رسائل على عدة جبهات من تفتيش الحرب في مصر. أرشيفية
رسائل على عدة جبهات من تفتيش الحرب في مصر. أرشيفية | Source: @Egy.Pres.Spokesman

مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، أجرى الجيش المصري "اصطفاف تفتيش حرب" للفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثاني الميداني، الثلاثاء، والتي حضرها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي.

ووفق تقرير نشرته الهيئة العامة للاستعلامات يعد الجيش الثاني "من أقدم التشكيلات التعبوية في مصر، وكلف منذ نشأته في 1967 بحماية الشمال الشرقي للبلاد".

وإضافة إلى دوره في الحروب التي خاضتها مصر، لعب الجيش الثاني دورا هاما في "تأمين الأهداف الحيوية.. ودوره في محاربة الإرهاب في سيناء".

ويؤكد محللون سياسيون مصريون تحدثوا لموقع "الحرة" أن تفتيش الحرب في هذا الوقت، له العديد من الدلالات، ويضم العديد من الرسائل الموجهة لعدة دول في الإقليم.

ما هو تفتيش الحرب؟

السيسي يحضر تفتيش الحرب للفرقة السادسة. أرشيفية

تفتيش الحرب "نوع من الاختبارات والتدريبات الدورية التي تجرى لوحدات القوات المصرية، على مستوى الجيوش الميدانية أو المناطق العسكرية" بحسب ما كشف الباحث في الشؤون الدولية، أحمد سلطان.

وأوضح في حديث لموقع "الحرة" أن هذا التفتيش تسبقه تدريبات على مستوى الوحدات التكتيكية، واختبارات لتقييم الكفاءة القتالية لكل منها.

وتابع سلطان أن الفرقة أو المنطقة العسكرية التي تخضع لتفتيش الحرب، يكون لديها فرصة لاستكمال أي نواقص في الإمدادات أو التجهيزات على جميع المستويات والجوانب المختلفة.

وأشار إلى أن هذا التفتيش ينتج عنه تقرير تفصيلي، وإذا وجد أي نقص أو ضعف لدى أي من الوحدات، يتم اتخاذ إجراءات تجاه قادة هذه الوحدات العسكرية، إذ يتم إصلاح أي خلل لضمان جاهزيتها للمهام العملياتية التي قد تكلف بها.

المحلل السياسي المصري، هاني سليمان، يشرح بدوره أن تفتيش الحرب رغم ما يتضمنه من استعدادات عسكرية قد تكون دورية واعتيادية في بعض الأحيان، إلا أنه يكشف جانبا هاما يرتبط بـ "الروح القتالية والجاهزية".

وأضاف في رد على استفسارات "الحرة" أن الأهمية لهذا التفتيش هذه المرة أنه يأتي في "ذكرى عام على الحرب في غزة"، والتي "ترتبط بتداعيات جيوسياسية لها تأثير على الأمن الإقليمي لمصر"، ناهيك عما يحدث في بعض دول الجوار مثل السودان، أو الترتيبات العسكرية مع دول في القرن الأفريقي.

والخميس، تعهد رؤساء مصر وإريتريا والصومال العمل معا للحفاظ على الأمن الإقليمي خلال قمة ثلاثية غير مسبوقة جمعتهم على خلفية التوترات المتزايدة في منطقة القرن الأفريقي.

وتصاعدت المخاوف بشأن الاستقرار في المنطقة المضطربة بسبب الحرب في السودان واتفاقية مثيرة للجدل بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال الانفصالية والوضع في البحر الأحمر حيث يشن الحوثيون في اليمن هجمات على السفن التجارية.

وتوترت العلاقات بشكل كبير بين إثيوبيا وجارتها الصومال التي أغضبها اتفاق أرض الصومال البحري، ومذاك بدأت الأخيرة تتقرب من القاهرة، المنافس الإقليمي لأديس أبابا.

وينص الاتفاق على تأجير 20 كلم من ساحل أرض الصومال لإثيوبيا غير الساحلية لمدة 50 عاما.

رسائل "تفتيش الحرب"

مصر تؤكد جاهزية جيشها للدفاع عن حدودها . أرشيفية

ويرى الباحث سلطان، أنه لا يمكن قراءة اختيار الفرقة السادسة التي تضطلع بمهام على الحماية في المناطق الشمالية الشرقية لإجراء تفتيش الحرب عليها، بعيدا عما يحصل في على الحدود مع غزة أو السودان.

وقال إن "صانع القرار المصري أراد إيصال رسائل لإسرائيل، أن الجيش المصري لا يمكنه الصبر على خرق اتفاقيات السلام، أو أي تغيير تريد إسرائيل إحداثه في المنطقة"، ناهيك عن رسالة مهمة بأن "القاهرة ترفض أي مخططات إسرائيلية لتهجير فلسطينيين من غزة إلى سيناء".

ولفت أن الرسائل التي تضمنتها الكلمات من المسؤولين خلال الاستعراض ضمت "أن مصر لا تريد الإضرار بحالة الاستقرار الإقليمي، ولا تريد خرق اتفاقيات السلام، ولا توجه هذه القوات لتكون قوة معتدية، ولكنها جاهزة لحماية الحدود المصرية بكفاءة وجاهزية عالية، أكان على صعيد التسليح أو التجهيز القتالي للأفراد".

وذكر سلطان أن إسرائيل بتواجد قواتها في محور فيلادلفيا أعطت مبررا لزيادة الوحدات المصرية والتجهيزات العسكرية في شمال سيناء.

كما يرسل رسائل إلى السودان بأن مصر لا تريد سوى السلام على حدودها، وهي لا تتدخل في أي دول مجاورة، بحسب سلطان.

وقال الرئيس المصري، السيسي في كلمة خلال تفتيش الحرب "إن السلام خيار استراتيجي للدولة المصرية، وليس لدينا في مصر وقواتها المسلحة ومؤسسات الدولة أي أجندة خفية".

وأضاف "الحرب هي الاستثناء، والسلام والبناء والتنمية هي الأساس، وكان ما يحدث في المنطقة اختبار حقيقي لهذه الاستراتيجية".

المحلل السياسي، سليمان، قال إن تفتيش الحرب لديه عدة رسائل داخلية وخارجية "إذ هناك تطمينات للشعب المصري بجهوزية القوات المسلحة في التوقيت الحرج الذي تعيشه المنطقة".

أما الرسائل الخارجية فهي تتضمن " تأكيدات من مصر إلى إسرائيل، بجهوزية عسكرية وفنية، تتسق مع روح معنوية للمقاتلين المصريين، وتأكيد من القاهرة للسودان وإثيوبيا بأن الجيش المصري جاهز للتحرك والدفاع عن مصالحه".

ويلخص سليمان الرسائل بأنها "متنوعة ومرسلة لعدة جهات على عدة جبهات، الغرض الأساسي منها تحقيق نوع من حزام الردع لمصر في مواجهة أطماع أو خطط أو حسابات بعض الدول" في المنطقة.

ولفت السيسي في كلمته إلى أن سياسة البلاد الخارجية "تتسم بالتوازن والاعتدال الشديد والحرص على عدم إذكاء الصراعات، مبينا أن القوات المسلحة تعد جزءا من الشعب المصري".

الأسلحة والمعدات التي عرضت في تفتيش الحرب

استعرض تفتيش الحرب العديد من الأسلحة الهامة التي تمتلكها القوات المسلحة المصرية . أرشيفية

وتمتلك الفرقة السادسة العديد من الأسلحة وفي مقدمتها الدبابة "أم 1 إيه 1" والمركبة البرمائية "أم 113" ومدفع "هاودزر 155 ملي ذاتي الحركة" وصواريخ الدفاع الجوي المتطورة.

وعرضت خلال فعالية التفتيش الحربي الصواريخ البحرية "هاربون" و"أوتومات"، القادرة على الإطلاق من الفرقاطات والغواصات، ومركبة تحييد الألغام من طراز "إس إل كيو 48" المتطورة في تحييد الألغام البحرية بأنواعها، بالإضافة إلى الطوربيدات البحرية من طراز "مارك 46" و"ستنغراي"، المستخدمة لتدمير سفن السطح والغواصات المعادية.

كما ظهرت أيضا المركبة الغاطسة الهجومية "أس دي في" طراز "دولفين"، التي تستخدم لنقل وحدات الضفادع البشرية، واللانش القتالي "يو إس إم أي"، الذي يستخدم في نقل وإنزال وحدات الصاعقة البحرية.

الولايات المتحدة حلت في المرتبة الأولى لامتلاكها أكبر عدد من الطائرات العسكرية
بلد عربي ضمن العشرة الأوائل.. أقوى دول العالم في سلاح الجو
وضع التصنيف السنوي الذي يصدره موقع "غلوبال فاير باور" المختص في الشؤون العسكرية و اللوجستية، دولة عربية في المراكز العشر الأولى لأكبر الأساطيل الجوية العسكرية حول العالم، فيما احتلت الولايات المتحدة الصدارة كالعادة.

كما ظهر اللانش القتالي "رافال 1200"، الذي يمتاز بقدرته على إنزال مقاتلي القوات الخاصة البحرية إلى الشواطئ غير المجهزة، وهو لانش قتالي متعدد المهام.

وفي مجال الدفاع الجوي، عرضت منظومة "صقر" الألمانية، التي ضُمّت حديثا لقوات الدفاع الجوي والتي يمكنها اكتشاف الأهداف على كافة الارتفاعات حتى 1500 هدف وتتبع 400 هدف، كما يمكنها التعامل مع الأهداف الجوية.

وتم استعراض قاذف "تور إم"، وهو نظام صاروخي مضاد للطائرات ذاتي الحركة، وقاذف "بوك" الذي صمم للتعامل مع جميع الأهداف الجوية على الارتفاعات المتوسطة والمنخفضة.

وعُرض عدد من القاذفات الصاروخية مثل: "قاذف بوك" متوسط المدى، و"قاذف البتشورا المدور" ذاتي الحركة.

مصر والصين

لم يكن الدخان الذي خلفته المقاتلات الصينية في سماء الأهرامات مجرد خلفية لمناورة مشتركة بين مصر والصين. كان رسالة، بل إعلانا جيوسياسيا بأن بكين لم تعد تكتفي بمراقبة الشرق الأوسط عن بعد. 

هذه المرة، جاءت بمقاتلاتها (J-10) ووضعتها في سماء حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما.

لمناورة "نسر الحضارة 2025" بعد رمزي أيضا.

نحن نتحدث عن أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري. لفترة قصيرة؟ نعم. لكن الدلالة ضخمة. إنها إشارة إلى شيء ما في طور التشكل، إلى فراغ تُحاول الصين أن تملأه حيث يتراجع الحضور الأميركي.

تغيير في قواعد اللعبة

"هذه المناورات تحمل أبعادا تتجاوز التدريب. إنها تغيير في قواعد اللعبة"، يقول إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، لموقع الحرة.

تشير هذه التدريبات النوعية، من ناحية أخرى، إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري الصيني المصري. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاها واضحا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية، يضيف بيرمان.

"ورغم أن مصر ما زالت ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، فهي ترسل إشارات واضحة: لن نعتمد على مصدر واحد. التنوع في التسليح، وتبادل الخبرات، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية".

هذا ليس حيادا. هذه موازنة جديدة للقوة.

يشير بيرمان إلى أن "إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر". ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تتجاوز مجرد البحث عن بدائل للتسليح؛ فهي تُمثل نافذة استراتيجية بالنسبة لمصر للانفتاح على أحدث التقنيات العسكرية الصينية، وذلك في سياق جهودها المستمرة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في محيطها الإقليمي المضطرب.

فوق الأهرامات... تحت الرادار

بدا مشهد الطائرات الصينية فوق الأهرامات وكأنه من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية. لكن خلف الصورة الرمزية، هناك رسائل أمنية كثيرة. 

تقارير إسرائيلية لفتت إلى معلومات بأن بكين تجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء التدريبات، التي قد تكون أيضا اختبارا لقدرة الصين على القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن حدودها.

أين واشنطن من هذا كله؟

حين تبتعد أميركا عن الشرق الأوسط خطوة، ثمة دائما من يتحرك ليملأ الفراغ. والسؤال هو: هل تتهيأ بكين لتكون البديل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة؟

وهل تقف القاهرة على مفترق طرق فعلا، أم أنها تلوّح بورقة بكين لتحسين شروط علاقتها بواشنطن؟

تحولات في طور التشكل تُلزم واشنطن بإعادة قراءة المشهد، وإعادة ضبط إيقاع حضورها في منطقة لم تعد تتحمّل الغياب الأميركي.

التعاون الثنائي

على الصعيد الثنائي، تشير هذه التدريبات النوعية إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري بين الصين ومصر. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاهًا واضحًا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية.

يرى بيرمان في هذا السياق أن "الحكومة الصينية تسعى بوضوح إلى سد الفجوات في المناطق التي يتراجع فيها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها، وتحاول استغلال هذه العلاقات لصالحها ولإضعاف الغرب". 

ويضيف: "هذا التدريب المشترك يحمل أهمية كبيرة من الناحية الجيوسياسية".

يُعد اختيار القاهرة شريكًا استراتيجيًا لإجراء هذه المناورات المتقدمة دليلاً على اعتراف الصين المتزايد بالدور الحيوي الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يعكس هذا الخيار سعي بكين الحثيث لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية عبر تأسيس تعاون عسكري متين مع قوة إقليمية مركزية كالقاهرة، وفقا لإيلان.

تنوع مصادر التسليح

تحصل مصر على مساعدات عسكرية بنحو 1.3 مليار دولار سنويا، وهي ثاني أكبر متلق للدعم العسكري الأميركي بعد إسرائيل. لكن على الرغم من ارتباطات مصر العسكرية التقليدية، تعتبر القاهرة شراكتها المتنامية مع الصين فرصة استراتيجية لتنويع مصادر التدريب والتسليح.

"إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر"، يقول بيران.

تحولات استراتيجية قيد التشكل

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، تُثير هذه المناورات تساؤلات حول أهداف التعاون المصري الصيني، خاصة في ظل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين واشنطن وبكين على النفوذ.

من زاوية أخرى، تشير المناورات أن الصين تحاول اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بعيدة عن قواعدها الرئيسية، وتقييم درجة التوافق التشغيلي بين أنظمتها العسكرية وأنظمة دول أخرى ذات خصائص مختلفة.

ويذهب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "المناورات الجوية الصينية المصرية "نسر الحضارة 2025" تتجاوز الإطار التقني للتدريبات العسكرية لتُمثل مؤشرا جيوسياسيا بالغ الأهمية". 

وتحمل المناورات في طياتها رسائل إقليمية ودولية متعددة الأبعاد، خصوصاً بعد إعادة الولايات المتحدة صياغة سياستها الخارجية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، مما يخلق كثيرا من الفراغ السياسي.