتلات الصينية في سماء الأهرامات مجرد خلفية لمناورة مشتركة بين مصر والصين. كان رسالة، بل إعلانا جيوسياسيا بأن بكين لم تعد تكتفي بمراقبة الشرق الأوسط عن بعد. 

هذه المرة، جاءت بمقاتلاتها (J-10) ووضعتها في سماء حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما.

لمناورة "نسر الحضارة 2025" بعد رمزي أيضا.

نحن نتحدث عن أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري. لفترة قصيرة؟ نعم. لكن الدلالة ضخمة. إنها إشارة إلى شيء ما في طور التشكل، إلى فراغ تُحاول الصين أن تملأه حيث يتراجع الحضور الأميركي.

تغيير في قواعد اللعبة

"هذه المناورات تحمل أبعادا تتجاوز التدريب. إنها تغيير في قواعد اللعبة"، يقول إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، لموقع الحرة.

تشير هذه التدريبات النوعية، من ناحية أخرى، إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري الصيني المصري. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاها واضحا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية، يضيف بيرمان.

"ورغم أن مصر ما زالت ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، فهي ترسل إشارات واضحة: لن نعتمد على مصدر واحد. التنوع في التسليح، وتبادل الخبرات، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية".

هذا ليس حيادا. هذه موازنة جديدة للقوة.

يشير بيرمان إلى أن "إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر". ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تتجاوز مجرد البحث عن بدائل للتسليح؛ فهي تُمثل نافذة استراتيجية بالنسبة لمصر للانفتاح على أحدث التقنيات العسكرية الصينية، وذلك في سياق جهودها المستمرة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في محيطها الإقليمي المضطرب.

فوق الأهرامات... تحت الرادار

بدا مشهد الطائرات الصينية فوق الأهرامات وكأنه من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية. لكن خلف الصورة الرمزية، هناك رسائل أمنية كثيرة. 

تقارير إسرائيلية لفتت إلى معلومات بأن بكين تجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء التدريبات، التي قد تكون أيضا اختبارا لقدرة الصين على القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن حدودها.

أين واشنطن من هذا كله؟

حين تبتعد أميركا عن الشرق الأوسط خطوة، ثمة دائما من يتحرك ليملأ الفراغ. والسؤال هو: هل تتهيأ بكين لتكون البديل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة؟

وهل تقف القاهرة على مفترق طرق فعلا، أم أنها تلوّح بورقة بكين لتحسين شروط علاقتها بواشنطن؟

تحولات في طور التشكل تُلزم واشنطن بإعادة قراءة المشهد، وإعادة ضبط إيقاع حضورها في منطقة لم تعد تتحمّل الغياب الأميركي.

التعاون الثنائي

على الصعيد الثنائي، تشير هذه التدريبات النوعية إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري بين الصين ومصر. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاهًا واضحًا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية.

يرى بيرمان في هذا السياق أن "الحكومة الصينية تسعى بوضوح إلى سد الفجوات في المناطق التي يتراجع فيها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها، وتحاول استغلال هذه العلاقات لصالحها ولإضعاف الغرب". 

ويضيف: "هذا التدريب المشترك يحمل أهمية كبيرة من الناحية الجيوسياسية".

يُعد اختيار القاهرة شريكًا استراتيجيًا لإجراء هذه المناورات المتقدمة دليلاً على اعتراف الصين المتزايد بالدور الحيوي الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يعكس هذا الخيار سعي بكين الحثيث لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية عبر تأسيس تعاون عسكري متين مع قوة إقليمية مركزية كالقاهرة، وفقا لإيلان.

تنوع مصادر التسليح

تحصل مصر على مساعدات عسكرية بنحو 1.3 مليار دولار سنويا، وهي ثاني أكبر متلق للدعم العسكري الأميركي بعد إسرائيل. لكن على الرغم من ارتباطات مصر العسكرية التقليدية، تعتبر القاهرة شراكتها المتنامية مع الصين فرصة استراتيجية لتنويع مصادر التدريب والتسليح.

"إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر"، يقول بيران.

تحولات استراتيجية قيد التشكل

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، تُثير هذه المناورات تساؤلات حول أهداف التعاون المصري الصيني، خاصة في ظل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين واشنطن وبكين على النفوذ.

من زاوية أخرى، تشير المناورات أن الصين تحاول اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بعيدة عن قواعدها الرئيسية، وتقييم درجة التوافق التشغيلي بين أنظمتها العسكرية وأنظمة دول أخرى ذات خصائص مختلفة.

ويذهب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "المناورات الجوية الصينية المصرية "نسر الحضارة 2025" تتجاوز الإطار التقني للتدريبات العسكرية لتُمثل مؤشرا جيوسياسيا بالغ الأهمية". 

وتحمل المناورات في طياتها رسائل إقليمية ودولية متعددة الأبعاد، خصوصاً بعد إعادة الولايات المتحدة صياغة سياستها الخارجية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، مما يخلق كثيرا من الفراغ السياسي.