Medical staff treat a Covid-19 patient at the Louis Pasteur Hospital in Colmar, eastern France on March 26, 2020, after a…
مستشفى باستور في فرنسا

أثبت فيروس كورونا المستجد أنه يسبب مرضا يلفه غموض كبير، إذ لا يظهر عند كثيرين أو يمر مرور الكرام على أجسادهم، بينما يجر آخرين إلى حافة الموت قبل أن يطلق سراحهم ويفتك بآخرين.

يستعرض الطبيب جيمس همبلن في مقال بمجلة أتلنتك تفاصيل هامة تتعلق بالغموض الذي يلف الفيروس القاتل.

ويقول إن دراسة جديدة في إيطاليا، كشفت أن حوالي 43 في المئة من المصابين بالفيروس ليس لديهم أعراض. أما من تظهر عليهم أعراض، فمن الشائع أن يشعروا بالمرض، لكن بشكل عام يتحدثون عن أمور مألوفة مثل الحمى والأوجاع، قبل أن يبدأ كثيرون في الشعور بالتحسن قليلا. وبالنسبة لآخرين، تحدث نقطة تحول مثيرة.

رئيس الأمراض المعدية في مستشفى جامعة أبستيت في نيويورك، ستيفن توماس، قال لموقع أتلنتك إن "بعض الأشخاص يسوء وضعهم بالفعل وليس لدينا تنبؤات جيدة لمن سيتعرض لذلك".

هذه الفئة من المرضى، ستعاني من ضيق في التنفس فيما تتسارع نبضات قلوبهم، ثم سرعان ما ينفصلون عن الواقع. ويعاني هؤلاء من فشل في الأعضاء، ويقضون أسابيع في وحدة العناية المركزة، إذا ظلوا على قيد الحياة أصلا.

أستاذ الطب ومدير مركز الأمراض المعدية العالمية في جامعة نورث وسترن، روبرت مورفي، قال للموقع إن هناك اختلافا كبيرا في كيفية تعامل الناس مع هذا الفيروس، مشيرا إلى "أنه أمر غير معتاد للغاية. لا يتناسب أي من هذا التنوع مع أي أمراض أخرى اعتدنا التعامل معها".

هذه الدرجة من الغموض لها علاقة أقل بالفيروس نفسه، من كيفية استجابة أجسامنا له. وبحسب مورفي، عندما يرى الأطباء هذا النوع من الاختلاف في شدة المرض فإن "ذلك ليس من الفيروس، بل من المضيف".

ومنذ بداية ظهور الوباء، ترددت في جميع أنحاء العالم رسالة مفادها أن كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة قد يموتون على الأرجح بسبب المرض الجديد. لكن ذلك أبعد ما يكون عن الصورة الكاملة لمن هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض يهدد الحياة.

ومن شأن فهم كيف ولماذا يصاب بعض الأشخاص بمرض شديد بينما لا يشعر آخرون تقريبا بأي شي، أن يكون مفتاح العلاج.

وعلقت الكثير من الآمال على أدوية تحاول وقف الفيروس من التكرار بينها هيدروكسي كلوروكوين ورمديزيفير، وهي تخضع حاليا لتجارب سريرية. لكن الأدوية المضادة للإنفلونزا ومعظم الأمراض الفيروسية الأخرى، غالبا ما تكون فعالة فقط في وقت مبكر من المرض.

وبمجرد أن ينتشر الفيروس على نطاق واسع داخل الجسم، يصبح جهاز مناعة المصاب أكبر شيء يهدد بقتله. وفيما لا يمكن السيطرة على هذا الرد بشكل كامل، يمكن تعديله وتحسينه.

ومن الأمور المحيرة الشائعة مع كورونا المستجد، فقدان القدرة على الشم والتذوق. وبينما يمكن لأي نزلات برد أن تؤدي إلى احتقان يؤثر على الحاستين، إلا أن الانهيار شبه الكامل لهما يحدث مع عدوى فيروس كورونا حتى في غياب أعراض أخرى.

ونقل الموقع عن طبيب الأنف والأذن والحنجرة في نيويورك، جوناثان أفيف، أنه شهد زيادة في عدد الشباب الذين يقصدونه بسبب عجزهم المفاجئ عن التذوق.

وقال إنه غير متأكد مما يخبرهم، موضحا أن السيناريو غير المخيف هو أن التأثير الالتهابي للعدوى يغير بشكل مؤقت وظيفة العصب الشمي، بينما الاحتمال الأكثر رعبا هو أن الفيروس يهاجم العصب نفسه.

ويمكن للفيروسات التي تهاجم الأعصاب أن تسبب تلفا طويل المدى، ويمكن أن تؤثر على أجزاء أخرى من الجهاز العصبي. وتم الإبلاغ بالفعل عن أن فيروس كورونا يعجّل التهاب الدماغ ما يؤدي إلى ضرر دائم.

وعلى الرغم من أنه لم يتم تأكيد أن فيروس سارس-كوف-2 يغزو الدماغ والعمود الفقري بشكل مباشر، إلا أن سلفه سارس-كوف يبدو أنه يمتلك تلك القدرة.

وإذا نجت الخلايا العصبية من الفيروس الجديد، فستكون من بين قلة من الخلايا التي تمكنت من ذلك. فعندما يرتبط الفيروس بالخلايا، فإنه يعلق بها ويخترقها، ثم يبدأ في التكاثر. ويعمل على التكرار بشكل جيد خصوصا في خلايا البلعوم الأنفي وصولا إلى الرئتين، ولكن من المعروف أيضا أنه يعمل في خلايا الكبد والأمعاء والقلب.

وينتشر الفيروس في جميع أنحاء الجسم على مدى أيام أو أسابيع في خفاء ويسيطر على الخلايا المضيفة خلال تهربه من الاستجابة المناعية.

وقد يستغرق الأمر أسبوعا أو أسبوعين حتى يدرك الجسم بشكل تام مدى الإرهاق الذي يعاني منه.

وغالبا ما لا يكون رد فعله هادئا ومحسوبا، عند هذه النقطة. إذ يدخل جهاز المناعة في حالة شديدة التفاعل، ويحشد كل ما هو متاح لتعبئة آليات الدفاع في الجسم. وهذا عندما ينهار المريض فجأة.

ويبدو أن تدهورا سريعا من هذا القبيل لا سيما في المراحل المتأخرة من مرض معد، ناتج عن الاستجابة المناعية التي تتحول فجأة إلى نشاط مفرط. 

وقالت المسؤولة الصحية في نيويوروك باميلا سوتون والاس، إن نصف مرضى كورونا المستجد الذين ينتهي بهم المطاف في العناية المركزة في مستشفى نيويورك-بريسبتيريان يقيمون لمدة 20 يوما بينما يبلغ المتوسط الوطني للبقاء في العناية المركزة في الأوقات العادية 3.3 أيام.

ويصل العديد من هؤلاء المرضى إلى المستشفى في حالة شبه حرجة، وتظهر اختبارات الدم لديهم مستويات عالية من العلامات الالتهابية.

وأحد البروتينات التي يبدو أنها تنبؤية بشكل خاص بمصير الشخص هو بروتين يعرف بـD-dimer.

واكتشف الأطباء في مدينة ووهان الصينية التي انطلق منها الوباء، أن زيادة بأربعة أضعاف في D-dimer تعد مؤشرا قويا على الوفاة. ويشير ذلك وفق بحث حديث إلى أن اختبار D-dimer "يمكن أن يكون علامة مبكرة ومفيدة" لمن يدخل المراحل الخطرة.

وغالبا ما تعني تلك العلامات وغيرها، دخول جهاز المناعة في عملية قاتلة تعرف بـ"عاصفة السيتوكين". ففي مسعى للتغلب على الفيروس، يضخ جهاز المناعة كميات مفرطة من مادة السيتوكين، وهي مادة كيمائية تنسق عمل الجهاز المناعي للتصدي للفيروس لكنها عندما تتجاوز الحد، تضر بالرئتين والقلب، على حد سواء.

في هذه المرحلة، تتحول أولوية الأطباء من الأمل في أن يتمكن جهاز المناعة لدى الشخص من محاربة الفيروس إلى محاولة تضييق الاستجابة المناعية حتى لا يقتل الشخص أو يتسبب في تلف دائم للأعضاء.

تحديد الطريقة الدقيقة لتعديل الاستجابة المناعية مثل الدواء الدقيق والجرعة والتوقيت، يتم التوصل إليه بشكل مثالي من خلال مراقبة المرضى بعناية قبل أن يصبح وضعهم حرجا. ويمكن مراقبة الأشخاص المعرضين لخطر عاصفة السيتوكين عن كثب طوال فترة مرضهم، وتقديم العلاج على الفور عندما تبدأ العلامات في الظهور. وقد يعني هذا الكشف عن العلامات في دم الشخص قبل أن تدخله العملية في الهلوسة، وقبل أن ينخفض مستوى الأكسجين في جسمه.

وفي الأوقات العادية في الولايات المتحدة والدول المتقدمة، سينصح هؤلاء المرضى بالتوجه إلى المستشفى، لكن في زمن جائحة كورونا يطلب من الأفراد عدم طلب الرعاية الطبية إلى أن يشعروا بضيق في التنفس. لكن من ينتظرون إلى حين عدم قدرتهم على التنفس، قد يواجهون تحديات.

وبعض الأحيان يكون الأشخاص الذين يطورون مرضا حادا بسبب كورونا غير متوقعين، ولكن في كثير من الحالات لن يكون الأمر كذلك.

وبحسب كاتب مقال أتلنتك الطبيب جيمس همبلن، أولئك المرضى هو نفس الأشخاص الذين يمرضون لأي سبب من الأسباب الأخرى. ويمكن أن يرتفع مستوى السيتوكينات مثل IL-6، بعد ليلة واحدة من النوم السيئ. وعلى مدار العمر، تتراكم تأثيرات الضغوطات اليومية. وفي نهاية المطاف، من المحتمل أن يتحمل الأشخاص الذين لا يستطيعون أخذ إجازة من العمل عند المرض أو الذين ليس لديهم منزل مريح وهادئ، أو من يفتقرون إلى الطعام الجيد والهواء النقي، عبء المرض الشديد.

وختم همبلن مقاله بالقول إن الكثير لا يزال غير معروف عن السيتوكينات المحددة وأدوارها في المرض، "لكن احتمال المرض بشكل عام ليس غامضا جدا، فغالبا ما يتعلق الأمر بما تختار المجتمعات تحمله".

وأردف أن "أميركا لديها فنادق فارغة بينما ينام الناس في مواقف السيارات. نحن ندمر الطعام بينما الناس جائعون. نحن نسمح للأفراد بتحمل ضغوط فيزيولوجية بسبب كارثة مالية بينما ننقذ الشركات. مع فيروس كورونا المستجد، ليس لدينا مجموعات سكانية ضعيفة بقدر ما لدينا نقاط ضعف كشعب. نظام المناعة لدينا ليس قويا".

طبيب يجري تصويرا بالموجات فوق الصوتية لامرأة حامل يحيط بها زوجها في 13 ديسمبر 2023، في تيرانا. توضيحية.
طبيب يجري تصويرا بالموجات فوق الصوتية لامرأة حامل يحيط بها زوجها في 13 ديسمبر 2023، في تيرانا. توضيحية.

يتسبب الحمل في تغييرات كبيرة تطرأ على جسد المرأة منها ما يتعلق بالهرمونات والقلب والأوعية الدموية والتنفس والهضم والإخراج، لكن دراسة جديدة كشفت أيضا أن الدماغ يتعرض لتغيرات كبيرة منها العابر ومنها ما يستمر لفترات.

وقال باحثون الاثنين إنهم تمكنوا لأول مرة من رسم خريطة للتغيرات التي تطرأ عندما يعيد الدماغ تنظيم نفسه استجابة للحمل، استنادا إلى 26 عملية مسح خلال فترة كبيرة بداية من ثلاثة أسابيع قبل الحمل ومرورا بشهور الحمل التسعة وحتى العامين التاليين للولادة.

ووثقت الدراسة انخفاضا واسع النطاق في حجم المادة الرمادية المعروفة باسم قشرة الدماغ، وهي قشرة متجعدة تشكل الطبقة الخارجية من الدماغ، فضلا عن زيادة في سلامة البنية الدقيقة للمادة البيضاء الداخلية في المخ. وتزامن التغيران مع ارتفاع مستويات هرموني الاستراديول والبروجسترون.

وتتكون المادة الرمادية من أجسام الخلايا العصبية في الدماغ، بينما تتكون المادة البيضاء من حزم من المحاور -‭ ‬الألياف الطويلة والرفيعة- للخلايا العصبية التي تنقل الإشارات لمسافات طويلة عبر الدماغ.

واستندت الدراسة، وهي الأولى من نوعها، إلى حالة واحدة هي إليزابيث كراستيل، خبيرة علم الأعصاب الإدراكية بجامعة كاليفورنيا في مدينة إرفاين والتي شاركت في إعداد الدراسة.

وكراستيل أم لأول مرة أنجبت طفلا سليما عمره الآن أربعة أعوام ونصف العام، وكانت تبلغ من العمر 38 عاما عندما خضعت للدراسة، وعمرها الآن 43 عاما.

وقال معدو الدراسة إنهم منذ استكمالها لاحظوا النمط نفسه لدى العديد من النساء الحوامل الأخريات اللاتي خضعن لفحوص الدماغ في إطار مبادرة بحثية مستمرة تسمى مشروع الدماغ الأمومي. ويهدفون إلى زيادة عدد الحالات التي يشملها المشروع إلى مئات.

وقالت كراستيل "أمر صادم أننا في عام 2024 ولا نملك معلومات تذكر عما يحدث في المخ في أثناء الحمل. هذه الدراسة (البحثية) تفتح الباب أمام أسئلة أكثر مما تجيب عليها، ونحن لا نزال في بداية الطريق للإجابة على هذه الأسئلة".

وأظهرت الفحوص انكماشا بلغ أربعة في المئة في المتوسط للمادة الرمادية في نحو 80 في المئة من مناطق الدماغ التي تمت دراستها. ولم يؤدِ الارتداد الطفيف بعد الولادة إلى عودة حجم القشرة إلى مستويات ما قبل الحمل.

وأظهرت الفحوص زيادة بنحو 10 في المئة في سلامة البنية الدقيقة للمادة البيضاء، وهي مقياس لصحة وجودة الاتصال بين مناطق الدماغ، وبلغت ذروتها في أواخر الثلث الثاني من الحمل وأوائل الثلث الثالث ثم عادت بعد الولادة إلى حالتها قبل الحمل.

وقالت إيميلي جاكوبس، خبيرة علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، كبيرة معدي الدراسة المنشورة في مجلة نيتشر نيورو ساينس، "يخضع دماغ الأم لتغيير خاص بفترة الحمل، وأخيرا أصبحنا قادرين على مراقبة العملية في الوقت الفعلي".

وأضافت "التقطت دراسات سابقة صورا للدماغ قبل وبعد الحمل. لكننا لم نراقب قط الدماغ في خضم هذا التحول".

وقال الباحثون إنه ليس من الواضح ما إذا كان فقدان المادة الرمادية أمرا سيئا.

وقالت لورا بريتشيت باحثة الدراسات العليا في جامعة بنسلفانيا والمشاركة في إعداد الدراسة "من الممكن أن يكون هذا التغيير إشارة إلى ضبط دقيق لدوائر المخ، وهو أمر ليس بعيدا عما يحدث لجميع الشباب في أثناء الانتقال إلى مرحلة البلوغ عندما تصبح أدمغتهم أكثر تخصصا. قد تكون بعض التغيرات التي لاحظناها أيضا استجابة للمطالب الفسيولوجية الكبيرة للحمل نفسه، مما يُظهر مدى قدرة الدماغ على التكيف".

ويأمل الباحثون في أن يتمكنوا في المستقبل من دراسة مدى إمكانية أن يساعد الاختلاف في هذه التغيرات في التنبؤ بظواهر مثل اكتئاب ما بعد الولادة وكيف يمكن أن يؤثر تسمم الحمل، وهو حالة خطيرة من ارتفاع ضغط الدم قد تتطور في أثناء الحمل، على الدماغ.

وقالت كراستيل إنها لم تكن على علم في أثناء الدراسة بالبيانات التي تظهر التغيرات في دماغها، ولم تشعر بأي اختلاف.

وأضافت، في إشارة إلى الغموض العقلي الذي تعاني منه بعض النساء الحوامل "يتحدث بعض الناس عن 'دماغ الأم' وأشياء من هذا القبيل... ولم أمر بأي شيء من هذا حقا".