الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

علامات استفهام أثيرت بشأن تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، التي وُصفت بأنها رسالة "غير مسبوقة"، وأشار فيها إلى أنه يجب مراجعة الموقف المصري من الاتفاق حال تسبب برنامج الإصلاح الاقتصادي في "ضغط لا يتحمله الناس".

وقررت مصر رفع أسعار الوقود الأسبوع الماضي، للمرة الثالثة هذا العام، مما تسبب في استياء شعبي، قابله رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بالحديث عن أنه لن يكون هناك أي ارتفاع جديد في أسعار المحروقات قبل 6 أشهر.

وقال السيسي خلال جلسة حوارية ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية، الأحد، إن مصر نجحت في برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016 "ليس بما قمنا به فقط، بل أيضا باستقرار الأوضاع الإقليمية والدولية، مقارنة بالوضع الحالي".

وتابع أن البرنامج الذي يتم تطبيقه حاليًا "يتم في ظروف إقليمية ودولية وعالمية شديدة الصعوبة، لها تأثيرات سلبية للغاية في العالم أجمع، ويقال إنه سيكون هناك ركود اقتصادي خلال السنوات القليلة المقبلة".

وأكد السيسي أن البرنامج الاقتصادي الحالي الذي تقوم به مصر مع مؤسسات دولية، من بينها صندوق النقد الدولي، "لو كان التحدي هيخلينا (سيجعلنا) نضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمله الناس، لابد من مراجعة الموقف.. لا بد من مراجعة الموقف مع الصندوق (النقد الدولي)".

ماذا يقصد بـ"مراجعة الموقف"؟

رأى أستاذ الاقتصاد، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، علي الإدريسي، أنه حينما تحدث السيسي عن "مراجعة الموقف" مع صندوق النقد الدولي، "ربما يكون المقصود هو إعادة تقييم بعض بنود أو متطلبات برنامج الإصلاح الاقتصادي المبرم مع الصندوق".

وأشار إلى أن ذلك "يمكن أن يشمل مرونة في بعض الشروط، أو التعديلات بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الداخلية أو الدولية، التي قد تتغير بمرور الوقت".

وتابع في تصريحات لموقع "الحرة"، أنه "من الناحية العملية، مراجعة الموقف مع الصندوق قد تشمل مناقشة تأجيل بعض الإصلاحات، أو إعادة ترتيب أولوياتها، مثل مراجعة توقيت خفض الدعم أو سياسات سعر الصرف. ويمكن أن يتضمن أيضًا تعديل أهداف البرنامج، أو المطالبة بمرونة أكبر فيما يتعلق بالتزامات الديون".

الجنيه المصري واجه تقلبات كبيرة في أسعار الصرف. أرشيفية -تعبيرية
اقتصاد الحرب بمصر.. ضرورة ملحة أم مفهوم كارثي؟
في ظل توترات خطيرات وصراعات متعددة الأطراف، تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ نحو عام، أعلنت مصر على لسان رئيس حكومتها، مصطفى مدبولي، أن القاهرة قد تلجأ إلى "اقتصاد الحرب"، مما يثير التساؤلات حول التحديات التي تواجه البلاد، وسبل مواجهتها.

وقبل أيام، أعلنت مصر على لسان مدبولي، أنها قد تلجأ إلى "اقتصاد الحرب"، مما أثار تساؤلات بشأن التحديات التي تواجه البلاد، وسبل مواجهتها.

وحينها اعتبر الخبير الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب، أن تصريحات رئيس الحكومة المصرية تعد "كارثية بكل معنى الكلمة على خطط البلاد الاستثمارية".

وأشار في تصريحات لـ"الحرة"، إلى أن وجود تهديدات مباشرة لا يعني اللجوء إلى ذلك السيناريو، مردفا: "أظن أن رئيس الوزراء خانه التعبير بشكل كبير جدا في المؤتمر الصحفي".

ولفت إلى أن مرد ذلك قد يكون إلى أن المراجعات مع صندوق النقد الدولي كان من المفترض أن تتم في سبتمبر الماضي، لكن جرى تأجيلها إلى نوفمبر المقبل، ومن الواضح أن هناك مفاوضات لتأجليها مرة أخرى إلى يناير".

صندوق النقد.. و"مرونة" الإصلاح

من جانبه، قال الباحث الاقتصادي الأردني، عامر الشوبكي، إنه عادة تكون برامج الإصلاحات الاقتصادية مع صندوق النقد الدولي "مرنة ويمكنها التأقلم والتغير وفق الظروف والمستجدات الاقتصادية، كما حدث خلال جائحة كورونا أو الحرب الأوكرانية وحتى الحرب الحالية في الشرق الأوسط".

وتابع لموقع الحرة: "برامج الإصلاح يمكنها التكيّف مع الصعوبات الاقتصادية غير المسبوقة في مصر، المتمثلة في انخفاض كبير بإيرادات قناة السويس، وتراجع إيرادات السياحة، والمشاكل الأخرى التي يعاني منها الاقتصاد المصري".

وأكد أن "الواقع الجيوسياسي والإقليمي يحتم على أن يبقى الوضع الداخلي في مصر مستقرا، وهو أمر يهم صندوق النقد الدولي بالتوازي مع تنفيذ برامجه الاقتصادية".

وهذا ما أكد عليه أيضا الإدريسي، بالقول إن التراجع عن نقاط معينة في البرنامج "قد يكون ممكنًا، لكنه يتطلب موافقة الصندوق، خاصة إذا كانت الظروف الاقتصادية الجديدة تبرر إعادة التفاوض على الشروط، لضمان تحقيق الأهداف الأساسية، دون الإضرار بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي".

وكان صندوق النقد الدولي، قد كشف في نهاية أغسطس، أن السلطات في مصر ستتخلى "مؤقتا" عن زيادات أسعار الوقود الفصلية، التي كانت تتم كل 3 أشهر، مقابل "التزام حازم" برفع الأسعار إلى "مستويات استرداد التكلفة" بحلول نهاية عام 2025.

وقال في وثائق المراجعة التي سمحت موافقته عليها في يوليو الماضي بحصول مصر على 820 مليون دولار كشريحة ثالثة من القرض البالغ قيمته 8 مليارات دولار، إن استعادة أسعار الطاقة إلى مستويات استرداد التكاليف، بما في ذلك أسعار الوقود بحلول ديسمبر 2025، "أمر ضروري لتوافر الطاقة بشكل سلس للسكان، والحد من الاختلالات في القطاع".

تحذيرات من "خطوات خطيرة"

وحذر الشوبكي من أن "الإسراع في تنفيذ برامج خطيرة، مثل التحرر الكامل من سعر الصرف، أو ما يطلق عليه التعويم الكامل، سينتج عنه تضخم إضافي، وارتفاع في أسعار السلع واختفاء بعضها، مما قد يقود إلى احتجاجات شعبية لا يريدها صندوق النقد الدولي بالتأكيد".

وأضاف أن الصندوق "حريص على تنفيذ المخرجات أو التوصيات، لكن دون أن يكون هناك تأثير قد يكون مدمرا على الدولة، بل يعمل على وجود واقع اقتصادي أفضل للدول".

الجنيه المصري
سعر صرف الجنيه المصري.. ماذا وراء لاءات السيسي؟
جاءت تلميحات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بشأن استبعاد "خفض قيمة الجنيه المصري"، لتثير التساؤلات حول سر توقيت إطلاق تلك التصريحات بينما يكشف خبراء لموقع "الحرة" مغذى تلك التلميحات وأسبابها وتداعياتها على مصر التي تعاني أزمة اقتصادية حادة.

كما شرح أن مثل هذه التغييرات تكون بالتفاوض، عبر لجنة صندوق النقد الدولي مع حكومات الدول.

وكان الرئيس المصري قد تحدث بنبرة مماثلة عن استبعاد "خفض قيمة الجنيه المصري"، في يونيو 2023، وألمح إلى أن من المستبعد القيام بتلك الخطوة التي من شأنها أن "تضر بالأمن القومي والمواطنين".

وحينها قال السيسي: "نحن مرنين فيه.. لكن عندما يتعرض الموضوع لأمن مصر القومي وأن الشعب المصري يضيع.. لا، لا، لا، لا". وجاء ذلك بعد خفض للعملة مطلع العام الماضي، وهي الخطوة التي تكررت في مارس 2024.

ووقّعت مصر في مارس الماضي، حزمة دعم مالي قيمتها 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، للمساعدة في السيطرة على سياسة نقدية تغذي التضخم، لكنها تستلزم زيادة في أسعار عدد كبير من المنتجات المحلية.

ورفعت الحكومة أسعار عدد من السلع المدعومة، للتصدي لعجز الموازنة الذي بلغ 505 مليارات جنيه مصري (10.3 مليار دولار) في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو الفائت. كما خفضت قيمة الجنيه بشدّة قبل شهور.

وسبق أن حصلت مصر من صندوق النقد الدولي، بعد المراجعة الثالثة في نهاية يونيو، على شريحة قيمتها 820 مليون دولار.

مصر والصين

لم يكن الدخان الذي خلفته المقاتلات الصينية في سماء الأهرامات مجرد خلفية لمناورة مشتركة بين مصر والصين. كان رسالة، بل إعلانا جيوسياسيا بأن بكين لم تعد تكتفي بمراقبة الشرق الأوسط عن بعد. 

هذه المرة، جاءت بمقاتلاتها (J-10) ووضعتها في سماء حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما.

لمناورة "نسر الحضارة 2025" بعد رمزي أيضا.

نحن نتحدث عن أول تدريب جوي مشترك بين الجيشين الصيني والمصري. لفترة قصيرة؟ نعم. لكن الدلالة ضخمة. إنها إشارة إلى شيء ما في طور التشكل، إلى فراغ تُحاول الصين أن تملأه حيث يتراجع الحضور الأميركي.

تغيير في قواعد اللعبة

"هذه المناورات تحمل أبعادا تتجاوز التدريب. إنها تغيير في قواعد اللعبة"، يقول إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، لموقع الحرة.

تشير هذه التدريبات النوعية، من ناحية أخرى، إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري الصيني المصري. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاها واضحا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية، يضيف بيرمان.

"ورغم أن مصر ما زالت ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، فهي ترسل إشارات واضحة: لن نعتمد على مصدر واحد. التنوع في التسليح، وتبادل الخبرات، والانفتاح على التكنولوجيا الصينية".

هذا ليس حيادا. هذه موازنة جديدة للقوة.

يشير بيرمان إلى أن "إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر". ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تتجاوز مجرد البحث عن بدائل للتسليح؛ فهي تُمثل نافذة استراتيجية بالنسبة لمصر للانفتاح على أحدث التقنيات العسكرية الصينية، وذلك في سياق جهودها المستمرة لمواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في محيطها الإقليمي المضطرب.

فوق الأهرامات... تحت الرادار

بدا مشهد الطائرات الصينية فوق الأهرامات وكأنه من فيلم دعائي عن القوة الناعمة الصينية. لكن خلف الصورة الرمزية، هناك رسائل أمنية كثيرة. 

تقارير إسرائيلية لفتت إلى معلومات بأن بكين تجمع معلومات استخباراتية تحت غطاء التدريبات، التي قد تكون أيضا اختبارا لقدرة الصين على القيام بعمليات عسكرية بعيدا عن حدودها.

أين واشنطن من هذا كله؟

حين تبتعد أميركا عن الشرق الأوسط خطوة، ثمة دائما من يتحرك ليملأ الفراغ. والسؤال هو: هل تتهيأ بكين لتكون البديل العسكري للولايات المتحدة في المنطقة؟

وهل تقف القاهرة على مفترق طرق فعلا، أم أنها تلوّح بورقة بكين لتحسين شروط علاقتها بواشنطن؟

تحولات في طور التشكل تُلزم واشنطن بإعادة قراءة المشهد، وإعادة ضبط إيقاع حضورها في منطقة لم تعد تتحمّل الغياب الأميركي.

التعاون الثنائي

على الصعيد الثنائي، تشير هذه التدريبات النوعية إلى مرحلة متقدمة في مسار التعاون العسكري بين الصين ومصر. فبدلا من الاقتصار على صفقات التسلح التقليدية، نشهد اتجاهًا واضحًا نحو بناء قدرات عسكرية مشتركة وتبادل خبرات ميدانية.

يرى بيرمان في هذا السياق أن "الحكومة الصينية تسعى بوضوح إلى سد الفجوات في المناطق التي يتراجع فيها نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها، وتحاول استغلال هذه العلاقات لصالحها ولإضعاف الغرب". 

ويضيف: "هذا التدريب المشترك يحمل أهمية كبيرة من الناحية الجيوسياسية".

يُعد اختيار القاهرة شريكًا استراتيجيًا لإجراء هذه المناورات المتقدمة دليلاً على اعتراف الصين المتزايد بالدور الحيوي الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يعكس هذا الخيار سعي بكين الحثيث لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية عبر تأسيس تعاون عسكري متين مع قوة إقليمية مركزية كالقاهرة، وفقا لإيلان.

تنوع مصادر التسليح

تحصل مصر على مساعدات عسكرية بنحو 1.3 مليار دولار سنويا، وهي ثاني أكبر متلق للدعم العسكري الأميركي بعد إسرائيل. لكن على الرغم من ارتباطات مصر العسكرية التقليدية، تعتبر القاهرة شراكتها المتنامية مع الصين فرصة استراتيجية لتنويع مصادر التدريب والتسليح.

"إعادة تقييم القاهرة لتحالفاتها وعلاقاتها مع واشنطن تُعتبر خطوة كبيرة، وتمثل هذه الوضعية فرصة كبيرة للصين ولمصر"، يقول بيران.

تحولات استراتيجية قيد التشكل

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، تُثير هذه المناورات تساؤلات حول أهداف التعاون المصري الصيني، خاصة في ظل التنافس الاستراتيجي المحتدم بين واشنطن وبكين على النفوذ.

من زاوية أخرى، تشير المناورات أن الصين تحاول اختبار قدراتها على تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة بعيدة عن قواعدها الرئيسية، وتقييم درجة التوافق التشغيلي بين أنظمتها العسكرية وأنظمة دول أخرى ذات خصائص مختلفة.

ويذهب إيلان بيرمان، نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن "المناورات الجوية الصينية المصرية "نسر الحضارة 2025" تتجاوز الإطار التقني للتدريبات العسكرية لتُمثل مؤشرا جيوسياسيا بالغ الأهمية". 

وتحمل المناورات في طياتها رسائل إقليمية ودولية متعددة الأبعاد، خصوصاً بعد إعادة الولايات المتحدة صياغة سياستها الخارجية على مستوى العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، مما يخلق كثيرا من الفراغ السياسي.