استخدام اليد اليسرى قد يعني مهارات لفظية أعلى
استخدام اليد اليسرى قد يعني مهارات لفظية أعلى

حدد العلماء، لأول مرة، الفروقات الوراثية التي تميز العسر (مستخدمي اليد اليسرى) والذين يشكلون نحو عشرة في المئة من البشر، عن غيرهم.

ووجد العلماء أن تلك الفروقات تنعكس أيضا على بنية الدماغ، ما يعني أن العسر قد يتميزون بمهارات لفظية أفضل من الغالبية الذين يستخدمون اليد اليمنى.

ورغم أن أبحاثا سابقة أجريت على التوائم بينت أن المورثات مسؤولة جزئيا على الأقل عن استخدام إحدى اليدين، أكدت دراسة جديدة أجراها علماء من جامعة أوكسفورد، أن فروقات وراثية تميز مستخدمي اليد اليسرى عن الأغلبية الذين يستخدمون اليمنى، وفقا للباحث المشارك في الدراسة أكيرا وايبرغ.

وأكد وايبرغ أن الدراسة "تمهد الطريق أمام مزيد من الأبحاث المستقبلية عن أن مستخدمي اليد اليسرى قد يتميزون بمهارات لفظية عن سواهم"، مشيرا إلى أن الدراسة اعتمدت على بحث أعداد كبيرة وأن ليس كل مستخدمي اليد اليسرى متميزين عن غيرهم في أداء المهام اللفظية.

ورأت غوينال داوود، وهي من بين الباحثين المشرفين على الدراسة، ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث "لتقييم ما إذا كان التنسيق الأعلى في المناطق المسؤولة عن اللغة في جانبي الدماغ لدى مستخدمي اليد اليسرى، هو الئي يمنحهم ميزة التفوق في المهارات اللفظية".

واختبرت الدراسة الحمض النووي لنحو 400 ألف شخص بينهم ما يقرب من 38 ألفا يستخدمون اليد اليسرى، وعزلت أربع مناطق وراثية مرتبطة باستخدام اليد اليسرى بينها ثلاث مرتبطة ببروتين موجود في هيكل الخلايا، يؤثر على بنية الدماغ وتطوره.      

ومن خلال تحليل الصور الدماغية لعشرة آلاف شخص قيد الدراسة، وجد الباحثون أن المتغيرات الوراثية لدى مستخدمي اليد اليسرى متعلقة بمساحة المادة البيضاء التي تربط المناطق الدماغية المسؤولة عن اللغة.

وأوضحت داوود أن التواصل بين جانبي الدماغ عند مستخدمي اليد اليسرى كان أكثر تنسيقا عند غيرهم.

وفيما أكدت الدراسة أيضا معلومة متداولة عن أن نسبة مستخدمي اليد اليسرى مرتفعة قليلا بين المصابين بانفصام الشخصية، وجدت أن تلك النسبة منخفضة قليلا بين المصابين بداء باركنسون. 

 

يُصاب كل يوم 4000 شخص بالإيدز في المنطقة
يحل الأول من ديسمبر من كل عام باعتباره اليوم العالمي للإيدز.

يحل الأول من ديسمبر من كل عام باعتباره اليوم العالمي للإيدز، وهو مناسبة تجمع بين الأمل والتحدي لملايين المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة حول العالم. في العالم العربي، لا تزال وصمة العار والتمييز من أبرز التحديات التي تواجه المتعايشين مع الفيروس، مما يدفع العديد منهم إلى العيش في صمت خوفًا من رفض المجتمع.

صراع من أجل الوعي والتغيير

مايا، شابة لبنانية تبلغ من العمر 28 عامًا، عاشت لحظة صادمة عندما أخبرها الطبيب بأنها مصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة. كانت تلك اللحظة أشبه بزلزال قلب حياتها رأسًا على عقب. 

في البداية، دخلت مايا في حالة من الإنكار، غير قادرة على استيعاب حقيقة الأمر تقول في حديثها مع موقع "الحرة": "شعرت وكأنني فقدت السيطرة على كل شيء وبأن حياتي تنتهي ماذا سأفعل؟ كيف سأواجه عائلتي؟ هل سيتركني أصدقائي؟".

مايا عاشت أشهرًا من العزلة والخوف، تحاول التعايش مع السر الذي أثقل كاهلها. كانت تخشى أن تكون نظرة عائلتها إليها مليئة بالإدانة والعار، خاصة أن المجتمع اللبناني لا يزال يعاني من وصمة اجتماعية كبيرة تجاه المرض. 

تضيف مايا:" كان أكثر ما يؤلمني هو خوفي من أن أكون مصدر خيبة أمل لأمي وأبي فكرت ألف مرة في الحديث معهم، لكن الكلمات كانت تختفي كلما حاولت أن أتكلم".

تجربة مايا ليست فريدة من نوعها، إذ يواجه آلاف المصابين بفيروس نقص المناعة في لبنان تحديات مشابهة. 

وفقًا للدكتورة هيام يعقوب، مديرة البرنامج الوطني لمكافحة السل والسيدا في لبنان التابع لوزارة الصحة اللبنانية أكدت في اتصال مع موقع "الحرة"، أن "البلاد تُعتبر من الدول ذات نسب الإصابة المنخفضة مقارنة بغيرها، حيث تم تسجيل 3018 حالة منذ عام 1984".

ومع ذلك، تشير يعقوب إلى "أن الوصمة الاجتماعية لا تزال واحدة من أبرز العقبات التي تحول دون مواجهة المرض بشكل فعال".

ويقدم البرنامج الوطني لمكافحة السيدا في لبنان العلاج مجانًا لجميع المصابين، وهو عبارة عن حبة دواء يومية تسيطر على الفيروس دون إمكانية الشفاء التام منه. الالتزام بالعلاج يمكن أن يحقق نتائج إيجابية مذهلة، إذ يصبح المريض غير قادر على نقل العدوى حتى في العلاقات الجنسية بنسبة تتجاوز 90%، كما يحافظ على مناعته من التدهور. 

تضيف يعقوب: "التحدي الأكبر ليس فقط في توفير العلاج الطبي، بل أيضًا في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، لأن هذا المرض لا يجب أن يكون مصدرًا للخوف، بل يمكن التعايش معه بشكل طبيعي".

وسجل البرنامج الوطني لمكافحة السيدا والسل، التابع لوزارة الصحة العامة، 204 حالات جديدة بين 1 ديسمبر /كانون الأول 2023 و 30 أكتوبر / تشرين الثاني 2024. أما العدد التراكمي للأشخاص الذين كانوا تحت العلاج خلال المدة ذاتها فقد بلغ 2472 حالة.

معركة ضد الوصمة المجتمعية والإيدز

أحمد (اسم مستعار)، شاب مصري يبلغ من العمر 35 عامًا، يحمل قصة مليئة بالتحديات والآلام. أثناء عمله في الخارج، أُصيب بفيروس نقص المناعة المكتسبة، وكانت عودته إلى وطنه نقطة تحول صعبة في حياته. 

يقول أحمد في حديثه لموقع "الحرة": "كنت أشعر بالخوف المستمر من أن يكتشف أحد إصابتي. فكرت في العواقب: كيف ستنظر إلي عائلتي؟ كان الخوف من الأحكام الاجتماعية كابوسًا يلاحقني".

في مواجهة هذا القلق، اضطر أحمد لاتخاذ قرار صعب بعد طرده من عمله "قررت عندها الانتقال إلى مدينة أخرى وبدء حياة جديدة، هربًا من نظرات الناس وأحكامهم. رغم التحديات، لم تكن هذه الخطوة سوى البداية لمحاولة التكيف مع واقع جديد فرضته الإصابة".

تجربة أحمد تسلط الضوء على واقع آلاف المصريين الذين يواجهون الوصمة المجتمعية المرتبطة بالمرض. 

ويقول الدكتور أمجد الحداد، أخصائي أمراض المناعة في حديث لموقع "الحرة"، "إن الكثير من المصابين يرفضون الكشف عن إصابتهم خوفًا من التمييز الاجتماعي، بخاصة في بيئات العمل. 

هذا الخوف المستمر دفع وزارة الصحة والسكان المصرية إلى توفير خدمات تحليل فيروس نقص المناعة بسرية تامة، دون الإفصاح عن هوية المرضى.

بالإضافة إلى ذلك، توفر الوزارة العلاج المجاني للمصابين من خلال 44 مركزًا موزعًا في جميع المحافظات، تشمل المستشفيات النفسية ومستشفيات الحميات". ويضيف الدكتور الحداد "أن هذه الجهود تهدف إلى تحسين جودة الحياة للمصابين وتشجيعهم على التعايش مع المرض".

وعن حقوق المصابين الذي يتم طردهم تعسفيا من العمل كأحمد أكد المحامي رالف أبي عساف في حديثه لموقع "الحرة" أنه "في العديد من الدول العربية، بما في ذلك مصر ولبنان، لا توجد حماية قانونية واضحة ضد الطرد التعسفي للأفراد المصابين بأمراض مزمنة. 

وأضاف أن القوانين المحلية في بعض هذه الدول لا تقدم إجابة شافية بشأن حقوق هؤلاء الأشخاص في مواجهة الطرد من أماكن العمل بناءً على حالتهم الصحية".

وأشار أبي عساف إلى أن "الدساتير في بعض الدول العربية تضمن مبدأ المساواة أمام القانون، مما يعني أن الطرد بسبب مرض معين يُعتبر انتهاكًا لهذا المبدأ. كما أن قوانين العمل، رغم وجود نصوص تحمي العمال من الطرد التعسفي، تظل مليئة بالثغرات التي تجعل من الصعب تطبيق هذه الحماية في حالات معينة. 

ورغم ذلك، تلتزم العديد من الدول العربية بالمواثيق الدولية التي تحظر التمييز على أساس الحالة الصحية، ما يضع الضغوط على أصحاب العمل لضمان بيئة عمل خالية من التمييز".

وفي سياق متصل، ذكر أبي عساف "أن القضايا المتعلقة بالطرد بناءً على الحالة الصحية تظل معقدة، حيث يمكن لصاحب العمل أن يبرر الطرد في حال كانت الحالة الصحية تؤثر فعليًا على قدرة العامل على أداء مهامه".

دور الجمعيات الأهلية والطب النفسي

وتُبرز الجمعيات الأهلية والجهود النفسية أهمية التعامل الشامل مع القضايا الصحية التي تواجه المجتمع، خاصة تلك التي تتسم بحساسيتها وصعوبة الحديث عنها علناً.

ووفقاً للدكتورة ناديا بادران، المديرة التنفيذية لجمعية العناية الصحية للتنمية المجتمعية الشاملة، فإن التحديات تشمل قلة الوعي ووصمة العار الاجتماعية التي تحول دون الوصول إلى المعلومات والخدمات الصحية الضرورية. 

وتقول بادران في اتصال مع موقع "الحرة": "المشكلة لا تقتصر على فئة عمرية واحدة. نلاحظ في مراكزنا وجود أشخاص من مختلف الأعمار يعانون من صعوبة الحديث عن قضاياهم الصحية بسبب الحرج أو الخجل. هذه الحواجز تمنعهم من الوصول إلى المراكز أو حتى مجرد السؤال للحصول على المعلومات." 

وتؤكد على أن توزيع الخدمات الصحية بشكل غير متكافئ، حيث تتركز في المدن الكبرى مثل بيروت، يزيد من صعوبة حصول سكان المناطق الريفية على الدعم اللازم".

وتشير بادران إلى أهمية التوعية المبكرة والفحوصات الدورية التي تساعد الأفراد على فهم حالتهم الصحية والتعامل معها بفعالية.

وتضيف: "في لبنان، يتوفر العلاج بشكل مجاني من خلال برامج وطنية، وهذه خطوة مهمة لضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية المناسبة بغض النظر عن الجنسية أو الخلفية الاجتماعية".

بالإضافة إلى توفير الخدمات، تعمل الجمعية على مواجهة الوصم والتمييز المرتبط ببعض الحالات الصحية. 

وتوضح بادران في معرض حديثها للموقع: "علينا العمل على أكثر من مستوى، بدءاً من تغيير النظرة الاجتماعية العامة وتعزيز قبول الآخر، إلى تدريب الإعلاميين على كتابة موضوعية خالية من الأحكام. كما أن رجال الدين يلعبون دورًا رئيسيًا في الوصول إلى شرائح مختلفة من المجتمع لنقل الرسائل الصحية بطريقة مسؤولة."

وتؤكد بادران أيضًا على أهمية الإطار القانوني لحماية الأفراد من التمييز في العمل وضمان حقوقهم الصحية والاجتماعية. وتشدد على أن الحق في الصحة والعلاج هو حق أساسي يجب أن يُكفل للجميع.

من جهة أخرى، تلقي التحليلات النفسية الضوء على التأثيرات النفسية العميقة التي قد تنشأ نتيجة الوصم الاجتماعي والخوف من الأحكام المسبقة. وترى المحللة والمعالجة النفسية ريما بجاني أن هذا الخوف يؤدي في كثير من الأحيان إلى القلق والاكتئاب، حيث يتجنب البعض الإفصاح عن مشكلاتهم خوفاً من نظرة المجتمع.

وتقول بجاني في اتصال مع موقع "الحرة": "الناس غالباً ما يشعرون بثقل كبير عند محاولتهم إخفاء حالتهم الصحية، وهذا يولد لديهم خوفاً دائماً من الحكم أو الرفض".

وتشير بجاني إلى أن "التغيير التدريجي في النظرة المجتمعية ضروري لتخفيف العبء النفسي عن الأفراد". 

وتضيف: "مع تطور العلاجات، من المهم أن يتمكن الناس من التحدث عن مشكلاتهم بحرية والحصول على الدعم اللازم دون خوف من الأحكام." وتؤكد على "أهمية وجود مساحات آمنة تتيح للأفراد التعبير عن أنفسهم وتلقي المساعدة المتخصصة بعيداً عن أي نظرة سلبية".

وفي اليوم العالمي للإيدز، تتجدد الدعوة إلى التضامن مع المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسبة، ليس فقط من خلال تقديم العلاج والخدمات الصحية، بل أيضًا عبر مواجهة الوصمة الاجتماعية التي تثقل كاهلهم. 

وتبقى قصص مثل مايا وأحمد، رغم خصوصيتها، مرآة لواقع الآلاف في العالم العربي، حيث الخوف من الرفض الاجتماعي يعمّق معاناتهم. فاليوم العالمي للإيدز ليس مجرد مناسبة سنوية، بل فرصة لنشر الأمل والاعتراف بحق كل إنسان في العيش بكرامة، بغض النظر عن حالته الصحية.