أعضاء جدد من إدارة شرطة ولاية القضارف في السودان يحضرون حفل تخرج في مدينة القضارف في شرق البلاد التي مزقتها الحرب
العلاقة متدهورة بين القاهرة وقوات الدعم السريع السودانية

"لو صدّرت فنجان صمغ عربي، أو فولاً سودانياً، أو حيواناً لمصر، فستعاقب بأشد العقوبات"، بهذه الكلمات حذّر الملك أبو شوتال القيادي في قوات الدعم السريع، بكلمة متلفزة، التجّار في المناطق الخاضعة لسيطرته من تصدير أي منتجات لمصر.

مثّل هذا القرار تصعيدا جديدا في العلاقة المتدهورة بين القاهرة وقوات الدعم السريع السودانية مؤخرًا بعدما اتّهم قائدها محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، مصر بالتدخل المباشر في الحرب عبر تزويد الجيش السوداني بـ"السلاح والطائرات المسيّرة" ثم وصل الأمر إلى قصف طائراتها الحربية عدة معسكرات لقواته، على حدِّ قوله.

من ناحيتها نفت مصر هذه الاتهامات بشكلٍ قاطع معتبرة أن دورها في حل هذه الأزمة يقتصر على "وقف الحرب وحماية المدنيين وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط  الإغاثة".

كيف تنظر مصر للأزمة السودانية؟ وهل من مصلحتها الانتصار لطرفٍ دون الآخر؟ وهل سيؤدي تدخلها لإنهاء هذه الحرب أم سيدفع للمزيد من التصعيد؟

مصر لا تدعم إلا المؤسسات الرسمية

قالت آيات عبدالعزيز المتخصصة في الشؤون الأفريقية إنه حتى وقتٍ قريب حاولت مصر أن تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، أبسط دليل على ذلك أنه حينما احتجزت قوات الدعم السريع كتيبة مصرية لم تتعامل القاهرة مع هذا التصرف بشكلٍ عنيف وإنما اتبعت آليات هادئة لاستعادة جنودها بشكل سلمي، بعدها استضافت القاهرة مؤتمرًا ضمَّ كثيرًا من القوى السودانية لتقريب وجهات النظر فيما بينهم.

وتابعت في حديثها لـ"الحرة": "بمرور الوقت اتخذت قوات الدعم السريع لنفسها اتجاهًا مختلفًا عقّد علاقتها بمصر بعدما تقرّب حميدتي من إثيوبيا وتلقى منها دعمًا كبيرًا".

ومن ناحيتها أكدت الدكتورة إيمان الشعراوي الباحثة في الشأن الأفريقي، أن السياسة الخارجية لمصر تستند إلى عدة ثوابت منها اقتصار دعمها على المؤسسات الرسمية فهي لا تدعم الميليشيات ولا قوى التمرد.

وتابعت خلال حديثها مع "الحرة": "وحينما نطبق هذا الكلام على السودان نعرف أن مصر تؤيد الجيش باعتباره المؤسسة الرسمية الأهم بالسودان".

هذا الخيار اعتبرته آيات عبدالعزيز منطقيًا قائلة "في إطار سعي مصر لتقوية الدولة السودانية، هل من المفترض أن تنحاز لميليشيا أم للجيش السوداني الرسمي؟!، من مصلحة القاهرة أن يكون السودان مستقرًا وهو ما لن يتحقق إلا إذا كان الجيش قويًا ومسيطرًا على الأرض؟!".

وشهدت الفترة الأخيرة تقاربًا بين المؤسستين العسكريتين في كلا البلدين، وهو ما انعكس على موقفهما الموحّد من أزمة سد النهضة ورفض إعادة إحياء محاولات إعادة تقسيم حصص مياه النيل، بينما على الجانب الآخر أقامت قوات الدعم السريع علاقة جيدة بإثيوبيا المنافس الأكبر لمصر في الساحة الأفريقية مؤخرًا.

من ناحيته أوضح هاني سليمان مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إن مصر ليست دولة أيدولوجية لديها مشروع تسعى لنشره ولا دولة تسعى لتحقيق مكاسب ضيقة، وبالتالي فإنها اتخذت موقفًا يتصف بـ"المنطق وعدم الطمع" من الأزمة السودانية متمثلاً في محاولة تأمين خطوط أمنها القومي بالسودان عبر دعم مؤسساته الوطنية.

فيما اعتبر جون إيشياما أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشأن الأفريقي في حديثه لـ"الحرة" أنه ليس من الغريب أن تكون أخبار تدخل القاهرة عسكريًا لصالح الجيش السوداني صحيحة، فالقاهرة تدعمه منذ فترة طويلة وبالتالي فإن هذه الغارات لن تكون إلا حلقة أخرى من هذا الدعم.

تجلّى هذا الدعم في عدة صور منها رفض القاهرة دعوات نشر قوة سلام أفريقية كوسيلة لإيقاف الصراع معلنة "رفضها القاطع" لها، تقول الشعراوي "هذه القوة لن تهدئ الأزمة لأنها ستكرّس الأوضاع الحالية التي تسيطر فيها قوات حميدتي على مساحات أكبر من الأرض، بل وستمنحه فرصة لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف وتلقي المزيد من السلاح من الخارج".

وتضيف: "كيف تنتشر قوة في ظل حالة اقتتال؟! مفترض أنها لا تتواجد إلا بعد هدوء الأوضاع إثر توقيع اتفاقية سلام، هذا السيناريو ضار بالسودان وبالأمن القومي المصري ويصبُّ في صالح الدعم السريع".

التعاون العسكري لمصر مع دول أفريقية سبق وأن جرى مع الصومال وأريتريا على سبيل المثال، لذا لن يكون من الغريب أن ينضمُّ السودان إليهما في ضوء أهميته المتزايدة للأمن القومي المصري باعتباره دولة حدودية جمعته بمصر وحدة سياسية قديمة دامت 43 عامًا.

هذه التحركات لا تطوّق قوات حميدتي فقط وإنما أيضًا حليفته الأكبر إثيوبيا التي تسعى مصر لمحاصرتها بجبهة من الدول الأفريقية المؤيدة لسياساتها، تقول عبدالعزيز التي اعتبرت أنه لابد أن تكون هناك رؤية أوسع للأمر، فمصر لا تواجه تهديدات فقط بسبب النيل لكن أمنها البحري سيصبح في خطر إذا مدّت إثيوبيا حدودها إلى البحر الأحمر، الأمر الذي قد يؤثر على الملاحة في قناة السويس، هذه الملفات كلها اختلطت ببعضها وتحتاج إلى خططٍ غير تقليدية لمعالجتها.

بهذه التحركات تحاول مصر توجيه رسائل إلى جميع قوى المنطقة بأن القاهرة لم تعد تميل إلى الانكفاء على نفسها كما كانت تفعل في الماضي، وأنها قادرة على خلق "كروت جديدة" تضغط بها على إثيوبيا خلال مفاوضات سد النهضة المتعثرة منذ سنوات.

لماذا ترفض مصر حميدتي؟

"انتصار حميدتي سيكون وقعه سيئ على الأمن القومي المصري، لأنه قد يؤدي لوقوع انقسامات أخرى بالسودان نفسه فتستقل عنه مناطق جديدة -بخلاف الجنوب- كدارفور على سبيل المثال"، تقول الشرقاوي.

وبحسب إيشياما فإن إثيوبيا لم تنظر للجيش السوداني باعتباره صديقًا رغم زيارة البرهان لها الشهر الماضي، خاصةً وأن التوترات لم تنقطع بين الجانبين بسبب منطقة "الفشقة" الحدودية بينهما، لذا تعتبر أديس أبابا أن ضعف الجيش السوداني مفيدا لمصالحها ليس فقط بسبب دعمه لموقف مصر بل وبسبب النزاعات الحدودية بينهما.

على المقابل تفضّل إثيوبيا التعامل مع حميدتي القادر على إرباك حسابات مصر في ملفات عديدة مثل منح أديس أبابا أفضلية في أزمة سد النهضة، بخلاف تعطيل مشاريع مصر الاقتصادية بالقارة مثل ربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط، بل قد يعيد تحويل السودان لقاعدة لاستضافة جماعات مسلحة تحاول تنفيذ عمليات عسكرية داخل مصر وتنشر الفوضى بها، وهي المعضلة التي عانت منها القاهرة لسنواتٍ مع ليبيا عقب سقوط نظام العقيد القذافي.

وخلال عهد الرئيس السابق عُمر البشير ذي الميول الإسلامية سمح للكثير من الجماعات الإرهابية المتطرفة بالتدريب في السودان وعلى رأسها القاعدة وتنظيم الجهاد المصري الذي دخل في مصادمات حادة مع أجهزة الأمن في صعيد مصر.

من السودان دبّر ما عُرف وقتها بـ"تنظيم الجهاد" عدة محاولات لاغتيال وزراء مصريين كاللواء حسن الألفي وزير الداخلية الأسبق وصفوت الشريف وزير الإعلام الراحل بل ووصل الأمر إلى تدبير محاولة الاغتيال الشهيرة التي تعرض لها الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في أديس أبابا بطلبٍ من مصطفى حمزة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية المصرية وتخطيط من عثمان محمد طه نائب حسن الترابي مؤسس الحركة الإسلامية بالسودان.

مثل تلك السيناريوهات لا تسعى القاهرة للدخول فيها مجددًا عبر السعي لتنصيب حكومة موالية لها تحقق الحد الأدنى من مصالح مصر بالمنطقة وتحفظ أمنها القومي.

مصر والإمارات.. صراع الحليفين

خلال الأشهر الماضية تكررت الاتهامات السودانية للإمارات بتقديم دعمٍ مباشر لقوات الدعم السريع بسببها وقعت مشادة كلامية بين مندوبي البلدين  خلال اجتماع في مجلس الأمن لبحث الوضع بالسودان، مرورًا بقصف السودان مقر سفير أبوظبي بالخرطوم وحتى إعلان الخرطوم أن الإمارات أرسلت مئات الطائرات المحمّلة بالأسلحة إلى ميليشيات حميدتي.

ونجح حميدتي في تأسيس علاقة قوية مع الإمارات منذ أن كان حلقة الوصل بين الجيش السوداني خلال التحضير لعاصفة الحزم، من وقتها زاد التقارب بينهما لأن "الإمارات .... مرتبطة بتطبيق أهدافها أيا كانت الوسيلة بخلاف السعودية ومصر"، وفق مصدر سياسي رفض الكشف عن اسمه.

وبحسب آيات عبدالعزيز فإن الإمارات تسعى منذ سنوات لخلع عباءة الدولة محدودة المساحة والتأثير من أجل لعب أدوار أكبر وخاصة في أفريقيا التي تسعى لمدِّ نفوذها بها، مضيفة أن علاقتها بحميدتي مركبة فهو يسعى لمنح قواته أي شرعية في مواجهة الجيش السوداني الذي لا يُمكن التشكيك في شرعيته، لذا فإنه سيكون مستعدًا لنيل أي دعم دولي مقابل أي مزايا تطلب منه.

يقول إيشياما إن الإمارات تعتبر أن الحكومة السودانية الضعيفة هي الخيار الأفضل لحماية مصالحها الاقتصادية بالمنطقة، وبالتالي فإنها ترى أن دعمها لقوات الدعم السريع سيسهّل وصولها إلى الأراضي والموانئ البحرية والموارد الزراعية السودانية، كلها أنشطة كان الجيش السوداني معارضًا لها أما قوات حميدتي فستكون على استعداد لغضِّ الطرف عنها.

وبحسب مصدر رفض التصريح بِاسمه فإنه "بجانب مناجم الذهب التي تستورد أبوظبي إنتاجها بكثافة، فإن حميدتي سيمنح الإمارات ميناءً على البحر الأحمر وهو ما يحقق هدفها الاستراتيجي بالسيطرة على عدد من الموانئ الأفريقية بهذه المنطقة الاستراتيجية من العالم".

واختتم المصدر حديثه لـ"الحرة" بأن وجود الإمارات على الحدود ليس من مصلحة مصر في ظل سياستها الحالية.

ودحضت الإمارات مرات عدة المزاعم بأنها أرسلت دعماً عسكرياً لأي من الأطراف المتحاربة في السودان. وفي يوليو الماضي، قالت البعثة الإماراتية لدى الأمم المتحدة إن الادعاءات التي تشير إلى خلاف ذلك بأنها "أكاذيب ومعلومات مضللة ودعاية ينشرها بعض الممثلين السودانيين".

ومع ذلك، وصف مراقبو عقوبات الأمم المتحدة الادعاءات بأن الإمارات قدمت دعمًا عسكريًا لقوات الدعم السريع بأنها "ذات مصداقية".

في بداية هذا الشهر تولّت مصر رئاسة مجلس السلم والأمن الأفريقي، ومنذ أيام طلب المجلس إعادة فتح مكتب الاتصال التابع للاتحاد الأفريقي في مدينة بورتسودان المقر الحالي للحكومة السودانية.

خطوة انتقدتها الإمارات بشكلٍ غير مباشر بعدما أعلنت وسائل إعلامية موالية لها أن "التركيبة الحالية" للمجلس انحازت للجيش بشكلٍ صارخ.

هذا التراشق غير المباشر عكس خلافًا كبيرًا بين مصر والإمارات البلدين الحليفين في عددٍ كبيرٍ من الملفات مثل دعم قوات المشير خليفة حفتر الرجل النافذ في شرق ليبيا وكذلك في دعم مصر نفسها اقتصاديًا وهو النهج الذي تسير عليه الإمارات منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في 30 يونيو وقدوم الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بدلاً منه بعد فترة قصيرة تولّى الحكم فيها عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق.

في ظل الدعم الإماراتي السخي لمصر تجاوز التبادل التجاري بين البلدين 68 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة، أبرزها صفقة "رأس الحكمة" التي أنقذت مصر من أزمة اقتصادية خانقة، رغم ذلك فإن الحليفين لا يتفقان على كيفية معالجة الأزمة السودانية بعدما أظهرت أبو ظبي دعمًا كبيرًا لقوات الدعم السريع فيما انحازت القاهرة إلى الجيش الرسمي.

وبحسب إيشياما فإن الخلاف الشاسع بين البلدين سببه أن مصالحها مختلفة للغاية؛ فمصر تحركها مخاوفها الأمنية والاستراتيجية وخاصةً ما يتعلّق بالنزاع مع إثيوبيا، أما الإمارات فهي تسعى لبناء علاقات قوية مع إثيوبيا منذ فترةٍ طويلة معتبرةً أن هذه التوجهات تحقق مصالحها الاقتصادية وهي محرك رئيسي لسياستها الخارجية.

رغم ذلك استبعد سليمان أن يؤدي هذا الخلاف إلى أزمة كبيرة بين مصر والإمارات، قائلاً "زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مصر منذ أيام لحضور فعالية إطلاق مشروع رأس الحكمة رسالة تأكيد على أن علاقة البلدين قوية ولا تتأثر بالخلاف في بعض الملفات".

"صفقة رأس الحكمة أُبرمت لحرص أبوظبي على موازنة علاقتها بمصر، نعم تُوجد خلافات لكن الإمارات ستحافظ على دعمها الاقتصادي لمصر حتى لا تخسرها نهائيًا فتدخل في حلفٍ مع دولة أخرى كإيران مثلاً"، تقول الشرقاوي.

وهو ما أيدتها فيه آيات عبدالعزيز معتبرة أن مصر ستحاول عدم خسارة حليفها الأقدم منذ سنوات مهما زادت مساحة الخلافات بينهما.

مصر والصين

لم يكن الدخان الذي خلفته المقاتلات الصينية في سماء الأهرامات مجرد خلفية لمناورة مشتركة بين مصر والصين. كان رسالة، بل إعلانا جيوسياسيا بأن بكين لم تعد تكتفي بمراقبة الشرق الأوسط عن بعد. 

هذه المرة، جاءت بمقاتلاتها (J-10) ووضعتها في سماء حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما.

لمناورة "نسر الحضارة 2025" بعد رمزي أيضا.

نحن نتحدث عن أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري. لفترة قصيرة؟ نعم. لكن الدلالة ضخمة. إنها إشارة إلى شيء ما في طور التشكل، إلى فراغ تُحاول الصين أن تملأه حيث يتراجع الحضور الأميركي.

تغيير في قواعد اللعبة

"هذه المناورات تحمل أبعادا تتجاوز التدريب. إنها تغيير في قواعد اللعبة"، يقول إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، لموقع الحرة.

تشير هذه التدريبات النوعية، من ناحية أخرى، إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري الصيني المصري. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاها واضحا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية، يضيف بيرمان.

"ورغم أن مصر ما زالت ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، فهي ترسل إشارات واضحة: لن نعتمد على مصدر واحد. التنوع في التسليح، وتبادل الخبرات، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية".

هذا ليس حيادا. هذه موازنة جديدة للقوة.

يشير بيرمان إلى أن "إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر". ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تتجاوز مجرد البحث عن بدائل للتسليح؛ فهي تُمثل نافذة استراتيجية بالنسبة لمصر للانفتاح على أحدث التقنيات العسكرية الصينية، وذلك في سياق جهودها المستمرة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في محيطها الإقليمي المضطرب.

فوق الأهرامات... تحت الرادار

بدا مشهد الطائرات الصينية فوق الأهرامات وكأنه من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية. لكن خلف الصورة الرمزية، هناك رسائل أمنية كثيرة. 

تقارير إسرائيلية لفتت إلى معلومات بأن بكين تجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء التدريبات، التي قد تكون أيضا اختبارا لقدرة الصين على القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن حدودها.

أين واشنطن من هذا كله؟

حين تبتعد أميركا عن الشرق الأوسط خطوة، ثمة دائما من يتحرك ليملأ الفراغ. والسؤال هو: هل تتهيأ بكين لتكون البديل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة؟

وهل تقف القاهرة على مفترق طرق فعلا، أم أنها تلوّح بورقة بكين لتحسين شروط علاقتها بواشنطن؟

تحولات في طور التشكل تُلزم واشنطن بإعادة قراءة المشهد، وإعادة ضبط إيقاع حضورها في منطقة لم تعد تتحمّل الغياب الأميركي.

التعاون الثنائي

على الصعيد الثنائي، تشير هذه التدريبات النوعية إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري بين الصين ومصر. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاهًا واضحًا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية.

يرى بيرمان في هذا السياق أن "الحكومة الصينية تسعى بوضوح إلى سد الفجوات في المناطق التي يتراجع فيها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها، وتحاول استغلال هذه العلاقات لصالحها ولإضعاف الغرب". 

ويضيف: "هذا التدريب المشترك يحمل أهمية كبيرة من الناحية الجيوسياسية".

يُعد اختيار القاهرة شريكًا استراتيجيًا لإجراء هذه المناورات المتقدمة دليلاً على اعتراف الصين المتزايد بالدور الحيوي الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يعكس هذا الخيار سعي بكين الحثيث لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية عبر تأسيس تعاون عسكري متين مع قوة إقليمية مركزية كالقاهرة، وفقا لإيلان.

تنوع مصادر التسليح

تحصل مصر على مساعدات عسكرية بنحو 1.3 مليار دولار سنويا، وهي ثاني أكبر متلق للدعم العسكري الأميركي بعد إسرائيل. لكن على الرغم من ارتباطات مصر العسكرية التقليدية، تعتبر القاهرة شراكتها المتنامية مع الصين فرصة استراتيجية لتنويع مصادر التدريب والتسليح.

"إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر"، يقول بيران.

تحولات استراتيجية قيد التشكل

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، تُثير هذه المناورات تساؤلات حول أهداف التعاون المصري الصيني، خاصة في ظل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين واشنطن وبكين على النفوذ.

من زاوية أخرى، تشير المناورات أن الصين تحاول اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بعيدة عن قواعدها الرئيسية، وتقييم درجة التوافق التشغيلي بين أنظمتها العسكرية وأنظمة دول أخرى ذات خصائص مختلفة.

ويذهب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "المناورات الجوية الصينية المصرية "نسر الحضارة 2025" تتجاوز الإطار التقني للتدريبات العسكرية لتُمثل مؤشرا جيوسياسيا بالغ الأهمية". 

وتحمل المناورات في طياتها رسائل إقليمية ودولية متعددة الأبعاد، خصوصاً بعد إعادة الولايات المتحدة صياغة سياستها الخارجية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، مما يخلق كثيرا من الفراغ السياسي.