وافق مجلس النواب المصري، الثلاثاء، بشكل نهائي على مشروع القانون المقدم من الحكومة بنقل تبعية صندوق "مصر السيادي" للاستثمار والتنمية، لمجلس الوزراء بعد أن كان خاضعا لرئاسة الجمهورية، بما يضمن المتابعة الدورية على أعمال الصندوق وما يتم إنجازه من مهام، وفقا للاختصاصات المنوطة بالصندوق.
وأثار هذا القرار جدلا بسبب رفض الحكومة لإخضاع الصندوق لمراقبة البرلمان بناء على طلب عدد من النواب.
وفي ضوء المناقشات بالبرلمان، طالب عدد من النواب، ومنهم النائب أيمن أبو العلا، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، باقتراح لتفعيل رقابة مجلس النواب على موازنة الصندوق السيادي، أسوة بالموازنة العامة للدولة، وهو ما قوبل بالرفض من الحكومة، على لسان وزير الشؤون النيابية والقانونية، محمد فوزي، قائلا إن هذا "الأمر غير مقبول"، بدعوى أن "الصندوق له طبيعة خاصة ويتعامل بصفقات سرية ولا يشبه الصناديق الأخرى".
شبهات عدم شفافية
وقال الخبير الاقتصادي، محمد أبو بكر، لموقع "الحرة" إن "الصندوق السيادي التابع للدولة بشكل عام يهدف لاستثمار الفائض من الميزانية. والهدف منه حفظ الثروات للأجيال المستقبلية وحماية ميزانية الدولة من الأزمات".
وأضاف أن "أداء الصندوق عادة ما يقاس عن طريق حساب متوسط عائده السنوي، وكذلك عبر جودة تقاريره السنوية وشفافيته".
وتابع أن "قانون 177 لسنة 2018 أعطى للصندوق طبيعة خاصة، ومنحه شخصية اعتبارية واستقلالا ماليا، وعد أمواله من أموال الدولة الخاصة، وأفرد له نظاما خاصًّا لمراقبة ومراجعة حساباته دون التقيد بالنظم الحكومية المنصوص عليها في أي تشريع آخر، وجعل ذلك يتم من خلال مراقبي حسابات، أحدهما من الجهاز المركزي للمحاسبات، والآخر من المراقبين المقيدين لدى البنك المركزي المصري أو الهيئة العامة للرقابة المالية."
لكنه يرى أنه "ليس من الطبيعي أن ترفض الحكومة إخضاع الصندوق لمراقبة البرلمان، خاصة أن هذه هي الجهة التشريعية للبلاد والتي كانت منوطة في الأساس بإصدار قانون إنشائه ومن حقها إلغاء هذا القانون حيثما أرادت".
وأشار إلى أن "الوزير محمد فوزي قال إن تبعيته لمجلس الوزراء لا تقضي على استقلاليته، لأنها (تبعية سياسية)، وهذا أمر غير مفهوم، لأن أي تبعية قانونية تعني بالأساس صلاحية اتخاذ القرار الإداري".
و"تأسس صندوق مصر السيادي عام 2018كصندوق استثمار خاص (بموجب قانون رقم 177لعام 2018) لخلق شراكات مع المستثمرين المحليين والأجانب من القطاع الخاص من خلال تصميم منتجات استثمارية فريدة من نوعها عن طريق الاستغلال الأمثل للأصول المملوكة للدولة"، بحسب الموقع الرسمي للصندوق.
وفي فبراير 2022، أصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، فتوى قضائية، أكدت فيها عدم خضوع الصندوق السيادي لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، مشددة على أن القانون أخص وأفرد للصندوق والصناديق الفرعية المملوكة له نوع خاص واستثنائي من أسلوب الرقابة المالية والإدارية عليها؛ ما يجعلها بمنأى عن رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
وأعلن أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب ورئيس حزب العدل، النائب عبد المنعم إمام، رفضه نقل تبعية الصندوق لمجلس الوزراء، قائلا إنه "ينال من استقلاليته". وأضاف أنه "بنقل تبعية الصندوق إلى مجلس الوزراء، أصبح مثل العديد من الصناديق"، مؤكدا أن "رقابة البرلمان عليه غير كاملة".
وأشار النائب إلى أن رقابة مجلس النواب على صندوق مصر السيادي "محصورة فقط على القوائم المالية دون البرامج والخطط والتي لا يناقشها البرلمان".
وحذر عضو مجلس النواب من أن "الموافقة على تعديل قانون صندوق مصر السيادي ونقل تبعيته إلى رئيس مجلس الوزراء يتسبب في تشوه الصندوق".
وأشار الخبير الاقتصادي أبو بكر إلى أن "الصندوق المصري من أكبر 50 صندوقا في العالم بحجم أصول تقدر بحوالي 12 مليار دولار، ولذلك فإن هذا الحجم من أموال الدولة والشعب ليس من الطبيعي أن تتم معاملاتها في سرية بعيدا عن أعين ورقابة البرلمان مثلما يحدث في معظم دول العالم". وأكد أن "المشرع هو من يحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول فيما يتعلق بأموال وأصول الدولة".
وفي يوليو 2023، انضم صندوق "مصر السيادي" إلى قائمة أكبر 50 صندوقا سياديا عالميا، وفقاً لقائمة ترتيب صناديق الثروة السيادية على SWF institute.
واحتل "مصر السيادي" المرتبة 47 عالمياً في القائمة، والـ 12 عربياً بحجم أصول مدارة تبلغ 12 مليار دولار.
وكان ترتيب صندوق مصر السيادي السابق في المرتبة 77 عالمياً، إذ تأسس الصندوق وحصل على تحويلات بقيمة ملياري دولار.
ويرى أبو بكر أن "جوهر الأمر يتعلق بالتزام الحكومة بتعريف الملكية العامة ومعاييرها لأن هذا التعريف أو التحديد هو ركن دستوري ويشمل كيفية التعامل ومراقبة ومقاضاة كل ما يخص المال العام، خاصة أن الصندوق يضم تحته العديد من أصول الدولة."
وقال إن "حوار الوزير في البرلمان ومع الإعلامي، عمرو أديب، لاحقا كان مبني على أساس خبرة رئيس الوزراء والوزير المسئول عن الصندوق في إدارته التي لا غبار عليها، وبالتالي فلا داعي للمراقبة من وجهة نظر الحكومة، وهذا أمر شديد الخطورة على مبدأ الشفافية وتوازن السلطات، خاصة في الفترة الحالية والتي تسعى فيها الحكومة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتحقيق شروط صندوق النقد المتمثلة في التخارج من الاقتصاد وتشجيع السوق الحر".
وأضاف أنه "على سبيل المثال، فإن الصندوق السيادي النرويجي، وهو أحد أكبر الصناديق في العالم بمليارات الدولارات، يخضع لرقابة البرلمان مباشرة وأغلب معاملته متاحة لأي شخص في العالم من خلال موقع إلكتروني محدث"، مؤكدا أن "الشفافية شيء أساسي وليست رفاهية".
تغييرات وقرارات متضاربة
وشهد الصندوق تغييرات وقرارات متضاربة عدة خلال الفترة السابقة، أبرزها استقالة الرئيس التنفيذي السابق للصندوق، أيمن سليمان، من منصبه بعد أقل من خمس سنوات من تعيينه، في أغسطس الماضي، دون إعلان أسباب، ما أثار تساؤلات حول الأسباب والدوافع التي تقف وراء هذه الخطوة.
ونقلت وكالة رويترز، في أغسطس، عن 3 مصادر لم تسمها، أن سليمان استقال من منصبه بعد تقدم محدود في برنامج للخصخصة أُعلن عنه في بداية توليه المنصب.
وقال مصدر حكومي لذات الوكالة إن القيادة السياسية في البلاد تريد تقديم وجوه جديدة في مناصب رئيسية.
وأوردت صحيفة "اليوم السابع" المحلية، عن مصادر لم تسمها، أن سليمان تقدم باستقالته قبل التغيير الوزاري منذ شهر يونيو الماضي، وأن آخر يوم له كرئيس تنفيذي لصندوق مصر السيادي سيكون 30 أغسطس الماضي.
وعُين سليمان رئيسا تنفيذيا للصندوق في عام 2019 لفترة أولية مدتها ثلاث سنوات جرى تمديدها لاحقا، وقال لرويترز آنذاك إنه يهدف لإطلاق العنان "للقيمة وخلق الثروة" من خلال رؤية طموحة.
وكان حجر الزاوية في هذه الخطة، وفق رويترز، بيع حصص في مشروعات وشركات وبنوك مملوكة للدولة سواء لمستثمر خاص أو عن طريق الطرح في البورصة المصرية.
وبحسب "رويترز" وموقع "مدى مصر"، فإن سبب استقالة المدير التنفيذي للصندوق السيادي المصري يعود إلى "تعطيل جهات في الدولة طرح شركات تابعة للقوات المسلحة في البورصة، إلى جانب التدخل المستمر في عمله، وتحديد أولويات الصندوق التي ما زالت غير واضحة".
ووفقا لتقريرَي كل من "رويترز" و"مدى مصر"، واجه الصندوق السيادي المصري صعوبة في تنفيذ أعماله، وأهدر موارده في إعداد الميزانيات والمناقصات وجلب العروض. كما واجه سليمان، المدير التنفيذي المستقيل، صعوبات كبيرة في برنامج بيع الأصول، وحدث تراجع عن اتفاقيات في مشاريع معينة بعد الانتهاء من معظم خطوات تنفيذها، بالإضافة إلى الجدل حول تبعية الصندوق ومحاولة التحكم في إدارته الفنية.
وقال الخبير الاقتصادي، أكرم الحديدي، لموقع "الحرة" إن "الصندوق لم ينجح في جذب الاستثمارات الخارجية من القطاع الخاص، أو تطوير شركات الدولة وتعظيم أصولها، وبدلاً من أن ينجح في عملية تخفيف سيطرة الجيش على بعض الشركات، استحوذ الصندوق على حصص في القطاع الخاص، مثل امتلاك 20 في المئة من صيدليات كير و49 في المئة من صيدليات العزبي، وهو ما يتعارض مع الغرض الأساسي من الصندوق".
وأضاف أن "إدارة الصندوق السيادي المصري أنفقت الكثير من الأموال لتقييم شركات تابعة لجهاز الخدمة الوطنية (القوات المسلحة) وتوفير عروض شراء واستثمار، وفي النهاية لم يتحقق شيء، وهو ما يدفع الى التساؤل حول طبيعة القرارات التي تُتخذ وطبيعة إدارة الاقتصاد المصري".
وتابع أنه "إذا كان الهدف هو الاستثمار الحقيقي، فيجب الحفاظ على الشركات المربحة والاستراتيجية مثل شركات الأسمدة التي تعد من بين الأكثر ربحية في مصر، بدلاً من بيعها، فيما يسعى القائمون على الدولة إلى تطوير الاقتصاد من خلال بناء مجمعات سكنية وبيع الأراضي والعقارات وشرائها، وهو ما لا يؤدي في النهاية إلى قيمة مضافة أو تطوير حقيقي للاقتصاد".
وتحدث الخبير الاقتصادي عن عثرات سابقة للصندوق، قائلا إن "الصندوق السيادي المصري وقّع اتفاقية تعاون مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، في فبراير 2020، في خضم الأزمة الاقتصادية الأخيرة، لبيع بعض الأصول. لكن حتى الآن، لم تظهر تأكيدات أو قرارات بالبيع باستثناء شركتين فقط، هما (صافي)، وهي شركة تعبئة مياه، و(وطنية)، وهي شركة توزيع مواد بترولية. ورغم أن الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، كان يتحدث عن بيع هذه الشركات منذ عام 2016، إلا أن ذلك لم يحدث حتى اليوم".
وأشار إلى أن "الصندوق السيادي المصري حصل على عروض خليجية عدة، مثل السعودية والإمارات، لكن هذه العروض غالباً ما تختفي بعد الإعلان عنها. وآخرها كان في أبريل 2023، وكان من المتوقع أن تُطرح بعض الشركات لمستثمر استراتيجي ثم عرضها في البورصة، لكن اختفت أخبارها".
وقال الحديدي إن "ما يحدث هو أنه في كل مرة يحاول الصندوق السيادي تقييم الشركات، يحصل تدخل عسكري يوقف جميع إجراءات البيع، وهو ما ينطبق على 90 شركة كبيرة تابعة للمؤسسات الأمنية، فيما يعاني القطاع الخاص من منافسة الشركات التابعة للمؤسسات الأمنية، وليس من شركات الحكومة المدنية التي تُباع أو تُغلق غالباً".
وأضاف أن "كل هذا التخبط الذي يعاني منه الصندوق، بالإضافة إلى عدم شفافية عمله وتقاريره، أثرت سلباً على ثقة المستثمرين الأجانب والمؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري، ما دفع رئاسة الجمهورية لنقل تبعيته إلى رئاسة الوزراء، لتنفي عن نفسها أي تهم تتعلق بالفساد أو عدم الشفافية، لكن يبق الوضع كما هو عليه بدون رقابة واضحة من البرلمان".
ودفاعا عن الوضع الحالي للصندوق، اتفق رئيس لجنة الخطة والموازنة، فخري الفقي، مع ما قاله الوزير محمود فوزي، بشأن أن تبعية الصندوق لمجلس الوزراء سياسية غير مقيدة لاستقلال الصندوق في تحقيق مهامه، بحسب صحيفة "اليوم السابع".
وقال رئيس لجنة النقل بمجلس النواب، النائب علاء عابد، إن مشروع تعديل قانون صندوق مصر السيادي، خطوة جادة لمزيد من التيسيرات والتسهيلات، وفى إطار الجهود المبذولة من قبل الحكومة وامتثالا لتوجيهات القيادة السياسية لتعزيز الاستثمارات وزيادة مشاركة القطاع الخاص.
وأضاف "أنا مع أي تعديل يهدف لأن يجعل رأس مال الصندوق من 200 مليار جنيه، إلى 200 مليار دولار، نتحدث اليوم عن مزيد من التيسيرات والاستثمارات المطلوبة خلال الفترة المقبلة، هناك تحديات واليوم التعديل يعنى مزيد من المرونة والتيسيرات والتسهيلات ".
وأكد رئيس لجنة النقل بمجلس النواب أن "التعديلات تستهدف القضاء على البيروقراطية والعقبات التي كانت تواجه عمل الصندوق وذلك من خلال نقل التبعية لمجلس الوزراء خطوة جادة نحو الطريق الصحيح لعمل الصندوق وفقا لفلسفة الإنشاء".