تلجأ الدول عادة إلى الاقتراض من المؤسسات المالية لدعم التنمية وضمان استمرار تمويل المشاريع الحيوية، لكن ذلك يحمل أيضا تحديات قد تضطر الحكومة بسببها إلى إعادة جدولة ديونها إذا واجهت صعوبات في السداد.
لذلك، تعمد بعض الدول والحكومات إلى بيع السندات لضمان تمويل مشاريعها واستمرار دوران عجلة التنمية.
في الصدد، قالت وكالة بلومبيرغ، الجمعة، إن مصر تعتزم بيع سندات، وذلك لأول مرة منذ نحو ثلاثة أعوام، مستندة لمصادر وصفتها بـ"المُطّلعة".
وتخطط مصر لبيع ما يقرب من 3 مليارات دولار من الديون الخارجية خلال السنة المالية التي تنتهي في يونيو، وفقا لما ذكره وزير المالية المصري، أحمد كجوك، للمستثمرين الدوليين خلال سلسلة من الاجتماعات في لندن هذا الأسبوع، بحسب بلومبيرغ.
ولم يتم تحديد نسبة الديون التي ستكون على شكل سندات "يوروبوند"، حيث لم يقدم كجوك تفاصيل دقيقة في هذا الشأن، وفقا لما ذكرته المصادر التي تحدثت للوكالة دون الكشف عن هويتها.
يذكر أن السلطات المصرية لم تصدر أي تعليق رسمي بخصوص بيع السندات.
الجدوى؟
قال المحلل الاقتصادي، صادق الركابي، إنه لا يوجد فرق بين بيع السندات والاقتراض، إلا أن بيع السندات عادة ما تكون فيها الفائدة أقل من القروض.
وأضاف في حديث خص به موقع الحرة "بالنسبة لمصر وفي ظل ارتفاع أسعار الفائدة عالميا، تكون عملية بيع السندات أداة تمويل لبعض المشاريع الحكومية بشكل عاجل وأقل كلفة من الاقتراض".
تجدر الإشارة إلى أن عملية بيع السندات تعني أن الجهة التي تمتلك سندات مالية، سواء كانت حكومة أو شركة أو مستثمرا، تقوم ببيع هذه السندات إلى مستثمرين آخرين.
والسندات هي نوع من أدوات الدين، حيث يقوم المصدر (الحكومات أو الشركات) باقتراض المال من المستثمرين مقابل دفع فائدة دورية، بالإضافة إلى إعادة المبلغ الأصلي (القيمة الإسمية للسند) في تاريخ استحقاق محدد.
ويمكن بيع السندات سواء لتحقيق أرباح إذا ارتفعت قيمة السند منذ شرائه، أو في حالة الحاجة إلى السيولة (حاجة البائع إلى المال، فيقرر بيع السند قبل تاريخ استحقاقه)، أو تغيُّرٍ في المخاطر، بمعنى أنه إذا اعتقد المستثمر أن هناك مخاطر متزايدة مرتبطة بالمصدر (مثل تعثر المدين في السداد)، فقد يقرر بيع السند لتجنب الخسائر المحتملة.
وكانت مصر قد أصدرت آخر سندات، في عام 2021، في وقت كانت فيه العديد من الدول الناشئة تستفيد من انخفاض تكاليف الاقتراض قبل أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في تقليص حزمة الحوافز التي قدمها خلال أزمة جائحة كورونا.
وبالحديث عن جدوى بيع السندات لدعم عجلة التنمية، قال الركابي إن شروط الاقتراض قد تكون صعبة وقد تكون فيها الفائدة أعلى، أما بيع السندات فتكون الفائدة عادة أقل وعلى فترات متباعدة أكثر .
ويضيف "بالتالي يكون بيع السندات خيارا أفضل وأكثر أماناً بالنسبة للاقتصاد "خصوصا الاقتصاد المصري الذي يحتاج إلى تمويل العديد من المشاريع".
وأتبع ذلك بالقول: "عملية التمويل عن طريق بيع السندات تكون أخف وطأة على الموازنة من الاقتراض، وهو ما يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد".
الحالة المصرية
وفقا لبيانات جمعتها بلومبيرغ، كانت السندات المصرية المقومة بالدولار والمستحقة، في عام 2047، تُتداول فوق 80 سنتا للدولار بحلول الجمعة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2022.
ويُعد الأداء الخاص بالديون المصرية بالدولار هو الرابع الأفضل بين نظيراتها هذا العام، بعائد إجمالي يتجاوز 30 بالمئة، وهو ما يزيد بثلاثة أضعاف عن المتوسط المسجل في الأسواق الناشئة الأخرى.
وفي فترة قصيرة (منذ شهر مارس)، انتقلت مصر من أزمة العملة الأسوأ منذ عقود إلى واحدة من أكثر الأسواق الناشئة جذبا، وفق تعبير بلومبيرغ.
وبدأ هذا التحول السريع بعقد صفقة استثمار سياحي بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، وهو ما يمثل أكبر استثمار داخلي في تاريخ مصر.
هذا الاتفاق أدى إلى تدفق كبير للدولار، مما مهد الطريق لرفع قياسي في أسعار الفائدة وتوسيع برنامج القروض مع صندوق النقد الدولي.
أعقب ذلك رفع سعر الفائدة بواقع 6 نقاط مئوية، وهو ما ساهم أيضا في وقف نزوح رؤوس الأموال واستقرار الأسواق المالية.
يشار إلى أن بيانات "تريدويب" أظهرت أن سندات مصر السيادية المقومة بالعملة الأميركية ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في عامين، الخميس، وكانت السندات المستحقة في 2059 هي أكبر أدوات الدين ارتفاعا، إذ زادت 1.35 سنتا لتسجل 77.60 سنت للدولار بحلول الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش، وفق وكالة رويترز.
وكانت سندات مستحقة في آجال أقرب معروضة عند مستويات مرتفعة وصلت إلى 99.52 سنت.
واقتربت سندات مصر بالفعل، الثلاثاء، من أعلى مستوى لها والذي سجلته في عام 2022 أو بما يتجاوزه، وذلك بعد يوم من إعلان مجلس الوزراء المصري أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وجّه صندوق الاستثمارات العامة السعودي بضخ استثمارات حجمها خمسة مليارات دولار في مصر فيما وصفها بأنها "مرحلة أولى".
وتسعى مصر إلى جذب استثمارات ضخمة في إطار الجهود لتجاوز أزمة اقتصادية طويلة الأمد أدت إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية وزيادة أعباء الديون وانخفاض حاد في قيمة العملة على مدى العامين الماضيين.
وتلقى الاقتصاد المصري دفعة في وقت سابق من العام بعد توقيع اتفاقية مع الإمارات لتطوير جزء على ساحل البحر المتوسط في منطقة رأس الحكمة والحصول على مليارات الدولارات من مؤسسات مالية دولية.
وستطرح القاهرة خمس مناطق على ساحل البحر الأحمر لجذب استثمارات ضخمة، منها منطقة رأس بناس، وهي شبه جزيرة تمتد لمسافة 30 كلم على البحر الأحمر في جنوب شرق مصر وواحدة من الأجزاء القليلة من ساحل مصر التي لم تُطور للسياحة.