لقاح شلل الاطفال الفموي مرتبط بحالات عدوى في أماكن مختلفة من العالم
لقاح شلل الاطفال الفموي مرتبط بحالات عدوى في أماكن مختلفة من العالم

على مدى سنوات، استخدم مسؤولو الصحة العالمية مليارات القطرات من اللقاح الفموي في حملة فعالة بشكل ملحوظ هدفت إلى القضاء على شلل الأطفال في آخر معاقله المتبقية في المناطق الفقيرة وغير المستقرة سياسيا في العالم.

والآن، في تطور مفاجئ في الجهود التي استمرت عقودا للقضاء على الفيروس، اكتشفت السلطات في إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا  أدلة على أن شلل الأطفال ينتشر هناك.

وتقول وكالة أسوشييتد برس إنه تبين أن  مصدر الفيروس هو اللقاح الفموي نفسه.

وتقول الوكالة إن العلماء عرفوا منذ فترة طويلة هذه الظاهرة النادرة للغاية، والمتمثلة بعدوى عرضية يسببها اللقاح الفموي، ولهذا السبب تحولت بعض البلدان إلى لقاحات شلل الأطفال الأخرى.

لكن هذه العدوى أصبحت أكثر وضوحا مع اقتراب العالم من القضاء على المرض وانخفاض عدد حالات شلل الأطفال الناجمة عن الفيروس المنتشر بشكل طبيعي.

ومنذ عام 2017، كانت هناك 396 حالة إصابة بشلل الأطفال الناجم عن الفيروس العادي، مقابل أكثر من 2600 حالة مرتبطة باللقاح الفموي، وفقا لأرقام منظمة الصحة العالمية وشركائها.

ونقلت الوكالة عن سكوت باريت، الأستاذ بجامعة كولومبيا الذي درس القضاء على شلل الأطفال قوله "نحن في الأساس نستبدل الفيروس البري بالفيروس في اللقاح، مما يؤدي الآن إلى تفش جديد".

مضيفا "أفترض أن دولا مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة ستكون قادرة على وقف انتقال العدوى بسرعة كبيرة، لكننا فكرنا أيضا في جدري القردة".

في وقت سابق من هذا العام، اكتشف المسؤولون في إسرائيل شلل الأطفال لدى طفل غير ملقح يبلغ من العمر 3 سنوات، وهو يعاني من الشلل. وتبين أن العديد من الأطفال الآخرين، وجميعهم تقريبا غير ملقحين، مصابون بالفيروس، ولكن بدون أعراض.

وفي يونيو، أبلغت السلطات البريطانية عن العثور على أدلة في مياه الصرف الصحي على انتشار الفيروس، على الرغم من عدم تحديد أي إصابات بين البشر.

وفي الأسبوع الماضي، قالت الحكومة إن جميع الأطفال في لندن الذين تتراوح أعمارهم بين سنة واحدة وتسع سنوات سيحصلون على جرعة معززة.

في الولايات المتحدة، عانى شاب بالغ غير ملقح من شلل في ساقيه بعد إصابته بشلل الأطفال، حسبما كشف مسؤولون في نيويورك الشهر الماضي.

وظهر الفيروس أيضا في مياه الصرف الصحي في نيويورك، مما يشير إلى أنه ينتشر.

لكن المسؤولين قالوا إنهم لا يخططون لحملة معززة لأنهم يعتقدون أن معدل التطعيم المرتفع في الولاية يجب أن يوفر حماية كافية.

وأظهرت التحليلات الجينية أن الفيروسات في البلدان الثلاثة كانت جميعها "مشتقة من اللقاحات"، مما يعني أنها كانت نسخا متحورة من فيروس نشأ في اللقاح الفموي.

وقد استخدم اللقاح الفموي المعني منذ عام 1988 لأنه رخيص وسهل الإعطاء – حيث يتم وضع قطرتين مباشرة في أفواه الأطفال – وهو أفضل في حماية مجموعات سكانية بأكملها حيث ينتشر شلل الأطفال، كما أنه يحتوي على شكل ضعيف من الفيروس الحي.

لكنه يمكن أن يسبب أيضا شلل الأطفال في حوالي طفلين إلى أربعة أطفال لكل 2 مليون جرعة.

وفي حالات نادرة للغاية، يمكن للفيروس الضعيف أيضا أن يتحور أحيانا إلى شكل أكثر خطورة ويشعل شرارة تفشي المرض، خاصة في الأماكن التي تعاني من سوء الصرف الصحي وانخفاض مستويات التطعيم.

وتبدأ هذه التفشيات عادة عندما يتخلص الأشخاص الذين تم تطعيمهم من الفيروس الحي من اللقاح في فضلاتهم، ومن هناك، يمكن للفيروس أن ينتشر داخل المجتمع، وبمرور الوقت، يتحول إلى شكل يمكن أن يبدأ أوبئة جديدة.

وتحولت العديد من البلدان التي قضت على شلل الأطفال إلى اللقاحات القابلة للحقن التي تحتوي على فيروس ميت لتجنب مثل هذه المخاطر، ولم تستخدم دول الشمال الأوروبي وهولندا أبدا اللقاح الفموي.

وقال الدكتور بول أوفيت، مدير مركز تعليم اللقاحات في مستشفى فيلادلفيا للأطفال للوكالة "ربما لم يكن بإمكاننا أبدا التغلب على شلل الأطفال في العالم النامي بدون (لقاح شلل الأطفال الفموي)، ولكن هذا هو الثمن الذي ندفعه الآن".

وأضاف “الطريقة الوحيدة للقضاء على شلل الأطفال هي القضاء على استخدام اللقاح الفموي".

ووصف أيدان أوليري، مدير إدارة شلل الأطفال في منظمة الصحة العالمية، اكتشاف انتشار شلل الأطفال في لندن ونيويورك بأنه "مفاجأة كبرى"، قائلا إن المسؤولين يركزون على القضاء على المرض في أفغانستان وباكستان، حيث يقتل العاملون الصحيون خلال حملات تحصين الأطفال، وحيث جعل الصراع الوصول إلى بعض المناطق مستحيلا.

ومع ذلك، قال أوليري إنه واثق من أن إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة ستسيطر على تفشياتها التي تم تحديدها بسرعة.

ويرجع الفضل إلى اللقاح الفموي في الحد بشكل كبير من عدد الأطفال المصابين بالشلل بسبب شلل الأطفال.

وعندما بدأت الجهود العالمية للقضاء عليه في عام 1988، كان هناك حوالي 350,000 حالة إصابة بشلل الأطفال سنويا.

فيما في هذا العام، كانت هناك 19 حالة إصابة بشلل الأطفال غير المرتبط باللقاح، وكلها في باكستان وأفغانستان وموزامبيق.

وفي عام 2020، بلغ عدد حالات شلل الأطفال المرتبطة باللقاح ذروته بأكثر من 1100 حالة منتشرة في عشرات البلدان. ومنذ ذلك الحين انخفض إلى حوالي 200 هذا العام حتى الآن.

وفي العام الماضي، بدأت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها أيضا في استخدام لقاح أحدث لشلل الأطفال عن طريق الفم، والذي يحتوي على فيروس حي ولكنه ضعيف يعتقد العلماء أنه أقل احتمالا للتحور إلى شكل خطير. لكن الإمدادات محدودة.

ولوقف شلل الأطفال في بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المطلوب هو المزيد من التطعيم، كما يقول الخبراء.

وقال أويوالي توموري، عالم الفيروسات الذي ساعد في توجيه جهود نيجيريا للقضاء على شلل الأطفال، إنه في الماضي، كان هو وزملاؤه يرفضون وصف تفشي المرض بأنه "مشتق من اللقاح"، خشية أن يجعل الناس يخشون من اللقاح.

وقال توموري "كل ما يمكننا فعله هو شرح كيفية عمل اللقاح ونأمل أن يفهم الناس أن التحصين هو أفضل حماية، لكنه معقد".

وأضاف "بعد فوات الأوان، ربما كان من الأفضل عدم استخدام هذا اللقاح، ولكن في ذلك الوقت، لم يكن أحد يعرف أنه سيتحول إلى هذا الحد".

جائزة نوبل للطب العام الماضي ذهبت إلى العلماء الذين اكتشفوا كيفية التلاعب بأحد أنواع الحمض النووي الريبي، المعروف باسم الحمض النووي الريبي الرسول mRNA،
جائزة نوبل للطب العام الماضي ذهبت إلى العلماء الذين اكتشفوا كيفية التلاعب بأحد أنواع الحمض النووي الريبي، المعروف باسم الحمض النووي الريبي الرسول mRNA،

فاز العالمان الأميركيان فيكتور أمبروسن وغاري روفكون، بجائزة نوبل للطب لعام 2024 لاكتشافهما الحمض النووي الريبوزي الدقيق (ميكرو آر.أن.إيه)، ودوره الهام في كيفية نمو وحياة الكائنات متعددة الخلايا.

وكانت جائزة نوبل للطب منحت العام الماضي إلى العلماء الذين اكتشفوا كيفية التلاعب بأحد أنواع الحمض النووي الريبوزي، المعروف باسم الحمض النووي الريبي المرسال أو mRNA، الذي يستخدم الآن لصنع لقاحات لكوفيد-19.

و ميكرو آر.أن.إيه  فئة جديدة من جزيئات "آر أن إيه" (RNA)  وتعمل كمفاتيح تشغيل وإيقاف داخل الخلايا تساعد بالتحكم في ما تفعله الخلايا ومتى تفعل ذلك.

وساعد الاكتشاف على تفسير كيفية تخصص الخلايا، وتطورها إلى أنواع مختلفة، مثل خلايا العضلات والأعصاب، على الرغم من أن جميع الخلايا في البشر تحتوي على نفس المجموعة من الجينات وتتلقى نفس الإشارات للنمو والبقاء على قيد الحياة.

وقالت جمعية نوبل في بيان يشرح عمل "ميكرو آر.أن.إيه" إنه يمكن تشبيه المعلومات المخزنة داخل كروموسوماتنا بدليل تعليمات لجميع خلايا الجسم. 

وتحتوي كل خلية على نفس الكروموسومات، وبالتالي تحتوي كل خلية على نفس مجموعة الجينات ونفس مجموعة التعليمات بالضبط.

ومع ذلك، فإن أنواع الخلايا المختلفة، مثل خلايا العضلات والأعصاب، لها خصائص مميزة للغاية، والسبب في ذلك طريقة تنظيم الجينات، التي تسمح لكل خلية باختيار التعليمات ذات الصلة فقط. 

وهذا يضمن أن المجموعة الصحيحة فقط من الجينات تنشط في كل نوع من الخلايا. وهذا يمكن، على سبيل المثال، خلايا العضلات، وخلايا الأمعاء، وأنواع مختلفة من الخلايا العصبية من أداء وظائفها المتخصصة.

وإذا حدث خطأ في تنظيم الجينات، فقد يؤدي ذلك إلى أمراض خطيرة مثل السرطان أو السكري أو أمراض المناعة الذاتية. لذلك، كان فهم تنظيم نشاط الجينات هدفا للعلماء منذ عقود.

وكان أمبروس وروفكون مهتمين بكيفية تطور أنواع الخلايا المختلفة، واكتشفا هذا الحمض المسؤول عن تنظيم الجينات، الذي تبين أنه ضروري للكائنات متعددة الخلايا، بما في ذلك البشر.

واكتشف العالمان في البداية هذا الحمض في الديدان، إذ شرعا في تحديد سبب عدم تطور بعض أنواع الخلايا في سلالتين متحولتين من الديدان.

وقالت لجنة نوبل: "اكتشافهما الرائد كشف عن مبدأ جديد تماما لتنظيم الجينات، تبين أنه ضروري للكائنات متعددة الخلايا، بما في ذلك البشر".

وتقول أسوشيتد برس إنه إذا تمكن العلماء من فهم كيفية عمل الخلايا، وأمكن التلاعب بها بشكل أفضل، فقد يؤدي ذلك يوما ما إلى علاجات قوية لأمراض مثل السرطان.

وقالت الدكتورة كلير فليتشر، المحاضرة في علم الأورام الجزيئي في إمبريال كوليدج لندن، إن دراسة microRNA فتحت الباب أمام طرق علاج أمراض مثل السرطان، لأنها تساعد في تنظيم كيفية عمل الجينات في خلايانا.

وقال إريك ميسكا، عالم الوراثة في جامعة كامبريدج، إن الاكتشاف بمثابة مفاجأة كاملة، إذ قلب كل ما كان العلماء يفهمونه منذ فترة طويلة عن كيفية عمل الخلايا.

وأوضح ميسكا أن هناك دراسات حالية عن دور هذا الحمض في الأمراض المعدية، مثل التهاب الكبد، وفي علاج الأمراض العصبية.

وأشارت فليتشر إلى دراسات عن استخدامه في علاج سرطان الجلد، ولكن لم تتم الموافقة على أي أدوية حتى الآن. وتوقعت أن يحدث ذلك في السنوات المقبلة. 

وأضافت: "إذا تمكنا من التدخل على مستوى الميكرو آر إن إيه، فإن ذلك يفتح لنا طريقة جديدة تماما لتطوير الأدوية".