من مسيرة نسوية للمطالبة بقانون جديد لمكافحة العنف ضد المرأة في باريس. أرشيفية
من مسيرة نسوية للمطالبة بقانون جديد لمكافحة العنف ضد المرأة في باريس. أرشيفية

قضية التحرش الجنسي في المجتمعات مقلقة وخطيرة، فمع استمرار انتشار التحرش في الأماكن العامة والاعتداءات وراء الأبواب المغلقة وفي العالم الافتراضي (السيبرانية)، لا بد من دق ناقوس الخطر لتفادي هذه الجرائم، التي تخلف ندوبا جسدية ونفسية  ترافق الضحايا لسنوات طويلة، وفق خبراء حاورهم موقع "الحرة".

وتحدد لجنة تكافؤ فرص العمل الأميركية (EEOC) التحرش الجنسي، في كتيب إرشاداتها، على أنه "العروض الجنسية غير المرغوب فيها، وطلبات الخدمات الجنسية، وغير ذلك من التصرفات اللفظية أو الجسدية ذات الطابع الجنسي. ويكون هذا السلوك إما صريحا أو ضمنيا".

من جهتها، تقول منظمة العمل الدولية إنه من الصعب قياس العنف والتحرش في مكان العمل، "وغالبا فإن الضحايا الذين يفصحون عن تجاربهم لشخص آخر، عانوا أكثر من شكل واحد من أشكال العنف والمضايقات". والأسباب الأكثر شيوعا لعدم الإفصاح، وفقا للمنظمة، هي "إضاعة الوقت والخوف على السمعة".

وإذا كانت كلمة "ضحية" مؤنثة، فإنها تصلح في مجال التحرش للذكور والإناث، لأن كل الفئات معرضة للتحرش، رغم تركيز الخبراء على واقع الإناث.

وبحسب وصف الخبراء، فإن المتحرش أو المعتدي هو "شخص يمتلك قوة أو هيمنة مُنحت له من خلال المجتمع، ويعيد سيطرته بطريقة مؤذية على الأطراف الأخرى الأقل قوة والأكثر هشاشة منه، ومن بينها التحرش الجنسي".

التحرش

ولا يقتصر التحرش الجنسي على المداعبة أو اللمس، ولذلك تصنف "لجنة تكافؤ فرص العمل" أنواع التحرش المتعددة، وتشرح أنها "تلك الكلمات والأفعال ذات الطابع الجنسي التي تنتهك خصوصية الجسد أو المشاعر، وممكن أن تكون لفظية أو غير لفظية، أو جسدية"، مثل:

  • النظر المتفحص والتحديق غير الائق.
  • إقفال طريق أمام شخص ما بالجسد.
  • تقديم هدايا شخصية (حميمية).
  • إخبار أكاذيب ونكات عن الحياة الجنسية لشخص آخر. 
  • التعبيرات التي تحمل اقتراحا له أبعاد جنسية
  • الندءات والتصفير، والصراخ، والهمس، التي تحمل إيحاءات الجنسية.
  • الملاحظات الجنسية عن الجسد.
  • تتبع شخص ما والاقتراب منه بسوء نية.
  • الدعوة لممارسة الجنس العلنية والضمنية.
  • عرض صور جنسية.
  • التحرّش عبر الإنترنت.
  • اللمس والتحسس، والحك، والاقتراب بشكل كبير، وغيرها العديد.
  • التعري وإظهار أجزاء حميمة أمام شخص آخر.

من هو المتحرش؟

توضح المعالجة والمحللة النفسية الأستاذة الجامعية، الدكتورة ماري-آنج نهرا، لموقع "الحرة"، أن "الأساليب التي يعتمدها المتحرش منحرفة، فيتقرب من ضحيته جدا، ويعتمد اللطافة والجاذبية، كي يتمكن من جذب الضحية، خاصة إذا كانت طفلة أو أصغر منه بالعمر، وتاليا خطورة الموضوع، هو أن المتحرش لا ينكشف، لأنه يكون من الأقارب أحيانا أو من زملاء العمل، وفكرة إيذاء ضحيته والفوقية عليها تعطيه لذة".

وتضيف أن "الشهرة تسمح للشخص أن يختبئ خلف شهرته ومكانته ويمنع الضحية أن تفصح عنه، فكل ما كان المتحرش بموقع سلطة ستسكت الضحية أكثر".

من جهتها، تلفت منسقة برامج الوقاية في "أبعاد"، وهي جمعية تدعم المساواة بين الجنسين، لمى جرادي، خلال حديث لموقع "الحرة"، إلى أن "المتحرش أو المعتدي هو شخص يمتلك قوة أو هيمنة منحت له من خلال المجتمع ويعيد سيطرته بطريقة مؤذية على الأطراف الأخرى الأقل قوة والأكثر هشاشة منه".

وتشير إلى أن جميع الفئات في المجتمع معرضة للتحرش، لكن لأن مجتمعاتنا ذكورية فهناك سيطرة وسلطة أكثر للذكر، وتكون النساء والفتيات أكثر الفئات هشاشة، وأكثر فئات معرضة لخطر التحرش الجنسي، وخاصة في الأماكن التي يكون فيها للذكور سلطة على النساء، مثل أماكن العمل والأماكن التي فيها هيمنة اقتصادية أو أسرية.

فقد يحصل التحرش من خلال إساءة استغلال المنصب، من قبل مدير أو قريب، أو رجل دين، والخطورة الأكبر هي عندما يتحول التحرش الجنسي إلى اغتصاب متكرر من قبل نفس الشخص.

وضمن الإطار، تؤكد نهرا أن "خطورة المتحرش هي أنه يعتمد أساليب طويلة المدى، وممكن أن تستمر الضحية بالسكوت على مدى سنوات، وهذا الأمر نلمسه بالعيادة، وبعد التحدث تبدأ بوادر الشفاء، والجرأة، فتعبر الضحية عن ذاتها أمام المجتمع".

مقاومة المتحرش

"خطورة أساليب التحرش المتنوعة تكمن في أنها مقنعة، لأنه لا يمكن كشفها بسهولة"، تقول نهرا، قبل أن تضيف قائة: "المعتدي يمنع ضحيته من الاستنجاد عندما يكون بالقرب منها، ولا يعود بإمكانها المقاومة لأنها تصبح بموقع ضعيف".

وتشير إلى أنه عادة ما يكون المتحرش مسؤولا عن ضحيته في العمل (مدير)، أو عمها، أو خالها، أو شخص مقرب منها من ناحية عاطفية أو من ناحية عملية.

وتشدد على أن التحرش ليس محصورا فقط على الإناث، بل على الذكور أيضا، حيث يمكن أن يحصل بين امرأة ناضجة وشاب أصغر منها، وطفل أو مراهق.

"يدين المجتمع الضحية ولا يدين الظالم"، بحسب نهرا، ويمنع بقمعه الضحية التحدث إلا بعد سنوات، فتكون هي قد نضجت، ويكون لديها ثقة بذاتها، بما يكفي لأن تفضح الظالم.

من جهتها، تلفت جرادي إلى أن "الضحية تسكت لأنها تشعر بالذنب"، وتشرح أن ذلك سببه "التربية والعادات، مثلا خوفا من أن يقال إنها أغوته، وإنها خرجت من منزلها في وقت متأخر، لذلك يقع الذنب عليها".

إضافة إلى الوصمة التي يمكن أن يضعها المجتمع على الضحية، وعدم معرفتها بوجود جهات ممكن أن تؤمن لها الحماية أو الدعم.

التبعات النفسية

وتعدد نهرا وجرادي التبعات النفسية التي تعيشها ضحية التحرش:

  • تعيش عذابها بصمت.
  • التداعيات كبيرة جدا على الصعيد النفسي (مرحلة انكسار).
  • فقدان الشهية مع الوقت.
  • فقدان الرغبة واللذة بأن تخرج مع أصدقائها.
  • قلق واضطرابات نوم.
  • القلق والأرق وعدم التركيز.
  • الخجل من العلاقات الشخصية.
  • اضطرابات ما بعد الصدمة (ممكن أن تكون اضطرابات جسدية وتصل إلى مرحلة تؤذي الضحية نفسها).
  • خسارة الفرص.
  • خسارة علاقات كثيرة، وفرص كثيرة في المجتمع.

كيفية تثقيف الأطفال

ويتفق الخبراء على أن أفضل طريقة للوقاية من التحرش، هي تثقيف القاصرين وتنبيههم بوجوب عدم التعامل مع أي شخص غريب، وعدم التقرب من أي شخص لا يعرفونه يحاول الاقتراب منهم.

ودور الأهل كبير جدا بتحصين المراهق، وحمايته من التعرض للتحرش.

وتوضح نهرا أنه "عن عمر صغير جدا تحت الـ10 سنوات ممكن أن نشرح للطفل بكل بساطة أن جسده ملكه، وأنه لا يمكن لأي أحد أن يقترب من هذا الجسد".

إضافة إلى تشجيع الطفل على:

  • التواصل دائما مع أهله بحال شعر بخطر التحرش.
  • الثقة متبادلة وقدرة الأهل على الإصغاء. 

أي عمر مناسب للتوعية الجنسية؟

توضح جرادي أنه يمكن الحديث مع الأطفال عن التحرش بطرق خاصة. ويحصل ذلك خلال أعمار صغيرة جدا، منذ صفوف الحضانة، وذلك من خلال توعيتهم على الأجزاء الخاصة من أجسامهم، ومن يمكنه رؤيتها، ومن هذه اللحظة تبدأ التوعية الجنسية.

وتشدد على ضرورة تثقيف الأطفال عن كيفية حماية أنفسهم من التحرش الجنسي، وذلك من خلال توفير الحماية الذاتية لهم، وتعريفهم بأشكال التحرش وماذا تعني هذه الظاهرة، ولماذا يقع هذا التحرش عليهم، وأن هذا الأمر ليس ذنبهم، وحينها يحصل الطفل على المهارات الذاتية لحماية نفسه.

الصحة العالمية تدعو لتكثيف حملات التلقيح ضد الحصبة
تفشي الحصبة في المغرب يعود إلى انخفاض معدلات التلقيح (صورة تعبيرية)

شهد المغرب في الفترة الأخيرة انتشارا واسعا لداء الحصبة الذي يعرف محليا بـ"بوحمرون"، حيث سجلت البلاد 120 حالة وفاة و25 ألف إصابة منذ سبتمبر 2023، في ارتفاع غير مسبوق مقارنة بالسنوات الماضية.

وتحول هذا المرض إلى وباء في المغرب بعد وضعية انتشار "غير عادية"، وفق تصريحات لمدير مديرية علم الأوبئة بوزارة الصحة، محمد اليوبي، لوسائل إعلام محلية.

وفي ظل تفشي وباء الحصبة بالبلاد، انتقدت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي (معارض)، مؤخرا، "عدم الاكتراث بصحة المغاربة" في سؤال كتابي وجهته إلى وزير الصحة، منبهة إلى أزمة حادة يعيشها قطاع الصحة إثر الانتشار المتزايد لمرض بوحمرون تزامنا مع نقص حاد في الأطر الصحية والتجهيزات، وقالت إنه "وضع مرشح للتفاقم بسبب استمرار الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي تنظمها النقابات الصحية منذ أسابيع".

من جانبها، نبهت نجوى ككوس، النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة (أغلبي)، وزير الصحة، إلى التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في المؤسسات السجنية بعد ارتفاع عدد المصابين بداء الحصبة إلى 83 سجينا منذ ديسمبر 2024، داعية إلى اتخاذ تدابير استعجالية لاحتواء انتشار هذا المرض الشديد العدوى في هذه المؤسسات السجنية المكتظة.

وأثار تفشي الحصبة في الآونة الأخيرة بالمغرب، قلق المواطنين الذين باتوا يتساءلون عن أسباب ارتفاع حالات الإصابة وخطورة الوضع الحالي وسبل مواجهته خاصة مع سرعة انتشار المرض بين الفئات الأكثر هشاشة.

"انخفاض معدلات التلقيح"

وفي تعليقه على الموضوع، يرى الطبيب الأخصائي في طب الأطفال، ورئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية، سعيد عفيف، بأن تفشي الحصبة في المغرب يعود أساسا إلى انخفاض معدلات التلقيح، حيث انخفضت التغطية في بعض المناطق إلى 60٪ بدلا من 95٪ المطلوبة لمنع انتشار العدوى، مؤكدا أن الحصبة من أكثر الأمراض المعدية التي يمكن للمصاب بها أن ينقل الفيروس إلى 12 إلى 18 شخصا.

وتابع عفيف حديثه لموقع "الحرة"، أن "خطورة تفشي الحصبة تكمن في غياب علاج محدد للمرض إذ يقتصر التدخل الطبي على معالجة الأعراض مثل الحمى أو العدوى الثانوية"، وأضاف أن الحل الوحيد والفعال للوقاية من الحصبة هو التلقيح بجرعتين، مشددا على أن "اللقاح آمن وناجع ويستخدم عالميا منذ أكثر من أربعين عاما".

وأكد الأخصائي في طب الأطفال أن مواجهة تفشي الحصبة تتطلب تضافر جهود جميع الجهات، مشيرًا إلى الحملات الاستدراكية والتحسيسية التي أطلقتها وزارة الصحة بدعم من وزارات الداخلية والتربية والأوقاف. وأشاد بمبادرات التوعية في المدارس والمساجد، مبرزًا أن التلقيح لا يحمي الفرد فقط بل يساهم في تحقيق حماية جماعية فعالة ضد المرض.

"إعلان حالة طوارئ"

وانتقد رئيس "الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة"، علي لطفي، تعامل السلطات المغربية مع انتشار فيروس الحصبة، مشيرا إلى أن تحذيرات منظمة الصحة العالمية عام 2023 حول إمكانية تفاقم الوضع لم يتم التعامل معها بالجدية المطلوبة. وقال إن "التهاون في اتخاذ تدابير استباقية ساهم في تفاقم الوضع وتسجيل عشرات الوفيات وآلاف الإصابات معظمها في صفوف الأطفال غير الملقحين".

ويضيف لطفي في تصريح لموقع "الحرة"، أن فيروس الحصبة شديد العدوى وينتشر عبر الهواء بسرعة فائقة، مما يجعله خطيرا بشكل خاص في أماكن الاكتظاظ مثل المدارس والسجون، داعيا إلى "إعلان حالة طوارئ صحية على المستوى الوطني لمكافحة انتشار المرض، من خلال تعزيز برامج التلقيح وإطلاق حملات تحسيسية بالتعاون مع وزارتي الداخلية والتعليم، بهدف تطويق المرض والتقليل من تداعياته الوخيمة".

وربط لطفي بين ارتفاع معدلات الوفيات بسبب الحصبة وضعف المناعة لدى الأطفال، الناتج عن سوء التغذية وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، خاصة في المناطق الفقيرة، محذرا من ترويج المعلومات المضللة حول مخاطر اللقاحات والتي ساهمت في إحجام بعض الأسر عن تلقيح أطفالها.

"معلومات مغلوطة"

ومن جانبه، ذكر الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن عودة انتشار الحصبة في المغرب مؤخرا يرجع إلى عدة أسباب رئيسية، أبرزها تراجع الإقبال على التلقيح، خاصة بعد جائحة كورونا، وانتشار المعلومات المغلوطة التي تخيف المواطنين من تلقي اللقاحات. مشيرا إلى أن "هذه الإشاعات التي غالبا ما يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تروج لآثار جانبية نادرة وغير دقيقة، مما أدى إلى تراكم أعداد كبيرة من الأطفال غير الملقحين وعدم الالتزام بالجدول الوطني للتلقيح".

وأوضح بايتاس في ندوة صحفية أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، الخميس، أن وزارة الصحة اتخذت سلسلة من التدابير العاجلة لمواجهة تفشي المرض، شملت إرساء نظام يقظة وتتبع على مستوى المركز الوطني للعمليات الطارئة للصحة العامة و12 مركزا إقليميا للطوارئ الصحية. كما أطلقت حملة وطنية استدراكية للتلقيح ضد الحصبة، بدأت في 28 أكتوبر 2024 وتم تمديدها لضمان وصولها إلى الفئات المستهدفة.

ودعا بايتاس جميع المواطنين وجمعيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام إلى دعم هذه الحملة الوطنية والتصدي للإشاعات المضللة التي تهدد صحة الأطفال، مؤكدا أن حملة التطعيم ضد الحصبة ما زالت جارية في المراكز الصحية.