"نحن في سباق مع الأسعار.. سباق تدهس فيه الأخيرة كل ما في طريقها".. هكذا وصفت أم مصرية وضع أسرتها الاقتصادي في وقت أعلنت فيه الحكومة المصرية عن زيادة لأجور العاملين في الدولة.
هبة عبد الرازق أم لثلاثة أبناء عمرها 52 عاما، تعمل في مصنع ملابس غير حكومي، وبالتالي لن تتأثر بما أعلنته الحكومة في أول أيام عيد الفطر، الاثنين.
"لن أتأثر بالقرارات الحكومية إلا بالسلب.. تعلمنا على مدار السنوات الماضية أن زيادة الأجور يتبعها رفع في الدعم، ونحن (قطاع خاص) أكبر المتأثرين" تقول عبد الرازق.
تواصلت الحرة مع عدد من المواطنين في مصر، قالوا إنهم يتوقعون زيادة مقبلة في الأسعار، بعد رفع الأجور.
والاثنين، كشف وزير المالية المصري أحمد كجوك، أنه ستتم زيادة أجور العاملين بالدولة اعتبارًا من أول يوليو المقبل، مع بدء تنفيذ موازنة العام المالي الجديد 2025-2026.
وقال كجوك، في تصريحات نقلها حساب رئاسة الوزراء المصري، إنه سيتم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه (حوالي 140 دولارا) اعتبارًا من يوليو المقبل، لافتًا إلى أن أقل درجة وظيفية ستزيد 1100 جنيه في "إجمالي الأجر" شهريًا.

وأوضح وزير المالية أنه ستتم زيادة العلاوة الدورية 10% للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية و15% لغير المخاطبين بحد أدنى 150 جنيهًا شهريًا، وزيادة علاوة "غلاء المعيشة" من 600 إلى 1000 جنيه (حوالي 20 دولارا)، وزيادة الحافز الإضافي 300 جنيه لكل الدرجات الوظيفية من "السادسة" حتى "الممتازة".
"عيدية الدولة"
تحدث مواطنون للحرة، وقال بعضهم إنهم كموظفين غير حكوميين لن تزيد مرتباتهم بعد القرار الحكومي "وبالتالي مع إلغاء جديد للدعم الحكومي على السلع أو الوقود، سترتفع الأسعار ولن نجد مثل موظفي الحكومة دعما ولو بسيطا".
وقبل نحو عام خفضت القاهرة قيمة الجنيه بشكل حاد، ورفعت أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس ووقعت حزمة دعم مالي موسعة بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
وتفاوضت القاهرة مع صندوق النقد الدولي على الاتفاق، بعد أزمة عملة حادة، وبعد أن تسببت الحرب في غزة في استنزاف عوائد السياحة وقناة السويس.
وجاء قرض صندوق النقد الدولي في أعقاب صفقة استثمارية قياسية بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات.
تقول ياسمين إبراهيم (41 عاما)، في اتصال هاتفي مع الحرة من القاهرة، إنها موظفة بوزارة الصحة وبالطبع سوف تستفيد من الزيادة الجديدة في الأجور.
حينما أعلنت الدولة عن تفاصيل زيادة الأجور، جاءت في أول أيام عيد الفطر، لتكون أشبه ما تكون بـ"عيدية" للمواطنين.
و"العيدية" في مصر هدية مالية يقدمها الكبار للأطفال في عيد الفطر، ليسعدوا بها ويشترون الألعاب وما يشتهون من الطعام والشراب.
تقول إبراهيم "لدي 4 أبناء الأكبر في الثانوية العامة، والصغرى في الصف الأول الابتدائي، وتدعمنا العائلة بعد وفاة والدهم قبل سنوات، ويكون هذا الدعم عادة قبل الأعياد لشراء الملابس والمستلزمات".
وتضيف للحرة: "أدخل أيضا جمعيات من أجل توفير احتياجات العيد من كعك ارتفعت أسعاره بشكل جنوني، وملابس أيضا، غيرنا أماكن الشراء ونوع المحال بسبب الغلاء".
والجمعيات مبادرة شهيرة للادخار لدى المصريين، حيث يشارك عدة أشخاص في الجمعية، يدفع كل منهم مبلغا ثابتا شهريا على مدار فترة محددة، ويحصل شخص مشارك في الجمعية على الأموال مع بداية كل شهر.
أحمد إسماعيل (39 عاما) يعمل في "سوبر ماركت" بمدينة نصر في القاهرة، قال إنه يخشى كل يوم على مستقبل طفلته، "من الطبيعي أنه كلما تقدمت في العمر أن أوفر احتياجات أسرتي بسهولة أكبر".
وقبل أسابيع، أكد صندوق النقد الدولي أن القاهرة لا تزال ملتزمة بخفض دعم الوقود.
وكانت مصر رفعت أسعار الوقود مرات عدة خلال السنوات الثلاث الماضية التي تعرضت فيها البلاد لأزمة اقتصادية حادة، ساهمت في تراجع كبير بقيمة عملتها المحلية مقابل الدولار الأميركي.
وتنفق مصر حاليا مليارات الدولارات على دعم أسعار الوقود والطاقة لملايين المستهلكين، وهو ما انتقده مسؤولون حكوميون وخبراء اقتصاديون، بمن فيهم خبراء صندوق النقد الدولي.
"ركض لا يتوقف"
"أعمل منذ نحو 10 سنوات في نفس المكان وارتفع أجرى، لكن أشعر وكأن ما أنفقه من مصروفات والضغط الموضوع على عاتقي لا يقل، بل يزداد مع زيادة الأسعار التي تلتهم زيادة الأجر" يقول إسماعيل للحرة في اتصال هاتفي.
بينما واصلت عبد الرازق حديثها وقالت: "ابني شاب تأجل زواجه لأكثر من عام بسبب الغلاء. يعمل في وظيفتين وكلما جمع أموالا ليشتري مستلزماته، ارتفعت الأسعار مجددا".
وأضافت: "نحن في سباق بين الأسعار والتحويش (جمع المال) تلتهم فيه الأسعار كل ما يأتي في طريقها."
وتابعت: "نخطط للعيد قبل أشهر من قدومه ونوفر أموالا من أجل شراء ملابس جديدة، حتى لا تشعر ابنتي الأخرى (15 عاما) وطفلة ابنتي الثالثة بأنهم أقل من زملائهما".
إبراهيم من جانبها قالت إن ارتفاع الأسعار أجبرها على شراء من مناطق كانت تعتبر لذوي الدخل المنخض.
وقالت: "بدأت أشتري من (الوكالة) في وسط البلد. لم تعد سمعتها كما كانت بأنها سوق للملابس الرخيصة المستعملة، الأسعار هناك ارتفعت أيضا. لم تعد للفقراء".