احتفالات في سوريا بسقوط نظام الأسد - رويترز
احتفالات في سوريا بسقوط نظام الأسد - رويترز

وقف المعارض المصري المطلوب أمنيا لدى القاهرة، عبد الرحمن القرضاوي، الجمعة، في ساحة المسجد الأموي مهاجما الحكومة المصرية، ومحذرا من "تآمرها" على الإدارة الجديدة في سوريا، لكن سرعان ما أصدرت السلطات في دمشق بيانات لتهدئة الأوضاع، معربة عن تطلعها لإقامة علاقات دبلوماسية مع القاهرة.

مصر لم تتواصل بشكل رسمي معلن مع الحكومة المؤقتة أو قيادة الفصائل الإسلامية المسلحة التي أسقطت نظام بشار الأسد، وسط مخاوف أغلبها أمنية، بسبب وجود مصريين مطلوبين ومدانين بجرائم إرهابية، ضمن تلك الفصائل التي تقود البلاد في سوريا.

وحتى الآن، لم ترفع السفارة السورية في القاهرة العلم الجديد للبلاد، الذي يتزين باللون الأخضر بدلا من الأحمر، وتتوسطه 3 نجوم حمراء بدلا من نجمتين خضراويين.

وركزت التصريحات الرسمية المصرية بشأن سوريا منذ سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر، على الدعوة إلى الحفاظ على وحدة البلاد، والتأكيد على أهمية بدء عملية سياسية تضم كافة مكونات وأطياف المجتمع السوري. 

ولتسليط الضوء على سبب تأخر القاهرة في إرسال وفدها الرسمي الأول إلى سوريا، تواصل موقع "الحرة" مع محللين، أشاروا إلى وجود "تجارب سابقة، داخلية وخارجية"، كما ضربوا مثالا بالتواصل الذي تم مع تركيا، التي احتضنت مطلوبين لدى مصر.

العلاقات إلى أين؟

أجمع الخبراء الذين تحدث معهم موقع "الحرة"، على أهمية العلاقة بين سوريا ومصر، وضرورة وجود تواصل بين الأخيرة والإدارة السورية الجديدة، مشيرين في الوقت نفسه، إلى "مخاوف القاهرة"، التي تسعى الحكومة المؤقتة في دمشق لتبديدها بمواقف متتابعة.

وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، رخا أحمد حسن، إن الحكومة المصرية "تدرس بشكل جدي الوضع في سوريا، لأن بعض المصريين لا يزالون يعملون مع تلك المنظمات، وخصوصا هيئة تحرير الشام، وبعضهم مطلوب وعليه أحكام في مصر".

وأضاف في تصريحات لموقع "الحرة"، أن الإدارة الجديدة في سوريا "أظهرت بادرة إيجابية بطلبها من عبد الرحمن القرضاوي حذف منشوره قبل مغادرته إلى لبنان، حيث تم توقيفه هناك".

وكانت تقارير إعلامية ذكرت أن نجل القرضاوي تم توقيفه في لبنان بعد نشره فيديو. ولم تصدر تصريحات رسمية لبنانية في هذا الصدد على الفور.

وقال القرضاوي في مقطع فيديو خلال وجوده في دمشق، نشره على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي المتوقفة حاليا، إن السوريين يجب أن يحذروا من "التحديات الشريرة التي يخطط لها العالم أجمع"، وعلى رأس المخططين على حد قوله، "أنظمة الإمارات والسعودية ومصر وغيرها".

وقالت وزارة الإعلام في الإدارة السورية الجديدة، السبت، إن المواقف والتصريحات الصادرة عن زوار البلاد "لا تعبر بالضرورة عن الموقف الرسمي لدمشق".

وأضافت الوزارة أن المواقف الرسمية للحكومة السورية "تصدر حصراً عن الجهات الرسمية والمعرفات المعتمدة التابعة لها".

ورغم أن الوزارة لم تكشف صراحة سبب هذا التوضيح، فإن تأكيداتها صدرت بعد انتشار فيديو القرضاوي.

كما تبع ذلك تغريدة من وزير الخارجية بالحكومة المؤقتة السورية، أسعد الشيباني، على "إكس"، قال فيها إن بلاده "تتطلع إلى بناء علاقات مهمة واستراتيجية مع مصر، تحت احترام سيادة البلدين وعدم التدخل في شؤونهما".

وأوضح السفير السابق، حسن، في حديثه للحرة: "سنرى مدى الجدية في تراجعهم عن معتقداتهم السابقة، خصوصا أن مصر لديها تجربة مع تنظيم الجماعة (الإسلامية) في التسعينيات، بعد مراجعاتهم الفكرية ونبذ اللجوء إلى العمليات الإرهابية".

من جانبه، قال مدير قسم تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، لموقع "الحرة"، إن "مصر من الدول العربية الكبرى التي تبنت موقفًا يمكن وصفه بالحياد النسبي تجاه نظام الأسد خلال السنوات الأخيرة، ولم تنجرف في دعم النظام بشكل كامل".

وأضاف أن القاهرة "طالما أكدت على ضرورة تطبيق القرار الدولي 2254، وهو موقف يوفر أرضية مشتركة يمكن البناء عليها في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين"، موضحا أن "سوريا بحاجة إلى فترة لترتيب أوضاعها الداخلية وإعادة بناء مؤسساتها الوطنية، مما يتطلب دعمًا من جميع الدول الشقيقة والصديقة".

الهاجس الأمني

ولم يكن موقف القرضاوي  الأول، بل سبق أن ظهر محمود فتحي، المطلوب المدان بجريمة قتل النائب العام الأسبق في مصر هشام بركات، عام 2015، إلى جوار قائد "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع، الملقب بأبي محمد الجولاني.

وجاءت الصورة بعد 10 أيام من سقوط نظام الأسد، وكان بجوار الثنائي ياسين أقطاي، مستشار حزب العدالة والتنمية التركي.

ووفق وسائل إعلام محلية مصرية، فقد أدرج فتحي على قوائم الإرهاب في العديد من القضايا، وبناء على ذلك أخطرت السلطات المصرية "الإنتربول" بوضعه على لائحة الإرهاب. كما صدرت ضده أحكام بالسجن المؤبد في قضايا متعلقة بارتكاب أعمال إرهابية.

في هذا الشأن، قال المستشار في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عمرو الشوبكي، إن هناك "حذرا مصريا من الإدارة الجديدة في سوريا، بسبب الخلفيات العقائدية لهذه الفصائل الإسلامية المسلحة، التي تعتبر توجهاتها مخالفة لتوجهات الدولة في مصر، بجانب ظهور بعض المطلوبين في مصر على خلفية قضايا إرهاب، في سوريا".

وتابع حديثه لموقع الحرة، موضحا: "إجمالا.. الهواجس الأمنية حاضرة، وهي أحد أسباب تأخر ذهاب وفد مصري إلى دمشق".

"في مواجهة المجهول".. السوريون في مصر بعد سقوط الأسد
تشعر سلام بأنها حبيسة داخل العاصمة المصرية القاهرة، إذ تخشى طوال الوقت المرور على أي من الأكمنة الأمنية على الطرق منذ إتمام دراستها في مصر التي كانت قد حصلت بموجبها على الإقامة في البلاد منذ قدومها من سوريا، لكنها يحدوها الأمل من تبني مصر قانونا جديدا بشأن اللجوء.

هذا الهاجس حاضر أيضا في العراق بشكل كبير، بسبب مشاركة الجولاني نفسه في أنشطة مسلحة حينما كان عضوا بتنظيمات إرهابية هناك، لكن وفدا أمنيا عراقيا زار دمشق، والتقى الجولاني لبحث مستقبل العلاقات.

ويرى الدبلوماسي السابق، حسن، أن "العراق وكذلك الأردن (الذي زار وزير خارجيته دمشق) يختلف موقفهما عن مصر ربما لامتلاك البلدين حدودا مشتركة مع سوريا، فهذه الدول جيران، والعراق طالما عانى من داعش وحاربه لسنوات".

واستطرد: "من الوارد أن ترسل مصر وفودا إلى دمشق، لأن سوريا في غاية الأهمية بالنسبة لمصر"، وضرب مثالا على تقارب البلدين بالقول: "كما نعلم فإن لدينا في مصر الجيش الثاني الميداني، ولا يوجد مسمى الأول، لأن الجيش الأول الميداني كان الجيش السوري خلال فترة الوحدة بين البلدين (من 1958 إلى 1961)، واستمرت التسمية في مصر حتى الآن".

تسليم المطلوبين.. هل من إمكانية؟

اعتبر العبد الله في حديثه للحرة، أن العلاقة بين مصر والإدارة السورية الحالية "عبارة عن ملف متعدد الأبعاد، تحكمه العديد من الحسابات السياسية والأمنية". 

وتابع: "رغم أهمية العامل الأمني في هذه العلاقة، فإنه لا يُتوقع أن يشكل عائقًا كبيرًا، خصوصًا أن معظم المطلوبين لدى الجهات المصرية يقيمون في دول أخرى أو يحملون جنسياتها مثل تركيا، ورغم ذلك، عادت العلاقات بين مصر وهذه الدول في وقت لاحق".

وهنا يؤكد الشوبكي على هذا الأمر، بالقول إن "جزءا من المخاوف الحالية، كانت موجودة بصورة أكبر تجاه تركيا، واستمر السجال لنحو 10 سنوات قبل عودة العلاقات، عبر التواصل".

وفي هذا السياق، دعا أيضًا إلى "عدم تكرار أخطاء الماضي، وضرورة التواصل مع الإدارة السورية الجديدة وفق إطار تختار فيه كل دولة نموذجها السياسي وتوجهاتها بما يناسبها وشعبها، ولا تفرضه أو تتدخل في شؤون الدول الأخرى".

وتواجه الإدارة السورية الحالية، التي تتشكل من فصائل بقيادة "هيئة تحرير الشام" (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى)، تحديات كبيرة، تتمثل في مواجهة بقايا نظام الأسد والحفاظ على الأمن والسلم الأهلي، بجانب جهود الحصول على ثقة المجتمع الدولي، نظرا إلى ماضي تلك الجماعات.

ونوه العبد الله بأن التحديات الحالية "معقدة، مما يجعل الجهات المختصة غير قادرة بشكل كامل على تتبع أو فهم توجهات بعض الأفراد الذين زاروا البلاد، ومع ذلك، أظهر الشعب السوري ردود فعل قوية تجاه تصريحات مثيرة للجدل، مثل تلك الصادرة عن عبد الرحمن القرضاوي، التي قوبلت برفض واسع".

وتابع: "في هذا السياق، يمكن لأي زيارة لوفد مصري إلى دمشق، أن تمهد الطريق للتفاهم بشأن القضايا المشتركة، وعلى رأسها الملفات الأمنية، التي تظل أولوية للجانبين".

من جانبه، قال حسن إن مصر "تدرس قرارها وستتخذه، ونأمل أن يكون إيجابيا"، مضيفا: "أرى أن المطالبة بترحيل المطلوبين أمر يصعب تنفيذه في ظل المرحلة الحالية، لأن هذه الخطوة تخاطر بانقسام الفصائل، التي تعمل على توحيد صفوفها".

وأشار للحرة إلى أن "حدوث مقاربة بين مصر والإدارة الجديدة في سوريا حول هذا الأمر، ستأتي عبر الحوار.. ومع قرار مصر بالتواصل ستكون هناك العديد الأمور لمناقشتها بالفعل".

سجن بدر في مصر - فرانس برس
سجن بدر في مصر - فرانس برس

بسبب "السوار الذكي"، شهد البرلمان المصري جدلا خلال مناقشات مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بسبب هذه التقنية المقترحة لتكون بديلا عن الحبس الاحتياطي. لكن في النهاية رُفض المقترح لأسباب من بينها أنه "ينال من حرية الفرد".

ووافق مجلس النواب على 39 مادة من مشروع القانون، بينها المادة 112 المتعلقة بتنظيم الحبس الاحتياطي، الذي يقضي بموجبه أشخاص سنوات في الحبس دون إحالة إلى المحاكمة.

وقدم نواب برلمانيون مقترح "السوار الذكي" المستخدم في عدد كبير من دول العالم، حيث قال النائب عن الحزب المصري الديمقراطي، فريدي البياضي، إنه إجراء متبع "منذ سنوات في لبنان والأردن والجزائر".

وأضاف، وفق تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، من بينها "مدى مصر"، أن المتهم حينها "لن يكون مضطرا لزيارة قسم الشرطة لإثبات حضوره"، وهو تدبير احترازي بديل عن الحبس الاحتياطي، الذي يذهب خلاله المتهم إلى قسم الشرطة لعدة ساعات خلال اليوم بشكل دوري أسبوعيا.

"صرت محامية أبي".. قصة صحفي مصري ضاع عمره "احتياطيا"
في السادس والعشرين من سبتمبر عام 2016، علمت طالبة الثانوية العامة، ميرنا، بنبأ القبض على والدها المصور الصحفي المصري، حمدي مختار.

بعد سنوات من الحبس الاحتياطي أحيل في الخامس من يناير الجاري إلى المحاكمة، وكانت ابنته هي المحامية التي تمثله.

لكن المناقشات انتهت برفض المقترح لتعديل المادة التي تسمح بالحبس الاحتياطي في حالات من بينها "توقي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام، الذي قد يترتب على جسامة الجريمة. وفي جميع الأحوال يجوز حبس المتهم احتياطيا إذا لم يكن له محل إقامة ثابت ومعروف في مصر، وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس".

النائب عاطف مغاوري، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، قال في تصريحات تلفزيونية، إن الرفض جاء لأسباب من بينها أن "السوار يتبع الشخص الذي يقيم وسط أسرة، وبالتالي يتم انتهاك الأسرة التي تعيش مع الشخص".

وحينما واجه سؤالا حول أن السوار يتبع الحركة فقط ولا يصدر أصواتا، قال: "هذه مسألة إلكترونية.. لا مانع من تطبيق الأمر في المستقبل حال الطمأنة لنظام يتحكم به، وتحديد من سيديره ويتتبع".

كما نقل "مدى مصر" عن عضو اللجنة الفرعية لإعداد وصياغة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، عمرو يسري، قوله إن السوار يسمح للأجهزة الأمنية بالتردد على منزل المتهم حال فقدان الإشارة الصادرة عنه، "مما يمس حرمة المنزل".

وتابع: "هناك رأي قانوني بأنها تنال من الحرية الفردية للأشخاص.. حامل السوار سيُنظر إليه كشخص غير طبيعي، ويشعر بالانحطاط النفسي وكأنه مدان".

وزير الشؤون النيابية، محمود فوزي، كان حاضرا في الجلسة، وتحدث عن أن عدم تطبيق نظام السوار الذكي يتعلق بمسألة "جاهزية البنية التكنولوجية اللازمة لذلك"، داعيا إلى "عدم وضع نص لا قدرة على تطبيقه".

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد في أغسطس الماضي، على أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعته كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، من دون أن يتحول إلى عقوبة.

ومن المقرر أن تتواصل مناقشات مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي لاقت نصوصه انتقادات نقابية وحقوقية في مصر.

نقابتا المحامين والصحفيين المصريتين ومنظمات حقوقية محلية ودولية وأحزاب سياسية وخبراء أُمميون مستقلون، أصدروا بيانا مشتركا في ديسمبر الماضي، قال إن مشروع القانون "يمكّن مسؤولي النيابة العامة والقضاة من إبقاء الناس محبوسين احتياطياً لأشهر أو سنوات، من دون جلسات استماع مناسبة أو أدلة على ارتكاب مخالفات".