الجنيه المصري واجه تقلبات كبيرة في أسعار الصرف. أرشيفية -تعبيرية
ارتفاع في نسبة التضخم شهدته مصر في الفترة الماضية

في ظل توترات خطيرات وصراعات متعددة الأطراف، تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ نحو عام، أعلنت مصر على لسان رئيس حكومتها، مصطفى مدبولي، أن القاهرة قد تلجأ إلى "اقتصاد الحرب"، مما يثير التساؤلات حول التحديات التي تواجه البلاد، وسبل مواجهتها.

وكان مدبولي قد أوضح خلال مؤتمر صحفي، الأربعاء، أن "الحكومة تواجه تحديات غير مسبوقة، وتتعامل مع اضطرابات الوضع الدولي والإقليمي بحزمة من القرارات، ولو دخلت المنطقة في حرب إقليمية سنكون في وضع شديد، وربما ندخل في وضع اقتصاد الحرب".

ما هو اقتصاد الحرب؟

ويرى أستاذ الاقتصاد السياسي، الخبير المصري، عبد النبي عبد المطلب، في حديثه إلى موقع الحرة، أن ما يسمى "اقتصاد الحرب" كان قد انتهى مع نهاية الحرب الفيتنامية -الأميركية في منتصف سبعينيات القرن الماضي.

على هامش مؤتمر الاستثمار المصري-الأوروبي المشترك
اتفاقيات الأمونيا الخضراء.. هل تنقذ الاقتصاد المصري؟
أعلن مجلس الوزراء المصري، الأحد، توقيع الصندوق السيادي 4 اتفاقيات في مجال الأمونيا الخضراء مع عدد من المطورين الأوروبيين، بتكلفة استثمارية تصل إلى نحو 33 مليار دولار، ما يثير التساؤلات بشأن تلك الاتفاقيات وما إن كانت ستعيد التوازن للاقتصاد المصري الذي لا تزال مشكلاته تراوح مكانها رغم الصفقات الاقتصادية الأخيرة وعلى رأسها اتفاقية "رأس الحكمة". 

وأوضح عبد المطلب أن " ذلك المصطلح يعني سيطرة الدولة على كافة أنواع الأنشطة الاقتصادية، حيث تبدأ بتوزيع المواد الغذائية من خلال كوبونات (قسائم)، وذلك طبقا لخطة تضعها الحكومة".

ونبه إلى أنه يجري أيضا "الإشراف على كافة المصانع والمصارف والاستثمارات كما حركة الأموال الداخلية والخارجية لا تتم إلا بإذن رسمي".

ولفت الخبير المصري إلى أن حركة الاستيراد والتصدير تتم أيضا ضمن هذا الإذن الرسمي الصادر عن الدولة وبإشرافها.

وكان مدبولي قد لفت إلى أنه من الضروري أنَّ تهتم الدولة بكيفية الحرص على استمرار واستقرار واستدامة توفير السلع والخدمات والبنية الأساسية للمواطن المصري في ظل الظروف الراهنة.

وأكد أن الحكومة المصرية تعمل على التعامل مع هذا الوضع من خلال حزمة من الاجراءات والسياسات، والتي تمثل في جزء منها ردة فعل للتعامل مع الأحداث الحالية، لافتا إلى أن الدولة المصرية تعمل كذلك على وضع مجموعة من السيناريوهات التي يتم تغييرها باستمرار نتيجة للتطورات والمستجدات الراهنة.

من جهته، لفت الخبير الاقتصادي الأردني، عامر الشوبكي، في حديث لموقع الحرة، إلى أن "الكثير من دول المنطقة باتت بحاجة إلى (اقتصاد الحرب)، خاصة في ضوء التطورات الميدانية الأخيرة والمخاطر المتصاعدة".

وشدد على " أن اقتصاد الحرب يشمل في البداية، رفع النفقات في قطاع الدفاع والتسليح، وبالتالي سوف يكون جزء كبير من تلك الأموال مخصص موجهة نحو النفقات العسكرية والواقع الأمني الدولي".

وتابع: "وسوف يتبع ذلك ترشيد النفقات في القطاعات الأخرى، بالإضافة إلى توجيه جزء من الميزانية نحو القطاعات الأمنية الداخلية مثل تجهيز الملاجئ والاستعداد لأي مواجهة عسكرية".

ورأى الشوبكي أن الدولة يجب "أن تراعي في اقتصاد الحرب توفير الحاجات الغذائية والصحية الأساسية للشعب خلال فترة اعتماده".

"مفهوم كارثي"

وفي محاولة منه لطمأنه الرأي العام، أكد المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، أن الحكومة لديها خطة قوية لمواجهة أي تداعيات سلبية في حالة تصاعد أحداث الصراع في المنطقة، إذ يتم العمل على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين من خلال مخزون احتياطي استراتيجي قوي.

وأضاف في تصريحات لقناة "صدى البلد" المحلية أن مفهوم اقتصاد الحرب الذي تحدث عنه مدبولي، يقصد منه أن "تكون هناك إجراءات استثنائية يتم اتخاذها في حالة نقص سلاسل الإمداد عند وقوع حدوث حرب إقليمية بالمنطقة، كما حدث عند التعامل مع نقص السلع الغذائية أثناء جائحة كورونا الأخيرة، على حد قوله.

وشدد الحمصاني في حديثه على أنه يتم العمل بشكل مستمر على توفير الموارد اللازمة لتوليد الطاقة، كما أنه تم وضع خطة طوارئ للتعامل مع أي أزمة في المنطقة.

وأردف: "لدينا خطة للتعامل مع كافة الأمور، ونعمل على مواجهة أسوأ السيناريوهات في حالة حدوث مشاكل كبيرة في العالم والمنطقة".

ولكن الخبير المصري، عبد النبي عبد المطلب، اعتبر أن تصريحات مدبولي الأخيرة تعد "كارثية بكل معنى الكلمة على خطط البلاد الاستثمارية".

وشرح قائلا: "عندما نقول إننا قد نتحول إلى اقتصاد حرب فذلك يعني أن الدولة قد تضع يدها على كل الاستثمارات والمشاريع التجارية والاقتصادية، وإن كان ليس بغرض تأميمها، ولكن الإشراف على إدارتها".

وأضاف: "ولا أعتقد أن أي مستثمر محلي أو أجنبي يمكن أن يقبل بذلك النوع من المعاملة، لأنه معلوم أن تدخل الدولة أو إشرافها على مجريات الأمور سوف يؤثر على كفاءة تلك الاستثمارات سواء كانت صناعية أو تجارية أو زراعية".

وضرب مثلا: "تخيل أن يتم بشكل مفاجئ تعيين أشخاص من الدولة للإشراف على كفاءات مميزة تدير مصنعا أو مشروعا زراعيا أو تجاري، فعندها ذلك الفريق المميز لن يكون قادرا على أداء واجباته بشكل جيد".

وأشار إلى أن وجود تهديدات مباشرة لا يعني اللجوء إلى ذلك السيناريو، مردفا: "أظن رئيس الوزراء قد خان تعبيره بشكل كبير جدا في المؤتمر الصحفي".

ولفت إلى أن مرد ذلك قد يكون مرده إلى أن المراجعات مع صندوق النقد الدولي كان من المفترض أن تتم في شهر سبتمبر الماضي، ولكن جرى تأجيلها إلى شهر نوفمبر القادم، وواضح أن هناك مفاوضات لتأجليها مرة أخرى إلى يناير".

وكان مدبولي قد أعلن، الأربعاء، إن صندوق النقد الدولي طلب تأجيل مراجعته للشريحة الجديدة من القرض البالغ قيمته 8 مليارات دولار لما بعد اجتماعاته السنوية.

وكان من المرتقب إتمام المراجعة الرابعة للقرض في نوفمبر المقبل، بحسب ما أعلنت جولي كوزاك، المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، قبل أيام.

ووقعت مصر في مارس الماضي حزمة دعم مالي قيمتها 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي للمساعدة في السيطرة على سياسة نقدية تغذي التضخم، لكنها تستلزم زيادة في أسعار عدد كبير من المنتجات المحلية.

ورفعت الحكومة أسعار عدد من السلع المدعومة للتصدي لعجز الموازنة الذي بلغ 505 مليارات جنيه مصري (10.3 مليار دولار) في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو الفائت، كما خفضت قيمة الجنيه بشدّة قبل شهور.

وسبق أن حصلت مصر من صندوق النقد الدولي بعد المراجعة الثالثة في نهاية يونيو على شريحة قيمتها 820 مليون دولار.

"ارتفاعات لا مثيل لها"

وأكد عبد المطلب  أن مصر وحتى تتمكن من استكمال المراجعات مع صندوق النقد الدولي فهي بحاجة إلى مجموعة من الإجراءات والتي يخشى أن يكون لها تبعات سياسية واجتماعية خطيرة، على حد قوله.

وزاد: "نحن الآن نتحدث عن أسعار ارتفعت بشكل لم يسبق له مثيل، فالمواطن المصري بات في كثير من الأحيان عاجزا عن الإيفاء بمتطلبات المعيشة اليومية الأساسية".

 واعتبر أن "التضخم بدأ يعود من جديد، وذلك بعد أن كانت هناك توقعات تشير إلى تراجعه بنسبة 24 بالمئة خلال سبتمبر الماضي مقارنة بأغسطس، اتضح أن هناك زيادة بنسبة 200 نقطة أساس أي ما يعادل 26 بالمئة".

ووصل عبد المطلب إلى "أن اضطرار الحكومة إلى اتخاذ إجراءات في المستقبل قد تكون لها آثار وتداعيات سلبية على المواطن المصري، ربما تكون دفعت بدولة رئيس الوزراء إلى الحديث عن (اقتصاد الحرب)".

وختم بالقول: "أن ذلك التصريح كان موجها إلى الداخل، ولكن مدبولي لم يأخذ بالحسبان أن العالم كله كان يتابعه، وبالتالي فإن تأثير مثل ذلك الكلام سوف يكون سلبيا على الاقتصاد أكثر من الحرب نفسها".

من جانبه، رأى الشوبكي أن "مصر تواجه الكثير من الأخطار، مثل محور فيلادلفيا ومعبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، بالإضافة إلى خلافها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، ناهيك عن المخاطر الناجمة عن الحرب في السودان وغيرها وبالتالي فإن هذا يعطي أولوية للإنفاق العسكري".

وتابع: "ومع تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 بالمئة، حسب الأرقام الرسمية، وهبوط سعر الجنيه بعد التعويم الأخير، واستمرار ارتفاع التضخم، فإن كل ذلك سوف يؤثر على الأوضاع المادية للمواطن العادي".

وأكد الشوبكي "مع كل تلك العوامل مجتمعة، فأعتقد أن مصر تسير باتجاه إعلان حالة (اقتصاد الحرب)".

مصر والصين

لم يكن الدخان الذي خلفته المقاتلات الصينية في سماء الأهرامات مجرد خلفية لمناورة مشتركة بين مصر والصين. كان رسالة، بل إعلانا جيوسياسيا بأن بكين لم تعد تكتفي بمراقبة الشرق الأوسط عن بعد. 

هذه المرة، جاءت بمقاتلاتها (J-10) ووضعتها في سماء حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما.

لمناورة "نسر الحضارة 2025" بعد رمزي أيضا.

نحن نتحدث عن أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري. لفترة قصيرة؟ نعم. لكن الدلالة ضخمة. إنها إشارة إلى شيء ما في طور التشكل، إلى فراغ تُحاول الصين أن تملأه حيث يتراجع الحضور الأميركي.

تغيير في قواعد اللعبة

"هذه المناورات تحمل أبعادا تتجاوز التدريب. إنها تغيير في قواعد اللعبة"، يقول إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، لموقع الحرة.

تشير هذه التدريبات النوعية، من ناحية أخرى، إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري الصيني المصري. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاها واضحا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية، يضيف بيرمان.

"ورغم أن مصر ما زالت ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، فهي ترسل إشارات واضحة: لن نعتمد على مصدر واحد. التنوع في التسليح، وتبادل الخبرات، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية".

هذا ليس حيادا. هذه موازنة جديدة للقوة.

يشير بيرمان إلى أن "إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر". ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تتجاوز مجرد البحث عن بدائل للتسليح؛ فهي تُمثل نافذة استراتيجية بالنسبة لمصر للانفتاح على أحدث التقنيات العسكرية الصينية، وذلك في سياق جهودها المستمرة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في محيطها الإقليمي المضطرب.

فوق الأهرامات... تحت الرادار

بدا مشهد الطائرات الصينية فوق الأهرامات وكأنه من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية. لكن خلف الصورة الرمزية، هناك رسائل أمنية كثيرة. 

تقارير إسرائيلية لفتت إلى معلومات بأن بكين تجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء التدريبات، التي قد تكون أيضا اختبارا لقدرة الصين على القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن حدودها.

أين واشنطن من هذا كله؟

حين تبتعد أميركا عن الشرق الأوسط خطوة، ثمة دائما من يتحرك ليملأ الفراغ. والسؤال هو: هل تتهيأ بكين لتكون البديل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة؟

وهل تقف القاهرة على مفترق طرق فعلا، أم أنها تلوّح بورقة بكين لتحسين شروط علاقتها بواشنطن؟

تحولات في طور التشكل تُلزم واشنطن بإعادة قراءة المشهد، وإعادة ضبط إيقاع حضورها في منطقة لم تعد تتحمّل الغياب الأميركي.

التعاون الثنائي

على الصعيد الثنائي، تشير هذه التدريبات النوعية إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري بين الصين ومصر. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاهًا واضحًا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية.

يرى بيرمان في هذا السياق أن "الحكومة الصينية تسعى بوضوح إلى سد الفجوات في المناطق التي يتراجع فيها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها، وتحاول استغلال هذه العلاقات لصالحها ولإضعاف الغرب". 

ويضيف: "هذا التدريب المشترك يحمل أهمية كبيرة من الناحية الجيوسياسية".

يُعد اختيار القاهرة شريكًا استراتيجيًا لإجراء هذه المناورات المتقدمة دليلاً على اعتراف الصين المتزايد بالدور الحيوي الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يعكس هذا الخيار سعي بكين الحثيث لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية عبر تأسيس تعاون عسكري متين مع قوة إقليمية مركزية كالقاهرة، وفقا لإيلان.

تنوع مصادر التسليح

تحصل مصر على مساعدات عسكرية بنحو 1.3 مليار دولار سنويا، وهي ثاني أكبر متلق للدعم العسكري الأميركي بعد إسرائيل. لكن على الرغم من ارتباطات مصر العسكرية التقليدية، تعتبر القاهرة شراكتها المتنامية مع الصين فرصة استراتيجية لتنويع مصادر التدريب والتسليح.

"إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر"، يقول بيران.

تحولات استراتيجية قيد التشكل

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، تُثير هذه المناورات تساؤلات حول أهداف التعاون المصري الصيني، خاصة في ظل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين واشنطن وبكين على النفوذ.

من زاوية أخرى، تشير المناورات أن الصين تحاول اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بعيدة عن قواعدها الرئيسية، وتقييم درجة التوافق التشغيلي بين أنظمتها العسكرية وأنظمة دول أخرى ذات خصائص مختلفة.

ويذهب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "المناورات الجوية الصينية المصرية "نسر الحضارة 2025" تتجاوز الإطار التقني للتدريبات العسكرية لتُمثل مؤشرا جيوسياسيا بالغ الأهمية". 

وتحمل المناورات في طياتها رسائل إقليمية ودولية متعددة الأبعاد، خصوصاً بعد إعادة الولايات المتحدة صياغة سياستها الخارجية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، مما يخلق كثيرا من الفراغ السياسي.