مصر تكافح من أجل الحد من التضخم . أرشيفية
مصر تكافح من أجل الحد من التضخم . أرشيفية

مع وصول التضخم في مصر لحوالي 24 في المئة بنهاية يناير، أقرت الحكومة المصرية الأربعاء، رفع الحد الأدنى للأجور إلى سبعة آلاف جنيه مصري (أي أقل من 140 دولار) شهريا.

الزيادة التي أقرت لموظفي القطاع العام، تبدأ من يوليو المقبل، وكان قد سبقها قرار يقضي برفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في القطاع الخاص عند 7 آلاف جنيه مصري أيضا، على أن يبدأ منذ مطلع مارس.

المحلل الاقتصادي المصري، وائل نحاس قال إن هذه القرارات هي في شكلها العام، تمثل "زيادات على دخل المصريين"، ولكنها في الحقيقة ليست إلا محاولات للتخفيف من "تآكل القدرة الشرائية" للمواطنين.

وقال نحاس في حديث لموقع "الحرة" إن الزيادات التي تطرأ على دخل المصريين منذ 2023، تشبه "العلاجات المسكّنة" لحالة "مرض شديد" أصيبت بها جيوب المصريين.

وزاد أنها تحمل في طياتها الكثير من "الخفايا والمفاجآت".

ومنذ عامين، تشهد مصر إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها.

وتفاقم التضخم وبلغ 40 بالمئة في العام 2023 بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري الذي فقد نحو ثلثي قيمته مقابل الدولار.

ويعيش ثلثا سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.

تآكل القدرة الشرائية

ويشرح نحاس وهو خبير في أسواق المال إن مع الزيادة الحالية فهي لا تعادل بقدرتها الشرائية الحقيقة ما كانت عليه الأجور قبل 2023.

الحد الأدنى للأجور في يوليو المقبل سيكون 7 آلاف جنيه (ما يعادل 138 دولار)، بينما في مطلع 2022 كان وقتها 2400 جنيه ما يعادل (152 دولار)، بحسب النحاس.

ورفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور 50 في المئة إلى ستة آلاف جنيه في فبراير من 2024، والذي كان يعادل حينها 194 دولارا.

ويواجه المصريون معدلات تضخم مرتفعة منذ أوائل 2022 في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أدى إلى سحب مستثمرين أجانب مليارات الدولارات من أذون الخزانة المصرية.

وأشار وزير المالية المصري، أحمد كجوك الأربعاء أن هذه الزيادة ضمن حزمة حماية اجتماعية بعد عرضها على الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وقال إن حزمة الحماية الاجتماعية الجديدة مقسمة إلى جزئين، الأول يبدأ تطبيقه مع بداية شهر رمضان وحتى نهاية السنة المالية الجارية بينما يبدأ تطبيق الجزء الثاني اعتبارا من يوليو بالتزامن مع بداية السنة المالية في مصر ويشمل زيادة الأجور والمعاشات.

وتأتي زيادة الأجور ضمن حزمة أوسع للحماية الاجتماعية من المتوقع أن تتكلف ما بين 80 إلى 85 مليار جنيه (1.6-1.7 مليار دولار)، ومن المقرر أن تبدأ في السنة المالية الجديدة بداية يوليو.

وقال نحاس إنه منذ مارس من 2024 هبطت قيمة صرف الجنيه المصري بـ 62 في المئة، بينما بلغت معدلات التضخم السنوي حوالي 24 في المئة بنهاية يناير 2025، ما يعني أن الزيادة في الأجور لم تعوض حتى التآكل في القدرة الشرائية.

ودعا وقال أعيدونا إلى مستويات الدخل التي كان للجنيه قدرة شرائية أفضل بكثير مما هي عليه الآن.

ومن المقرر تنفيذ حزمة مؤقتة للحماية الاجتماعية بقيمة تتراوح بين 35 إلى 40 مليار جنيه (692-791 مليون دولار) خلال الفترة من مارس إلى يونيو.

وتتضمن تلك الحزمة زيادة مخصصات بطاقات التموين في البلاد لدعم 10 ملايين أسرة من الأشد احتياجا خلال شهري مارس وأبريل.

ضريبة الدخل

الحكومة المصرية تتجه لزيادة الأجور- أرشيفية من رويترز

ومن الخفايا الأخرى لهذه الزيادة أنها ستجعل من جميع العاملين المصريين بحسب الخبير الاقتصادي نحاس ضمن "شريحة جديدة من ضريبة الدخل، ما يعني أن ما كان يعتقدون أنه زيادة، سيضيف عليهم أعباء لم تكن متوقعة".

"والزيادة التي دفعتها الحكومة من جهة، ستحصلها كضريبة دخل من جهة أخرى".

وقال نحاس أن هذه الزيادة تعني أن جميع العاملين في القطاعين العام والخاص ضمن شريحة الـ 84 ألف جنيه مصري.

وتاليا شرائح ضريبة الدخل التصاعدية بحسب التعديلات التي أجريت في 2024:

- من يقل دخل عن 40 ألف جنيه، لا شيء.

- من 40 ألف جنيه 55 ألف جنيه، ضريبة 10 في المئة.

- من 55 ألف جنيه إلى 70 ألف جنيه، ضريبة 15 في المئة.

- من 70 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه، ضريبة 20 في المئة. 

- من 200 ألف جنيه إلى 400 ألف جنيه، ضريبة 22.5 في المئة.

- من 400 ألف جنيه إلى 1.2 مليون جنيه، ضريبة 25 في المئة. 

- ما زاد عن 1.2 مليون جنيه، ضريبة 27.5 في المئة.

"لهيب الصيف والأسعار"

السيسي يواجه تحديات اقتصادية في ظل ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية

وتواجه مصر أزمة اقتصادية ممتدة ونقصا مزمنا في العملة الأجنبية، مما دفع البلاد إلى طلب قرض حجمه ثمانية مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لتحقيق الاستقرار في اقتصادها.

والتزمت مصر بموجب الاتفاق في مارس من 2024 مع الصندوق بالحفاظ على مرونة سعر الصرف وتقليص دور الدولة في الاقتصاد وتعزيز مشاركة القطاع الخاص.

ويرجح الخبير الاقتصادي النحاس، أن المواطنين المصريين على موعد مع "مفاجآت" في الصيف المقبل إذ ستكون المعاناة "مزدوجة من لهيب الحر، والأسعار".

معدلات التضخم في مصر

وقال عن السلطات المصرية تمضي في تطبيق ما هو متفق عليه "المعلن وغير المعلن" مع صندوق النقد الدولي.

إذ أنها عومت أسعار الجنيه، ويتبعها بشكل تدريجي الانسحاب من الدعم للمواد والسلع والتحول للدعم النقدي، ناهيك عن تحقيق شرط زيادة إيرادات ضريبة الدخل بضم جميع العاملين إلى شرائح لم يكونوا ضمنها.

وفي نوفمبر الماضي أكدت السلطات المصرية أنها لن تتخذ أي قرارات قد تضيف "أعباء مالية" على المصريين خلال "الفترة المقبلة" من دون أن يحدد مدتها.

وجاء هذا التعهد بعدما رفعت الحكومة المصرية في أكتوبر أسعار الوقود والمحروقات بنسبة تصل إلى 17.5 في المئة، رغم أن التضخم سجل أكثر من 26 في المئة سبتمبر من 2024.

ويعلق نحاس قائلا  إن تعهد الحكومة المصرية له زمن محدد، ينتهي بعد رمضان، إذ ستشهد الفترة التي تلي أبريل المقبل حزمة قرارات اقتصادية تؤثر على شريحة واسعة من المصريين، ومن بينها "تحريك أسعار المحروقات".

وبموجب برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، يفترض أن يتم رفع أسعار الوقود مرة أخرى بعد ستة أشهر.

وهو ما قد سيوجد ضغوطا "تضخمية" في الأشهر المقبل، حتى قبل استلام الموظفين للزيادات على رواتبهم، بحسب نحاس.

وبلغ معدل التضخم بالمدن المصرية بأعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المئة في سبتمبر من عام 2023. وبحلول أكتوبر 2024 كان انخفض إلى 26.5 في المئة.

ويؤكد النحاس أن ما يدلل على ذلك قرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري الخميس الماضي الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، وذلك للمرة السابعة على التوالي، إذ أنهم يعلمون تماما هي الضغوط التضخمية القادمة في الاقتصاد المصري.

كما ساهم النمو السريع في المعروض النقدي بمصر في زيادة التضخم. إذ أظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما بأعلى وتيرة على الإطلاق عند 31.07 في المئة في عام 2024.

كما أن الحكومة بدأت في التلميح إلى إمكانية إجراء قطع ممنهج للكهرباء في الصيف المقبل للتخفيف على محطات توزيع الكهرباء، بسبب ارتفاع فاتورة استيراد الغاز على الدولة.

وترزح مصر، أكبر دولة عربية لناحية عدد السكان، تحت وطأة ديونها الخارجية ما يقرب من 165 مليار دولار وتمر حاليا في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، مع تزايد الحاجة إلى مساعدات مالية في ظل تضخم متسارع.

ويعاني الاقتصاد المصري سلسلة صدمات مرتبطة بالحرب في غزة، مثل هجمات الحوثيين اليمنيين على السفن التجارية التي يعتبرونها مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن.

وقد أدى ذلك إلى انخفاض إيرادات قناة السويس بنسبة 70 في المئة، وهو ما يمثل ربحا فائتا للحكومة المصرية بقيمة تراوح بين 6 و7 مليارات دولار.

المسؤولون المصريون يعترفون بـ"الضغوط التي لا يحتملها الرأي العام"، ويؤكدون اتباعهم لسياسات للحد من التضخم.

المسؤولون في صندوق النقد الدولي يعدون بـ "اقتصاد مصري أكثر ديناميكية وازدهارا".

ويتساءل الخبير الاقتصادي، نحاس "هل يحتمل المصريون حتى يتعافى اقتصاد بلادهم؟ أم أن "الاستياء الشعبي" قد يربك الخطط المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي؟.

والإجابة عن هذه التساؤلات ستكشفها "الأشهر المقبلة"، أضاف.

مصر نفت بشكل قاطع مزاعم نقل نصف مليون من غزة إلى سيناء
مصر نفت بشكل قاطع مزاعم نقل نصف مليون من غزة إلى سيناء (Reuters)

نفت مصر بصورة "قاطعة وتامة" ما وصفتها بالمزاعم التي تداولتها بعض وسائل الإعلام، بأنها مستعدة لنقل نصف مليون مقيم من غزة بشكل مؤقت إلى مدينة مخصصة في شمال سيناء كجزء من إعادة إعمار قطاع غزة.

وأكدت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، في بيان نقلته "القاهرة الإخبارية" المقربة من الحكومة المصرية، "كذب تلك الادعاءات الباطلة."

وأضاف البيان أن تلك الادعاءات "تتنافى جذريًا وكليًا مع موقف مصر الثابت والمبدئي الذي أعلنته منذ الأيام الأولى لحرب الإبادة على غزة في أكتوبر 2023، بالرفض القاطع والنهائي لأي محاولة لتهجير الأشقاء الفلسطينيين منها، قسرًا أو طوعًا، لأي مكان خارجها، وخصوصًا إلى مصر، لما يمثله هذا من تصفية للقضية الفلسطينية وخطر داهم على الأمن القومي المصري."

وأنهت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية تصريحها بأن "الموقف المصري الثابت والواضح، هو الذي قامت عليه ومن أجله الخطة اللي قدمتها مصر في قمة القاهرة العربية الطارئة الأخيرة لإعادة إعمار قطاع غزة، دون مغادرة شقيق فلسطيني واحد له، والتي وافقت عليها القمة بالإجماع."

وكانت مصر أعلنت في قمة طارئة بالقاهرة عن خطة لإعادة إعمار غزة ستتكلف 53 مليار دولار وتتجنب تهجير سكان القطاع.

ونصّت الخطة على عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع الذي طردتها منه حماس في 2007، واستبعاد الحركة عمليا من إدارته.

وتلحظ الخطة التي صاغتها القاهرة إعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين مع عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اقترح خطة لنقل سكان غزة إلى مصر والأردن لإعادة إعمارها وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" لكن القاهرة وعمّان رفضتا هذا المقترح.