عند انتشار عدوى فيروس كورونا في الجسم فان الجهاز المناعي يتصدي بقوة للفيروس عبر ما يسمى بعاصفة السيتوكين وهذه الظاهرة لها أضرار بالغة على الجسم ويمكن أن تؤدي الى الوفاة
عند انتشار عدوى فيروس كورونا في الجسم فان الجهاز المناعي يتصدي بقوة للفيروس عبر ما يسمى بعاصفة السيتوكين وهذه الظاهرة لها أضرار بالغة على الجسم ويمكن أن تؤدي إلى الوفاة

حذرت دراسات عملية وخبراء من أن خطورة فيروس كورونا المستجد لا تقتصر فقط على إلحاق ضرر بالغ بالجهاز التنفسي، خصوصا لدى المسنين، وإنما في توجيه النظام المناعي للإنسان ضد المصابين بالفيروس بغض النظر عن الفئة العمرية،  عبر ما يسمى بـ "عاصفة السيتوكين".
ويتجسد ذلك التحذير في عدد من المشاهدات التي لاحظها المختصون خلال تصديهم للوباء القاتل الذي ظهر في الصين في ديسمبر الماضي قبل أن يفتشى في العالم ويصيب أكثر من نصف مليون شخص ويقضي على ما لا يقل عن 20 ألف آخرين.
ومن تلك المشاهدات زيارة امرأة لمستشفى بروكلين في نيويورك الموبوءة بالمرض، بأعراض ذبحة صدرية أكدتها حتى الفحوص الطبية، بعد كشف مخططات القلب، ورصد ارتفاع في نسب التروبونين،  وهو بروتين بالدم يدل على تلف في عضلات القلب.
 هرع اختصاصيو القلب لفتح "شرايين المريضة المسدودة" حسب تشخيصهم، لكنهم تفأجوأ بأن الشرايين كانت طبيعية وأن سبب أزمتها: فيروس كورونا المستجد.
المعروف أن فيروس كورونا، وعلى غرار فيروسات الإنفلونزا الأخرى، يصيب في الأغلب الجهاز التنفسي، لذلك اعتاد الناس على أعراضه التنفسية،  مثل الحمى والصداع والسعال، وكذلك ضيق التنفس، كما في حالة كورونا المستجد.
أعراض غربية
لكن الفيروس جديد، وخلال رحلة البحث لاستكشاف أمره، تظهر بين الفينة والأخرى تقارير حديثة عن اكتشاف أعراض  جديدة للمرض المعروف باسم كوفيد-19، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، الفقدان المفاجيء لحاسيتي الشم والتذوق ومشاكل في الجهاز الهضي،  والآن يدور الحديث عن أعراض تشبه الذبحة الصدرية، تؤيدها حتى الكشوفات المخبرية.
ناقوس الخطر
هذه التطورات جعلت كثيرين يدقون ناقوس الخطر ويحذرون من أن ضرر فيروس كورونا لا يقتصر فقط على الجهاز التنفسي، بل قد يرتبط بمشاكل أخرى خطيرة، على رأسها المشاكل القلبية.
حالة المريضة الأميركية التي أدخلت مستشفى بروكلين لم تكن الأولى من نوعها، فقد تم رصد حالات شبيهة في أميركا وخارحها.
فقد وجدت  دراسة  قادها باحثون في مستشفى تشونغنان بجامعة ووهان، التي انطلق منها الوباء في وسط الصين، أن 20 في المئة من المرضى لديهم أعراض تدل على تلف القلب.
واللافت أن معظم المرضى لم يعانوا من مشاكل قلب كامنة، لكن قراءات مخططات القلب الكهربائية وفحوصاتهم المخبرية كانت غير طبيعية، على غرار المريضة الأميركية. 
الأمر، أثار انزعاجا وتساؤلات كبيرة وسط الأطباء والخبراء.
هل كل مريض لديه أعراض ذبحة صدرية، يجب أن يخضع أولا لفحص الكورونا والتأكد من أن الفيروس أتلف عضلات القلب أم لا؟.
أم أن المريض قد يكون يعاني بالفعل من ذبحة صدرية ولابد من إجراء عاجل لإنقاذ حياته؟
دكتور نير أوريل، اختصاصي القلب في جامعة كولومبيا ووحدة أبحاث الطب الحيوي في كلية الطب بجامعة كورنيل في نيويورك، يقر بصعوبة المهمة "لا أعرف الإجابة الصحيحة" على هذا السؤال.
"عاصفة سيتوكين"
وقد أظهرت دراسات مماثلة أجريت في إيطاليا الموبوءة أيضا بفيروس كورونا، وجود مشاكل في القلب لدى مصابين بفيروس كورونا. 
ورجح إنريكو أميراتي، الخبير في التهاب عضلة القلب في مستشفى نيغواردا في ميلانو، أن تكون مشاكل القلب لدى المصابين بفيروس كورونا، مرتبطة باستجابة جهازهم المناعي للفيروس.
أيده في الرأي دكتور سكوت سولومون، اختصاصي القلب بجامعة هارفارد "من المحتمل أن يكون التهاب العضلة القلبية ناتجا عن الفيروس نفسه، أو استجابة الجسم المناعية".
ويرى الخبراء أن الجهاز المناعي للإنسان، وفي مسعى للتغلب على الفيروس، يضخ كميات مفرطة من مادة السيتوكين  عبر عملية تسمى بـ "عاصفة السيتوكين"، وهي مادة كيمائية تنسق عمل الجهاز المناعي للتصدي للفيروس لكنها عندما تتجاوز الحد، تضر بالرئتين والقلب، على حد سواء.
وخطورة هذه الحالة تزداد لدى كبار السن، والأشخاص الذي يعانون من أمراض مزمنة، ممن أصيبوا بالفيروس.
ويرى خبراء أن جهاز المناعة عندما يصل إلى هذه الحالة فإن ضرره قد يكون أكبر من نفعه.
تخثر الدم
فالسيتوكينات تعزز تخثر الدم، الأمر الذي يمكن أن يسبب جلطات في الشرايين التاجية وبالتالي يؤدي إلى ذبحات صدرية، حسب بيتر ليبي، طبيب القلب في كلية الطب بجامعة هارفارد.
عدم انتظام ضربات القلب
ومن الاحتمالات الأخرى، وفقا لدكتور ليبي، أن تكون مشاكل القلب ناجمة عن تداعيات الضرر الذي لحق بالرئتين جراء الفيروس أو السيتوكين "الرئتان لا تعملان، لذلك لا يوجد ما يكفي من الأكسجين. هذا يزيد من خطر عدم انتظام ضربات القلب Arrhythmias".
الحمى
كما أن الحمى الناجمة عن "عاصفة السيتوكين"، تزيد من حرق الطعام وتدفق الدم من القلب لكن قلة الأوكسجين تجهد القلب، وتؤدي الى تلف عضلاته.
ضرر مباشر للقلب
ولم يستبعد خبراء احتمال تسبب الفيروس في ضرر مباشر بالقلب.
ففي سياتل عاصمة ولاية واشنطن توفي مريض مصاب بالفيروس مؤخرا بعد تعرضه لما يسمى بـ Heart Block وهي حالة مرضية تنشأ عن عدم قدرة الإشارات الكهربائية التي تتولد في الجزء العلوي من القلب، وتحدد إيقاع القلب الطبيعي، من الوصول إلى أسفل القلب.
عندما يحدث ذلك فان خفقان القلب يقل تدريجيا، وقد كان الرجل مصابا بمرض رئوي، مما أدى إلى تفاقم حالته، حسب أبحاث طبية واردة من مستشفى واشنطن، ما زالت تبحث في علاقة الفيروس المباشرة بالضرر الذي لحق بالقلب.
ويقول خبراء في الصين إن للفيروس أيضا قدرة على مهاجمة أعضاء أخرى حيوية في الجسم مثل الكلى وعندما تنتشر العدوى في الجسم، يحاول الجهاز المناعي التصدي للفيروس بكامل قواه عبر عاصفة السيتوكين،  الأمر الذي يؤدي إلى تلف شامل في خلايا الجسم وأجهزته، فيما يسمى بـ  septic shock.
 ويعتقد أن "عاصفة السيتوكين" كانت لها دور رئيسي خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية التي قضت على 50 مليون شخص في  عام 1918.

هناك أكثر من 55 مليون شخص حول العالم مصابون بالخرف - صورة تعبيرية.
هناك أكثر من 55 مليون شخص حول العالم مصابون بالخرف - صورة تعبيرية.

مع وجود ملايين الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج فعال، تثار العديد من التساؤلات حول سبب تعثر الباحثين في مسعاهم لإيجاد علاج لما يُعتبر على الأرجح أحد أهم الأمراض التي تواجه البشر .. الزهايمر.

في يوليو 2022، أفادت مجلة "ساينس" بأن ورقة بحثية نُشرت في مجلة "نيتشر" عام 2006، حددت نوعًا من البروتينات الدماغية يسمى "بيتا-أميلويد" كسبب لمرض الزهايمر، لكن ثبتت لاحقا أن الورقة استندت إلى بيانات غير دقيقة.

وفي يونيو 2021، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على "أدوكانوماب"، وهو جسم مضاد يستهدف "بيتا-أميلويد"، كعلاج لمرض الزهايمر، رغم أن البيانات الداعمة لاستخدامه كانت غير مكتملة ومتضاربة.

بعض الأطباء يرون أنه لم يكن ينبغي الموافقة على "أدوكانوماب"، بينما يصر آخرون على أنه يجب إعطاؤه فرصة.

الهروب من رتابة البيتا-أميلويد

لطالما كان العلماء يركزون على محاولة ابتكار علاجات جديدة لمرض الزهايمر من خلال منع تكوّن التكتلات الضارة في الدماغ للبروتين الغامض المعروف بالبيتا-أميلويد.

في الواقع، ربما وقع العلماء في نوع من الركود الفكري، حيث ركزوا بشكل حصري على هذه الطريقة، وغالبًا ما تجاهلوا أو حتى أهملوا تفسيرات أخرى محتملة.

للأسف، لم تترجم هذه الالتزامات لدراسة التكتلات البروتينية غير الطبيعية إلى دواء أو علاج مفيد. ويظهر الآن أن الحاجة إلى طريقة جديدة "خارج نطاق التكتل" في التفكير حول مرض الزهايمر، أصبحت أولوية كبرى في علم الدماغ.

فريق في معهد كريمل للدماغ، بجامعة تورونتو، يعمل على وضع نظرية جديدة لمرض الزهايمر.

فاستنادًا إلى 30 عامًا من الأبحاث، تتسنتد هذه النظرية على معطيات جديدة تشير إلى أن الزهايمر لايعتبر مرضًا دماغيًا في المقام الأول، بل هو في الأساس اضطراب في جهاز المناعة داخل الدماغ.

يُعد جهاز المناعة، الموجود في كل عضو في الجسم، مجموعة من الخلايا والجزيئات التي تعمل بتناغم للمساعدة في إصلاح الإصابات وحماية الجسم من المهاجمين الأجانب.

عندما يتعثر الشخص ويسقط، يساعد جهاز المناعة في إصلاح الأنسجة المتضررة.

وعندما يواجه الشخص عدوى فيروسية أو بكتيرية، يساعد جهاز المناعة في مقاومة هذه المهاجمين الميكروبيين.

وتتواجد نفس العمليات في الدماغ، فعندما يتعرض الرأس مثلا إلى صدمة، ينشط جهاز المناعة في الدماغ للمساعدة في الإصلاح، وعندما توجد بكتيريا في الدماغ، يعمل جهاز المناعة على محاربتها.

بحسب دراسة جديدة لجامعة تورنتو فأن سرعة الكلام هي مؤشر أكثر دقة على صحة الدماغ لدى كبار السن
أسماء ومسميات.. علامة في الكلام تشير إلى بوادر الزهايمر
سيواجه العديد منا ظاهرة "الليثولوجيكا lethologica"، أو صعوبة العثور على الكلمات، في حياتنا اليومية، أي العثور الأسماء المطابقة للمسميات. وعادة ما تصبح هذه الظاهرة أكثر وضوحًا مع التقدم في العمر، في مؤشر على بوادر مرض الزهايمر.

الزهايمر كمرض مناعي ذاتي

يعتقد الباحثون الان أن البيتا-أميلويد ليس بروتينًا مُنتَجًا بشكل غير طبيعي، بل هو جزيء يحدث بشكل طبيعي ويعتبر جزءًا من جهاز المناعة في الدماغ.

عندما تحدث الصدمة أو الإصابة أو عندما توجد بكتيريا في الدماغ، يكون البيتا-أميلويد مساهمًا رئيسيًا في استجابة جهاز المناعة الشاملة .. وهنا تبدأ المشكلة.

نظرًا للتشابهات اللافتة بين الجزيئات الدهنية التي تُشكّل أغشية البكتيريا وأغشية خلايا الدماغ، فإن البيتا-أميلويد لا يمكنه التمييز بين البكتيريا الغازية وخلايا الدماغ المضيفة، فيهاجم بشكل خاطئ خلايا الدماغ التي من المفترض أن يحميها.

هذا يؤدي إلى فقدان مزمن وتدريجي لوظيفة خلايا الدماغ، مما يؤدي في النهاية إلى الخرف، والسبب لأن جهاز المناعة في أجسامنا لا يستطيع التمييز بين البكتيريا وخلايا الدماغ.

عندما يُنظر إلى مرض الزهايمر باعتباره هجومًا مُخطئًا من جهاز المناعة في الدماغ على العضو نفسه الذي يُفترض أن يحميه، يظهر الزهايمر كمرض مناعي ذاتي.

هناك العديد من أنواع الأمراض المناعية الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، التي تلعب فيها الأجسام المضادة الذاتية دورًا حاسمًا في تطور المرض، ويمكن أن تكون العلاجات المعتمدة على الستيرويد فعّالة.

ولكن هذه العلاجات لن تنجح في علاج مرض الزهايمر.

يساعد البيتا-أميلويد في حماية وتعزيز جهاز المناعة، ولكن للأسف، يلعب أيضًا دورًا مركزيًا في العملية المناعية الذاتية التي، قد تؤدي إلى تطور مرض الزهايمر.

وعلى الرغم من أن الأدوية المستخدمة تقليديًا في علاج الأمراض المناعية الذاتية قد لا تعمل ضد مرض الزهايمر، لكن استهداف مسارات تنظيم المناعة الأخرى في الدماغ سيقود إلى أساليب علاجية جديدة وفعّالة لهذا المرض.

نظريات أخرى عن المرض

بالإضافة إلى هذه النظرية المناعية الذاتية لمرض الزهايمر، تبدأ العديد من النظريات الجديدة والمتنوعة في الظهور.

على سبيل المثال، يعتقد بعض العلماء أن مرض الزهايمر هو مرض يتعلق بالهياكل الخلوية الصغيرة المسماة الميتوكوندريا أو "مصانع الطاقة في كل خلية دماغية".

تقوم الميتوكوندريا بتحويل الأوكسجين من الهواء الذي نتنفسه والغلوكوز من الطعام الذي نأكله إلى الطاقة اللازمة للذاكرة والتفكير.

يرى البعض أن المرض هو النتيجة النهائية لعدوى دماغية معينة، حيث يتم اقتراح البكتيريا من الفم كسبب محتمل.

بينما يعتقد آخرون أن المرض قد ينشأ من معالجة غير طبيعية للمعادن في الدماغ، ربما الزنك أو النحاس أو الحديد.

يؤثر الخرف حاليًا على أكثر من 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، مع تشخيص جديد يُسجل كل 3 ثوانٍ.

غالبًا ما يكون الأشخاص الذين يعانون من مرض الزهايمر غير قادرين على التعرف على أطفالهم أو حتى على زوجاتهم بعد أكثر من 50 عامًا من الزواج.

ويؤكد الباحثون أن مرض الزهايمر يعتبر أزمة صحية عامة بحاجة إلى أفكار مبتكرة وطرق جديدة للتعامل معه.

في الختام .. يقول دونالد ويفر، أستاذ الكيمياء ومدير معهد كريمل للأبحاث، بجامعة تورونتو ..

من أجل رفاهية الأفراد والعائلات الذين يعيشون مع الخرف، ومن أجل التأثير الاجتماعي والاقتصادي على نظام الرعاية الصحية الذي يعاني بالفعل من الضغوط الناجمة عن التكاليف والطلب المتزايدين على علاج الخرف ... "نحن بحاجة إلى فهم أفضل لمرض الزهايمر، وأسبابه، وما يمكننا فعله لعلاجه ولمساعدة الأشخاص والعائلات الذين يعيشون معه."