اللاعبون الذين يستمعون إلى مستويات صوت عالية الشدة ولفترات طويلة قد يتعرضون لخطر فقدان السمع الدائم- صورة تعبيرية.
اللاعبون الذين يستمعون إلى مستويات صوت عالية الشدة ولفترات طويلة قد يتعرضون لخطر فقدان السمع الدائم- صورة تعبيرية.

قبل 3 أعوام، أضافت منظمة الصحة العالمية "اضطراب ألعاب الفيديو"، كأحد الأمراض المعرف بها ضمن قائمة "التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشكلات المتعلقة بالصحة".

وفي الطبعة الـ 11 لهذا التصنيف، أقرت المنظمة الأممية بأن اضطراب الألعاب أحد أنواع السلوك الإدماني. 

ووصفت منظمة الصحة العالمية إدمان الألعاب بأنه "نمط مستمر أو متكرر يؤدي إلى ضعف التحكم في الوقت المخصص لألعاب الفيديو، ما يؤدي إلى إعطاء أولوية متزايدة للألعاب إلى حد تأخذ فيه الأولوية على اهتمامات الحياة الأخرى والأنشطة اليومية والاستمرار في الألعاب على الرغم من حدوث عواقب سلبية".

ولاقى القرار آنذاك معارضة من قبل منتجي هذه الألعاب في صناعة يتوقع أن تتجاوز نصف تريليون دولار بحلول عام 2028.

وترى المستشارة المتخصصة في تعديل السلوك، الدكتورة فهدة العريفي، أن إدمان الألعاب الإلكترونية أصبح "ظاهرة سلبية" تنتشر بشكل سريع في مختلف أنحاء العالم.

وقالت في حديثها لموقع قناة "الحرة" إن إدمان ألعاب الفيديو يزيد بفضل "تسارع وتيرة التطور التكنولوجي وازدياد التنافس بين شركات الألعاب الإلكترونية للوصول إلى أكبر عدد من المشتركين".

خطورة نفسية وصحية واجتماعية

ويرى خبراء أن هذه الألعاب من الممكن أن ينتج عنها مشاكل صحية ونفسية واجتماعية خطيرة لدى مدمنيها الذين يقضون ساعات طويلة يوميا أمام الأجهزة.

وقال استشاري الطب النفسي، الدكتور باسم بدر، في حديث لموقع "الحرة" إن إدمان الألعاب الإلكترونية يسبب أمراضا نفسية وعضوية لدى الإنسان.

وأضاف: "نفسيا يسبب أمراضا مثل القلق والاكتئاب وعضويا من الممكن أن يؤدي الإدمان لأمراض عدة مثل السكر والضغط والأمراض الروماتيزمية".

كما يؤدي إدمان اللعب لفرط في الانتباه مما يزيد من فرص حدوث نوبات الصرع لدى الأطفال على وجه الخصوص، حسبما يقول الدكتور بدر.

وتابع: "قد يضعف (الإدمان) القدرة على التركيز فضلا عن ضياع الوقت وانقطاع الأوقات الاسرية والتأثير على العلاقات الاجتماعية الطبيعية ... كذلك التأثير في القدرة على النوم".

بدورها، تطرقت رانيا الكيلاني، الكاتبة المتخصصة بأدب الطفل والتي ألفت كتابا عن خطورة إدمان الألعاب الإلكترونية لدى الأطفال، لأعراض مختلفة تتمثل في انعكاس مدمني الألعاب الإلكترونية على السلوك، لا سيما لدى المراهقين والأطفال.

وقالت الكيلاني لموقع "الحرة" إن هناك خطورة أن تتطور انعكاسات الإدمان إلى العنف في الحياة الواقعية، لا سيما بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين أدمنوا الألعاب القتالية.

ويلعب أكثر من ملياري شخص ألعاب الفيديو في جميع أنحاء العالم، وفقا لمنصة "غيم كويترز" (Game Quitters)، والتي تضم مجتمع دعم لأولئك الذين يرغبون في الإقلاع عن ممارسة ألعاب الفيديو واستعادة حياتهم الطبيعية.

وبحسب المنصة ذاتها، فإن 3 إلى 4 بالمئة من هؤلاء اللاعبين يعتبرون مدمنين على ألعاب الفيديو، وقدّرت – بشكل متحفظ - أن 60 مليون شخص حول العالم مدمنو هذه الألعاب بالفعل.

من هم المدمنون؟

وأشارت العريفي إلى أن "أهم سمة لمدمن ألعاب الفيديو هي إهماله في الأشياء الضرورية الواجبة عليه سواء كان ذلك عملا أو دراسة أو حتى علاقته بأسرته".

وتقول العريفي لموقع "الحرة" إن المدمن لهذه الألعاب "يقضي وقتا طويلا في اللعب ولا يزال يرى أنه بحاجة للمزيد من الوقت لمواصلة اللعب".

أما الدكتور بدر وهو أيضا عضو الجمعية الأميركية للطب النفسي، فيرى أنه "ليس هناك ساعات معينة تقضى على هذه الألعاب لتعريف المدمن بقدر التأثير السلبي على حياة وصحة الأشخاص الذين يلعبون ألعاب الفيديو".

كذلك، يمكن أن تعريف المدمن وتحديد مرضه حال "الشعور بالتوتر والاضطراب الشديد عند عدم التمكن من اللعب كتلك الحالة التي تجتاح مدمن المخدرات عندما لا يحصل على جرعته"، حسبما تصف العريفي حالتهم وتقول إن المدمنين أيضا يسهرون لساعات متواصلة قد تمتد ليومين ويصرفون أموالا طائلة لشراء الألعاب باستمرار وتطويرها.

وبلغ حجم سوق الألعاب الإلكترونية العالمي أكثر من 203 مليارات دولار في عام 2020 ومن المتوقع أن ينمو إلى أكثر من 545.98 مليار دولار بحلول عام 2028، بحسب شركة "فورتشن بزنز انسايتد" (Fortune Business Insights).

وتوقعت الشركة التي تتخذ من الهند مقرا لها، أن ينمو سوق ألعاب الفيديو بواقع 13.2 بالمئة حتى عام 2028 استنادا إلى اكتساب السوق 26 مليار دولار في عام 2021 بعد أن بلغت قيمته 229.16 مليار دولار.

لماذا يدمن الإنسان الألعاب الإلكترونية؟

من المرجح أن يتجاوز عدد الأشخاص الذين يمارسون الألعاب الإلكترونية 3 مليارات بحلول عام 2023، بحسب منصة "غيم كويترز" التي قالت إن ازدياد عدد اللاعبين من شأنه أن يزيد أيضا نسبة المدمنين لهذه الألعاب.

وترجع العريفي أسباب لجوء الأشخاص لهذه الألعاب وإدمانهم عليها لخمسة عوامل رئيسية هي:

"أولا: الشعور الذي تمده به الألعاب من نشوة والإحساس بالقوة والتحكم والذي قد يفتقده الشخص في الواقع".

"ثانيا: قد يكون هذا الشخص إن كان صغيرا أم بالغا خجولا أو يتعرض للتنمر أو العزلة في واقعه لأسباب مختلفة مما يجعله يفرغ طاقته في العالم الافتراضي ويصبح ذلك العالم واقعه".

"ثالثا: نجاح هذه الألعاب في تبديد الشعور بالوحدة والفراغ الذي قد يعاني منه كثير من الأشخاص، خاصة المراهقين". 

"رابعا: التحديث والتطوير المستمر والذي تقوم به شركات إنتاج الألعاب الإلكترونية والتسويق القوي لمنتجاتها مما يكون عامل إغراء وجذب قوي للمتلقي، بالإضافة لشعور بعض الأشخاص بحالة من الانتماء وروح الفريق لهذه الألعاب الإلكترونية وأن تطويرها جاء تلبية لرغباته وطلباته مما يزيده تعلقا بها". 

"خامسا: أهم مسبب لإدمان الألعاب الإلكترونية خاصة بالنسبة للأطفال والمراهقين هو التفكك الأسري أو إهمال الأسرة في التواصل مع أبنائهم ووضع الحدود والضوابط التي تساهم في الحد من إدمانهم ومنحهم الحرية المطلقة في استخدامها مما يجعل من الصعب السيطرة عليهم أو توقفهم عنها".

من جانبها، أوضحت الكيلاني أن "فكرة الإدمان نابعة من الفراغ"، وهو رأي كرره أيضا الدكتور بدر. وقالت الكيلاني إن المدمن لهذه الألعاب "يريد إنجاز شيء ليشعر أن لوجوده معنى وهدف وألعاب الفيديو تحقق هذا الشيء على اعتبار أن نتائجها سريعة".

وأضافت: "الفوز في ألعاب الفيديو سريع، حيث يحصل نوع من أنواع الخداع بالإنجاز والوصول والقتل وجمع المال وهذا ليس سوى شعور كاذب".

فوائد محتملة

ومع ذلك، لا يقتصر إدمان ألعاب الفيديو على الأطفال والمراهقين فقط، بل يتجاوز ذلك ليشمل البالغون أيضا.

وذكرت جمعية برمجيات الترفيه الأميركية في تقريرها عن الألعاب الإلكترونية لعام 2022 أن متوسط أعمار الأشخاص الذين يلعبون ألعاب الفيديو في الولايات المتحدة بلغ 33 عاما مما قد يجعل شريحة واسعة من البالغين عرضة لإدمانها، لا سيما أن متوسط ساعات اللعب الأسبوعية تبلغ 13 ساعة.

وبحسب الجمعية ذاتها، فإن 66 بالمئة من المواطنين الاميركيين يلعبون ألعاب الفيديو بصفة أسبوعية على الأقل.

وأفاد التقرير بأن 65 بالمئة من اللاعبين هم فوق 18 عاما، بينما يشكل الأطفال القصر ما نسبته 71 بالمئة من الأشخاص الذين يلعبون ألعابا إلكترونية في الولايات المتحدة.

في المقابل، يملك اللاعبون وجهة نظر مغايرة ويقولون إن هذه الألعاب تحقق لهم فائدة من خلال بناء مهارات جديدة وتعزيز طرق التواصل وعوائد اقتصادية.

ويعتقد 97 بالمئة من الأميركيين الذين يلعبون ألعاب الفيديو أنها "مفيدة بشكل ما"، فيما يرى 89 بالمئة منهم أنها "مفيدة لبناء المهارات"، بحسب تقرير جميعة برمجيات الترفيه الأميركية.

ولكن هناك خيطا رفيعا بين الممارسة المعقولة للألعاب الإلكترونية التي "من الممكن أن يكون لها جانب ترفيهي وتلعب دورا في تحسين جودة الحياة" حسبما قالت العريفي التي حذرت من "اعتمادها كسلوك روتيني في الحياة وعدم الاستغناء عنها بإعطائها مساحة كبيرة من الوقت".

ويحدد الدكتور بدر "فترة قصيرة (تمثل) نصف ساعة يوميا أو خلال عطلة نهاية الأسبوع فقط وهي التي قد تكون مفيدة وفقا لبعض الدراسات".

ووفقا جميعة برمجيات الترفيه الأميركية، فإن 93 بالمئة من اللاعبين في الولايات المتحدة يقولون إن ألعاب الفيديو تجلب لهم المرح، فيما يرى 91 بالمئة منهم أنها توفر "تحفيزا ذهنيا"، و89 بالمئة يعتقدون أنها تخفف التوتر، بينما يرى 81 بالمئة من هؤلاء الناس أن ألعاب الفيديو يمكن أن تلهم الناس، و73 بالمئة يقولون إنها تساعد في تعليم الأطفال كيفية الفوز والخسارة بطريقة صحية.

كيف نعالج إدمان ألعاب الفيديو؟

وفي حين قالت الكيلاني إن "العلاج يجب أن يكون بحسب درجة الإدمان"، يرى الدكتور بدر أنه يجب علاج أصل المشكلة لدى مدمن ألعاب الفيديو.

وأضاف استشاري الأمراض النفسية: "يجب معالجة أساس المشكلة أولا فمثلا إذا كان أساس الإدمان نفسيا يجب أن نذهب للمشكلة النفسية لعلاجها".

وقال إن "معالجة (مدمن الألعاب الإلكترونية) مثل أي حالة إدمان عادية ... العلاج النفسي أولا عبر جلسات مع اختصاصي وفي بعض الحالات يتم اللجوء للعلاج الدوائي".

وتتفق العريفي أيضا مع رأي بدر بقولها إن علاج الإدمان يتمثل في "حل المشكلة الأساسية" لدى الشخص المدمن وتوفير البدائل المفيدة لإبعاده عن الأجهزة مع ضرورة "تحديد مدة لعب معينة".

القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك أكثر الأمراض التي تصيب الأطفال. أرشيفية - تعبيرية
القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك أكثر الأمراض التي تصيب الأطفال. أرشيفية - تعبيرية

رصد تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، إصابة طفل من بين كل سبعة بأمراض ترتبط بالصحة العقلية.

وتحتفل المنظمة باليوم العالمي للصحة النفسية بالعاشر من أكتوبر من كل عام، بهدف التوعية بأهمية خدمات الدعم والصحة النفسية للأطفال والمراهقين.

وتشير البيانات إلى أن الأطفال والمراهقين الذي تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 19 عاما، يصاب بعضهم بأمراض مثل: القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك، وغيرها من أمراض الصحة العقلية.

وتظهر ثلث حالات الإصابة بأمراض الصحة العقلية لدى الأطفال قبل وصولهم لسن الـ 14، ونصفها يظهر قبل بلوغهم 18 عاما.

ودعا التقرير إلى أهمية العمل مبكرا لاكتشاف الحالات، بين الأطفال والمراهقين، من أجل توفير الدعم والاستفادة من إمكاناتهم بالطريقة المثلى.

وانتقد التقرير عدم إتاحة الوصول لخدمات الرعاية للصحة العقلية للعديد من هؤلاء، بسبب إما عدم توافر الخدمات أو أنها باهظة الثمن، أو الوصمة المجتمعية التي قد تلاحقهم، وتمنعهم من طلب المساعدة.

وحدد التقرير ضعف الرعاية للصحة العقلية لهذه الفئة خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

ديفورا كاستيل، مديرة الصحة العقلية في منظمة الصحة العالمية، قالت في بيان: "علينا اتخاذ إجراءات تضمن توفر التدخلات المناسبة لجميع الأعمار بأسعار معقولة".

وأضافت أن كل دولة بصرف النظر عن ظروفها "يمكنها أن تفعل شيئا لتحسين الصحة العقلية لأطفالها وشبابها والأسر بالمجمل".

ودعا التقرير إلى دعم الصحة العقلية للأطفال والمراهقين على اعتباره جهدا جماعيا.

الطبيبة، فوزية شفيق، من اليونيسف، قالت: "لا يمكن معالجة الصحة العقلية، ورفاهية الأطفال والمراهقين وأسرهم بشكل منفرد، إذ يتعين علينا دمج الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية في أنظمة دعم المجتمع لبناء شبكة كاملة من خدمات الصحة العقلية للشباب".

وأضافت "مسؤوليتنا الجماعية أن نعطي الأولوية للصحة العقلية للأطفال والمراهقين كجزء من الرفاهية الشاملة لهذه الفئة".

وانتقد التقرير ممارسة اعتبرها "انتقادا للحقوق الإنسانية"، وهي وضع ملايين الأطفال الذين يعانون من حالات الصحة العقلية في مؤسسات رغم وجود عائلاتهم.

ودعا إلى ضرورة التخلص التدريجي من الرعاية المؤسسية لصالح نوع من الخدمات الاجتماعية التي تسمح للأطفال بالنمو وسط عائلاتهم ومجتمعاتهم، مع ضمان الاستمرارية في تعليمهم وتطويرهم بشكل شامل.