اعتقل الصحفي حمدي مختار في سبتمبر 2016 من أمام نقابة الصحفيين وسط القاهرة.
أبقته السلطات المصرية رهن الحبس الاحتياطي لمدى عامين، قبل أن تخلي سبيله بتدابير احترازية عام 2018.
عاودت السلطات القبض عليه مجددا في يناير 2021.
استمر حبسه أربعة أعوام، لكن من دون محاكمة عن الاتهامات التي وجهت له، بينها: "نشر أخبار كاذبة"، و"الانضمام لجماعة إرهابية".
يتكرر توجيه هذه الاتهامات بشكل شبه مستمر، لأغلب المعارضين المعتقلين.
وفي الخامس من يناير الجاري، أحيل إلى المحاكمة فجأة، في نمط جديد يقول عنه الحقوقي مختار منير خلال حديثه مع موقع "الحرة" إنه "شمل المئات من المحبوسين احتياطيا منذ أكتوبر الماضي".
قال منير إن "هذا التحول يمثل نمطا جديدا في التعامل مع المعتقلين".
قال أيضا: "المئات ممن احتجزوا احتياطيا لفترات تتجاوز أربع أو خمس سنوات بمخالفة القانون، تم تحويلهم إلى المحاكم في قضايا منفصلة، بعد أن ظلت النيابة تماطل في التصرف القانوني خلال المدة المحددة".
وتابع: "لو كان هذا النمط قديما، لانتهت النيابة من التحقيقات خلال العامين القانونيين وأحالت القضايا منذ البداية".

بعد سنوات من الحبس الاحتياطي أحيل في الخامس من يناير الجاري إلى المحاكمة، وكانت ابنته هي المحامية التي تمثله.
ودانت 10 منظمات حقوقية مصرية، الأحد، إحالة نيابة أمن الدولة العليا مئات المعتقلين السياسيين إلى محاكم الإرهاب.
تشمل هذا القضايا، صحفيين ومحامين ونشطاء يواجهون اتهامات "متكررة في قضايا مُعاد تدويرها"، وفقا لبيان المنظمات.
واعتبرت المنظمات هذه الإحالات، بأنها تمثل استكمالا لانتهاكات حقوق المحاكمة العادلة وحقوق المحتجزين "التي لا تكف نيابة أمن الدولة العليا عن ارتكابها" وفقا لها.
وأحيل المحامي الحقوقي إبراهيم متولي، المحتجز منذ عام 2017، للمحاكمة على ذمة القضيتين 900 لسنة 2017 والقضية 1470 لسنة 2019 بذات التهم.
وبالمثل، تجدد حبس المحامية الحقوقية هدى عبد المنعم على ذمة القضية 730 لسنة 2020، رغم الحكم بحبسها 5 سنوات في القضية 800 لسنة 2019، بذات التهم أيضا.
وبعد إخلاء سبيل المواطنة هبة مصطفى عبد الحميد في القضية رقم 277 لسنة 2019، عقب 5 سنوات من الحبس الاحتياطي، أحيلت كمتهمة بالتهم ذاتها في القضية رقم 2215 لسنة 2021.
غموض الدوافع
وبحسب مدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير محمد عبد السلام، فقد بلغت الإحالات الجماعية للمحبوسين احتياطيا، أكثر من 120 قضية، تضم كل منها نحو 50 معتقلا أو أكثر.
قال عبد السلام خلال مقابلة مع موقع "الحرة" إن "هذا النمط الجديد، قد يكون استجابة للضغوط الحقوقية الدولية المتعلقة بملف الحبس الاحتياطي المطول الذي يعد بمثابة عقوبة".
وتوجه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الأحد، إلى جنيف، لترأس الوفد المصرى المشارك في جلسة الاستعراض الدوري الشامل لأوضاع حقوق الإنسان في مصر بمجلس حقوق الإنسان، المقرر عقدها الثلاثاء.
ورفع "الحوار الوطني" إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، 24 توصية تدعو لتخفيض مدد الحبس الاحتياطي إلى 4 أشهر في قضايا الجنح، بدلا من 6 أشهر.
كما أوصى بتخفيضها إلى 12 شهرا في قضايا الجنايات، بدلا من 18 شهرا، وتخفيضها إلى 18 شهرا في القضايا التي تصل عقوبتها المؤبد، أو الإعدام، بدلا من 24 شهرا.
وفي 22 أغسطس الماضي، أكد السيسي أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعته كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، من دون أن يتحول إلى عقوبة.

لكن هذا التوجه، لم يتحول إلى واقع، إذ يناقش البرلمان المصري مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي قد يكون السبب في هذا النمط الجديد المتمثل في إحالة المعتقلين السياسيين إلى محاكمات، وفقا لحقوقيين.
ويثير القانون الجديد "قلق" نقابات ومجموعات حقوقية في مصر، إذ ينص على إمكانية إجراء المحاكمات وتجديد الحبس الاحتياطي عن بُعد.
قال الحقوقي المصري مختار منير إن "هذا التحول، يقلل من فرص المحاكمات العادلة".
وأشار إلى أن "الاعتماد على المحاكمات عبر تقنية الفيديو، يخلق مسافة إضافية بين المتهمين والقضاة، مما يؤثر على التفاعل المباشر وإمكانية الدفاع عن النفس".
تقنين الحبس الاحتياطي
يمكن اعتبار هذه المحاكمات، محاولة لتقنين الحبس الاحتياطي المطول، وهو ما يعكس تحولا مثيرا للجدل في نهج التعامل مع المعتقلين.
ففي حين كان يعد الحبس الاحتياطي الطويل، انتهاكا قانونيا، تحولت القضايا إلى أحكام قضائية محتملة، تتراوح بين 3-15 عاما، بحسب التهم الموجهة.
ووفقا لمدير مؤسسة حرية الفكر والتعبير محمد عبد السلام، فإن النيابة ترفض ضم مدد الحبس التي قضاها المحتجزين، أو احتسابها ضمن الأحكام الصادرة بحقهم.
ويعتبر وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري، محمد عبد العزيز، مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بأنه وضع ضمانات لمنع تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة، من خلال تحديد مدته وعدم تركها مفتوحة.
وقال في تصريحات تلفزيونية السبت إن "أسبابا محددة لاستخدام الحبس الاحتياطي، مثل الخشية من هرب المتهم، أو إضراره بمصلحة التحقيق، أو التأثير على الشهود، أو الإخلال الجسيم بالأمن العام".
وبينما تتسارع الإحالات والمحاكمات، تتزايد المعاناة الإنسانية للمعتقلين وأسرهم، الذين ينتظرون منذ سنوات، دون معرفة مصير أحبائهم.
يذكر أن ميرنا ابنة الصحفي حمدي مختار، كانت في الثانوية العامة عندما اعتقلت السلطات والدها، لكنها تقف اليوم وسط المحكمة برداء المحاماة الأسود لتدافع عنه.
وتتحدث ميرنا عن اشتياق أسرتها لأبيها: "الوضع صعب. والدتي عاشت كل هذه الظروف مع أطفال دون والدهم".
قالت خلال مقابلة مع موقع "الحرة": "كان من المفترض أن يشاركنا المناسبات، من أعياد وشهر رمضان، وحفل تخرجي ولحظة مناقشة رسالة الماجستير".