أثار إقرار البرلمان المصري، الاثنين، مادة في قانون الإجراءات الجنائية الجديد، تتعلق بمراقبة الهواتف والمراسلات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمتهمين بالقضايا الجنائية، وحتى الجنح، جدلا واسعا في مصر، تخوفا من حدوث انتهاكات لخصوصية الأفراد وحدود السلطات.
الأمر كان مختلفا في السابق، بحسب المحامي الحقوقي نبيه الجنادي.
إذ كانت المراقبة تتطلب إذنا من هيئة قضائية، وتحتاج إلى تجديد مشروط بأدلة جديدة.
"الآن، يمكن أن تطول المدة بلا حدود واضحة"، بحسب تصريحات الجنادي لموقع "الحرة"، معتبرا أن هذا الأمر يمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان.
وبموجب المادة الجديدة، وهي رقم 79 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، يمكن للنيابة العامة، بعد إذن من القاضي الجزئي، مراقبة المكالمات، والرسائل، وحسابات التواصل الاجتماعي.
ورغم تطمينات بأن الإذن محدود بمدة 30 يوما، قابلة للتجديد، يعترض حقوقيون على صياغة المادة التي قد تؤدي إلى مراقبة طويلة، دون مبرر واضح.
بين الأمن والخصوصية
وخلال الجلسات، وصف عضو مجلس النواب عن حزب الوفد محمد عبد العليم داوود، المادة بأنها تفتح المجال لتمديدات غير محدودة.
وقال: "هناك ناس اختفت في مستشفى الامراض العقلية والسجون بسبب المدد غير المتناهية في التجديد، وهناك من دخل شابا وخرج شيخا".
لكن الأغلبية في البرلمان رفضت مقترحات بعض النواب بتحديد مدد تجديد الإذن بالمراقبة أو الاطلاع أو التسجيل، حتى لو كانت تسع مرات بحسب أحد المقترحات.
"يمكن أن تصبح حياة شخص بالكامل تحت المراقبة لفترة طويلة دون أي تحقيق فعلي أو حتى توجيه تهمة"، بحسب الجنادي محذرا من التداعيات.
مديرة وحدة المساعدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير فاطمة سراج، أكدت قلقها أيضا من تأثير المادة على حرية المواطن المصري.
وتقول سراج إن المشكلة لا تكمن فقط في نص المادة 79 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد "بل في التطبيق".
"من يضمن عدم استخدام هذه الصلاحيات للتعدي على حرمة الحياة الخاصة"، مؤكدة أن "الخصوصية حق دستوري".
ومصر من الدول التي تُلاحق النشطاء المعارضين بمحاولات مراقبة اتصالاتهم واستهداف أجهزتهم الإلكترونية.
في عام 2021، كُشف عن استهداف السياسي المعارض أيمن نور، المقيم خارج مصر، ببرنامج التجسس "بريداتور"، مما أثار ضجة دولية حول استخدام أدوات التجسس لاستهداف الأصوات المعارضة.
وفي سبتمبر 2023، كشف باحثون في مختبر "سيتيزن لاب" الكندي عن اختراق هاتف النائب المصري أحمد الطنطاوي. هذا الإعلان تزامن مع إعلان الطنطاوي نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة لمنافسة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
لكن مسار الطنطاوي السياسي شهد منعطفا حادا لاحقا، حيث أودع السجن بعد إدانته بارتكاب مخالفات مزعومة أثناء الحملة الانتخابية، في خطوة أثارت مزيدا من الجدل حول مستقبل الحريات السياسية في البلاد.
تتعارض مع الدستور
وبحسب الجنادي، فإن هذه المادة تتعارض مع نص المادة 57 من الدستور المصري التي تنص على حرمة الحياة الخاصة، وأن "للمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة".
لكن وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب محمد عبد العزيز يرد على ذلك بأن المادة تؤكد على أن "المراقبة تتم بإذن قضائي مسبب، ولمدة محددة، ولا تُستخدم إلا في الجرائم التي تتطلب عقوبات جادة. الهدف ليس انتهاك الخصوصية، بل توفير أدوات فعالة لمكافحة الجرائم".
إذا تم القبض على شخص، وكان الدليل جملة قالها في الهاتف أو في رسالة نصية، بناء على هذه المادة الجديدة، فهل يمكن حينها الطعن بعدم دستوريتها.
يرى الجنادي أن المادة الجديدة قد تواجه تحديات قانونية مستقبلية.
ويقول إن "الطعن بدستورية هذه المادة قد يكون واردًا. لكنها قضية معقدة؛ فالقرار يبقى في يد المحكمة الدستورية".
وحذر من أنه "إذا لم تتم مراجعة هذا القانون الآن، فقد نجد أنفسنا أمام أزمة قانونية ومجتمعية لاحقا".