لقطة من فيديو الضرب المبرح لشاب أميركي من اصول أفريقية من قبل عناصر في الشرطة
لقطة من فيديو الضرب المبرح لشاب أميركي من اصول أفريقية من قبل عناصر في الشرطة

منذ كشف مسؤولون في مدينة ممفيس بولاية تينيسي الأميركية، الجمعة الماضية، عن فيديو يظهر الضرب المبرح لشاب أميركي من أصول أفريقية، يُدعى تاير نيكولز، على يد عناصر شرطة، قبل أن يتوفى لاحقا، انتشر المقطع على نطاق واسع، مما جعل علماء نفس يطلقون دعوات لعدم مشاهدته "حفاظا على الصحة العقلية". 

رئيس مكتب التحقيقات بولاية تينيسي، ديفيد راوش، نفسه قال إنه "أصيب بالغثيان" بسبب ما رآه، خلال تحقيقه في قضية مقتل نيكولز (29 عاما)، وهو أب لطفل يبلغ عمره أربعة أعوام. 

أما بالنسبة للأفراد العاديين، فإن علماء النفس يرون أنه لا داعي لمشاهدة الفيديو من الأساس، أو على الأقل "معرفة حدودك في تحمل مثل هذه المقاطع العنيفة"، بحسب تقرير لشبكة "سي أن أن".

وقالت الأستاذة المساعدة في قسم السلوك الصحي والتثقيف في كلية الطب بجامعة ميشيغان، ريانا إليس أندرسون، إن "الفيديو قد يبدو أمرا لا مفر منه على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن قد تحتاج إلى القيام بذلك (عدم مشاهدته) من أجل صحتك العقلية". 

وأضافت أن "البشر ينجذبون إلى العنف، وقد يعتقد البعض أنهم من خلال مشاهدة الفيديو، سيرون شيئا يفسر السلوك (الإنساني)"، مشيرة إلى أن هذه المقاطع لا تساعدنا في الغالب على فهم الأسباب. 

ولا يتضح من فيديو الضرب المبرح لنيكولز سبب إقدام عناصر الشرطة على استخدام العنف الشديد مع الضحية. 

وأعلنت إدارة الشرطة في ممفيس عن إقالة عنصر سابع تابع لها على خلفية مقتل نيكولز لانتهاكهم سياسات الاستخدام المفرط للقوة وواجب تقديم المساعدة، كما وجهت إليهم تهم تشمل القتل والاختطاف من الدرجة الثانية.

وكان متحدث باسم المدينة قد ذكر أن الفيديو حصد أكثر من 1.7 مليون مشاهدة خلال أول 17 ساعة بعد نشره، بحسب ما نقلت صحيفة "لوس أنجلس تايمز". 

تظهر الأبحاث أن التعرض المستمر لأخبار حوادث العنف يمكن أن يسبب ضغطا وردود أفعال سلبية، كما أن مشاهدة العنف غير المباشر يمكن أن يثير شعور الشخص بالقلق والخوف، وفي بعض الحالات، يؤدي إلى اضطرابات.

وإذا كان البعض يعتبر أن مشاهدة الفيديو بمثابة تكريم للراحل نيكولز، قالت أندرسون إنه "من المهم الإقرار بما حدث، لكن هذا لا يعني التزاما بمشاهدة الفيديو نفسه". 

وتوضح: "هناك طرق أخرى كثيرة للتكريم بعيدة عن التسبب لنفسنا بصدمة نفسية، يمكننا ذكر اسم الشخص وكتابته على لافتات أو وسومات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى الهتاف به". 

وتتفق الأخصائية النفسية والخبيرة في الصدمات المجتمعية، مونيكا ويليامز، في أن الجميع لا يحتاجون إلى مشاهدة مثل هذه الفيديوهات العنيفة.

وقالت: "نحن نعيش في ثقافة عنيفة، ونشر هذه المقاطع باعتبارها وسيلة ترفيهية تجعلنا أكثر عنفا. لا أعتقد أن هذا هو الحل، نحن غاضبون بما فيه الكفاية بالفعل دون الصدمة الإضافية المتمثلة في حفر هذه الصور في أذهاننا". 

وأضافت: "عليك أن تفكر في عواقب مشاهدة تلك الفيديوهات على إنسانيتك وسلوكياتك، لا أشجع أبدا على فعل ذلك، لأنني لا أعتقد أن هذا يمنح تكريما للضحية". 

أما أستاذ علم النفس، والخبير في آثار مشاهدة عنف الشرطة على وسائل التواصل الاجتماعي، إرلانجر تورنر، فينصح الأشخاص بإجراء تقييم ذاتي قبل مشاهدة مقاطع الفيديو العنيفة. 

ويقول: "يمكن لبعض الناس رؤيتها ويبقوا على ما يرام نوعا ما، لكن قد تثير مشاعر فياضة وسلبية أخرى عند آخرين"، مؤكدا أن من يقرر مشاهدة الفيديو عليه أن يعد نفسه للتوتر، والاعتناء بنفسه. 

ينصح تورنر بإدارة الضغط النفسي الناتج عن مشاهدة الفيديوهات العنيفة،من خلال نظام دعم عبر أشخاص يمكن التحدث معهم بشأن الحادث، أو الحصول على استراحة وفعل شيء ممتع مثل الرقص أو الاستماع إلى الموسيقى أو ممارسة طقوس دينية، أو توجيه تلك الطاقة بطريقة إيجابية يمكن أن تحدث فارقا في المجتمع، "من المهم عدم حبس المشاعر داخلنا". 

كما يشير إلى أهمية استعداد الوالدين لتلقي أسئلة من أبنائهم بشأن تلك الحوادث لأن الأطفال قد يتعرضون لمثل هذه الفيديوهات أو يسمعون عنها، و"من المهم التحدث إلى الأطفال في جميع الأعمار".

القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك أكثر الأمراض التي تصيب الأطفال. أرشيفية - تعبيرية
القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك أكثر الأمراض التي تصيب الأطفال. أرشيفية - تعبيرية

رصد تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، إصابة طفل من بين كل سبعة بأمراض ترتبط بالصحة العقلية.

وتحتفل المنظمة باليوم العالمي للصحة النفسية بالعاشر من أكتوبر من كل عام، بهدف التوعية بأهمية خدمات الدعم والصحة النفسية للأطفال والمراهقين.

وتشير البيانات إلى أن الأطفال والمراهقين الذي تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 19 عاما، يصاب بعضهم بأمراض مثل: القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك، وغيرها من أمراض الصحة العقلية.

وتظهر ثلث حالات الإصابة بأمراض الصحة العقلية لدى الأطفال قبل وصولهم لسن الـ 14، ونصفها يظهر قبل بلوغهم 18 عاما.

ودعا التقرير إلى أهمية العمل مبكرا لاكتشاف الحالات، بين الأطفال والمراهقين، من أجل توفير الدعم والاستفادة من إمكاناتهم بالطريقة المثلى.

وانتقد التقرير عدم إتاحة الوصول لخدمات الرعاية للصحة العقلية للعديد من هؤلاء، بسبب إما عدم توافر الخدمات أو أنها باهظة الثمن، أو الوصمة المجتمعية التي قد تلاحقهم، وتمنعهم من طلب المساعدة.

وحدد التقرير ضعف الرعاية للصحة العقلية لهذه الفئة خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

ديفورا كاستيل، مديرة الصحة العقلية في منظمة الصحة العالمية، قالت في بيان: "علينا اتخاذ إجراءات تضمن توفر التدخلات المناسبة لجميع الأعمار بأسعار معقولة".

وأضافت أن كل دولة بصرف النظر عن ظروفها "يمكنها أن تفعل شيئا لتحسين الصحة العقلية لأطفالها وشبابها والأسر بالمجمل".

ودعا التقرير إلى دعم الصحة العقلية للأطفال والمراهقين على اعتباره جهدا جماعيا.

الطبيبة، فوزية شفيق، من اليونيسف، قالت: "لا يمكن معالجة الصحة العقلية، ورفاهية الأطفال والمراهقين وأسرهم بشكل منفرد، إذ يتعين علينا دمج الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية في أنظمة دعم المجتمع لبناء شبكة كاملة من خدمات الصحة العقلية للشباب".

وأضافت "مسؤوليتنا الجماعية أن نعطي الأولوية للصحة العقلية للأطفال والمراهقين كجزء من الرفاهية الشاملة لهذه الفئة".

وانتقد التقرير ممارسة اعتبرها "انتقادا للحقوق الإنسانية"، وهي وضع ملايين الأطفال الذين يعانون من حالات الصحة العقلية في مؤسسات رغم وجود عائلاتهم.

ودعا إلى ضرورة التخلص التدريجي من الرعاية المؤسسية لصالح نوع من الخدمات الاجتماعية التي تسمح للأطفال بالنمو وسط عائلاتهم ومجتمعاتهم، مع ضمان الاستمرارية في تعليمهم وتطويرهم بشكل شامل.