مصر خفضت قيمة عملتها بأكثر من 38٪
وصلت أرباح البنك المركزي إلى 22.834 مليار جنيه، مقابل خسائر قيمتها 86.28 مليار جنيه في العام المالي السابق له.

أثار تحول البنك المركزي في مصر إلى الربحية في السنة المالية الماضية، لأول مرة في 7 سنوات، تساؤلات بشأن أسباب ودلالة هذا الأمر، ومدى تأثيره على الوضع المصرفي والاقتصادي في مصر.

ووفقا لتقرير مراقبة الحسابات، المنشورة على موقع البنك المركزي، وقوائم البنك المالية، وصلت الأرباح إلى 22.834 مليار جنيه، مقابل خسائر قيمتها 86.28 مليار جنيه في العام المالي السابق له. ويبدأ العام المالي في مصر من أول يوليو وينتهي آخر يونيو من العام التالي.

التحول الملحوظ

وتحدث الخبير الاقتصادي، كريم عبدالسلام، إلى موقع "الحرة" عن الأسباب التي غيرت مسار البنك المركزي من الخسارة إلى الربحية، قائلا إنها "تعود أولا إلى إلغاء دعم المبادرات، إذ توقف رالمركزي في نوفمبر 2022، عن دعم 5 مبادرات رئيسية، هي مبادرتا التمويل العقاري لمحدودي ومتوسطي الدخل، والصناعة، والسياحة، وتحويل عمل السيارات للعمل بالوقود المزدوج-أي البنزين والغاز. وتم تحويل دعم المبادرات إلى وزارة المالية، وفق قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي".

وأضاف عبدالسلام أن "قرار مدبولي جاء بعدما تكبد المركزي خسائر طائلة من دعم المبادرات، نظراً لتحمله فارق سعر الفائدة المدعم بالنيابة عن وزارة المالية، كما جاء استجابة لطلب صندوق النقد الدولي وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي".

والسبب الثاني، من وجهة نظر الخبير الاقتصادي، يتمثل في "تخفيض المديونية"، موضحا أن "صندوق النقد الدولي كشف عن خطة لتقليل مديونية الجهات الحكومية للبنك المركز بواقع 100 مليار جنيه سنويا".

وقال عبدالسلام إن العامل الثالث يتعلق بزيادة الأصول، مشيرًا إلى أنها "ارتفعت بنسبة 35% إلى نحو 6.1 تريليون جنيه، مقارنة بنحو 4.5 تريليون جنيه في العام المالي السابق".

وأضاف أن "مساهمات المركزي ارتفعت في رؤوس الأموال الخاصة بمؤسسات تمويل دولية إلى 22.64 مليار جنيه، مقابل 19.38 مليار جنيه بنهاية يونيو 2023".

وتابع "وبلغت مساهمات المركزي في رؤوس الأموال شركات تابعة وشقيقة نحو 75.844 مليار جنيه".

القوائم المالية للبنك المركزي كشفت مفاجآت أخرى أيضا، بحسب ما قاله الخبير الاقتصادي، هي "ارتفاع أرصدة الذهب بنسبة 90.6% إلى 454.93 مليار جنيه مقابل 238.6 مليار جنيه قبل عام، كما زادت قيمة إجمالي الأصول للمركزي لتسجل 6.06 تريليون جنيه مقابل 4.48 ترليون جنيه".

خلل كبير في الاقتصاد المصري

والتحول الملحوظ في بيانات البنك المركزي له دلالات وتبعات على الوضع المصرفي والاقتصادي المصري شرحها الخبير الاقتصادي عمر سمير خلف في حديثه لموقع "الحرة".

وقال خلف إن "القطاع المصرفي هو الأكثر ربحية في مصر، إذ حققت البنوك العاملة في مصر خلال العام المالي الحالي ربحية وصلت إلى 156 مليار جنيه، وهذه تعتبر معضلة اقتصادية لأنها تعني أن الأنشطة الإنتاجية الأخرى ليست مربحة وتشهد تراجعا، وبالتالي يفضل المزيد من الناس إيداع أموالهم في البنوك أو المضاربة على الديون، خاصة مع القرارات الأخيرة للمركزي برفع الفائدة".

وأضاف أنه "مع إضعاف النشاط التجاري والاقتصادي في مصر بنسب أرباح لا تتجاوز 4% أو 5%، أصبح القطاع المصرفي هو الوحيد الذي يحقق أرباحا".

وأوضح أن "الأزمة الحقيقية تظهر وقت تحقيق هذه النسبة المرتفعة من الأرباح التي وصلت إلى 182% تقريبا، وهذا يعني وجود خلل كبير في الاقتصاد المصري، الذي أصبح اقتصادا ماليا وليس إنتاجيا، يقوده مجموعة من المصرفيين، وبالتالي لن ينعكس إيجابا على الوظائف أو المرتبات في القطاعات الأخرى".

ويرى أن "ما يحدث هو تبعات ارتباط مصر بالنظام المالي العالمي وبالمؤسسات المالية الدولية وأزمة الديون في مصر، باعتبار أن الحكومة هي أكبر مقترض من البنوك العالمية والمحلية بفائدة مرتفعة، وبالتالي فإن استثمار البنوك في الديون المصرية مربح ومضمون".

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "هذا الوضع ليس موجودا في مصر وحدها، بل في تركيا والأرجنتين، لكن الفارق اعتمادهما على تشجيع النشاط التجاري والاستثماري في القطاعات الأخرى".

وأظهرت القوائم المالية للمركزي أنه حقق أرباحًا بأكثر من 7 مليارات جنيه من استثماراته في عدد من الشركات، ارتفاعًا من 2.99 مليار جنيه فقط خلال العام المالي 2022-2023، الأمر الذي عزز تحول المركزي للربحية بعد سلسلة من الخسائر.

وكان العام المالي 2016-2017 الأخير الذي حقق فيه البنك المركزي ربحية قبل العام المنتهي في يونيو الماضي، عندما بلغت أرباحه قرابة 12.7 مليار جنيه، وبعدها استمر في تسجيل خسائر تجاوزت بنهاية يونيو 2023 مبلغ 343 مليار جنيه.

ويتفق الخبير الاقتصادي، علي الإدريسي، مع عبدالسلام في أن "ربحية المركزي ما هي إلا نتيجة لعمليات الإقراض، وطرح أدوات مالية كثيرة أخرى"، لكنه أوضح في حديثه لموقع "الحرة" أن "المقياس الحقيقي سيظهر خلال العام الجاري وحتى نهاية ديسمبر، خاصة مع سحب الحكومة كميات كبيرة من السيولة من البنوك مع بداية النصف الثاني من العام الجاري، وصلت إلى تريليون جنيه أسبوعيا، بفائدة مرتفعة تخطت 27%".

وقال إن "التحدي الأكبر أمام المركزي سيكون عند إعلان الميزانية مع انتهاء العام الحالي، لأنه بعد التعويم الأخير للجنيه في مارس بناء على توصيات صندوق النقد الدولي، والإعلان عن العمل بنظام السوق المفتوح لاستهداف معدلات التضخم، وما تبع ذلك من سحب السيولة من السوق عن طريق تقديم أسعار فائدة مرتفعة".

وذكر صندوق النقد الدولي، الاثنين، أن الجهات الحكومية في مصر ستخفض مديونيتها للبنك المركزي بواقع 100 مليار جنيه كل سنة مالية، حتى تصل إلى صفر، وذلك بموجب خطة العمل الخاصة بمطالبات البنك على الهيئات الحكومية، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجاباً على ميزانية البنك المقبلة.

وأشار الصندوق، في تقرير مراجعة الاقتصاد المصري، إلى أن الجهات الحكومية سددت بالفعل مطالبات للبنك المركزي، بواقع 150 مليار جنيه بنهاية يوليو الماضي.

وأظهرت القوائم المالية للبنك المركزي ارتفاع مساهمته في شركة الهوية المالية الرقمية إلى 301 مليون جنيه مقابل 275 مليون جنيه، والشركة المصرية للإيداع والقيد المركزي 457 مليون جنيه مقابل 54 مليون جنيه.

وزاد المركزي أيضا مساهمته في شركة "التيرا" للبنية التحتية المالية الرقمية لتسجل 140 مليون جنيه، بدلا من 126 مليون جنيه، وشركة "إيجي كاش" للحلول النقدية لتسجل 264 مليون جنيه بدلا من 109 مليون، وشركة ضمان مخاطر الائتمان لتسجل 538 مليون جنيه بدلا من 513 مليون جنيه.

كما رفع المركزي مساهماته أيضا في شركة بنوك مصر للتقدم التكنولوجي لتسجل 2.23 مليار جنيه بدلا من 1.64 مليار جنيه، والشركة المصرية لإعادة التمويل العقاري لتسجل 152 مليون جنيه بدلا من 147 مليون.

البنوك المركزية لا تهدف إلى الربح

ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة لافبروه البريطانية، أحمد سلامة، لموقع "الحرة" إن "البنوك المركزية لا تهدف إلى الربح مثل البنوك التجارية، إذ يتمثل دورها الرئيسي في إدارة السياسة النقدية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي للبلاد".

وأضاف "عندما نقول إن البنك المركزي المصري أو أي بنك مركزي آخر حقق ربحًا، فهذه الأرباح تأتي نتاجا لأنشطة البنك المركزي في إدارة الاقتصاد، وليس كهدف رئيسي، أي أنها لا تؤثر إيجابا على الأزمة المصرفية أو الاقتصادية للبلاد".

وعدد أستاذ الاقتصاد أمثلة هذه الأنشطة، قائلا إن منها "الفوائد على الاحتياطيات التي يحتفظ بها بالعملات الأجنبية أو في شكل سندات حكومية، والفارق بين سعر الفائدة على القروض والودائع، فضلا عن الأرباح التي قد تأتي أيضًا من عمليات الصرف الأجنبي عندما يبيع البنك المركزي عملات أجنبية بسعر أعلى من السعر الذي اشتراها به، كما أن البنك المركزي قد يدير أصولاً مثل الذهب أو الاستثمارات الأخرى التي تحقق عوائد".

وأوضح أستاذ الاقتصاد أن "هناك فهما خاطئا لدور البنك المركزي في التقارير الإعلامية، إذ أنه "لا يستدين من أموال الشعب مثلما تفعل البنوك التجارية. بالعكس، البنك المركزي يتخذ إجراءات لإدارة السيولة في الاقتصاد، مثل إصدار سندات أو أدوات دين أخرى، لامتصاص السيولة الزائدة أو لتوجيه السياسة النقدية".

وقال إن "الربح الذي يحققه البنك المركزي يأتي من الفوائد على الاحتياطيات والاستثمارات أو من الفارق بين أسعار الفائدة على القروض والودائع، وليس من الاقتراض من أموال الشعب. وهذه الأرباح تعود غالبًا للدولة لدعم ميزانيتها".

وأضاف أن "البنك المركزي يعمل لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وليس لتحقيق الربح كهدف رئيسي، وأي ربح يحققه هو نتيجة لأنشطته الاقتصادية وليس من اقتراض أموال المواطنين".

مصر والصين

لم يكن الدخان الذي خلفته المقاتلات الصينية في سماء الأهرامات مجرد خلفية لمناورة مشتركة بين مصر والصين. كان رسالة، بل إعلانا جيوسياسيا بأن بكين لم تعد تكتفي بمراقبة الشرق الأوسط عن بعد. 

هذه المرة، جاءت بمقاتلاتها (J-10) ووضعتها في سماء حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما.

لمناورة "نسر الحضارة 2025" بعد رمزي أيضا.

نحن نتحدث عن أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري. لفترة قصيرة؟ نعم. لكن الدلالة ضخمة. إنها إشارة إلى شيء ما في طور التشكل، إلى فراغ تُحاول الصين أن تملأه حيث يتراجع الحضور الأميركي.

تغيير في قواعد اللعبة

"هذه المناورات تحمل أبعادا تتجاوز التدريب. إنها تغيير في قواعد اللعبة"، يقول إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، لموقع الحرة.

تشير هذه التدريبات النوعية، من ناحية أخرى، إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري الصيني المصري. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاها واضحا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية، يضيف بيرمان.

"ورغم أن مصر ما زالت ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، فهي ترسل إشارات واضحة: لن نعتمد على مصدر واحد. التنوع في التسليح، وتبادل الخبرات، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية".

هذا ليس حيادا. هذه موازنة جديدة للقوة.

يشير بيرمان إلى أن "إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر". ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تتجاوز مجرد البحث عن بدائل للتسليح؛ فهي تُمثل نافذة استراتيجية بالنسبة لمصر للانفتاح على أحدث التقنيات العسكرية الصينية، وذلك في سياق جهودها المستمرة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في محيطها الإقليمي المضطرب.

فوق الأهرامات... تحت الرادار

بدا مشهد الطائرات الصينية فوق الأهرامات وكأنه من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية. لكن خلف الصورة الرمزية، هناك رسائل أمنية كثيرة. 

تقارير إسرائيلية لفتت إلى معلومات بأن بكين تجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء التدريبات، التي قد تكون أيضا اختبارا لقدرة الصين على القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن حدودها.

أين واشنطن من هذا كله؟

حين تبتعد أميركا عن الشرق الأوسط خطوة، ثمة دائما من يتحرك ليملأ الفراغ. والسؤال هو: هل تتهيأ بكين لتكون البديل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة؟

وهل تقف القاهرة على مفترق طرق فعلا، أم أنها تلوّح بورقة بكين لتحسين شروط علاقتها بواشنطن؟

تحولات في طور التشكل تُلزم واشنطن بإعادة قراءة المشهد، وإعادة ضبط إيقاع حضورها في منطقة لم تعد تتحمّل الغياب الأميركي.

التعاون الثنائي

على الصعيد الثنائي، تشير هذه التدريبات النوعية إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري بين الصين ومصر. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاهًا واضحًا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية.

يرى بيرمان في هذا السياق أن "الحكومة الصينية تسعى بوضوح إلى سد الفجوات في المناطق التي يتراجع فيها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها، وتحاول استغلال هذه العلاقات لصالحها ولإضعاف الغرب". 

ويضيف: "هذا التدريب المشترك يحمل أهمية كبيرة من الناحية الجيوسياسية".

يُعد اختيار القاهرة شريكًا استراتيجيًا لإجراء هذه المناورات المتقدمة دليلاً على اعتراف الصين المتزايد بالدور الحيوي الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يعكس هذا الخيار سعي بكين الحثيث لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية عبر تأسيس تعاون عسكري متين مع قوة إقليمية مركزية كالقاهرة، وفقا لإيلان.

تنوع مصادر التسليح

تحصل مصر على مساعدات عسكرية بنحو 1.3 مليار دولار سنويا، وهي ثاني أكبر متلق للدعم العسكري الأميركي بعد إسرائيل. لكن على الرغم من ارتباطات مصر العسكرية التقليدية، تعتبر القاهرة شراكتها المتنامية مع الصين فرصة استراتيجية لتنويع مصادر التدريب والتسليح.

"إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر"، يقول بيران.

تحولات استراتيجية قيد التشكل

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، تُثير هذه المناورات تساؤلات حول أهداف التعاون المصري الصيني، خاصة في ظل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين واشنطن وبكين على النفوذ.

من زاوية أخرى، تشير المناورات أن الصين تحاول اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بعيدة عن قواعدها الرئيسية، وتقييم درجة التوافق التشغيلي بين أنظمتها العسكرية وأنظمة دول أخرى ذات خصائص مختلفة.

ويذهب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "المناورات الجوية الصينية المصرية "نسر الحضارة 2025" تتجاوز الإطار التقني للتدريبات العسكرية لتُمثل مؤشرا جيوسياسيا بالغ الأهمية". 

وتحمل المناورات في طياتها رسائل إقليمية ودولية متعددة الأبعاد، خصوصاً بعد إعادة الولايات المتحدة صياغة سياستها الخارجية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، مما يخلق كثيرا من الفراغ السياسي.