تدرس بنوك مصرية وضع حدود قصوى للسحب النقدي بالعملات الأجنبية للأفراد والشركات، حيث من المقرر أن يُعلن هذا الأسبوع ثاني أكبر بنك حكومي عن هذه الحدود التي يراها بعض الخبراء "غير مبررة" وتثير مخاوف المتعاملين، فيما ينظر إليها آخرون باعتبارها "قواعد تنظيمية ضرورية".
وقال رئيس مجلس إدارة بنك مصر، ثاني أكبر البنوك الحكومية في البلاد، محمد الإتربي، إن مجلس إدارة البنك سيناقش هذا الأسبوع وضع حد أقصى للسحب النقدي بالعملات الأجنبية للأفراد والشركات.
وأضاف في مداخلة هاتفية عبر قناة "صدى البلد" المحلية، أن البنك المركزي منح الحرية لكل بنك بشأن وضع الحدود القصوى للسحب النقدي بالعملات الأجنبية، وفق ما يراه مجلس الإدارة.
وفي بيان له الأسبوع الماضي، في أعقاب تداول أنباء تفيد بأنه طالب البنوك بوضع حد أقصى للسحب النقدي اليومي والشهري بالعملات الأجنبية بداية من أول سبتمبر، قال البنك المركزي المصري إن "الأمر متروك لكل بنك على حدة لتحديد سياسته بشأنها، واعتمادها من مجلس إدارته".
"مخاوف من الماضي"
تباينت آراء خبراء الاقتصاد خلال حديثهم مع موقع "الحرة" حول جدوى وضع حد أقصى للسحب النقدي بالعملات الأجنبية من البنوك، خصوصا أن مثل هذه الإجراءات رافقت في السابق أزمة نقد أجنبي كانت تعاني منها البلاد خلال الأعوام القليلة الماضية وأدت إلى تآكل قيمة الجنيه وارتفاع تكاليف المعيشة.
واعتبر الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، أن "المخاوف التي تثار بشأن مثل هذه الخطوة ارتبطت بوجود مشكلات داخلية في الماضي، استدعت التدخل للسيطرة على خروج النقد الأجنبي من القطاع المصرفي المصري".
ومع ذلك، قال النحاس إن "هذه الخطوة ليست سلبية، بل إجراء مطمئن"، حيث تُسهم في تنظيم عمليات السحب بالعملات الأجنبية داخل البنوك، خصوصا في ظل "تزايد الإشارات السلبية من قبل موظفي البنوك الذين كانوا يرفضون صرف الدولار للعملاء".
وأضاف أن "هذه القواعد بمثابة شفافية أكبر للمتعاملين مع البنوك، إذ كان يواجه العملاء الذين يتوجهون إلى البنوك لسحب أموالهم بعض العقبات، مثل عدم توفر السيولة المطلوبة أو الحاجة إلى إشعار مسبق للبنك قبل السحب".
لكن مع وجود بعض القواعد الواضحة بشأن الحدود القصوى، يجعل هذا العملاء على دراية بحجم الأموال التي يمكنهم سحبها يوميا حسب متطلباتهم، وفق النحاس.
ومنذ أكثر من 3 أعوام وحتى مارس الماضي، كانت مصر تعاني نقصا حادا في العملات الأجنبية بسبب ما يقول مسؤولون إنه يرجع إلى "الأزمات العالمية.. من جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وصولا إلى الحرب في قطاع غزة"، الأمر الذي أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة مع تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
لكن منذ مارس، تحسنت التدفقات الدولارية إلى البلاد مع سماح البنك المركزي في السادس من الشهر ذاته، بانخفاض الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، على خلفية الاتفاق مع صندوق سيادي تابع لحكومة أبوظبي، على ضخ استثمارات بنحو 35 مليار دولار، لتنمية منطقة "رأس الحكمة"، وكذلك الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022.
من جانبه، عبر الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، عن "اندهاشه" من اتجاه البنوك لوضع حدود قصوى لسحب العملات الأجنبية، معتبرا أنه "قرار غير مبرر أو مفهوم حتى الآن".
وقال عبدالمطلب لموقع "الحرة": "لو كانت هناك خطة واضحة لتقليص السحب من حسابات الأفراد بالعملات الأجنبية أسوة بالجنيه المصري، لكان من الواجب أن تلتزم جميع البنوك بنفس الحد الأقصى، لكن الغريب أن البنك المركزي ترك لكل بنك تحديد سقفه الخاص".
ويُحدد البنك المركزي المصري، الحد الأقصى اليومي لعمليات السحب النقدي بالعملة المحلية عند 250 ألف جنيه من البنوك و30 ألف جنيه من ماكينات الصراف الآلي.
كما تضع البنوك حدودا قصوى على استخدام بطاقات الائتمان والخصم خلال السفر إلى الخارج (مشتريات أو سحب نقدي)، مشترطة في ذلك تقديم العملاء لمستندات قبل السفر باستثناء السفر لأغراض التعليم أو العلاج.
وأضاف عبدالمطلب: "لا أرى سببا نقديا أو اقتصاديا وراء اتجاه كل بنك تحديد حد أقصى للسحب النقدي بالعملات الأجنبية داخل مصر".
ومع ذلك، "قد يرتبط هذا الإجراء بتخوفات أو قرارات قد ينتج عنها تخفيض محتمل لقيمة الجنيه المصري"، وفق عبد المطلب، الذي أشار إلى أن "الأمور غير واضحة، لكن هناك تخوفات من أن تتم تسريبات حول نية الحكومة تخفيض قيمة الجنيه، مما قد يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار وعودة نشاط السوق الموازية".
"رسائل سلبية إلى الشارع"
وفي يوليو الماضي، أعاد صندوق النقد الدولي، التشديد على ضرورة محافظة مصر على "نظام سعر الصرف مرن ونظام صرف أجنبي مُحرر" لتجنب تراكم الاختلالات الخارجية.
وقال في بيان صدر بعد موافقة المجلس التنفيذي على صرف شريحة جديدة من برنامج القرض الذي تم الاتفاق على رفع قيمته إلى 8 مليارات دولار في مارس، إن توحيد سعر الصرف وتشديد السياسة النقدية المصاحب له أدى إلى الحد من المضاربة، وجلب التدفقات الأجنبية، وخفض نمو الأسعار.
وسمح البنك المركزي للجنيه بالتراجع قبل 4 أشهر، ليبلغ سعر صرف الدولار 50 جنيها آنذاك، قبل أن يرتفع قليلا، ليصل الدولار إلى مستوى 48.7 جنيه للدولار حتى تعاملات الخميس.
لكن قبل ثلاثة أسابيع، تعرضت العملة المحلية لضغوط، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى أعلى مستوى منذ السابع من مارس الماضي بالقرب من 49.5 جنيه، بعد هبوط مفاجئ لأسواق الأسهم العالمية، وخروج استثمارات أجنبية من الأسواق المالية المحلية وسندات وأذون الخزانة التي تعرف بـ"الأموال الساخنة"، قدرتها الحكومة بما يتراوح بين 7-8 في المئة من إجمالي الأموال الموجودة في السوق في ذلك الوقت.
لهذا قال عبدالمطلب إن "القرار المتوقع من قبل البنوك قد يكون له تأثير سلبي أكثر من أن يفيد العملية التنظيمية، وكان يمكن أن يتم إقراره غير مباشرة لتجنب أي تخوفات".
وأضاف: "حتى الآن لا يوجد دليل على شح في العملات الأجنبية لدى البنك المركزي أو الجهاز المصرفي كما كان في الماضي، لذلك كان من الأولى استبعاد مثل هذا القرار".
فيما قال النحاس إن "هذه القواعد تنظيمية تستهدف السحب النقدي المباشر من البنوك، ولا تزال عمليات التحويل المباشرة بالعملات الأجنبية بين الحسابات المصرفية دون حدود قصوى، وهو أمر إيجابي لا ينم عن أي مشكلات".
ومع ذلك، أشار إلى أن "القرارات التي تتعلق بالسحب النقدي يجب أن تكون واضحة ومفهومة للجميع، خاصة فيما يتعلق بسحب الدولار والتي بطبيعة الحال قد تثير تخوفات"، مؤكدا على أن "القرار مطمئن للمتعاملين مع البنوك، لكنه في المقابل قد يعطي رسائل سلبية إلى الشارع والناس التي لا تتعامل بالدولار".
"أزمة ثقة؟"
اتفق الخبراء خلال حديثهم على أن "التخوفات" من مثل هذه الخطوات التي تتخذها البنوك ناتجة عن "أزمة ثقة"، إذ قال النحاس إن "المخاوف من تكرار نقص العملات الأجنبية في السوق، ناتجة عن أزمة ثقة بين العملاء والقطاع المصرفي".
لهذا يجب "تحرير سوق صرف العملات الأجنبية من كل المعوقات"، بما في ذلك البيروقراطية التي ينتهجها موظفو البنك، وفق النحاس، من "أجل إعادة بناء الثقة وتقليل المخاوف".
بينما قال عبدالمطلب إن الاقتصاد المصري يشهد في الوقت الحالية "ظاهرة" تتمثل في توجه الناس نحو شركات الصرافة وليس البنوك للتخلص من العملات الصعبة مقابل الجنيه.
وأضاف: "هذا ليس بسبب الثقة في الجنيه، بل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تدفع الناس إلى التخلي عن مدخراتهم بالعملات الأجنبية لشركات الصرافة لتلبية احتياجاتهم اليومية"، مشيرا إلى أنه "لهذا لا يوجد أي أسباب منطقية تبرر وضع البنوك حدود قصوى للسحب بالعملات الأجنبية".
وأشار النحاس إلى أن الشفافية وزيادة حرية السوق يمكن أن تؤدي إلى تقليل المخاوف ومنع تكرار الأزمات، مشددا على أن "الثقة تضمن استقرار القطاع المصرفي".
واستشهد النحاس خلال حديثه بـ "حرية التداول" التي تتيحها تركيا فيما يتعلق بصرف وشراء العملات الأجنبية، قائلا إن "الأوضاع في تركيا تتشابه مع مصر من أزمات جيوسياسية محيطة وضغوط اقتصادية متلاحقة. ومع ذلك هناك حرية في تداول العملات الأجنبية بالقطاع الرسمي المصرفي".
وأضاف: "حرية بيع وشراء العملات الأجنبية دون الخوف من الملاحقات الأمنية أو رفض البنوك شراء وتدبير النقد الأجنبي للعملاء، سيسهم في الحد من أي أزمات مستقبلية في سوق النقد الأجنبي ويُعزز الثقة في القطاع المصرفي".