يعمل باحثون في المعلوماتية الحيوية في جامعة كاليفورنيا ساندييغو على دراسة التطور الوراثي للفيروس المسبب لمرض كوفيد-19 من أجل مساعدة الباحثين ومسؤولي الصحة العامة على تتبع انتشار المرض مع مرور الوقت.
وفي مقال على موقع ذي كانفرسيشن، يقدم الأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا ساندييغو، نعمة مشيري، معلومات عن أسباب وطرق تطور المرض وما تم التوصل إليه حتى الآن.
وكتب "أنا متخصص في المعلوماتية الحيوية، أدرس العلاقات بين الأوبئة والتطور الفيروسي، وأنا من بين العديد من الباحثين الذين يدرسون الآن تطور فيروس سارس-كوف-2 الذي يبدو أنه يتحور ببطء أكثر من الإنفلونزا الموسمية ما قد يسمح للعلماء بتطوير لقاح".
ورغم أن مفهوم "شجرة التطور" يعود إلى كتاب تشارلز داروين "حول أصل الأنواع"، يمكن للمرء تطبيقه على أي شيء يخضع للتطور بما في ذلك الفيروسات، وفق مشيري.
كيف تتطور التسلسلات؟
تتطور الفيروسات من خلال التحور، أي أن هناك تغيرات في شفرتها الجينية مع مرور الوقت.
وأوضح مشيري أنه يمكن التفكير في ذلك التحور مثل لعبة الهاتف. ولنفترض أن إيمي هي أول اللاعبين وكلمتها هي "Cat". ثم تهمس بكلمتها في أذن بن الذي يسمع خطأ "Mat" بدل "Cat". بن يهمس بكلمته في أذن كارلوس الذي يسمع "Mad" بدل "Mat". ومع استمرار لعبة الهاتف، تتحول الكلمة أكثر فأكثر وتبتعد عن شكلها الأصلي.
وبحسب مشيري، يمكن التفكير في المادة الوراثية البيولوجية على أنها تسلسل من الحروف، ومع الوقت، تتطور هذه التسلسلات: حروف التسلسل يمكن أن تتغير.
وطور العلماء نماذج مختلفة لتطور التسلسل للمساعدة في فهم كيفية وقوع الطفرات مع مرور الوقت.
وعلى غرار لعبة الهاتف، يتغير تسلسل جينون فيروس سارس-كوف-2 مع مرور الوقت: التحورات تتم بشكل عشوائي وأي تغيير يحدث في فيروس معين ستورثها جميع النسخ في الجيل التالي.
وبقدر ما نحاول معرفة كيف تحولت كلمة "Cat" لتصبح "Mad"، يمكن للعلماء استخدام نماذج عن التطور الجيني لمحاولة تحديد التاريخ التطوري الأكثر احتمالا للفيروس.
كيف يمكن تطبيق هذا على فيروسات مثل كورونا المستجد؟
تسلسل الحمض النووي (DNA) هو عملية العثور بشكل تجريبي عن تسلسل النوكليوتيدات (A ،C ،G وT) -اللبنات الكيميائية للجينات- لقطعة من الحمض النووي.
ويستخدم تسلسل الحمض النووي إلى حد كبير في دراسة الأمراض البشرية وعلم الوراثة، لكن في الأعوام الأخيرة، أصبح التسلسل جزءا روتينيا من اختبارات point of care التي تساهم في تشخيص وعلاج أمراض معدية، وكلما تراجعت تكاليف إجراء التسلسل أكثر فأكثر، سيتم اعتماد التسلسل الفيروسي بشكل أكبر.
الحمض النووي الريبي (RNA) هو جزيء يشبه الحمض النووي، وهو في الأساس نسخة مؤقتة لشريحة قصيرة من الحمض النووي.
وعلى وجه التحديد، في العقيدة المركزية لعلم الأحياء، يتم نسخ الحمض النووي في الحمض النووي الريبي.
إذن سارس-كوف-2 هو عبارة عن حمص ريبي للفيروس، بمعنى أن تقنيات تسلسل الحمض النووي لدينا لا تستطيع فك تشفير تسلسله بشكل مباشر.
ولكن العلماء يستطيعون قلب نسخ الحمض الريبي للفيروس إلى حمض نووي مكمل (cDNA) يمكن كشف تسلسله بعد ذلك.
وبالنظر إلى مجموعة من تسلسلات الجينوم الفيروسي، يمكن استخدام نماذج تطور التسلسل للتنبؤ بتاريخ الفيروس، ويمكن استخدامها للإجابة على أسئلة مثل "ما مدى سرعة وقوع الطفرات؟" أو "أين في الجينوم تقع التحورات؟". وقد تساعد معرفة الجينات التي تتحور بشكل متكرر في تصميم عقار.
تتبع كيفية تغير فيروسات في مكان يمكن أن يساعد في الإجابة عن أسئلة مثل "كم من حالات تفشي منفصلة موجودة في مجتمعي؟" وهذا النوع من المعلومات قد يساعد المسؤولين في مجال الصحة العامة على احتواء انتشار الفيروس.
وبالنسبة لكوفيد-19، هناك مبادرة عالمية لتبادل الجينومات الفيروسية بين جميع العلماء. وبالنظر إلى مجموعة من التسلسلات مع تواريخ العينة، يمكن للعلماء استنتاج التاريخ التطوري للعينات في الوقت الحقيقي واستخدام المعلومات للخروج باستنتاجات حول تاريخ الانتقال.
ومن بين هذه المبادرات، مشروع Nextstrain الذي يوفر للمستخدمين تقارير آنية حول انتشار الإنفلونزا الموسمية، وإيبولا، والكثير من الأمراض المعدية الأخرى.
وفي الآونة الأخيرة، يقود المشروع عملية التتبع التطوري لكوفيد-19 من خلال توفير تحليل آني إلى جانب تقرير حول الوضع بلغة مبسطة يمكن للعامة الاطلاع عليه. وإلى جانب ذلك يمكن المشروع سكان العالم من الاستفادة من جهوده من خلال ترجمتها إلى العديد من اللغات.
ماذا تعلمتا من الجائحة العالمية؟
بناء على البيانات الحالية، يبدو أن سارس-كوف-2 يتحور بشكل أكثر من الإنفلونزا الموسمية. وعلى وجه التحديد، يبدو أن للفيروس معدل للتحور يقل عن 25 طفرة في العام، بينما لدى الإنفلونزا الموسمية معدل تحور يصل إلى 50 طفرة في العام.
وبما أن جينوم سارس-كوفيد-2 أكبر بمرتين تقريبا من جينوم الإنفلونزا الموسمية، يبدو أن الأخير يتحور بشكل أسعر بأربع مرات من الأول.
وختم مشيري مقاله بالقول إن حقيقة أن الإنفلونزا الموسمية تتحور بشكل سريع هو سبب قدرتها على الإفلات من اللقاحات، لذا فإن معدل التحور الأبطأ لسارس-كوف-2 يعطي الأمل في احتمال تطوير لقاحات فعالة وطويلة الأمد ضد الفيروس.